ماذا تعرف عن حافظ الأسـد

ماذا تعرف عن حافظ الأسـد ([1])!!؟

د.خالد الأحمد *

جده سليمان ، سليمان الوحش ، وقد منح هذا اللقب بعد أن تغلب على المصارع التركي ، ولم نعرف له لقباً قبل لقب الوحش الذي منحه إياه المتفرجون حول حلبة المصارعة([2]).

وأستنتج من هذا الخبر أنه كان وافداً على المنطقة ، ولم يكن معروفاً لدى الجمهور ، لذلك لم يعرفوا له لقباً ، فلقبوه ب (الوحش ) لأنه كان قوي البنية جداً ، حتى غلب ذلك المصارع التركي الذي لم يكن يقهر قبل ذلك . وعجبي من (باترك سيل )  كيف فاته أن العرب يعتزون بأنسابهم ؛ فلم يذكر لنا سليمان  مَن ، وابن مَن ..!!؟

  وسكن سليمان الوحش عند مدخل القرداحة ، وكان معروفاً أنه ليس من أهل القرداحة ، وسميت أسـرته ببيت (الحسنة )  أي الصدقة ، لأن أهل القرداحة كانوا يتصدقون عليهم ، لأنهم أفقر سكان القرية ، حيث لا أرض لهم ([3]).

( وكان سليمان رجلاً ذا قوة وبسالة خارقتين ، وقد أكسبته هاتان الصفتان في القرية مكانـة جعلته وأسرته في مصاف الأسـر القويـة البارزة ، وبمـرور الزمن أصبح يمارس السـلطة التي كسبها بقوتـه الجسديـة ، فصار ( وسـيطاً ) للمصالحـة بين المتخاصمين ) ([4]) .

علي سـليمـان الأســد :

ورث علي سليمان المولود عام (1875م) ؛ كثيراً من صفات أبيه ، فكان قوياً وشجاعاً ، واستمرت مكانته كوسيط لفض المنازعات ، وساعد اللاجئين الأرمن المعدمين الذين انتشروا إلى الجنوب بأعداد كبيرة عندما سلمت فرنسا اسكندرون لتركيا .

وصار عنده عدة حقول لأن الأرض يومذاك لمن يصلحها ، فيرفع الحجارة ويمهد سطحها ويزرعها ، وساعدته قوتـه الجسدية ، وساعده في ذلك أخوه (عزيز ) وأخواته ( جنينة ، وغالية ، وسعدى ) ، والمرأة في الريف السوري يومذاك تعمل كالرجل .

تزوج  علي سليمان مرتين أنجب من الأولى ثلاثة أولاد وبنتين ، ثم أنجب من الثانية خمسة أولاد وبنت واحدة . وكانت الثانية (ناعسة ) تصغره بعشرين عاماً . واستطاع علي سليمان أن يتحول من فلاح بسيط إلى أحد الوجهاء ، وكافأه أهل القرداحة بأن طلبوا منه تغيير اللقب من الوحش إلى الأسـد  في عام (1927) . كان علي سليمان الأسد من القلة المتعلمة (!!!) وكان مشتركاً في جريدة تصل إليه متأخرة عدة أيـام ، فكان الرجل الوحيد في القرداحة الذي تابع أخبار الحرب العالمية الثانية في مدها وجزرها محدداً بدقـة أماكن المعارك على خريطة جدارية (!!!) في الغرفة التي كان حافظ ينام فيها وهو صبي . وكان علي يحترم التعليم والكتب( [5])، وصمم على أن يتيح لأبنائه الصغار فرصة التحصيل الثقافي ، إذ أن أولاده الثمانيـة الأول لم يحصلوا على أي تعليم يذكر لعدم وجوده في القرداحة يومذاك. 

حـافظ علي سـليمان الأسـد :

ولد حافظ في (6 /11/1930) ، وهو الولد الرابع لأبيـه [6]، والثالث لأمـه ، وكان أبوه في الخامسة والخمسين من عمره ، أما أمـه فكانت في الخامسة والثلاثين ، وعاش حافظ في صخب عائلة كبيرة ، فلم يكن تاسع أولاد علي سليمان فحسب ، بل إن عمـه (عزيز ) كان يعيش بجوارهم على الطريق ([7]) . ومعـه أولاده السبعة ، كما أن إخوته الخمسة الأوائل غير الأشقاء الذين ولدوا قبل الحرب العالمية الأولى ، فقد كانوا بمثابة الأعمام والعمات بسبب فارق السن ، وكان أولادهم المتكاثرون يضيفون وجوهاُ جديدة لعائلة الأسد المتنامية ([8]).

عمل حافظ في طفولته في القرية وساعد في إرواء المحاصيل أو قطف الفواكه ، وفاته سنتان من سن التعليم حيث لم تكن في القرداحة أية مدرسـة .

وفي الثلاثينات أدخل الفرنسيون التعليم إلى القرى النائية للمرة الأولى ([9]) ، وفتحت ابتدائية في القرداحة  ، وتمكن علي سليمان من إدخال أولاده حافظ وجميل ورفعت فيها ، لأن  علي صار من وجهاء القرية . ويبدو أن هذه المدرسة كانت تدرس الصفوف الثلاثة الأولى فقط ، لذلك أرسل حافظ إلى اللاذقية في العام الدراسي (1939 ـ1940) للدراسـة  ، عاش مع أخته المتزوجـة ثلاثـة شـهور ، ولما نقل زوجها ، اسـتأجر له أبوه غرفـة في منزل متواضع لأحد معارفـه ، وفي ذلك الحين كان ثلاثة أرباع سكان اللاذقية من السـنة ، والربع الباقي من المسيحيين ، وكان عدد العلويين لايتجاوز بضع مئات ، وهذه المـدة جعلته يكبر بسرعة ويعتمد على نفسـه .

عاد حافظ وأكمل دراسته في القرية حتى حصل على الابتدائية عام (1942م) ، وكان معه ثلاثة من القرداحة فقط ، ولم تكن سوى ثانوية واحدة في الساحل السوري كله ، وكان دخولها بشق الأنفس ، ولايدخلها إلا الطلاب المهرة مثل حافظ الذي كان متفوقاً في المدرسـة .

( لقد ورث حافظ تراثاً هاماً عن جده وأبيه ، فقد ولد في عائلة كانت تعمل جاهدة لتحسين أحوالها ، على الرغم من أن عشيرتهم كانت أصغر وأفقر من غيرها كانوا يغتنمون كل فرصة من أجل تحسين مكانتهم ) ([10]) .

ولما كان حافظ في الخامسة والعشرين ، كان والده في الثمانين ، لذا أخذ حافظ على عاتقه بعض المسؤوليات العائلية ومنها مساعدة والدته في تربية أخوية الصغيرين (جميل ورفعت ) ، وهكذا صار جميل ورفعت ينظران لحافظ كالوالد الصارم المطاع الذي أخذا يطلبان موافقته ، ولكنهما كانا يحبان أن يتحديـا سلطته ،  وكان حافظ أول فرد من العائلة يخلف عالم القرداحة وراء ظهره ، وخرج إلى معترك الحياة .

دخلت الحامية الفرنسية اللاذقية في (6/11/1918) أي بعد شهر من رحيل العثمانيين ، أما المناطق الداخلية فلم تدخلها إلا بعد سنتين كاملتين ، وفي هذا مؤشر واضح على اهتمام فرنسا بالأقليات عامة وبالعلويين خاصة ، ولاغرابة في ذلك فقد عرفت فرنسا أن الأتراك كانوا قاسين في تعاملهم مع العلويين ، وهذا يجعلها تتصرف ليكون العلويون أنصاراً لها ، ويساعدونه في حكم البلاد .وكانت إحدى أدوات الإغراء الفرنسية الكبرى تجنيد شباب العلويين في قوات المشرق الخاصة ، وهي قوة محلية أنشأت عام (1921) تحت إمرة ضباط فرنسيين ليخدم فيها العلويون والشركس والأرمن ، ووصل عدد المجندين إلى (14000) في منتصف الثلاثينات ، وكانت مهمتها قمع الاضطرابات في أي مكان من البلاد ، وأدت الخدمة العسكرية مع الفرنسيين إلى بداية تأسيس تقليد عسكري علوي سبب صعود الطائفة فيما بعد . وكان القليل من العلويين ممن أيد الفرنسيين مثل  أسـرة (كنـج ) ([11]) . لذلك ارتقت هذه الأسرة وارتقى زعيمها إبراهيم كنج ( زعيم قبيلة الحدادين ) ليصبح من كبار أثرياء الجبل وملاكـه .

أما معظم العلويين في الجبال فقد ظلوا يعانون الفقر المدقع حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، وأدى الفقر إلى أعمال وممارسات قدر لها أن تجلب العار على العلويين ، فبناتهم كنّ يؤجرن كخادمات في البيوت من سن السادسة أو السابعة ، ولمدة عشر سنوات ، أو مدى الحياة ، ولعل هذه التجارة بدأت عام( 01921) عندما فر ض الفرنسيون غرامات جماعية على القرى الثائرة ، ولكي يدفعوها باع الفلاحون خرافهم وأراضيهم أو بناتهم ، ولم يبق في اللاذقية كلها عائلة ثريـة بدون خادمة علوية صغيرة ، وحتى عام (1950) كان هناك حوالي عشرة آلاف بنت علوية يعملن كخادمات في المنازل بدمشق . غير أن ما لايعترف به أحد إلا نادراً هو أن الخدمة في البيوت كانت نوعاً من التعليم ، إذ أنها فتحت آفاقاً أوسع فقد اتضح أن بنات الجبل أخذن يتأقلمن بسرعة مع حياة المدينة ؛ فتعلمن التكلم بالفرنسية ، وظلت سرعة التكيف خاصة علوية ([12]) .

