وقفـة مع الرئيـس بشـار
وقفـة مع الرئيـس بشـار
د.خالد الأحمد *
نشرت صحيفة (شام برس ) الالكترونية يوم الاثنين ( 5/12 /2005) نص المقابلة التي أجراها التلفزيون الفرنسي3 مع الرئيس بشار الأسد ، ومما جاء فيها :
سؤال : سيدي الرئيس ، في عالم يزداد فيه التطرف الاسلامي قوة ، هل يشكل الاخوان المسلمون لكم تهديداً لسوريا ؟ كما هو الحال في مصر ؟ ....
الجواب : قال الرئيس بشار : في أكثر من دولة عربية هناك اخوان مسلمون ، وفي كل دولة لهم قيادات ، ولدينا علاقات مع جزء من هؤلاء ، مشكلتنا أو التهديد الذي يهدد سوريا هم جزء من هؤلاء الذي يؤمن بالعنف ، والذي قام بأعمال إرهاب في سوريا في السبعينات والثمانينات وأدى لمقتل الألاف من السوريين ، المشكلة ليست في التسمية ، المشكلة هي في الفكر الذي يحكم تلك المجموعات ، أي التطرف ، وسواء كان هذا التطرف اسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً أو كان تطرفاً اجتماعياً أو سياسياً ، فإن كل التطرف يؤدي إلى التدمير ....
التعليق والمناقشة :
1ـ لاوقت للتعليق على السؤال الذي يقطر دماً وكراهية ، ويهول ويحرف الحقائق كعادة الصليبيين والصهاينة .
2 ـ يقول الرئيس بشار :
أ ـ ( لدينا علاقات مع جزء من هؤلاء ) يقصد طبعاً علاقات مع الاخوان المسلمين الفلسطينيين والجزائريين والأردنيين واللبنانيين ، وهل تقيم علاقات مع متطرفين !!؟ أم أنك وأبوك أيضاً متأكد أن هؤلاء ( الاخوان المسلمون ) الذين تقيم معهم علاقات ليسوا متطرفين ، وإنما معتدلون ، بعيدون كل البعد عن التطرف . وهل يعقل أن يكون الإخوان المسلمون العرب الذين لكم علاقات معهم كلهم معتدلون ، وغير متطرفين ، والاخوان المسلمون السوريون فقط هم المتطرفون !!! طبعاً هذا لايقبله العقل والمنطق ، إذا عدنا للعمل بالعقل والمنطق . فالاخوان المسلمون كلهم ( سوريون ومصريون وأردنيون ..... ) ينهلون من كتاب الله وسنة رسوله r ، ويرشدهم ويوجههم التنظيم العالمي للاخوان المسلمين ... وهذا ياسيادة الرئيس اعتراف منك أن الاخوان المسلمين السوريين ليسوا متطرفين ... وهذا ما شهد به والدك ، وقد ذكرتك أكثر من مرة بشهادة والدك للإخوان المسلمين السوريين :
شــهادة حافظ الأســد للإخوان المسلمين السوريين
يقول فان دام في ص 142 ط 2 نقلاً عن إذاعة دمشق في (23 /3/1980 ) :
قال الرئيس حافظ الأسد :
( أريد أن أوضح أمراً يتعلق بحزب الإخوان المسلمين في سوريا ، الإخوان المسلمون في سوريا ليسوا جميعاً مع القتلة ، بل كثير منهم ، القسم الأكبر منهم ضد القتلـة ويـدين القتل ، وهذا القسم يرى أنه يجب أن يعمل من أجل الدين ورفع شأن الدين لا من أجل أي هدف آخر . هؤلاء أيها الشباب لا خلاف لنا معهم إطلاقاً ، بل نحن نشجعهم ، نحن نشجع كل امرئ يعمل من أجل الدين ومن أجل تعزيز القيم الدينية ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين ونحن لن نقصر بل لن نسمح لأحد أن يسبقنا في هذا المجال ) .
هذه شهادة والدك يا بشار للإخوان المسلمين ، والحق ماشهدت بـه الأعداء ، فهل يقرأ الرئيس الشاب بشار الأسد الذي كان في آخر عقد السبعينات تلميذا في الإعدادية ، هل يصدق ماقاله والده عن جماعة الإخوان المسلمين . هذه الجماعة التي يريد منها الآن أن تعتذر عن أعمال لـم تقـم بها ، ولم ترض عنها ، وقد أعلنت من يومها أنها لاتوافق عليها ( استنكرت حادثة مدرسة المدفعية في 16/6/1979) ونشرت ذلك في مجلة المجتمع الكويتية أحد أعداد شعبان عام (1399) .
