تركيا التي تؤدّبنا
جاسم الرصيف
نعم ! ..
تؤدّبنا تركيا مهما تفيقه محللو و( محرمو) المصالح الدولية والأقليمية التي عجنتها وخبزتها تركيا كما هو واضح قبلنا نحن العرب ، رغم فارق العدد ، من حيث يبلغ العرب خمسة أضعاف نفوس تركيا تقريبا ، وفارق العدّة من حيث نمتلك مالاتمتلكه تركيا من ثروات طبيعية ، وقد ( فاز بالّلذات من كان جسورا ) .
عندما أغضب الرئيس الإسرائيلي بأكاذيبه عن مجازر غزة أردوغان ، بالتزامن مع حضور عمرو موسى ، أمين جامعتنا ، رد ّ أردوغان الغضب بالغضب علنا ودون مؤاربة ، فيما أسكت بان كيمون عمرونا باشارة من يده ، وإستقبل أردوغان بطلا من أهله فيما عاد عمرو ( بخفّي ) كي مون !.
كانت مفارقة قومية بإمتياز ، مبكيها مضحك ، ومضحكها مازال يدوّي ّ ! .
وعندما أسقطت تركيا فرض ( تأشيرة الدخول ) بينها وبين سوريا أدّبتنا تركيا مرة أخرى على جملة من الصفعات :
أولها : أنها سجلت لنفسها سبقا تأريخيا ــ على حدّ علمي المتواضع ــ في أنها الدولة غير العربية الأولى في التأريخ التي تمنح العرب السوريين ثقة توازي ثقتها بمواطنيها ، فيما تشدّد الدول العربية على المواطنين العرب من غير مواطنيها في دخول أراضيها وكأنهم من الخارجين توّا من مصحات مجانين أو سجون مجرمين ، مع أن الدول العربية كلّها كانت أراض لم تعرف شارة الدخول حتى دخلت الإستعمارات البريطانية والفرنسية والأسبانية والأيطالية ومؤخرا الأمريكية .
والمفارقة في سمات الدخول الى ( جنّاتنا ) العربية أنها تمنح فورا لمواطني الدول التي إستعمرتنا وبدون تلكؤ كأن القادم من هناك هابط من سماوات مقدسة نحو أراض تتلهّف ( لرحمة ) المستعمر القديم الجديد ، فيما يعامل العربي كشحّاذ ، أو لص ، أومشروع إرهابي طامع ( بجنّة الأشقاء العرب ) !! .
ذل وتذلّل مضحك لايبكي على من إرتضاه طبعا وطبعا .
ثانيها : تزامن الإجراء التركي السوري مع فبركة المضبعة الخضراء في بغداد لأكذوبة مسؤولية سوريا عن تفجيرات شهر آب الماضي ، وهنا المضحك المبكي حقا ، على جملة من حقائق التأريخ التي لحستها كل الدول العربية وخاصة دول الجوار العربي :
* مامن دولة على وجه الأرض تحتفظ بقدسية لمن ينتهك أمنها ، ولايختلف مجنونان على ذلك ، وإزاء حقيقة أن نجوم المضبعة الخضراء سجّلوا لأنفسهم بأنفسهم سابقة إنتهاك أمن بلدهم بالتعاون مع قوات إحتلال أجنبية فقد أسقطوا أية ( قدسية ) لأمنهم كعملاء دخلوا تأريخ الشرق الأوسط من أوسع أبوابه في مستهل هذا القرن ، ومن ثم ماعاد لهم حق الأمن قطعا سواء في العراق أو خارجه بالرجوع الى ما إرتكبوه بحق أبناء بلدهم أولا وبحق دول الجوار التي تضعضع أمنها مذ جاءوا على دبابات غزو أجنبي .
بمعنى آخر هم أخطر على سوريا وعلى تركيا من كل الإرهابيين في الشرق الأوسط حتى لو كفلتهم أميركا وأيران وإسرائيل وكل الدول المعنية بالشرق الأوسط ،، وكأن الحرامي عندما يستقوي على صاحب البيت يوقظه من النوم لإعانته على حمل ماسرق ! ..
في منطق الشقلوب المقلوب من حاضرة الفوضى الخلاّقة : صارت سوريا المتهمة والمضبعة الخضراء .. ضحية ! .
* الساقطون من قدسية أمن العراق مازالوا يخدعون أنفسهم ، على الظن بأنهم يخدعون الناس ، في تصور أنهم محاطين ب ( قدسية ما ).. وكأن التأريخ الإنساني قد إنقلب على نفسه فصار يعدّ العميل وطنيا والوطني إرهابيا ، لذا نراهم يتحدثون مع دول الجوار وغيرها عن ( وطنية ) لاوجود لها وعن أمن لاحق لهم به ليس على مدى أيام أو أشهر حسب بل وعلى مدى عقود وحتى آخر من يموت منهم .
والمصيبة أن دول الجوار : عربية وغير عربية تمنحهم ودون وجه حق ( حقا ) لايستحقونه قدرما يستحقون القبض عليهم وتسليمهم للشعب العراق المحتل ، بل وأن سوريا نفسها التي سبق وأن آوت جلال الطالباني ونوري المالكي وغيرهما أغمضت عيونها قوميا وإنسانيا ودينيا عن حقيقة أنها تتعامل مع جواسيس لأجانب جاءوا لتهديم الأمن السوري بعد العراقي ، ومازالوا يخططون ويفعلون في ذات الإتجاه !.
وهذا مايبكينا من سوريا التي حازت رضا تركيا عنها وعن أهلنا السوريين ولكنها خسرت بعضنا من خلال وجود سفارة سورية في بغداد الرشيد المحتلة .
* تركيا بموافقتها على إلغاء شارة الدخول ليست ( غشيمة ) ولاجاهلة ، ولو لم تصل الى يقين بأن دخول السوريين اليها لن يكون مثار مشاكل على أمنها القومي لما ألغت سمة الدخول ، إزاء إستقتال المضبعة الخضراء ( العراقية ) التي لاتمتلك دليلا واحدا ضد سوريا على شكواها لمجلس الأمن الدولي بل والتشكيك بكل ما هو سوري وحتى بكل من يقيم في سوريا .
ومن كل هذا.. تبقى تركيا في موقف المعلّم للعرب في هذه الأيام لأننا فقدنا المعلّمين مذ إستقبلنا جواسيس علنيين على بسط عربية حمراء .