حافظ في المدرسـة الثانويـة ([13])

كان الظلم في المدرسة يعكس الظلم في العالم الخارجي من حولها ، فكان أولاد الوجهاء يسيطرون على فناء المدرسة ويضربون الأولاد الذين لايعجبونهم ، وكانت ثياب الفقراء رثـة باليـة ، وقد يعجزون أحياناً عن دفع ثمن الكتب .

وكان حافظ فتى مفتول العضل في الرابعة عشرة من عمره ، كان يكبر معظم زملائه بسنتين ، وأعطاه ذلك بعض المزايا ، وكانت المدارس يومها مرتعاً للفكر والعمل والجدل السياسي ، وكانت الأحزاب : القومي السوري ، والشيوعي ، والبعثي ، والإخوان المسلمون ؛ تتنافس على عقول الطلاب .

أمضى حافظ سبع سنوات في ثانوية اللاذقية ، وحصل على البكالوريا عام (1951م)  ، وهو في العشرين من عمره ، وكان في السادسة عشرة انضم إلى حزب البعث ، وكان من المؤثرين فيه الطبيب وهيب الغانم ، تلميذ زكي الأرسوزي .

كان حافظ علوياً غير عادي ، واثقاً من نفسه ، مستعداً للقتال ، لايخجله انتماؤه إلى طبقتـه ، ذا بنيـة قوية ورثها عن جـده ، لذلك كان قادراً على الصمود في مجابهات فناء المدرسة الخشنة ، يقول عنه وهيب الغانم : ( كان واحداً من فدائيينا ، فقد كنا بحاجة إلى شباب شجعان يقاتلون من أجل الحزب ) .

وفي عام (1949) انتقلت أسرته كلها إلى اللاذقية لمدة سنة من أجل الإشراف على أصغر أولادها (رفعت ) الذي سيبدأ الدراسة الثانوية . 

الطالب حافظ الأسد ضـد الإخوان المسلمين

دخل حزب البعث في مواجهة مع الإخوان المسلمين ، بعد أن تجاوز الحزب الشيوعي ، والحزب القومي السوري ، فالبعث في نظر الإخوان المسلمين لادينـي وعلماني وعدواني يمثل الأقليات  لذلك كان العدو الطبيعي للإخوان المسلمين الذين استهدفوا حافظ الأسد في وقت مبكر باعتباره زعيماً طلابياً بعثياً ، وحاولوا عدة مرات أن يضربوه ، ولكن صديقاً لـه قوياً هو (محمود عجيـل ) حماه من لكماتهم في أكثر من مناسبة ، ( أصبح عجيل فيما بعد عضواً في مجلس الشعب ) ، ولكن الإخوان اختلوا بحافظ مرة في عام (1948) وطعنوه بسكين في ظهره مما أقلق والديه كثيراً ، واستغرق التئام الجرح عدة أسابيع ([14]).

وكان وهيب الغانم يرى أن أكثر البعثيين من العلويين ، ولايريد أن يظهر ذلك ، لذا كان  يوجـه البعثيين العلويين بالابتعاد عن الشارع عندما يحصل نزاع مع الإخوان المسلمين كي يفسحوا المجال أمام البعثيين السنة في الاشتباك مع الإخوان المسلمين ، وكان حافظ يرفض هذا التوجيه . ولهذا كان يتصدر المظاهرات ويبحث عن حليف بين السـنة الأشداء ، وصار البحث عن حلفاء طبقيين من السنة من صفات حياته السياسية فيما بعد . وفي السنتين الأخيرتين عقد الصداقة مع طالب بعثي سني هو عبدالحليم خدام من (بانياس ) كما تعرف على عبد الرؤف الكسم البعثي المنحدر من أسرة دينية دمشقية .

 الطيـار حـافظ الأســد

أراد حافظ بعد الثانوية أن يصبح طبيباً لتأثره بوهيب غانم ، لكن الجامعة اليسوعية طلبت منه الحضور شخصياً إلى بيروت للتسجيل والمقابلة الشخصية ، ولكن الفقر منعه من الوصول إلى بيروت ، وقد ألغيت أقساط الكلية العسكرية منذ الاستقلال (1946) ، ولذلك تشجع طلاب الأقليات للالتحاق بها ، وهكذا كان حافظ واحداً من تسعين طالباً دخلوا الكلية العسكرية في حمص (1952) وهناك التقى وصادق مصطفى طلاس ، ثم نقل مع (خمسة عشر طالباً فقط ) إلى مدرسة الطيران في حلب ، عام (1953) وفي العام نفسه حولت مدرسة الطيران إلى كلية جويـة ، وحلق حافظ بطائرته فوق القرداحة ، يلوح لأصدقائه فيها ثم يعود  إلى حلب بعد أن يصبح فوق البحر المتوسط .

وعشية تخرجه (1955) نجا من الموت بأعجوبة أثناء استعراض الطيران ، عندما دخل في غيمة فوق حلب ، وبعدخروجه من الغيمة وجد أنه يتجه نحو الأرض ، فتدارك الأمر في الثواني الخيرة ، واحتكت طائرته بقمم أشجار الزيتون .

بعد التخرج فرز الملازم الطيار حافظ الأسد إلى مطار المزة ، وانغمس كلية في العمل السياسي ، وأدى اغتيال العقيد عدنان المالكي علي يد القوميين السوريين إلى هرب كثير من القوميين السوريين ، وفسح المجال أمام البعثيين ، وصار ضباط البعث أكبر كتلة في الجيش السوري ، مما خدم مستقبل حافظ الأسد وبعثيين آخرين ، إذ وقع عليه الاختيار وحده من أجل الترفيع كما تقرر أن يعطى تدريباً إضافياً ، وكان له مدرب ألماني يعلمه الطيران على طائرة مقاتلة ذات محرك (فيات ـ 59 ) ، ثم زاد سروره عندما وقع عليه الاختيار عم (1955) للذهاب إلى مصر للتدرب على الطيران النفاث، ( الميتبور 8 ) البريطانية ، في دورة مدتها ستة أشـهر .

وبعد عودته من الدورة ، كلف بمطاردة طائرة بريطانية دخلت المجال الجوي السوري ، فطاردها بطائرة غير مجهزة تماماً ( الكوابح ضعيفة ) ، ورجع ليلاً وهبط ، وخرج عن المدرج وأنقـذه طول الأجل ، حيث قفز منه بعد هبوطها على بطنها وألقى بنفسه في حفرة قريبـة . وعوقب بالتوبيخ لأنه طار بطائرة غير جاهزة .

الـزواج :

في عام (1958) كان الملازم الطيار حافظ الأسد مصمماً على الزواج من أنيسة مخلوف التي عرفها بواسطة عمته سـعدى التي تزوجت واحداً من آل مخلوف في (بستان الباشا ) ، كانت أنيسة مدرسّة ذات سلوك رزين محتشم ، وكانت شابة رشيقة ذات شعر بني تقاربه في العمر ، وقد تلقت ثقافة محترمة في ديـر راهبات القلب الأقدس الفرنسي في بانياس ، إلا أن عقبات كثيرة تحول دون زواجه منها :

1 ـ الفرق الشاسع بين العائلتين ، فأسرته صغيرة (قليلة العدد !!!) ، وفقيرة ، أما آل مخلوف فقد أخذوا هذا اللقب من إطعام الجائعين في منزل جـد أنيسـة الغنـي ، واستمر عند والد أنيسة وأعمامها بيوت مفتوحة لإطعام الفقراء تفرد فيها غرف لإيواء المعوزين .

2 ـ الخلاف السياسي ، فآل مخلوف من الحزب القومي السوري ، وحافظ الأسد من البعثيين . وابن عم أنيسة هو الذي قتل قاتل عدنان المالكي بتعليمات الحزب القومي السوري ، وقد حكم عليه بالإعدام وشنق ، واعتبرته الأسرة شهيداً .

لذلك صمم أحمد مخلوف ـ والد أنيسة ـ على معارضة هذا الزواج ، وكانت أمها معجبة بصفات حافظ الأسد ، فقد كان شاباً يوحي بالثقة ، ولم يعرف عنه ارتكابه لمغامرات طائشة أو غلظة في السلوك أو بذاءة في اللسان . كما لم تسمع عنه أيـة علاقة نسائية ، أو أنه كان يرتاد المقاهي والملاهي ، وحتى خلال وجوده في مصر ، حيث التساهل في الأخلاقيات ، كان معروفاً بأنه طالب مثالي ، ويبدو أنه لم يكن مهتماً بالانخراط في تجارب جنسية ، فمنذ سن مبكرة كان يتطلع إلى زواج مستقر يتيح له أن يتفرغ للانجاز في حياته المهنية .

وأخيراً حملها الأسد إلى دمشق ( خطفها )([15]) وتزوجها أمام القاضي ، وأقاما بيت الزوجية على أطراف الـمزة . وكان ذلك هبوطاً في منزلتها الاجتماعية كابنة لأحد وجهاء العلويين . وقد عاد عليه هذا الزواج بفوائد دنيوية ، حيث أكـد انتقاله إلى طبقـة اجتماعية أرقى ، وأكسبته بعض النقاط في المجتمع العلوي ، وبعد أسابيع من الزواج افترقا أحد عشر شهراً ، عندما بعث إلى روسيا للتدرب على الطيران الليلي بالميغ 15 ، و17 . وعادت أنيسة الحامل إلى بيت ذويها في بستان الباشا .

وفي عهد الوحدة حلت الأحزاب ، وعاد حافظ من موسكو ليجد مكتب الحزب مغلقاً بالشمع الأحمر ، فوجد أن سلم طموحاته أزيح من تحتـه .  وفي أواخر عام (1959) نقل سرب الطيران الليلي كله إلى مصـر وكان حافظ معـه .

اللجنـة العسـكرية

تواجد خلال سنوات الوحدة في مصر قرابة ألف ضابط سوري ، معظمهم بغير إرادته ، كما تخرج ألف ضابط سوري من المدارس العسكرية المصرية ، معظمهم كانوا راضين لأن لهم راتباً مضاعفاً ، وشقة حكومية ، وسيارة في الغالب .