إما إذا أراد الرئيس تعهداً من الجماعة تقول فيه أنها ضد أعمال العنف وأنها لم تفكر ولن تفكر في منهج العنف أبداً ، وأنها تستنكر أعمال العنف التي حصلت في سوريا خلال عقد السبعينات ، فهذا ـ حسب ظني ورأيي الشخصي ـ مطلب سـهل ، ولايحرج الجماعة ، لأن الجماعة قالته عشرات المرات ، وتقوله دائماً وأبداً ، وهو منهجها الأصلي .
مع العلم أن النظام مطالب أيضاً باعلام ذوي المفقودين عن مصير أبنائهم وعددهم قد يصل اثنين وعشرين ألف مفقود ، ومطالب أيضاً أن يشكل محاكم قضائية تحاكم زبانية الأمن على جرائمهم بحق الشعب السوري التي ارتكبوها في أقبية السجون ، من تعذيب وتنكيل لم تسمع به البشرية من قبل ، بل كان اختراعاً وابداعاً من أجهزة الأمن السورية فقط ، فاق ما يتصوره العقل البشري . [ حتى أن المخابرات الأمريكية تستعين بالضباط السوريين في التحقيق مع الشباب المسلم في غوانتانامو ] ، ومطالب أيضاً بالتعويض لعشرات الألوف ممن فقد معيلـه ، أو فقـد شبابه في السجن ، وخرج من السجن بعد ربع قرن عالة على أقربائه والمجتمع .
ويجب أن يعلم الرئيس بشار ـ إن لم يكن يعلم ـ أن النظام الذي قاده والده هو المسؤول عن أحداث العنف التي خربت سوريا في السبعينات والثمانينات ، وإن لم يصدق يشكل لجنة سورية عربية دولية تحقق في تلك الأحداث وتسمع من الشهود ، وتصدر حكماً محايداً يقيم تلك الفترة ، ويوضح من هو السبب الرئيس فيها .
ب ـ ويقول الرئيس بشار : ( مشكلتنا ...هم جزء من هؤلاء الذي يؤمن بالعنف ) :
هذا الجزء الذي تقصده ـ ياسيادة الرئيس ـ هم الطليعة المقاتلة ، وكلكم يعرف ذلك ، هم الذين دفعتموهم دفعاً إلى استخدام السلاح ضدكم للدفاع عن دمائهم ودينهم ، هؤلاء الطليعة المقاتلة استشهد معظمهم في المعركة معكم ، ومن بقي منهم تصالح معكم واستسلم لكم منذ أواخر الثمانينات ، وقليل منهم صار من رجالكم المقربين ،وصارت الطليعة المقاتلة حدثاً تاريخياً يعرفه المهتمون بالشأن السوري ، والذين يهمهم معرفة الحقيقة ...
واذكرك بما قاله اللواء علي دوبا في المفاوضات مع الاخوان المسلمين في ألمانيا (1987) كما ذكر ذلك أبو أنس البيانوني يحفظه الله في ( زيارة خاصة ) من الجزيرة ، قال اللواء دوبا : ( كانت معركتنا مع عشرات ونحن بأخطائنا جعلناها مع عشرات الألوف ) ...
أما أنا فلا أسميها أخطاء بل هي متعمدة ـ سامحني أن أكشف لك الحقيقة ـ هي متعمدة لأن والدك قال في مؤتمر حزبي منذ عام (1965) هؤلاء الاخوان المسلمون ومن يؤيدهم ويشكل احتياطياً لهم لاينفع معهم إلا الاستئصال .
