الإخوان دعاة سـلام وهم ضد العنف دوماً
الإخوان دعاة سـلام وهم ضد العنف دوماً
د.خالد الأحمد *
كتب إبراهيم الأمين في السفير ( 15/11/2005) موضوعاً جاء فيه أن بشار الأسد مستعد للحوار والمصالحة مع المعارضة السورية بمافيها الإخوان المسلمين السوريين .
وجاء في المقال :
( ولكي لا يبقى كلامه عاما، يتحدث الاسد عن الاستعداد للتحاور مع الجميع بما في ذلك الاخوان المسلمين، ويقول: <<ليست لدينا حساسية تجاه القوى الاسلامية، وهناك قوى كثيرة ولها نفوذها الكبير في المنطقة مثل <<حزب الله>> و<<حماس>> وحتى جماعات الاخوان في بعض الدول العربية التي تربطنا بها علاقة جيدة، وسفيرنا حضر مؤخرا نشاطا للاخوان المسلمين في مصر، حتى اننا وجدنا اشياء ايجابية في اوراق الاخوان المسلمين في سوريا، وكل ما في الامر اننا نريد من هذه الجهة توضيحا يؤكد إدانة الاسلوب الدموي الذي لجأت اليه في الماضي ما يؤكد عدم العودة إليه، وخلاف ذلك ليس هناك مانع في اي علاقة مع هذا الفريق، وحتى ان هناك عائلات وأفرادا لكثيرين من الاخوان المسلمين وكانوا يعيشون في العراق قد عادوا الى سوريا ولا احد يتعاطى معهم بغير صفتهم كمواطنين. ويذهب الاسد الى ابعد من ذلك بعدم ممانعته في ان تقوم شخصيات عربية تربطها علاقة بالاخوان بالتواصل لاجل حسم مثل هذه المسائل. كما انه لا يمانع بل كلف القيادة الحزبية بان تفتح الباب امام كل الحوارات والمؤتمرات التي توفر مشاركة اوسع حشد سياسي من قوميين ويساريين واخرين في النقاش حول الوضع في سوريا وحول مستقبل سوريا. ويعتبر الاسد ان سوريا اليوم هي غير ما كانت عليه قبل فترة او قبل سنوات، وهو يعتقد ان الامور قابلة للتحسن اكثر فاكثر، ولكن له رأيه في وتيرة وسرعة الخطوات الاصلاحية الواجب اتخاذها. ) . انتهى كلام السفير .
تعليق على الخبر :
على فرض صحة الخبر فإنه مؤشر على تقدم النظام في سوريا نحو المصالحة الوطنية ، وتجاوز الخطوط الحمراء التي سبق للنظام أن وضعها لنفسه ، وفرضها على الآخرين ، وهذه بادرة ايجابية جداً ، وخطوة صحيحة نحو المصالحة الوطنية ، والوقوف في وجـه التحديات الخارجية :
والمطلوب قبل كل شيء إلغاء المرسوم ( 49 ) ، ليتمكن أفراد من الإخوان المسلمين المشاركة في مؤتمر وطني للمصالحة والحوار الوطني.
والمطلـوب ثانياً أن يفهم النظام موقف الإخـوان المسلمين منذ أن اسسوا في سوريا عام (1945) ومشاركتهم في العمل السياسي في المجالس النيابية خلال الخمسينات وبداية الستينات ، ومنهجهم في العمل الإعلامي ( أخرها صحيفة اللواء ) ، والتربوي ( مدارس ومخيمات ودروس دينية في المساجد ... ) والسياسي ( المشاركة في الانتخابات والمجالس النيابية ، والتحالف مع القوى الوطنية ، وأحياناً تحالفوا مع البعثيين في الخمسينات عندما شكلوا الكتلة الاشتراكية الاسلامية بقيادة الدكتور مصطفى السباعي يرحمه الله ).
ومن البدهي لكل من يستقرئ تاريخ الإخوان المسلمين في سوريا يجد أنهم بعيدون تماماً عن العنف والتطرف والطائفية ، والأمثلة لاتحصى ـ وقد ذكرت ذلك في مقالاتي السابقة ـ
وخلاصة ماجرى في السبعينات والثمانينات :
أن النظام دفع الشباب المسلم دفعاً ( ويقصد النظام ذلك ) ، دفعهم إلى حمل السلاح للدفاع عن دينهم ودمائهم وأعراضهم ، ويتضح ذلك من أحداث (مسجد السلطان 1964) وأحداث الدستور (1973) ، واحداث حماة بدءاً من (1975) ...
وقد حاولت جماعة الإخوان المسلمين كبح جماح الشباب ، وإلزامهم الصبر وتحمل الظلم الذي ينصب عليهم ، والجماعة ترى أن ذلك الصبر والتحمل أخف الضررين ، ولكن الشباب لم يسمعوا للجماعة ، وانشق مروان حديد مؤسس الطليعة المقاتلة عن الجماعة منذ (1968) تقريباً ، وبدأ يبني قواعد الطليعة المقاتلة بعيداً عن موافقة جماعة الإخوان المسلمين .