إلا أن ذوي التفكير السياسي كانوا ساخطين ،  وأقصد البعثيين بل فريق منهم فقط ، وانتابهم شعور بالصدمة وحتى بالخطر ، وحنقوا على عفلق والبيطار الذين حلوا الحزب ، دون استشارة قواعده ، وفي سنة (1960) أقام الضباط البعثيون في مصر تنظيماً سرياً سموه ( اللجنة العسكرية ) وكان حافظ في الثلاثين من عمره ، ومنذ ذلك الحين نهج حافظ أسد طريق العمل السياسي السـري ، وكانت اللجنة العسكرية تتكون من النقيبان حافظ وعبد الكريم الجندي ، والرائدان صلاح جديد وأحمد المير ، والمقدم محمد عمران . وهو أكبرهم سناً ، مولود (1922) ينتمي إلى عشيرة الخياطين العلوية من قرية المخـرم شرقي حمص ، مولع بالقراءة والنقاش ، يفضل المكتبة العامة بدلاً من الحانات والمقاهي ، أما صلاح جديد فكان مناقضاً لعمران ، يابساً صموتاً ، يؤثر الاستماع على الكلام ، ذكي يساري واضح ، ولد (1926) من عشيرة الحدادين ، كان في الحزب القومي السوري ثم بدله إلى البعث ، وهؤلاء الثلاثة عمران أكثرهم ثقافة ، وجديد أكثرهم مكراُ ، وحافظ أشدهم حذراً .

 وكان هدف اللجنة العسكرية هو إعادة بناء حزبهم المشتت ، كانوا يخرجون في رحلة خارج القاهرة ، أو يجتمعون في بيت أحدهم . وبعد فترة وجيزة كان في اللجنة عام (1963) خمسة عشر عضواً  : سليم حاطوم وحمد عبيد الدرزيان ، وسليمان حداد العلوي ، وعدد من السنة منهم عثمان كنعان ، وموسى الزعبي ، ومصطفى الحاج علي ، وأحمد سويداني ، ومحمد رباح الطويل ومصطفى طلاس ([16]) . بالإضافة إلى الخمسة السابقين .

وبعد انقلاب الانفصال أودع حافظ الأسد السجن في مصر مدة أربعة وأربعين يوماً ، فأوكل إلى مصطفى طلاس مهمة مرافقة زوجته وابنته إلى سوريا عن طريق البحر ، وكانت هذه البنت (بشرى )  الثانية ، بعد مرض ( بشرى ) الأولى التي ولدت في سوريا ، وتوفيت في مصر . ثم تم تبادل الضباط السوريين بالضباط المصريين وعادوا إلى دمشق وأعطي الأسـد إجازة مفتوحـة ، وعلم أن (63) ضابطاً بمن فيهم الخمسة ( اللجنة العسكرية ) قـد سـرحوا من الجيش ، وتعيينهم في وظائف مدنية في وزارات الدولة . وأرسل الأسد إلى مديرية النقل البحري ، وكان يحضر في آخر الشهر لاستلام راتبه فقط . وكان يتقاضى (500) ليرة سورية فقط ، وكان تقاعده كطيار لو أحيل على النقاعد (600) ليرة ، وكان حانقاً على هذه المعاملة وأسكن أسرته في شـقة من ثلاث غرف بأجرة (168) ([17]) ليرة في الشهر ( وبعد 1963) حصل على فروقات رواتبـه ) ، وراح أعضاء اللجنة على توسيع تنظيمهم السري ، وقرروا إسقاط الحكومة الانفصالية ، واستهدفوا في تنظيمهم الملازمين والنقباء ، وراحوا يطلبون مساعدة الضباط الناصريين مثل ( جاسم علوان ) .

وفي (28 /3/1962 ) غاصت سوريا في حلقة مفرغة من الانقلاب والانقلاب المضاد ، وانتهى الأمر إلى اقتحام قلعة حلب وقتلوا آمرها ، وانضم الأسد وجديد وعمران وأعطاهم المتمردون لباساً عسكرياً ورشاشاً ، إلا أن الضباط المتمردون أعلنوا الوحدة ، وطلبوا مظليين من مصر . فانسحب البعثيون من التمرد وتخلص الأسد من رشاشه وبذلته العسكرية ،  وهرب الأسد إلى لبنان ، لكنهم قبضوا عليه وأعادوه إلى سوريا حيث أودع في سجن المزة بضعة أيام ثم أخلي سبيله .

يوم الثـامن من آذار (1963م) :

كان من الواضح أنه على اللجنة العسكرية أن تجد حلفاء مناسبين ، لأن شبكتها تتألف من ضباط صغار ، وكان في الجيش خمس تكتلات من الضباط : الدمشقيون ، وكتلة أكرم الحوراني ، والناصريون ، والمستقلون ، وأخيراً البعثيون . وقررت اللجنة الاستفادة من الناصريين ، وربما المستقلين أيضاً ، واتصلت بالعقيد راشد القطيني رئيس المخابرات العسكرية ، والعقيد محمد الصوفي آمر لواء حمص ( من الناصريين ) ، واتصلت بالعقيد زياد الحريري آمر قطاع الجبهة مع العدو الصهيوني وهو من المستقلين ، وعرضوا عليه قيادة حركتهم ، وهكذا تجمعت عصبة من ستة رجال وهم : الأسد وعمران وجديد والحريري وقطيني والصوفي ، وتقرر القيام بالانقلاب يوم (7/3/1963م) وقبيل ساعة الصفر داهمت قوة من المخابرات العسكرية الشـقة التي كان المخططون يجتمعون فيها ، فألقي القبض على بعضهم ، واختبأ البعض الآخر ، وتمكن الأسد بوسائل اتصال هزيلة من إبلاغ الوحدات التي كانت على أهبة التحرك بأن الانقلاب أرجئ يوماً واحداً .

وفي ليلة (7 ـ8) آذار بدأت الدبابات والمشاة من الجبهة تتحرك بأمر العقيد زياد الحريري نحو دمشق ، كما تحرك لواء من السويداء باتجاه العاصمة ، وانحصر اللواء الخطير السبعين بين فكي كماشة فاستسلم قائده المقدم عبد الكريم عبيد ، واستولى محمد عمران على اللواء السبعين . وهكذا استثمرت الكسوة ، وحيدت قطنا بتعاون وداد بشير من مركز اتصالات الجيش ، وهذا مكن قوات الحريري من الوصول إلى دمشق وأقامت حواجز في المدينة ، واستولى سليم حاطوم على الإذاعة ، واعتقل اللواء زهرالدين ، وسيطر الانقلابيون على قيادة الجيش ، وفي الصباح وصل صلاح جديد على دراجة هوائية لتسلم مكتب شئون الضباط .

وكانت اللحظة المظفرة للأسـد هي استيلاؤه على قاعدة الضمير الجوية ، وقد أرسلت بعض الطائرات لقصف الانقلابيين ، وقاد الأسد سـرية دبابات أوقفها على بعد ثلاثة كيلومترات عن القاعدة الجوية ولايزال الأسد بالملابس المدنية ، وبعد أن هددهم بالقصف جاء ضابطان للتفاوض  يقول الأسد : فذهبت معهما إلى آمر القاعدة وقلت له : انتهى كل شيء لكم ، ولانريد أن نقتل أحداً ، وكانوا جبناء فاستسلموا .

وفي البلاغ التاسع أعيد الضباط ( اللجنة العسكرية ) إلى الخدمة ، مع ثلاثين ضابطاً آخرين ، ورفع النقيب حافظ الأسد إلى رتبـة مقـدم وعين آمراً لقاعدة الضمير الجويـة .

شكل مجلس قيادة الثورة من عشرين عضواً منهم إثنا عشر بعثياً وثمانية من الناصريين والمستقلين ، ثم ضمت مجموعة من المدنيين منهم ( عفلق والبيطار ومنصور الأطرش ، وقادة مجموعات ناصرية )، وكانت السلطة الحقيقية بيد العسـكر فقط .

رفع العقيد لؤي الأتاسي ( ناصري ) وأطلق من السجن وعين قائداً عاماً ، كما رفع العقيد زياد الحريري إلى رتبة فريق أيضاً وحصل على رئيس الأركان .وأعطي محمد الصوفي وزارة الدفاع ، وراشد القطيني نائب رئيس الأركان ، أما البعثيون فكانوا يمسكون المفاصل الحقيقة للقوة ، ووسعت اللجنة العسكرية فصارت ( 15) عضواً ، وصارت (مجلساً داخل المجلس ) .

حصل عمران على قيادة اللواء الخامس في حمص ، ومن ثم انتقل إلى قيادة اللواء السبعين ، وشرع صلاح جديد في مكتب شئون الضباط في تطهير الأعداء ، وترفيع الأصدقاء ، وأعاد إلى الخدمة الفعلية أعداداً كبيرة من ضباط الاحتياط البعثيين ، وسرحت الدورة من الكلية العسكرية ودعيت دورة سميت دورة البعث الأولى كان رفعت الأسد أحد أفرادها .

أما حافظ الأسد فصار القائد الفعلي للقوة الجويـة . كما بحثوا عن واجهة كبيرة فوجدوا محمد أمين الحافظ (صديق للحزب ) وسلموه وزارة الداخلية .

الصـراع مع النـاصـريـين

في (2/5/1963) سرحت اللجنة العسكرية أكثر من خمسين ضابطاً ناصرياً (سنياً ) ، لأن صلاح جديد مدير مكتب شئون الضباط ، مما حدا بوزير الدفاع الصوفي والقطيني إلى الاستقالة من مجلس قيادة الثورة ، ولحق بهما خمسة وزراء ناصريون ، وقام الناصريون بمظاهرات يوم 8/5/1963 فقام وزير الداخلية محمد أمين الحافظ بقمعها وقتل خمسين شخصاً بالرصاص .