ج ـ وأما قولك ـ ياسيادة الرئيس ـ ( فإن كل التطرف يؤدي إلى التدمير ) :
فهذا حق أوافقك عليه ، وأذكرك بالتطـرف الذي مارسـه النظام السوري ، والذي دمـر سوريا ، حتى وصلت إلى الحالة التي يقول عنها قائد سرب طيران اسرائيلي قبل بضعة أسابيع ـ كما نشرت الصحف العبرية ـ يقول نحن ندرب طيارينا الصغار الآن في الأجـواء السـورية ، ولا أحـد يسـألنا ماذا نفعل !!!! فقد خربت سوريا بسبب التطرف الذي مارسها النظام السوري ومن أمثلته على سبيل المثال لا الحصر :
1 ـ أن يكون ( 90 % ) من ضباط الجيش العربي السوري من المواطنين العلويين هذا تـطرف ، وقد ظهر للجميع بعد مجزرة مدرسة المدفعية التي كان فيها قرابة (300) طالب ضابط أن عدد الطلاب الضباط العلويين منهم قرابة (270) طالباً ... وهذا صار معروفاً وذكره نيقولاس فان دام بالأرقام في رسالته للدكتورة المشار لها سابقاً . أليس من التطرف أن يكون (90 % ) من ضباط الجيش من فئـة من المواطنين يشكلون (10 % ) فقط !!!؟؟ عندما نجعل ال (10 ) نجعلها90 أليس هذا تطرفا !!؟ وهل هناك أشد من هذا التطرف !!!!؟
2 ـ في حزيران (1980 ) قام عناصر من حرس والدك بمحاولة قتله ، فقام ( عمك ) كبير المجرمين رفعت بإرسال سرايا الدفاع بطائرات الهيلوكبتر إلى سجن تدمر ليفتحوا نيران أسلحتهم الرشاشة على السجناء ومعظمهم أو كلهم من الإخوان المسلمين ، فقتلت منهم قرابة ألف ، تم تحميلهم بسيارات ( الزيـل ) ودفنهم في مقبرة جماعية عند جبل ( عويمر ) قرب تدمر ، وبعضهم مازال على قيد الحياة ، هذا التطرف العجيب شهد به الجنود الذين أرسلوا لاغتيال مضر بدران رئيس الوزراء الأردني يومذاك ، وقد تحدثوا بهذه الاعترافات على شاشة التلفزيون الاردني وسجلت هذه الاعترافات في ذاكرة التاريخ ، وأتمنى أنك سمعت تلك الاعترافات .
كما شهد بها الصحفي السوري ( العلوي ) نزار نيوف يحفظه الله ، فقد كشف من جرائم النظام السوري العشرات ، وخاصة من المقابر الجماعية ، وشهد خلال فترة سجنه في تدمر وغيرها شهد التطـرف الذي مارسه النظام السوري ممثلاً بشياطين الأمن الذين دمـروا سوريا وأهلكوا الحرث والنسل ...
3 ـ وإحدى مآسي التطرف في حماة ، في يوم الجمعة ، من شهر شباط (1982) وقد انتهت المعركة مع مقاتلي الطليعة يرحمهم الله تعالى ، بعد أن تمكن جيشكم الباسل من القضاء على قرابة خمسين ألفاً من أهالي مدينة حماة ، من أجل القضاء على (300) عنصر من عناصر الطليعة المقاتلة ، وقد انتهت المعركة يوم الثلاثاء ، ومر يوم الأربعاء والخميس يومان هادئان على حماة ، كانت سحب الدخان مازالت تغطي مساحات من سماء المدينة وضواحيها ، ومازال بعض الجثث في الشوارع ( كما يقوا روبرت فيسك الذي دخل حماة في هذين اليومين ) وفي يوم الجمعة ذلك قامت المخابرات العسكرية بقيادة يحيى زيدان بجمع (1500) مواطن أولهم مفتي حماة الشيخ بشير مراد يرحمه الله ، ومعه عدد كبير من مدرسي التربية الاسلامية ، وأئمة المساجد ، والمؤذنين ، وعمال النظافة في المساجد ، ووصل العدد قرابة (1500) ، ثم قامت المخابرات العسكرية باطلاق النار عليهم ودفنهم في مقبرة جماعية بالقرب من قرية ( براق ) ... أليس هذا في غاية التطرف ، وهل يوجد في العالم تطرفاُ أشد من هذا !!!!؟
4 ـ هل قرأت شيئاً عن مجزرة سريحين ؟ وما أدراك ما مجزرة سريحين !!؟ إنها واحدة من عشرات المجازر التي قام بها الجيش ( العقائدي )في حماة ...
تقع قرية سريحين شرق مدينة حماة على بعد خمسة كيلو مترات فقط ، وفي منتصف هذا الطريق وقعت واحدة من أبشع مجازر حماة الجماعية ، التي لم تعرف التفصيلات الكثيرة عنها ، لأن القتل الجماعي استحر فيها ، وما نجا إلا قليلون كأصابع اليد ، قدر لهم أن يكونوا شهادة حية على ذبح أناس ملأوا إحدى عشرة شاحنة طوتهم الأرض الطهور في طريق سريحين ، يقول ( أبو حيان الحموي ) أحد الناجين من إحدى هذه المجازر :
كنت ضمن أعداد كبيرة ملأت إحدى عشرة شاحنة بازدحام شديد ، كدسنا فيها كالغنم ، حتى كادت تتقطع أنفاسنا ، وسيق بنا إلى سـريحين ، حيث أمرنا بالنزول فنزلنا ، وكان أول مارأينا مناظر تشيب لها الولدان ، مئات الأحذية المتناثرة على الأرض ، وأدرك الجميع أنها تعني مقتل مئات المواطنين من أبناء بلدتنا ، وأننا على الموت مقبلون .