وقد وجد مروان يرحمه الله سهولة في جذب بعض شباب الإخوان الذين خالفوا قرار جماعتهم ومشوا مع مروان في منهجه العسكري ، ووجد سهولة كبيرة في جذب كثير من الشباب المسلم من خارج جماعة الإخوان المسلمين ، لأن النقمة ضد النظام كانت منتشرة لدى الشعب السوري . وهكذا بنى مروان وإخوانه من بعده الطليعة المقاتلة من بعض شباب الإخوان الصغار ، ومن الشباب المسلم من غير الإخوان ، ومن الشباب العادي جداً الذي دفعته النقمة على النظام للمشاركة في الطليعة المقاتلة .
واستمر الصراع بين قوى الأمن والجيش والطليعة المقاتلة ، والنظام يحمل الإخوان مسؤولية تلك الأحداث ومازال يحمل الجماعة هذه المسؤولية ... فمع تصريح وزير الداخلية عدنان دباغ في صيف (1979) حيث قال : اقتلوا الاخوان المسلمين أينما وجدتموهم ... وقام رفعت الأسد بقتل ألف من الإخوان في سجن تدمر حيث أطلق عليهم النار في زنازينهم في صيف (1980) ...
ووزير الداخلية ، ورفعت الأسد والرئيس بشار كأنهم لم يسمعوا خطاب الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي نقله فان دام في رسالته للدكتوراة حيث يقول :
شــهادة حافظ الأســد للإخوان المسلمين
يقول فان دام في ص 142 ط 2 نقلاً عن إذاعة دمشق في (23 /3/1980 ) :
قال الرئيس حافظ الأسد :
( أريد أن أوضح أمراً يتعلق بحزب الإخوان المسلمين في سوريا ، الإخوان المسلمون في سوريا ليسوا جميعاً مع القتلة ، بل كثير منهم ، القسم الأكبر منهم ضد القتلـة ويـدين القتل ، وهذا القسم يرى أنه يجب أن يعمل من أجل الدين ورفع شأن الدين لا من أجل أي هدف آخر . هؤلاء أيها الشباب لا خلاف لنا معهم إطلاقاً ، بل نحن نشجعهم ، نحن نشجع كل امرئ يعمل من أجل الدين ومن أجل تعزيز القيم الدينية ولهؤلاء الحق بل وعليهم واجب أن يقترحوا علينا وأن يطالبونا بكل ما من شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين ونحن لن نقصر بل لن نسمح لأحد أن يسبقنا في هذا المجال ) .
هذه شهادة والدك يا بشار للإخوان المسلمين ، والحق ماشهدت بـه الأعداء ، فهل يقرأ الرئيس الشاب بشار الأسد الذي كان في آخر عقد السبعينات تلميذا في الابتدائية ، هل يصدق ماقاله والده عن جماعة الإخوان المسلمين . هذه الجماعة التي يريد منها الآن أن تعتذر عن أعمال لـم تقـم بها ، ولم ترض عنها ، وقد أعلنت من يومها أنها لاتوافق عليها ( استنكرت حادثة مدرسة المدفعية في 16/6/1979) ونشرت ذلك في مجلة المجتمع الكويتية أحد أعداد شعبان عام (1399) .
إما إذا أراد الرئيس تعهداً من الجماعة تقول فيه أنها ضد أعمال العنف وأنها لم تفكر ولن تفكر في منهج العنف أبداً ، وأنها تستنكر أعمال العنف التي حصلت في سوريا خلال عقد السبعينات ، فهذا ـ حسب ظني ورأيي الشخصي ـ مطلب سـهل ، ولايحرج الجماعة ، لأن الجماعة قالته عشرات المرات ، وتقوله دائماً وأبداً ، وهو منهجها الأصلي .
مع العلم أن النظام مطالب أيضاً باعلام ذوي المفقودين عن مصير أبنائهم وعددهم قد يصل اثنين وعشرين ألف مفقود ، ومطالب أيضاً أن يشكل محاكم قضائية تحاكم زبانية الأمن على جرائمهم بحق الشعب السوري التي ارتكبوها في أقبية السجون ، من تعذيب وتنكيل لم تسمع به البشرية من قبل ، بل كان اختراعاً وابداعاً من أجهزة الأمن السورية فقط ، فاق ما يتصوره العقل البشري . ومطالب أيضاً بالتعويض لعشرات الألوف ممن فقد معيلـه ، أو فقـد شبابه في السجن ، وخرج من السجن بعد ربع قرن عالة على أقربائه والمجتمع .
ويجب أن يعلم الرئيس بشار ـ إن لم يكن يعلم ـ أن النظام الذي قاده والده هو المسؤول عن أحداث العنف التي خربت سوريا في السبعينات والثمانينات ، وإن لم يصدق يشكل لجنة سورية عربية دولية تحقق في تلك الأحداث وتسمع من الشهود ، وتصدر حكماً محايداً يقيم تلك الفترة ، ويوضح من هو السبب الرئيس فيها .
ونسأل الله عزوجل أن يوفق الجميع إلى مصلحة سوريا ، ورد الضغط الخارجي عنها ، وتجنيبها محنة العراق ، ونسأله تعالى أن يرفع الظلم والطغيان عن الشعب السوري وعن الشعب العراقي ، والله على كل شيء قدير .
* كاتب سوري في المنفى