انقـلاب (18 ) تـموز الفـاشــل :

قام جاسم علوان يدعمه القوميون العرب والمخابرات المصرية بهجوم على إذاعة دمشق في وضح النهار ، فخرج محمد أمين الحافظ ورشاشه في يـده ليقتل ويجرح المئات وكثير من الأبرياء من المـارة ، وبعد وصول دبابات البعثيين (اللواء السبعين ) هرب جاسم علوان ، وحوكم سبعة وعشرون ضابطاً ناصرياً ( سنياً طبعاً )  وأعدموا فوراً ، كما حكم على جاسم علوان بالإعدام غيابياً ، ثم أعفي عنه (2005) ورجع إلى وطنـه ، وصرح بأنه لن يشتغل في السياسـة .

التخـلص من زيـاد الـحريـري

في (23 /6/1963) قام الفريق زياد الحريري بزيارة الجزائر ، وفي غيابه ، قامت اللجنة العسكرية بتطهير ونقل خمسة وعشرين ضابطاً من أهم مؤيديـه ، وعرضت عليه وظيفة ملحق عسكري في واشنطن ، ولم يسمحوا له بدخول سوريا فاختار التخلي عن السياسة والتقاعـد في باريز ( ورجع قبل سنوات إلى بلده حماة  ( 2002) تقريباً ،  ومازال عازباً ) .

وأنشأ الحر س القومي وهو تنظيم شبه عسكري وأوكلت قيادته إلى حمد عبيد عضو اللجنة العسكرية . وعندئذ أصر اللواء الأتاسي على الاستقالة ، ورفع محمد أمين الحافظ ، وسلم قائداً للجيش وعضواً في اللجنة العسكرية .

وفي غضون أربعة شهور حافلة ودموية بدءاً من أذار استطاعت اللجنة العسكرية أن يقضوا على كل مقاومة منظمة لحكمهم الذي كانوا يمارسونه من وراء ستار .

التخلـص من محمد عمــران

كان محمد عمران يريد المصالحة مع الناصريين ، وعارض اسـتخدام الدبابـات في حماة (1964) ، وساءه بروز محمد أمين الحافظ كثيراً ، وكان محمد عمران يرى أنه أكثر معرفة بأهالي حماة ، وكان يعتقد أنه يمكن كسب أهالي حماة بدلاً من إخضاعهم بالقوة ، وكان عمران يحجم عن سفك الدمـاء ، وكان حافظ الأسـد ينصت لعمران وجديد عندما يتجادلان ، وتحالف فيما بعد مع جديد ، ( ويرى فيما بعد أن هذا التحالف مع جديد كان إلهاماً ) وفي كانون الأول رفع حافظ الأسـد إلى رتبـة لـواء وعين قائداً للسلاح الجوي ([18]) .

وعندما شعر عمران بالعزلة في اللجنة العسكرية اتجه إلى القيادة القومية للحزب ، وعندئذ خالف عمران العهد وباح لعفلق بسر اللجنة العسكرية ، وعاقبته اللجنة بتجريده من كل مناصبه ، وإرساله سفيراً في اسبانيا . وقد استفاد حافظ الأسد حيث حل شقيقه رفعت مكان عمران في رئاسة القوة التي تحمي النظام ، والتي صارت فيما بعد ( سرايا الدفاع ) .

ولما اشتد الصراع بين القيادة القومية والقطرية ، واللجنة العسكرية ، حصل حافظ الأسد على إجازة في الصيف من مهمته كآمر للقوة الجوية ، وذهب إلى لندن لمدة ثلاثة شهور !!!!  وكانت هذه أول وآخر زيارة لبريطانيا ، وكان السبب الظاهري لهذه الزيارة هو تلقي العلاج لألم في ظهره وفي رقبتـه نتج عن هبوط اضطراري عندما كان طياراً متدرباً ( سبق ذكره ) ، إلا أن أوجاع الأسد ربما كانت من نوع المرض الدبلوماسي .  

انقـلاب 23 /شباط (1966م) :

بدأت المصادمات بين عفلق والضباط في (21/2/1966) عندما حاول اللواء محمد عمران ( وقد أعاده عفلق ) وجعله وزيراً للدفاع ، حاول عمران نقل كل من سويداني وعزت جديد وسليم حاطوم من أماكنهم ، وفي (22/2/1966) قامت اللجنة العسكرية بالرد على الضربة ، إلا أنها قامت أولاُ بحركة تمويهية وهي أن الضابط العلوي عبد الغني إبراهيم قائد الجبهة اتصل بقيادة الجيش مدعياً أن شجاراً نشب بين ضباط الجبهة ، وأنهم سحبوا السلاح على بعضهم ، فذهل أمين الحافظ وعمران ورئيس الأركان ، وبعد أن طافوا على الوحدات عادوا منهكين في الثالثة ليلاً ، وبعد نوم ساعتين فقط أي في الخامسة قام مغاوير سليم حاطوم ، تعززهم قوة رفعت الأسد الضاربة وكتيبة دبابات يقودها عزت جديد ، بشن هجوم على منزل الفريق محمد أمين الحافظ ، ومن داخل البيت قام الفريق وحراسه بالدفاع الشجاع ، واستمر إطلاق النار حتى الظهيرة ، وأخيراً نفذت ذخيرة المدافعين ، وقتل الحراس ، وتهدم المنزل ، وجرح أطفال أمين الحافظ ، ( وفقدت إحدى بناته عينها ) ، استسلم الفريق ، ونقل قائد حرسه الملازم محمود موسى جريحاُ إلى المستشفى وكانت حصيلة القتال خمسين عسكرياً  ([19]).

وصمد في حماة النقيب ( مصطفى العبدو ) من كزناز ، وكان قائداً للحامية موالياً للحافظ ، حتى وصلت قوة من حمص يقودها مصطفى طلاس وأخضعته باعتقاله ، كما سيطر الموالون لعفلق في حلب على الإذاعة فترة قصيرة .

كان حافظ الأسـد قد عاد من لندن في وقت المعركة ، إلا أن سلاحه الجوي لم يتدخل ، وقضى الأسد ذلك الصباح على الهاتف يرغب أو يرهب ضباط الوحدات في سائر أنحاء البلاد يكسبهم إلى صف اللجنة العسكرية .

وتبع القتال تطهير كامل للجيش والحزب والحكومـة من حوالي (400) ضابط وموظف ( طبعاً معظمهم أو كلهم من السنة ) واقتيد محمد أمين الحافظ ، ومحمد عمران ، والموالين لهما إلى سجن المزة . كما اعتقل في دار الضيافة كل من صلاح الدين البيطار ، ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي ، وأعضاء القيادة القومية اللبنانيون والسعوديون والأردنيون ، وظل منيف الرزاز مختفياً من مخبأ إلى آخر لم يستطع العرب إلى لبنان ـ مثل عفلق ـ بسبب عرج في رجله .

وكان أول عمل للنظام الجديد ترفيع حافظ الأسد إلى رتبـة لـواء وتعيينه وزيراً للدفاع ، وهو في الخامسة والثلاثين من العمر . وبعد أن فاز الأسد بالسلطة صمم على الاحتفاظ بها . وصعد صلاح جديد ليصيح حاكم سوريا من خلال منصب الأمين المساعد للقيادة القطرية لحزب البعث ، وصارت الهوة تتسـع بينـه وبين حافظ الأسـد .

إلا أن انغماس جديد في تسيير شئون البلد أعطت الأسد مجالاً واسعاً لإدارة شؤون القوات المسلحة . كما أن جديد كان واثقاً من رفيقه الأسد . وكان جديد غير مهتم بالتنعم ، يعيش في شقة بسيطة قيل أن أثاثها لايزيد عن مائة جنيه استرليني ، كان يأتي إلى مكتبه مبكراً ويعود منه متأخراً ، وكانت نزعة جديد أكثر يسارية من الأسد .

خفض جديد رواتب رئيس الدولة والوزراء وكبار الضباط والموظفين الكبار ، واستبدل سيارات المرسيدس بسيارات الفولكس  والبيجو (404) .

مؤامـرة حاطـوم :

ولد سليم حاطوم (1928) في قرية (دبين ) الدرزية ، وشق طريقه ليلعب دوراً يوم الثامن من آذار ، ثم غامر برقبته عام (1966) ومع ذلك لم ينتخب عضواً للقيادة القطرية ، ولم يرفع مثل غيره ، وبقي حارساً للإذاعة والتلفزيون ، وكان شعوره بالظلم مشتركاً مع الدروز  ، وخاصة بعد اعتقال حمد عبيد وإيداعه سجن المزة . وراح حاطوم ينحاز إلى البعثيين القدامى مثل منيف الرزاز ، واللواء فهد الشاعر .

وفي أيلول جمعت حفلة سـكر العقيد طلال أبو عسلي (درزي ) مع حفنة من الضباط وبعد سكرهم شتموا الأسد وجديد ، وهب آخرون للدفاع عنهم ، وصل الشجار وجاء رئيس الأركان سويداني للتحقيق ، وعين جديد لجنة ثانية برئاسة عبد الكريم الجندي وضرب ضابط شاب حتى اعترف في (20/8/1966) وهو الرائد محمد النعيمي (البدوي ) فأعطى أسماء عشرة ضباط ، حتى وصل المجموع ( مائتين ) أكثرهم من الدروز ، واختفى اللواء فهد الشاعر ، كما هرب البعثيون المدنيون مثل البيطار والرزاز .

احتج فرع الحزب في السويداء وطلب عودة الضباط ، فسافر جديد مع الأتاسي مع جميل شيا (عضوقيادة قطرية درزي ) ، وتحرك حاطوم فدخل عليهم وبيده مدفع رشاش ، هددهم بالقتل ، واعتقل جديد والأخرون في منزل أحد الحزبيين ، بينما ألقى حاطوم القبض على الضباط العلويين في السويداء .