فتشنا بعد ذلك ، وأخذت منا الأموال التي معنا ، وجردنا من ساعاتنا ، ثم أمرتنا عناصر السلطة بالتقدم نحو الخندق العميق الذي يمتد أمامنا إلى مسافة طويلة ، وأمر قـسم منا بالنزول إلى خندق مجاور ، وعرفنا الهدف وهو أن نموت في أسفل الخندق فتطمرنا الجرافات بالتراب ، وبعضنا بين الحياة والموت .
وعندما تقدمت إلى موقعي أمام الخندق ، رأيت الجثث المتراكمة على بعضها البعض ، يلطخها الدم الحار ، وكان مشهداً رهيباً لم أستطع تحمله فأغمضت عيني ، وتحاملت على نفسي خشية الوقوع على الأرض ، وانطلق لساني يردد سراً في قلبي شهادة أن لاإله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وصرت أتذكر بعض آيات من كتاب الله عزوجل أصبر بها نفسي .
وحدث ماكان متوقعاً ، انهال الرصاص الغزير علينا ، وهوى الجميع إلى الخنادق مضرجين بدمائهم ، أما القسم الذي أنزل إلى الخنادق فقد أطلقت عليهم النار داخله .
ويضيف الراوي أبو حيان الحموي الذي نجا بقدر الله :
كانت إصاباتي خفيفة ، ومن نعم الله عليّ أنهم لم يطمرونا بالتراب حالاً ، بل ذهبوا مسرعين ، لمهمة جديدة ، وتركونا نلفظ أنفاسنا في الأخدود ، وقدر الله لي أن أنجو بأن صبرت حتى خلا المكان من الجزارين ، وهربت متحاملاً على جراحي وأنقذني الله من ذلك المصير ، حيث يموت الجريح تحت الجثث الأخرى .
وبمعالجات بلدية ، قدر الله لي الشـفاء ، ولم أجرؤ على مراجعة المستشفى للعلاج ، لأن أزلام السلطة هناك يجهزون على كل من يتقدم ويطلب العلاج من المستشفى . كما فعلوا بالأستاذ فائز عاجوقة يرحمه الله ، الذي أصيب بعدة طلقات في مذبحة جنوب الملعب البلدي ، ولما أسعف إلأى المشفى الوطني للعلاج ، أجهز عليه هناك ، وقيل بقرت بطنه وأخرجت كبده يرحمه الله .
وقدر الله لي أن أعيش لاأرتجف كلما سمعت اسم سريحين ، ومازلت أصـر أن أتجنب المرور من ذلك الطريق ، لأنني أتصور أنني سيغمى عليّ لو مررت من ذلك المكان الذي شاهدت فيه الجثث ينزف منها الدم الحار في قاع الخندق .
وقد عرف من أسماء الشهداء في هذه المجزرة :
الشهيد ممدوح الوتار – الشهيد محمد علواني – الشهيد معن علواني – الشهيد محمد حلاق – الشهيد منير عدي – الشهيد عدنان زوزا – الشهيد عبد الغني ترو – الشهيد جبار عبد الغني ترو – الشهيد عبد الله خالد عدي – الشهيد منذ عثمان المصري . وكثيرون غيرهم . يرحمهم الله تعالى .
وأخيراً ـ معذرة سيدي الرئيس ـ وقتي لايسمح لي أن أقص عليك عشر المجازر التي قام بها الجيش العقائدي في سوريا ، وأتمنى أنك قرأتها في مواقع الانترنت السورية ، فقد نشر عنها الكثير .
وهذه أمثلة من التطرف الذي مارسه النظام السوري ، فأدى إلى تدمير الشعب السوري ، وأهلك الحرث والنسل ، واليوم يتوجه من بقي حياً من الشعب السوري إلى الله عزوجل أن يغير هذا النظام المستبد المتطرف ، بنظام وطني ائتلافي يمثل كافة شرائح الشعب السوري من يساريين وقوميين وبعثيين وعلويين واسلاميين وأكراد ، والله على كل شيء قدير .
* كاتب سوري في المنفى