وما زلنا مع داعش.. وعوامل استمرارها...

عقاب يحيى

"مقال "

كثيرون من رؤساء ومسؤولي الغرب باتوا فقهاء إسلاميين، ومفاتي على شاكلة الرؤساء والملوك والأمراغء وتابعيهم عندنا بحيث لا يخلو خطاب، أو تصريح، أو مؤتمر صحفي لهم من " الإشادة" بالإسلام" الصحيح"، والتفريق بينه وبين..إسلام داعش.. وأنه ـ الإسلام ـ دين المحبة والتسامح ثم الهجوم على الدواعش بكل الأوصاف.. وداعش تقدّم لهم المادة الدسمة بسلوكها.. خاصة ذبح رهائن بتلك الطريقة المرعبة، الهمجية.. وكأنها تستدعي حقدهم، ومزيد تحريضهم....بينما يكبر الحقد ضد المسلمين في الرأي العام العالمي نتيجة مثل تلك التصرفات التي يوظفونها جيداً، والتي توجد مؤسسات مختصة في التضخيم والنشر والتحشيد لتأليب العالم، والمواطن العادي ضد العرب والمسلمين ..

*****

ـ لكن، وداعش حديث الساعة، وداعش باتت كابوس الكوابيس، وعقدة العقد، وبؤرة "حرب عالمية شاملة"..نسألهم ونكرر : من أوجد داعش بالأصل؟؟...ومن حماها وسلهحا وسكت على تناميها؟.. ومن يمنحها كل يوم مزيد الوقود من شبابنا المتفجر حقداً على الظلاّم والظلم، والإهانة، وسحق الحقوق ؟؟...

ـ زمان...وفي صراعهم ضد الشيوعية أوجدوا ما يعرف ب"الصحوة الإسلامية" التي امدّوها بكثير الدعم متعدد الأشكال، وحقنوا الإسلام السياسي بمزيد التعبئات ضد الآخر المختلف لمزيد من الخَندقة والاحتراب، وتنصّبت بعض الدول الخليجية قيادة العمل ضد المشروع النهضوي : بأسسه وحداثيته، وأحادية المعبّرين عنه، وفجواته لإسقاطه من داخله وعبر ماعرف بأنظمة الردّة خاصة في مصر وسورية، وبقوى الرجعة والتسوية السياسية "التاريخية" مع الأعداء الأساسيين، خاصة الصهيونية وكيانها الاغتصابي..

ـ وحين غزا الاتحاد السوفييت أفغانستان ووقع الفأس في الراس...قادت الولايات المتحدة "حرب التحرير المقدّسة" استناداً إلى رايات إسلامية كانت القاعدة وفكرها أحد أهم العناوين.. وكان الدعم الخليجي بالمال والسلاح والرجال أبرز مظاهر تلك الحرب التي أسهمت ـ إلى جانب عوامل أخرى ـ في هزيمة وتقويض الاتحاد السوفييتي لينقلب الأمر عليهم وقد باتت"القاعدة" قوة عالمية مزودة بالخبرات والقدرات، والأرضـ والرضيد الكبير، وتملك وسائل تقنية مهمة في مجالات حيوية..

*****

عوامل ثلاث متضافرة وقفت وتقف خلف هذا النمو، وظاهرة التشدد، وبما يعني أن جميع طائرات الدنيا، ووسائل السلاح المتطور، وأي احتشاد، وأي حلف لن يستطيع أن يقضي على الظاهرة طالما ظلّت مقوماتها موجودة، وتتجدد يومياً..

ـ لن نقف طويلاً في بنى التخلف ودورها. في احتقان الحالة العربية والإسلامية منذ قرون. في إيقاف عملية الاجتها والإبداع وثرهما، وفي الانتقال من الفاعل إلى ردّ الفعل على مسافة قرون بحالها. في الاستعمار وكلكله وآثاره وافعاله وقصقصاته، وجراحاته، ونهبه الشامل، وسياسته الإبادية لكل مقومات الأمة الرئيسة..لأن ذلك يحتاج البحث الطويل، ولأنه يقع في خلفية "المشاهد" العربية منذ عقود، وفي سلسلة الهزائم والارتكاسات وخيانة مشروع النهوض والتوحيد والاستقلال..