ولكن حاطوم لم يدخل في حساباته حافظ الأسـد ، الذي أرسل النفاثات تحوم فوق السويداء ، وأمر اللواء السبعين التوجه إلى جبل الدروز ، وفي مكالمة هاتفية غاضبة بين حاطوم والأسد ، أخذ بعدها حاطوم طريقه إلى الأردن ، وتقول الروايات أن سائق جديد بحجة جلب علبة سجائر من السيارة هرب بها ثم وصل دمشق ونبه إلى ماجرى ، وتقول رواية أخرى أن مصطفى الحاج علي خان المتآمرين ونبـه الأسـد ، وقام الرفيقان جديد والأسد بطرد (تسعة وثمانين ضابطاً بعثياً معظمهم من الدروز ) . وجاءت حرب (1967) بدون هيئة ضباط سورية بعد أن تم تسريح معظمها .

وفي اليوم السادس من الحرب دخل حاطوم وبعض أنصاره سوريا ، فاعتقل واقتيد إلى المحكمة التي أكدت حكم الإعدام ، وقام الجندي بتكسير أضلاعه قبل إعدامه (26/6/1967) لأن حاطوم في الأردن اتصل بالجندي يطلب منه إرسال زوجته (زوجة الجندي ) لأنها متفقة معهم ، وكان آخر طلب لحاطوم أن تبقى زوجته المعلمة في وظيفتها لتربي أولادهم ، وقد نفذ الأسد هذه الوصية ، وحدد لها راتباً تقاعدياً  .

حـرب (1967)

كان الجيش الذي ورثـه وزير الدفاع (حافظ الأسد ) غير مؤهل للحرب تماماً ، كما كان الأسد نفسه غير مؤهل ( ‍‍‍‍انظر التناقض مع تصريحات الأسد الصحفية ) ([20]) . فقد كان الجيش (50) ألف رجل ، مجهز بأسلحة روسية رخيصة ، وفي الجيش (500) دبابة ، نصفها صالح للاستعمال ، تدعمها (100) طائرة ميغ ـ 17) بدون قذائف  ( اقرأ الهامش ولاحظ التناقض ) ، والأخطر من ذلك كله الفقر بالضباط . وهكذا استخدمت سوريا من قبل إسرائيل كسمكة صغيرة لاصطياد سمكة كبيرة هي مصر وعبد الناصر .

حين قامت إسرائيل بتدمير سلاح الجو المصري صباح (‍ 5/6/1967) تبين أن السلاح الجوي المصري لم يكن مستعداً للقتال ، فالطائرات جاثمة في أنساق مما جعلها أهدافاُ ثابتة سهلة المنال . وكانت نتيجة المعركة بعد أربعة أيام عجاف عشرة آلاف قتيل وثلاثة عشر ألف أسير ، وعدة مئات من الدبابات والمدافع المدمرة .

وفي الضحى المتأخر (‍‍‍‍!!!) ( [21] )حاولت طائرات الملك حسين (هوكر هنتر ) أن تقصف المطارات الإسرائيلية ‍‍‍‍‍‍‍ غير أن هذه الطائرات تم مسحها عند الظهيرة وسحقت بالميراج ، وبعد ربع ساعة لقيت نفس المصير القوة الجوية السورية ومعها سربان عراقيان بعد طلعة غير مؤثرة فوق إسرائيل .

وطوال الأيام الأربعة الأولى من الحرب كان موقف سوريا سلبياً فقد اكتفت بقصف المستوطنات على الحدود ، وقد عبرت دوريتان الحدود ردتا بعنف . والحقيقة هي أن حجم ومدى وسرعة الحرب قد فاجأت القادة السوريين ، ولم يكن الأسد وزملاؤه مهيئين ذهنياًللهجوم الاسرائيلي الصاعق ، ولم يكن لديهم تصور لقوة إسرائيل ، والقوات السورية دربت على الدفاع فقط ، ولم تدرب على الهجوم .

يقول اسحق رابين في مذكراته : صوت المجلس الوزاري للدفاع يوم (8/6/1967) ضد مهاجمة سوريا (!!!!!) ، إلا أنه يوم (9حزيران ) وبعد أن بضع ساعات من طلب سوريا وقف إطلاق النار ، أصدر دايان أمرأً بالهجوم على سوريا ، وجلب الصهاينة لواءين مدرعين من سيناء (!!!!) وقرر دايان مهاجمة سوريا مخالفاُ رابين ( رئيس الأركان )  واشكول ( رئيس الوزراء ) .

قاوم السوريون ببسالة في قتال بالأيدي أحياناً ، وفقدت إسرائيل (160) دبابة مقابل (86) دبابة سورية ، واستشهد (600) جندي سوري في مواقعهم ولم يتركوها . وبعد أن تعت قوات الصهاينة ومالت إلأى وقف التقدم ، صدر أمر أحمد سويداني بالانسحاب بعد اقتراح أحمد المير الذي فر على ظهر حصان .

ويوم (10/6) أذيع بيان سقوط القنيطرة ومهما كان مصدر هذا البلاغ فقد كان غير صحيح ، وتحول الانسحاب إلى هزيمة منكرة . وبعد سريان وقف إطلاق النار ـ احتلت إسرائيل مرصد جبل الشيخ .‍

ولايفسر بلاغ سقوط القنيطرة سوى الذعـر والفوضـى التي دبت في صفوف (القادة ) السوريين ، ويقع على الأسـد نصيب من ذلك الفشـل .

روايـة الضابـط اللبـناني :

قال ضابط لبناني في مرصد مشترك مع السوريين :

( في الساعة العاشرة من يوم (9/6/1967م ) تحرك لواء مدرع اسرائيلي  ـ بعد التمهيد من الطيران والمدفعية ـ بدأ بالتحرك ومعه جرافات بالجنازير وبرج لحماية السدنة إلى ( تل قاضي ) المنطقة الأقل تحصيناً لأنه لايخطر في بال سوري أو لبناني أو عربي دخول القوات منها لوعورتها وارتفاعها الحاد ، وكان المفروض أن يتصل الضابط السوري بقيادته ليعين لها زوايا وجود اللواء المدرع الصهيوني بواسطة المنظار المكبر ، لكن سرعان ماتبين أنه لايعرف استعمال هذا المنظار ، لقد كان من أشـد المتحمسين للنظام ، ولكنه كان معلم مدرسـة لم تمض عليه في الخدمة أكثر من سـتة شـهور في الجيـش ) ... ( وعندما وصلت الدبابات الاسرائيلية سفح ( تل قاضي ) منهكة وفي منتهى الارهاق ، توقعت أن يخرج لها اللواء السوري المدرع الموجود بالقرب منها في تحصيناته التي لم يؤثر عليها التمهيد المدفعي ، ولا الطيران ، توقعت أن يقوم بهجوم معاكس عليها ـ كما تعلمنا في الكلية العسكرية ـ وفعلاً رأينا الدبابات السورية تخرج من مخابئها ، وبدأت أرقص فرحاً وحمية ، ولكن المفاجأة أذهلتني ، عندما رأيت الدبابات السورية تخرج من تحصيناتها لتتجه نحو القنيطرة هاربة ، لا لتقوم بهجوم معاكس ([22]).

وشاء الله عزوجل أن تتعطل إحدى الدبابات في آخر الرتل ، فاضطر قائدها للقتال ، ووجه مدفعه نحو العدو وبدأ بالاشتباك ، فدمر ست دبابات ، وأوقف الهجوم الاسرائيلي حتى وصل الطيران الصهيوني فيدمر هذه الدبابة بصاروخ جو ـ أرض .

وتابع الضابط اللبناني : إن كثيراً من الضباط السوريين من رتبة ملازم إلى رتبة نقيب ، يتمتعون بمزايا حزبية عالية ، ولكنهم لايتمتعون بمزايا عسكرية مماثلة ([23]) .

 وشاع الخبر أن القيادة أعطت أمراً بالانسحاب ، فترك معظم العسكريين أسلحتهم ، وهربوا ، حتى قائد الجبهة العميد أحمد المير ( عضو اللجنة العسكرية للبعث ) هرب على ظهر حمـار بشكل راعي غنم كي يقع في الأسـر .

 البلاغ رقم (66) عن سقوط القنيطرة :

ثم أذيع نبأ سقوط القنيطرة في اليوم العاشر من حزيران ، وكان عبد الرحمن الأكتع وزير الصحة يومذاك في جولة ميدانية جنوب القنيطرة ، يقول سمعت نبأ سقوط القنيطرة يذاع من الراديو ، وعرفت أنه غير صحيح لأننا جنوب القنيطرة ولم نـر جيش العدو ، فاتصلت هاتفياُ بحافظ الأسد وزير الدفاع وقلت لـه : المعلومات التي وصلتكم غير دقيقة ، نحن جنوب القنيطرة ولم نـر جيش العدو !!! فشتمني بأقذع الألفاظ ومماقالـه لي : لاتتدخل في عمل غيرك يا ... ، فعرفت أن في الأمر شيئاً !!؟

ويقول الدكتور سامي الجندي : ( ... أسئلة كثيرة ترد إلى الأذهان : لماذا لم يطلب الحكم السوري وقف إطلاق النار مع مصر والأردن مادام الاستمرار في القتال مستحيلاً !!!؟ كما يقول الجندي : إن إن  إعلان سقوط القنيطرة قبل وصول العدو لها بأكثر من يوم ، أمر لايمكن فهمه بتأويل حسـن .

