احترموا عقولنا

صلاح حميدة

[email protected]

أثارت صحيفة هارتس الاسرائيلية زوبعة إعلامية، بإعلانها أن الساسة في الدولة العبرية قلقون من خطة فلسطينية أعلن عنها سابقاً، لإعلان الاستقلال بشكل منفرد بعد سنتين، ولم تلبث هارتس أن تنشر الخبر، حتى انتشر كالنار في الهشيم، وتسابقت وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية، لنشر تحليلات ومقالات تعمل على تصوير هذه الخطة وأنها جالبة الخلاص للشعب الفلسطيني، وأنه بمجرد انتهاء الفلسطينيين من " بناء مؤسسات الدولة" وإعلانها بعد سنتين، فستعترف بها دول العالم، وستنقلب الدولة العبرية صاغرة على عقبيها، أمام اعتراف العديد من دول العالم بهذه الدولة الفتية، وأشيع أنه يوجد اتفاق سري مع الادارة الامريكية للاعتراف بهذه الدولة!.

من الملاحظ أن الترويج لهذه الفكرة ليس وليد اللحظة، ولكنه استمرار لما بدأ به سابقاً، ولا أعتقد أن هذا الاعلان عن المشروع من صحيفة هارتس كان مصادفة، ولكن لهذا الاعلان وفي هذا التوقيت، وحجم التسليط والترويج الاعلامي له، ومحاولة تجنيد الرأي العام الفلسطيني والعربي خلف هذا المشروع، يأتي وفق تخطيط مسبق ودقيق، وفيه نوع من دغدغة العواطف للبسطاء وغير البسطاء، بقرب تحقيق ما يريدون.

تزامنت هذه الحملة الترويجية، مع إعلان أبومازن عن عدم رغبته في الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية، ودلل على عبثية مسار التفاوض مع الاحتلال منذ أوسلو وحتى اليوم، وهنا تأتي هذه الحملة لتقول للفلسطينيين أن الحل لا يكمن في الارتداد عن نهج أوسلو، والعودة إلى خيار المقاومة على اختلافها، ولكن الحل يكمن بأن يصبح كل الشعب الفلسطيني شعب " مهني" كما هي المؤسسات والهياكل الرسمية "مهنية" وأن نتيجة هذه " المهنية" ستكون دولة بعد سنتين من الآن، وهذا يتطلب حسن سلوك مع الاحتلال حتى ذلك الحين.

أما ما يطلق عليه بناء المؤسسات التي ستسير الدولة الموعودة، فهل الشعب الفلسطيني لا يملك هذه المؤسسات؟ فالمؤسسات الفلسطينية التي تدير الشأن الداخلي والخارجي، وما أكثرها، تستعصي على العد أحياناً، ولم أجد ما يمكن أن يكون ناقصاً، حتى ننتظر حتى عام2012م لنحظى بتلك الدولة التي لا نعلم أين ولا كيف ستكون، وبما أننا نحظى بالمؤسسات الحكومية كاملة، فلماذا لا نحظى بهذه الدولة الآن؟ ولماذا لا يعلن الاستقلال اليوم على سبيل المثال؟.

أما التوقيت بعد سنتين، فهل المطلوب أن يتم تجميد الحالة السياسية الفلسطينية على ما هي عليه لمدة سنتين؟ وبعد سنتين تقريباً، ستنتهي المدة القانونية لحكومة اليمين الاسرائيلي، ولرئاسة أوباما، وستكون الدولتان في أجواء انتخابية جديدة، وسيطلع علينا من يقول، لننتظر سنة أخرى حتى يرتبوا أوراقهم، وبعد سنتين، سيكون المشروع الاستيطاني التهويدي، قد أتم عمله في تهويد القدس القديمة والجديدة، وسيكون قد أتم تهويد الاغوار، وتهويد الضفة الغربية، فأين ستقوم هذه الدولة العتيدة، في ضوء الوعد بقيامها بعد عامين؟ وكيف ستكون جغرافيتها؟.

أما إعلان الاستقلال والاعتراف الدولي به ( تحل علينا في هذه الايام ذكرى إعلان الاستقلال)، ألم يعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات عن الاستقلال قبل ما يقارب العقدين؟ ألا توجد لدينا في أغلب أقطار العالم سفارات؟ وألا يوجد لدينا وثيقة استقلال؟ ألم ينتخب المجلس المركزي لمنظمة التحرير قبل فترة أبو مازن رئيساً لهذه الدولة؟ فما الذي أضافه وجود رئيس وسفارات ودولة على الورق؟.

لننتقل إلى مرحلة إعلان الاستقلال، ولنفترض أننا قمنا بعد سنتين من الآن بإعلان الاستقلال، وطالبنا العالم بالاعتراف مجدداً بهذا الاستقلال، فما الذي سيغيره ذلك على أرض الواقع؟ أول دولة ستعترف بدولتنا هي الدولة العبرية!!

دولتنا العتيدة ستكون في التجمعات السكانية الفلسطينية،دولة بلا قدس، دولة بلا عودة لاجئين، دولة تأخذ ما منحه لها الاحتلال، دولة فاقدة السيطرة على أرضها، وعلى مياهها، وعلى سمائها، وعلى معابرها، وعلى غذائها، وعلى أموالها، دولة يدخل الجندي الاسرائيلي يتمشى في حواريها وتطير طائرته في سمائها، ودولة لا تستطيع إدخال رغيف خبز لشعبها، باختصار، دولة مؤقتة، مهشمة، مقطعة، مثيرة للضحك، أرجوكم يا سادة إحترموا عقولنا.