ـ فإلى جانب هذا العامل ـ البنيوي ـ المتشعب . الموضوعي والذاتي المتداخل بشراسة وكثير التعقيد، وموقع الدين الإسلامي غير المفهوم لدى جلّ الحركات السياسية التي قامت، والمتصفة بقشرة علمانية خارجية، وانتهازية، وسطحية،متأوربة، ومتغرّبة، واختلاطية أيضاً، وغياب واغتيال الديمقراطية والحريات العامة والفردية.. يتحمل النظام العربي مسؤولية أساس في إيجاد، وتوليف، ونمو الأرضية والمناخات المناسبة لكل أشكال التطرف، وحالات الانفجار التي تبدّت في تلك الحركات الأقرب للانتحارية : حين تسدّ جميع المنافذ، وحين تمارس تلك النظم كافة اشكال اغتصاب الكرامة والشرف والحقوق والإباء وموقع الإنسان ودوره، وتفرض عليه الخيار بين الخنوع والخنوع، او في الثورات الزلزال التي جاءت ردّاً على الاحتقان الطويل، وعلى ذلك الخزين من فعل آبق مورس على الشعب عقوداً، وفي عناق العاملين حين يشتدّ الأوار وتآمر وعنف تلك النظم ضد مطالب عادية للشعوب العربية..فتجد في الدين، والإيمان، والعقيدة : الزاد، والمحفّز، والملجأً، والرد.. ويصير الانتقال من الاعتدال والوسطية إلى التطرف تحصيل حاصل تلك المفاعيل، ورداً مباشراً على جرائم موصوفة بالتخطيط، والفئوية، والإبادة المنظمة..

 وحين يرتبط هذا الوضع بانهيار النظام العربي، وخلو الأمة ـ عبر حكامها ـ من اي مشروع يخصها، يكون حصن دفاعها في مواجهة مشاريع الآخرين، وبديلها، وإطارها العام لتجميع الشعوب حوله..

 وحين يخضع هذا النظام لأوامر الأجنبي : المعادي فيتخلى عن فلسطين وموقعها وأثرها، ويتآمر على العراق لضربه وتحطيمه، ويقابل المشروع الإيراني القومي الراكب على شعارات دينية ومذهبية بترقيعات متشددة، أو برفع رايات طائفية مقابلة...ماذا يكون ردّ فعل المواطن العادي الذي فاض كأسه؟؟....

ـ وهناك العامل الكبير الخاص بمواقف الدول الغربية من القضايا العربية على مسافات الزمن، وخاصة من القفضية الفلسطينية، وذلك التحالف العضوي مع الكيان الصهيوني. ذلك التآمر المفضوح على غرادة الأمة بالتحرر والتوحيد. ذلك الفعل الجرمي الموصوف لضرب، او تقويض قواها الحيّة ومناصرة أعتى قوى التخلف والفاشية فيها.. وقصص كثيرة طافحة تضرب مصداقية جميع شعارات حقوق الإنسان، والمناداة بالديمقراطية، أو بمناصرة الثورات العربية.. وكان المثل السوري الفاضح، والمعرّي.. والجرح الذي جعلوه نازفاً حتى شلالات الدماء.. وحتى وصول الحالة السورية لمأساة العصر..

*****

ورغم أن المقال يضطرنا للاختصار الكبير.. لكن السؤال الدائم : كيف يمكن إيقاف، وإنهاء افكار وقوى التطرف ما لم تعالج أسبابها؟....وما لم تنتصر ثورات الحرية فتقوم دول الحق والعدل والمساواة ؟..وطالما فلسطين تقزّم، وتؤكل، ويباد شعبها، وإسرائيل تمارس كل أنواع الإرهاب دون حسيب، أو إدانة ـ بالحد الأدنى؟...

كيف يمكن لداعش وأخواتها أن تتوقف عن تجنيد شباب ساخط.. ما لم يُسقط النظام السوري المجرم، واشقائه.. أمثاله.. ويصبح الشعب في موقع المشارك؟...