وخلاصة القول في حرب (1967م) أنها كانت مسرحية ، هدفها كسر شوكة عبدالناصر ، واحتلال الجولان من قبل الصهياينة ، واحتلال الضفة الغربية والقدس ، وقدتـم ذلك كلـه . وممايؤكد ذلك أن خسائر الجيش السوري كانت (115) عسكرياً فقط ([24])، وهم الذين لم يتقيدوا بأمر الانسحاب ، فضلوا أن تمر الدبابات الإسرائيلية على أجسادهم ؛ كما حصل في تل العزيزيات([25])

كان أسبوع حرب حزيران بمثابة كابوس جثم على صدر وزير الدفاع السوري ، الذي فقد سلاحه الجوي ، والجولان ، وجبل الشيخ ، ولم يكن الأسد قادراً على النوم فوقع مغشياً عليه من التعب في وزارة الدفاع ، ثم ذهب إلى بيتـه ليمعن التفكير في الكارثة لمدة ثلاثة أيـام امتنع فيها عن رؤية أحد من الناس [26].

طالب عدد من أعضاء الحزب أن يستقيل الأسـد من وزارة الدفاع ، وجرت محاولة لطرده من القيادة القطرية ، فشلت بفارق صوت واحد هو صوت عبدالكريم الجندي .

وقال أصحاب الضغينة أن البعثيين لم يرسلوا إلى الجبهة أفضل وحدات الجيش ، بل تركوها لحماية الكرسي ، ومما زاد في الطين بلة أن وسائل الإعلام السورية راحت تؤكد أن إسرائيل لم تنتصر لأنها فشلت في إسقاط النظام البعثي في دمشق .

ومما لاشك فيه أن الهزيمة كانت النقطة الحاسمة في حياة الأسد التي ألقته فجأة في مرحلة النضج السياسي وحفزت فيه الطموح ليحكم سوريا ، بعيداً عن قيود زملائه ومنافسية الذين قادوا البلاد إلى الكارثة . فمادام أن اللوم سيلقى عليه ، فليكن له صنع القرارات . وبدأ الأسـد يتحرك نحو اليمين ليفترق عن رفاقه جديد والأطباء الثلاثة اليساريين .

سرعان ما أصبح الخلاف المتزايد بين جديد والأسـد مدار الحديث في الجيش والحزب ، وراح الأسد يخرج رجال جديد مثل أحمد سويداني (شباط 1968) وتعيين صديق الأسد مصطفى طلاس بدلاُ منه ، ثم اعتقل (1979 ) وأودع المزة . وصار طلاس ينتزع الرجال الموالين لصلاح جديد من الجيش .

وكانت آخر ضربة هي إزاحة عـزة جديد قائد اللواء السبعين المدرع في الكسوة . ( عندما كنت يومها في اللواء السبعين ) .

وتمكن الأسد من فصل التنظيم البعثي العسكري عن التنظيم المدني ، لإبعاد الضباط عن صلاح جديد .وتوقف الأسد عن حضور اجتماعات القيادة القطرية من تلقاء نفسه ، وقد لاحظ أن قرار الحزب يقف ضـده .

 إسـقاط الجنـدي

كان الجندي من أنصار جديد ، وهو قائد المخابرات , وكان رفعت ([27]) قد اكتشف أن جديد يخطط لاغتيال شقيقه حافظ ، وفي الأيام (25 ـ28 شباط 1969 ) وقع شبه انقلاب قام به حافظ ورفعت ، حركت الدبابات إلى مفاصل العاصمة ، وتمكن رفعت من اعتقال سائقي الجندي .

وأدرك الجندي عندما فقد أسطول سياراته أنه انتهى ، وبعد مشادة كلامية مع علي ظاظا مدير المخابرات العسكرية قتل الجندي نفسه بإطلاق النار على رأسه . وبعد أسبوعين انتحرت زوجته أيضاً . وتعززت مكانة رفعت ، كذراع الأسد اليمنى ، وجزع أتباع جديد ، وكسب الأسد جولة هامة .

وهكذا من بين الأعضاء الخمسة المؤسسين للجنة العسكرية : كان عمران منفياً في لبنان ( ثم أغتيل من قبل الأسد ) ، وكان أحمد المير قد طرد إلى اسبانيا ، والجندي قدمات ، وبقي الأسد وجديد يتصارعان من أجل الوصول إلى قمة السلطة ([28]).  

أيلـول الأسـود

 كان أيلول أسوداً على الفلسطينين وعلى صلاح جديد أيضاً ، فقد كان الخلاف محتدماً بين الأسد وجديد حول مشكلتي السلام والمقاومة .

أما السلام فجديد بعثي عقائدي يؤمن بحرب التحرير الشعبية ، ولايخطر في ذهنه في يوم ما السلام مع إسرائيل ، وهو بذلك يعكس رغبة الأغلبية الساحقة من السوريين والعرب ،  وأما حافظ الأسد فهو رجل حكم ، يهمه بقاء حكمه قبل كل شيء ، وغير ذلك يقبل المساومة .

وفي تموز (1970) عقد مؤتمر قومي وقطري معاً وتقرر رفض أفكار روجرز ورفض قرار مجلس الأمن (242) وسمته صحيفة الحزب (سلام القبور ) .

ولم يقف حافظ الأسد ضد التسوية من حيث المبدأ ، ولكنه ضد أي تسوية منحازة وغير مشرفة .

وكان الخلاف على أشده مع جديد حول الفدائيين الفلسطينين ، وخاصة أن منظمة الصاعقة الفلسطينية البعثية  (خمسة آلاف عنصر ) تتبع جديد ، لذلك أصدر في (أيار 1969) أمراً يقضي :

1 ـ السماح لمجموعات فلسطينية معينة فقط بالدخول إلى القطر .

2ـ لا يجوز حمل السلاح علناً في القطر من قبل أحد ، حتى المقاومة الفلسطينية .

3 ـ لايجوز إقامة معسكرات تدريب إلا في مناطق محددة من قبل الدولة .

4 ـ لاتجوز الإغـارة على المناطق المحتلة إلا بإذن خطي من وزارة الدفاع . وهكذا عاش الجنود الإسرائيليون على خطوط التماس مع سوريا ينامون ملء جفونهم ، من حزيران (1967) وحتى (6/10 /1973) ([29]) .

أزمـة الأردن

وزار الأسد عمان وآلمه منظر الفدائيين عندما كانوا يحتقرون الجيش الأردني وضباطه في شوارع عمان واربد ،  وعندما اندلع القتال بين الفلسطينين والأردنيين ، طلب الفلسطينيون مساعدتهم ، والجيش والقرار بيد حافظ الأسد ، فأرسل لهم بنادق ، ثم أمر (اللواء المدرع 67 ) من الفرقة الأولى بدخول الأردن ، (18 /9 /1970)  دون إشراك السلاح الجوي معه ، فدخلت اربـد ن وكان الأسد يقود العمليات من نادي الضباط في درعـا . ويقول الأسد هدفه حماية المقاومة من الذبح وليس الإطاحة بالملك حسين . لذلك كان تدخله محدوداً وعلى مضض  .

قام اللواء الأربعون الأردني بهجوم على القوات السورية التي لم تعزم القتال([30]). وفي (22/9) انسحب الجيش السوري من الأردن .

بعد أسبوع من مغادرة الدبابات السورية الأردن ، مات جمال عبدالناصر ، وكانت سوريا بلاحكومة ، والأسد وجديد لايتبادلان الكلام . كان الأسد معروف من الجيش ، وجديد مسيطر على الحزب ، ودعا إلى مؤتمر استثنائي للقيادة القومية في (30/10/1970) وأول قرار كان هو إيقاف وزير الدفاع عن إجراء تنقلات في الجيش طيلة فترة المؤتمر . ولكن الأسد رفض هذا الأمر بشكل قاطع ، واتهم جديد حافظ الأسد أنه قبل التسويات الاستسلامية ورضخ للامبرياليين ، وصدر القرار النهائي بإعفاء حافظ الأسد من وزارة الدفاع ، ومصطفى طلاس من قيادة الأركان ، إلا أن الأسد كان قد نشر قواته حول قاعة المؤتمر . وفي (12/11/1970) انتهى المؤتمر وفي اليوم التالي اعتقل الأسد خصومه ، وعرض عليهم مناصب في السفارات الخارجية ، ويقال أن صلاح جديد رفضها وقال له بنبرة التحدي :  إذا قيض لي أن أستلم السلطة منك فسوف أسحلك في الشارع حتى تموت . لذا أرسله حافظ إلى سجن المزة ، ليبقى فيه أكثر من عشرين سنة ويخرج منه على فراش الموت ، أما ماخوس فقد هرب إلى الجزائر ليعمل جراحاً في مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة ، وزعين هرب ثم قبض عليه وسجن عشر سنوات ثم هاجر إلى هنغاريا حيث شقيقه هناك . وبقي الأتاسي كذلك في المزة حتى خرج على فراش الموت .

وكان الدور الأكبر في هذه الحركة التصحيحية لرفعت الأسـد الذي كان مسؤولاً عن دمشق العاصمة ، وسهر طلاس وناجي جميل على عدم وجود مقاومة في القوات المسلحة ، أما العقيد محمد الخولي فقد أوكلت إليه مهمة اعتقال جماعة صلاح جديد في الحزب والجيش والحكومة ، وأعطي مهلة ثمان ساعات ، فنفذ الأمر خلال ساعتين فقط بدون سفك دماء وقال الخولي : لقد أمسكنا بهم كالأرانب في فراشهم .

وفي يوم (16/11/1970) أنهى حافظ الأسد وضع اللمسات الخيرة على البيان الذي أذيع ليفتح العهد الجديد ، وفي خضم الحدث وصل العقيد القذافي فاستقبله الأسد في المطار ، وداعبه بقوله : إنك طيب الحظ أنك لم تصل قبل نصف ساعة ..

دولـة الأســد

كان الأسد أكثر تحرراً من صلاح جديد ، وكان الناس مشتاقين إلى التنفس بحرية ، وركز على الحاجة إلى الوحدة الوطنية ، وقام بجولة في المحافظات ، أكرم فيها غاية الإكرام ، ومنها حماة ، لأنه خلص البلاد من الماركسي صلاح جديد .

