فضائل التعزية عبر الصف
معمر حبار
البارحة، وبمجرد ماإنتهينا من مراسيم الدفن، ذكرت له مساوئ التعزية الفردية، التي ترهق وتتطلب وقتا وجهدا، بينما التعزية عبر الصفوف، لها من الحسنات والفضائل مايفوق الأولى.
يجيب بحسرة، كنا نعتمد على الصف، ونحن الذين حاربناه فيما بعد، ثم يتحسر ويندم على فعلته. وحين تسأله على فعلته وإمكانية تصحيح ذلك، يندم ويجيب فات الأوان، لأنه خلف من بعدهم خلف، أشد ضراواة وقساوة.
فانتقل الحديث بعدها، إلى فعل الإنسان الذي يقوم به، وما يترتب عليه على مدار السنين من حسنات تزداد رسوخا مع الزمن، ومساوئ تزداد حدتها، ويصعب مواجهتها، لأنه أمست من مظاهر المجتمع ، فيتطلب مواجهتها وقتا وجهدا وخسائر ، قد تفوق تلك السيئات الموروثة بحد ذاتها.
وإنطلاقا من هذه المقدمة، تطلب المقام التطرق لحسنات التعزية عبر الصف، ومساوئ التعزية الفردية.
كنا ونحن صغارا، بعد الانتهاء من عملية الدفن، يصطف أهل الميت، فتظهر عائلته للمشيعين، من خال وعم وأخ وأب وصهر، وكل من تربطه بالميت علاقة ورحم وصلة، فتتقوى أواصر المحبة، وتمتد لما بعد مراسيم التشييع، ويتم كل ذلك في ظرف دقائق معدودات، وفي جو كله سهولة ويسر، ثم يتفرق الجمع لشؤونهم اليومية، وقد أدوا واجب العزاء، داعين للميت بالمغفرة والرحمة، ولأهله بالثبات.
واليوم، ومع مساوىء التعزية الفردية التي تقام عقب دفن الميت، عمت الفوضى داخل المقابر، فكل يريد أن يسبق للتعزية على حساب الحي والميت، بالدوس على قبره،. والإسراع في الخروج من المقبرة، والتظاهر أمام المشيعين وأهل الميت، أنه الأول في السبق والأحسن في الفضل.
إن مساوىء التعزية الفردية، ترهق أهل الميت، لأنهم مجبرون أن يقفوا لمدة طويلة جدا، تحت حر الشمس وقر الشتاء، يبادلون الناس التعزية، وهم في حالة لاتسمح لهم باستقبال الأعداد الكبيرة المقبلة عليهم، وبما أنهم لايستطيعون إظهار تذمر، يتحملون العناء والشقاء، الذي يظهر في الإغماء ، خاصة حين يكون اليوم حارا.
لاأعرف حسنة واحدة للتعزية الفردية، وحين يعود المرء لسنوات الطفولة، ويقارنها بما رآه ويلمسه اليوم، يتعجب من التقهقر الذي وصل إليه الإنسان، وهو يترك فضائل التعزية عبر الصف إلى ما هو أسوء.
ليست من صلاحيات هذه الورقة، أن تعالج المسألة من الناحية الفقهية، لكن من صلاحياتها أن تسأل بشموخ، هل يوجد أفضل من تعزية الصف، في السرعة والأمان وحسن الأداء ، والتخفيف عن الناس، والتعارف المطلوب، وأداء حق الحي والميت معا، بسلاسة ويسر.
لماذا المجتمع، يترك ما أثبتته الأيام، أنه الأفضل والأحسن، وينتقل بمحض إرادته لما هو أسوء، ويضيف للأجيال الحالية والقادمة، كاهلا صعب الحمل، وخيم في عواقبه، كالتعزية الفردية، التي أفسدت أصل المجتمع، وطباعه الحسنة.