حول جولة كيري في الشرق الأوسط لتشكيل التحالف ضد "داعش"

حول جولة كيري في الشرق الأوسط

لتشكيل التحالف ضد "داعش"

حمزة الإدلبي

بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري جولته الشرق أوسطية يوم أول من أمس الثلاثاء بهدف تشكيل تحالف دولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في سورية والعراق بالتعاون مع 40 دولة مساهمة في هذا الجهد. وقد شهدنا منذ شهر تقريباً توجيه 145 ضربة جوية ضد تنظيم الدولة في العراق يأتي ذلك بعد سيطرة تنظيم الدولة على سد الموصل.

التدخل العسكري

إن تحرك أمريكا لإتخاذ قرار التدخل العسكري أمام تنظيم الدولة أتى بعد ذبح التنظيم للصحفييَن جيمس فولي وجويل سوتلوف وانتقل أوباما من مرحلة الخطاب وفرض الاحتمالات تجاه التدخل العسكري إلى أن بدأ بالتحرك الفعلي وبدأ الضربات في شمال العراق. حيث إن موقف أوباما أمام الرأي العام الأمريكي لم يكن يحسد عليه وذلك ما دفعه إلى التدخل عسكرياً.

وقد ذكر أوباما في بيان للبيت الأبيض مساء الأربعاء أن الحرب على تنظيم الدولة يختلف عن الحروب السابقة، وبأنه لن يقوم بنشر قوات قتالية أمريكية على أراض أجنبية، وهذا يبدي تصوراً بأنه لو أراد محاربة تنظيم الدولة على الأرض فإن المقاتلين لن يكونوا من جيشه بمعنى أنه سيدعو دول التحالف لإنزال قواتهم البشرية، وفي حال أراد الاكتفاء بالضرب الجوي فإن ذلك سيحد من تمدد التنظيم ولكن بالطبع لن يقوم باستئصاله أو تدميره أو إنهاءه.

وما يثير التساؤل هنا أن الإدارة الأمريكية قد أبعدت نفسها عن التدخل العسكري طوال فترة الأربعة أعوام الماضية في سوريا واكتفت بالدور الخطابي والتنديد والتهديد، بالرغم من المعاناة التي يتعرض لها الشعب السوري من قبل الأسد الذي قتلت قواته ما يزيد على مائتي ألف سوري، وتدمير الأحياء المدنية، ودور العبادة، وتهجير السوريين وتشريدهم، إضافة إلى استخدام السلاح الكيماوي رغم استخدام أوباما لخطوطه الملونة. كما أنها لم تتحرك تجاه جرائم المالكي خلال سنوات حكمه، من قتل وإبادات جماعية، وسجن تعسفي وتعذيب وتهجير ضد أهم مكونات الشعب العراقي.

فما الذي جعل أمريكا تسكت عن جرائم الأسد والمالكي طوال الفترة الماضية؟؟ وتسكت عن تمدد تنظيم الدولة وازدياد قوته في سوريا والعراق؟؟.

إن أكثر من يستفيد مما يحدث الآن من الاضطرابات التي تجري حول تنظيم الدولة هم إيران والأسد الذين اتخذوها فرصة لغض الطرف عن جرائمهم في سوريا والعراق، ومحاولة خروجهم من منحى استخدام العنف والإرهاب وذلك عن طريق تعليق أفعالهم على شماعة تنظيم الدولة الإرهابي الذي يحاربوه، عدا عن الأكراد الذين يحققون حلم الاستقلال في العراق بعد أن تم تقديم الأسلحة من قبل الدول المتقدمة وبشكل علني تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة الذي أصبح يهدد مصالح الدول الغربية.

الموقف العربي

يذكرنا هذا التحالف الذي يسعى أوباما لتشكيله ضد تنظيم الدولة الإسلامية بالتحالف الثلاثيني الذي شن الحرب ضد العراق سنة 1991 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحت حجج أثبتت الأيام أنها كانت كاذبة، لكن الحرب حققت مصالح أمريكا وإسرائيل وصبّت نتائجها في صالح الغرب بكامله، فإسرائيل زادت قوتها ووضعت العرب في حلقة مفرعة اسمها عملية السلام استمرت أكثر من 20 عاماً وهي تستولي على الأراضي وترفض قيام دولة فلسطينية وتستمر في سياساتها الاستيطانية والتهويدية، أما إيران فأصبحت دولة نووية، ولم يحصد العرب من هذا التحالف سوى الذل والمهانة واستمرار التراجع، ويمكن رؤية الولايات المتحدة الأمريكية وهو تكرر المشهد الآن مع التحالف ضد تنظيم الدولة، حيث أصبح تدمير التنظيم هو الهدف المنشود للجميع مع تهميش وجود الأسد، والإعلان إعلامياً عن عدم التعاون معه في الحرب على تنظيم الدولة الذي لا يقل وحشيته عن ممارسات الأول، وبقاء الأسد يعني بقاء القتل والتدمير والتشريد، الحل ليس بالقضاء على التنظيم فقط. بل على رأس الأفعى الذي أوجد وساعد هذه التنظيم في التمدد والانتشار.

لقد رحبت الجامعة العربية بالتحالف وأبدت حماسها في مواجهة التنظيم فور إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن عزمها على محاربته، وإظهاراً على أن الجامعة لا تتأخر عن القيام بأي دور يسعى لمحاربة الإرهاب. بعد أن تناست جرائم الأسد الشنيعة التي ارتكبها في سوريا بل واستمرت بغض الطرف عما يحدث في سوريا طوال السنين الأربع الماضية، كما انها لم تتحرك إزاء التجاوزات التي مارسها تنظيم الدولة منذ دخوله سوريا، من ذبح وجلد وقتل وتجنيد للأطفال، وسبي للنساء وبيعهن، ولم تشعر بخطره إلا بعد أن أشعرها بذلك أوباما.

تنظيم "الدولة الإسلامية"

لا تظهر على قيادات تنظيم الدولة وخطاباتهم المخاوف من بدء التدخل العسكري ضدهم، حيث كانت انتصاراتهم الأخيرة في العراق وسوريا وأسرهم لصحفيين أمريكيين كفيلة بأن تبعث فيهم الثقة بأن لهم القدرة على مواجهة جميع من يقف في طريق دولتهم. ولكن قام التنظيم باتخاذ بعض الإجراءات التي يسعى من خلالها لكسب تأييد شعبي وزيادة عدد مقاتليه، ومن ذلك ما صدر عن اللجنة العامة في التنظيم بقرار منع عناصره من نشر مشاهد الذبح وقطع الرؤوس التي يقوم بها جنودهم إلا بإذن مسبق من اللجنة، وسيحاسب كل من يخالف هذا القرار.

ومن المعقول جداً أن نلاحظ تغييرات في سياسة تنظيم الدولة قريباً وقد يكون منها الحدّ من تكفير معارضيهم وحتى نشر محاسنهم المصطنعة في أماكن سيطرتهم للسعي وراء تحسين الصورة الذهنية التي وجدت عند الجميع جراء الطريقة الوحشية التي يقومون بها.

لا يزال الأمر غامضاً تجاه التحالف الدولي لضرب تنظيم الدولة، حيث لا تبدو مطامح أمريكا من تشكيل هذا التحالف، ومساعيه، وأهدافه، وهل سيكون تأثيره على الأسد ونظامه والمنطقة العربية سلباً أم إيجاباً..!!