وفي (1963) كان الأسد يعمل على تحطيم سيطرة المدينة على الريف ، وفي (1970) صار يعمل  لكسب تأييد أهل المدن ، وانقلب من ( ثوري ) إلى ( رجل حكم ) . وبنى حكمه على ركيزتين :

1ـ لايسمح بأي تـحد لحكمه .  2 ـ الدعم الشعبي لسياسته .

وفي (12 /3/1971) بعد استفتاء شعبي صار حافظ الأسد رئيساً للجمهورية لمدة سبعة أعوام ، وبقيت تتكرر حتى وفاته عام (2000) .

وشكل قيادة قطرية من (14) عضواً ، ثم زادهم إلى (21) ، ومع ذلك كانت الكلمة الأخيرة في الحزب والدولة والجيش لحافظ الأسد .

وشكل حافظ الأسد مجلساً للشعب من (173) عضواً في البداية . كما أسس اللجنة المركزية للحزب من نخبة أعضاء الحزب والمحافظين وأمناء الفروع ، وكبار الضباط ، والوزراء ، وكبار الجامعيين ...

كما شكل الجبهة التقدمية الوطنية ، في آذار (1972) . وانتخبت المجالس المحلية من البعثيين ومن الجبهة التقدمية .

واهتم الأسد أن يظهر أنه ليس طائفياً ، فرئيس وزرائه ، ووزير دفاعه ، ووزير خارجيته ، وأمين سره الخاص ، وكاتب خطاباته ، وحارسه الشخصي ، كانوا من غير العلويين . إلا أنه كان يعتمد على العلويين في وحدات الأمن وفي الجيش .

وصار الأسـد يعمل أربع عشرة ساعة في اليوم . وكان في الأربعين من عمره ، وعنده خمسة أطفال ، لم يترك لهم عطلات ، ولانزهات ، أو رحلات ، وحرم نفسه الطعام معهم ، يقول عنه ولده باسل :  لا أذكر صورة والدي إلا وهو مكب على مكتبه يقرأ التقارير.

وفي (4/3/1972) ، اغتيل اللواء محمد عمران ، الرئيس الأسبق للجنة العسكرية ، والتي لم يبق منها في الحكم سوى حافظ الأسد .     

أحـداث الدســتور :

وضـع الدستور السوري في بداية الاستقلال (1949) ، وكان الدكتور مصطفى السباعي رئيساً للجنة وضع الدستور في المجلس النيابي ، وهو المراقب العام الأول والمؤسس لجماعةالإخوان المسلمين في سوريا ، اقترح السباعي أن تكون فقرة في الدستور تقول: دين الدولة الإسلام ، ولكن أكثرية المجلس النيابي يومذاك لم توافق  ، وقدموا بدلاً منها مادة تقول : دين رئيس الدولة الإسلام ، والإسلام مصدر رئيسي من مصادر التشريع ، ووافق السباعي خضوعاً لرأي الأكثرية في المجلس ([31]) . كما وضع في الدستور مادة تقول : هدف التعليم إنشاء جيل يؤمن بربـه ثم أمتـه ووطنـه .

وأراد حافظ الأسد بعد أن صار حاكماً فرداًَ أن يغير الدستور ، فعدل في الدستور ، حتى جعل رئيس الجمهورية هو كل شيء في الدولة ، وبقية الوزراء خدم عنده ، وتطاول أكثر ليغير هاتين المادتين وجعلهما :

 ـ رئيس الجمهورية عربي سوري منذ أكثر من خمس سنوات .

ـ يهدف التعليم إلى إنشاء جيل علمي التفكير .

فقام الشعب في حماة وحمص ودمشق ، وعبر عن رفضـه لهذا التعديل ، وناقش العلماء على منابر الجمعة خطر هذا التعديل ، وقال الشيخ محمد علي مشعل في حمص : عربي سوري منذ أكثر من خمس سنوات ، يعني كوهين لو بقي حياً يحق لـه أن يكون رئيساً للجمهورية . وخرجت مظاهرة في حماة ، تتكون من طلاب المدارس المتوسطة ، حملت لافتات كتب عليها ، دين رئيس الجمهورية الإسلام ، وهتفت هتافات : لادراسة ولا تدريس إلا بإسلام الرئيس ... نظم الإخوان المسلمين هذه المظاهرة ( على الأرجح ) ، ولكن الاشتراكيين وغيرهم من الناصريين وعامة الحمويين ، لايتقيدون بالنظام ، وبما خطط لهذه المظاهرة التي كانت عبارة عن مسيرة تعبر عن رأي الشعب ورفضـه لتعديل الدستور في هاتين المادتين ، ولكن كما أسلفت بعض الحمويين ( على الأرجح من الاشتراكيين ) قادوا المظاهرة  التي جمعت أضعاف الذين انطلقوا بها ، جمعتهم من الشوارع كعادة المظاهرات ، خاصة عندما يكون الشعب مقهوراً ومكبوتاً ، قادوها إلى إحـراق مكتب حزب البعث العربي الاشتراكي ، وكان في الباشورة ،بعد أن هرب منه يوسف الأسعد (علوي من حورات عمورين وهو أمين فرع الحزب ) ، ورفاقـه الآخرون ، وحاول خالد مصطفى الشاكر من قرية سريحين الدفاع عن مكتب الحزب وحماية أعضاء الفرع ، ولكن المظاهرة كانت عارمة وجارفة ولم يجد بداً من الفرار . فأحرق المتظاهرون مكتب الحزب بمافيه من وثـائق وأثـاث وملفات ....إلخ .   

ثم توجـه المتظاهرون إلى مقهـى الغزالـة ( من القلائل التي تقدم الخمر في حماة ) ، وفي نزلـة الدباغـة دمـروا دكاناً لبيع الخمور ، وأراقوا الخمر في الشارع ، ثم وصلوا مقصف وملهى الغزالة ، ودمروه ورموا ثلاجاته وأثـاثـه في نهر العاصي ، حيث أن هذا المقصف فوق نهر العاصي ، بالقرب من الناعورة ، بجانب حديقة أم الحسـن . ودخلت قوات الجيش بسياراته المصفحة ، وسمع أزيز الرصاص الذي غطى على أنين النواعير .

وهرب المتظاهرون  ، وربما اعتقل بعضهم من الشوارع .

في اليوم التالي اعتقلت سلطات الأمن عشرات المدرسين من الإخوان المسلمين ، من حماة وحمص واللاذقية ، وبعد أكثر من شهر أو شهرين ذهب وفد من علماء حماة بقيادة الشيخ محمود الشقفة يرحمه الله ، يتشفعون عند حافظ الأسد بالمعلمين وكلهم من الفقراء الذين ينتظرون راتبهم لإطعام أولادهم الخبز ، ولما دخلوا على الرئيس حافظ الأسد سخط واكفهر وقال : كيف تتشفعون بالمجرمين ، هؤلاء مجرمون ، والله لأقطعن اليـد التي لم يستطع عبد الناصر أن يقطعها( [32]) .

حـرب تشــرين 1973

كان الأسد يختلف عن معظم الزعماء العرب في أنه تجرأ على التفكير في مهاجمة إسرائيل ، بالاشتراك مع السادات ، فبعد عشرة أيام من استيلائه على السلطة طار إلى القاهرة يبحث عن حلفاء ، وبعد عشرة أسابيع زار الاتحاد السوفياتي ، وبذل السوفيات جهوداً كبيرة لإرضائه ، خاصة لأن سوريا لم تكن على علاقة بأمريكا منذ (1967 ) ، ولم ينس أنه في عام (1967) خاضت مصر وسوريا والأردن حروباً منفصلة ، فأتاحت الفرصة لإسرائيل كي تنتصر على العرب كلهم ، وفي هذه المرة كان الأسد مصمماً على إرغام إسرائيل أن تقاتل في جبهتين في آن واحد . وهكذا أصبحت خطة القتال على جبهتين معاً حجر الزاوية في التخطيط للحرب التي بدأها السادات والأسد منذ (1971)  ، ولهذا خصصا معظم الأعوام (1972 ، 1973 ) لملء ترسانتهما بالسلاح ، ويرى (باترك سيل ) وربما هذه هي وجهة نظر الأسد نفسه أن السادات أراد من الحرب (التحريك ) ، بينما أراد الأسد التحرير ([33]). أما السادات فقد بذل جهوداً خلال عام (1971) من أجل انسحاب إسرائيل ، والتطبيع معها بعد ذلك ، وطرد السادات الخبراء السوفيات بناء على طلب كيسنجر الذي قال له لن يقع السلام في الشرق الأوسط إلا بعد مغادرة السوفيات لـه . وكرر السادات محاولة السلام في شباط (1973) ، وكان الملك حسين حريصاً مثل السادات على السلام ، وقد عرف الأسد بمحاولات السادات التي بذلها من أجل  انسحاب إسرائيل مقابل التطبيع معها ([34] )وتأكد لـه أن السلام لايمكن بدون حـرب ([35]). ووضح هدف الحرب العسكري ـ كما يقول الأسد ـ وهو استعادة الجولان في سوريا ، والوصول إلى ممرات سيناء في المرحلة الأولى في مصر ، ثم إعادة الاحتشاد لتحرير سيناء كلها ([36]) .

وفي (23/4/1973) جلس الأسد والسادات وحسني مبارك يومين اتفقا على الخطوط العريضة للمعركة . وكان في سوريا يومها (300) طائرة مقاتلة ، وأكثر من (100) بطارية صواريخ سام ، و(500) منصة إطلاق ، و(400) مدفع مضاد للطائرات .  هذا في القوة الجويـة فقط.

وقد عرف السوفيات أن مصر وسوريا تريدان الحرب ، ولكن لم يعرفوا متى ؟ حتى أخبروا رسمياً يوم (4/10/1973) . بيوم الحرب .

وقد وصلت هذه الأخبار من عدة طرق لإسرائيل ([37])،  ولكن الجبروت والغرور الذي وصل له الصهاينة عام (1967) جعلهم لايصدقون أن العرب سيفكرون ثانية بالحرب ، وفسروا كل هذه الإشارات أنها تسريب مقصود من العرب لزعزعة أمن العدو .

وسافر إلى الاسكندرية ستة ضباط سوريين بثياب مدنية بحراً وكأنهم في رحلة وهم (طلاس ، شكور ، جميل ، الدردري ، الشهابي ، وفضل حسين قائد الأسطول ) ، وقضوا يومين في نادي الضباط مع زملائهم المصريين ، ووقعت وثيقة رسمية تتضمن النية المشتركة لخوض الحرب ، وحدد تشرين الأول ( اكتوبر ) . ثم تقررت ساعة الصفر بعد أن طلب المصريون أن تكون مساء لعبور القناة دون تدخل طيران اليهود ، بينما أراد السوريون الفجر لتكون الشمس خلفهم ، وأخيراً أخذ حل وسط وهو (الثانية ظهراً ) ([38]) .

وكان عدم التفاهم جلياً لأن الشاذلي ( رئيس الأركان المصري )مقتنع منذ البداية أن طاقة مصر هي اجتياز القناة ، واحتلال شريط من الأرض شرقها ، والقدرة على الاحتفاظ به . ويعتقد أنه ليس في طاقة مصر شن هجوم واسع لطرد إسرائيل من سيناء ، إلى ما بعد الممرات ، لأن سلاح الجو المصري أضعف من أن يدعم تقدم بري في سيناء . لأنه سيكون خارج مظلة الصواريخ ( سام ) المنصوبة غرب القناة . وهذا هو ما أخفته قيادة مصر على الأسد ، ويقول باترك سيل : ( إن السادات قد كذب على الأسد وتعمد خداعه حول نواياه ، واستدرجه إلى الاعتقاد بأن الهجوم الذي ستشنه مصر سيكون أوسع نطاقاً مما كان ينويه فعلاً ([39]).   وقد اضطر السادات عندما عرف أن الأسد لن يحارب معـه إلا من أجل تحرير سيناء والجولان كلهما .

كانت حرب تشرين أكبر مشروع عسكري عربي في العصر الحديث ، وبدلاً من أن يحقق الآمال الزاهية كان كارثة سياسية وضعت العرب على طريق التفكك والتمزق . ففي اليوم الأول نقل المصريون مائة ألف جندي وأكثر من ألف دبابة عبر قناة السويس وحطموا خط بارليف بسرعة وأنشاوا خمسة مواقع دفاعية كنقاط انطلاق جديدة . وزجت سوريا خمسة وثلاثين ألف جندي وثمانمائة دبابة واجتاحت الحدود وكادت أن تصل إلى طبريا . وقد تحقق في اليوم الأول تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لايقهر . ومن حماسة الأسد نسي أن السادس من أكتوبر هو عيد ميلاده الثالث والأربعين .

وفي صباح اليوم السابع كانت إسرائيل قد خسرت (300) دبابة ، وفي يوم الثامن خسروا في الهجوم المعاكس الذي قاده شارون (260) دبابة أخرى ، وكانت هذه أكبر خسائر في تاريخ الجيش الإسرائيلي .

وفي اليوم الأول في الجولان تكبدت الفرقة التاسعة والسابعة في القطاعين الشمالي والأوسط ؛ تكبدتا خسائر فادحة في خندق الدبابات الذي حفره الصهاينة ، والسوريون يتفرجون عليهم ، وحصلتا على مكاسب متواضعة ، بينما تقدمت الفرقة الخامسة من الجنوب وطردت الصهاينة من أجزاء كبيرة من الجولان الجنوبي والأوسط ، وفي اليوم الثاني زجت الفرقة الأولى في القطاع الأوسط ، وهي من أقوى الفرق للجيش السوري ولديها دبابات (ت 62 ) .

وفي اليوم الأول والثاني للحرب نفذت خطة إجبار الصهاينة على القتال في جبهتين معاً .

ثم لم تتقدم مصر بعد تجاوزالقناة كماتوقع السوريون ، بل قاتلت سوريا أسبوعاً كاملاً وحدها ، وهكذا تغلبت إسرائيل كعادتها على الجبهتين واحدة بعد الأخرى .

وعندما تنبهت إسرائيل إلى أن أهداف مصر متواضعة ، عندما رأت القوات المصرية تحفر وتستحكم في مكانها شرقي القناة ، لذلك أمر ديان سلاحه الجوي بالعمل فوراً ضد السوريين ، وبدأ الطيران الصهيوني يواجه الدروع السورية ، وخطوط الإمداد والتموين ، وواجهت القوات السورية في يوم (8، 9 ) نيران سلاح الطيران الصهيوني بكامله ، وسيطر العدو على سماء المعركة ، وكانت عدد طلعاته تتراوح يومياً بين (500 ـ 600) طلعة ضد القوات السورية ([40]) . وأقل من خمسين طلعة في سيناء . وهكذا أوقف التقدم السوري ، ثم أعيد القهقرى . في مساء اليوم التاسع .

وفي يوم (11/10) اخترق العدو الدفاعات السورية ، وكان قد فقد السوريون (800) دبابة أي كامل قوتهم المدرعة ، وستة آلاف رجل ، ومئات السيارات المصفحة ، وأضرار بثلاثة مليارات ونصف دولار .

وفي يوم الأحد (14 /10) قام السادات مخالفاً كل العسكريين عنده بالهجوم المصري ، وهدد بعض قادة الجيوش بالاستقالة ، أو التمرد ، أو الانهيار العصبي ، ولكن بناء على إلحاح وطلب من حافظ الأسـد ، كان الهجوم المصري بعد أن انتهت إسرائيل من الجبهة السورية ، وتفرغت للمصرية ، وكانت النهاية فشل هذا الهجوم من يومه الأول ، وخسرت مصر (250) دبابة ،  ثم كان الخرق عند الدفرسـوار ،  وكانت هذه الطامـة على مصر ، حيث وقف الجنود الصهاينة عند لوحة تقول ( القاهرة 101 كلم ) . وحوصر الجيش الثالث (45000) جندي ، وسبق أن وقف الجنود الصهاينة عند لوحة في الجبهة الشمالية كتب عليها(دمشق 40 كلم ) ، أي في مرمى المدفعية الصهيونية .

العـراق

دخل العـراق الحرب يوم (10/10) ([41]) فأرسـل (100) طائرة ، وأكثر من (300) دبابة ، وحوالي (18000) جندي ، وكان أول اشتباك لهم يوم (13/10) تكبد فيه العراقيون خسائر فادحة فإنهم بالاشتراك مع لواء أردني دخل يوم (14/10) ساهموا في تقوية الطوق حول الممر الناتئ المستطيل الذي احتلته إسرائيل في الطريق إلى دمشق ، كما أرسل الملك فيصل ألفي جندي كمشاركة أخوية ورمز للتضامن،كما وصل لواء مغربي وساهم في الدفاع عن جبل الشيخ .

ويوم (20/10) كان الصهاينة يقصفون مطار المزة العسكري بالمدافع  .

وقـف إطـلاق النـار :

في يوم (16/10) وجه السادات رسالة مفتوحة إلى نيكسون في خطابه لمجلس الشعب ، وفي (18/10) وصل (كوسيجين ) من روسيا ومعه صور جوية تبين وجود (300) دبابة صهيونية غرب القناة ، وكان الجسر الجوي الأمريكي ينزل الدبابات في سيناء مباشرة ، وأبرق السادات للأسد يقول ( ... نحن نقاتل الولايات المتحدة الأمريكية ، ولاأستطيع ذلك .

واتفق كيسنجر مع بريجنيف على أن يصدر مجلس الأمن قراراً في الساعة الواحدة بتوقيت نيويورك يوم (22/10) يطلب وقف إطلاق النار ، باسم القرار (338)  . وقبلت مصر وإسرائيل وقف إطلاق النار على الفور . وبعد محادثات بين الأسد والسادات وعدد من القادة العرب ، واجتماعات الحزب والجبهة وافقت سوريا على وقف إطلاق النار في وقت متأخر من يوم (23/10) .

وقد لمح كيسنجر فرصة وضع مصر على الطريق نحو سـلام منفصل فيما بعد الحرب ، وهذا كان أكبر كابوس للأسد .

كان الأسد يلقي باللوم على السادات لأنه لم ينفذ خطة إجبار العدو الصهيوني على القتال في جبهتين معاً ، ولكنه لم يعلن ذلك للصحافة ، وكان يتكلم في مجالسه الخاصة فقط ، وكان السادات يلوم سوريا التي أجبرته على تطوير الهجوم مما ساعد العدو على الاختراق غرب القناة .

مؤتمر جنيـف :

(21/12/1973) حضرت مصر والأردن وإسرائيل ، ووضعوا يافطة تمثل سوريا ، ولم ينعقد المؤتمر بعد خطب الافتتاح .

وفي (18/1/1974) وقعت مصر مع إسرائيل اتفاقية فصل القوات في سيناء القاضي بأن تترك مصر (700) جندي و(30) دبابة فقط شرق القناة ، وتسحب بطاريات الصواريخ إلى العمق (30) كلم بعيداً عن خط فصل القوات . ويفتح باب المندب ، وقناة السويس أمام الملاحة الصهيونية ، ولما وصل السادات يوم (19/1/74) إلى دمشق قابله الأسد بوجه مقطب كالصخر ، واستمر اللقاء في المطار تسع ساعات ، ثم اقترح السادات أن يبقى مع الأسد وحيدين وادعى السادات أنه لن يسمح بالعبور في القناة وأن مافعله ليس إلا مناورة .

واستمر حظر تصدير النفط في الأسابيع الأولى من عام (1974) ، وكان له أكبر أثـر في جر الغرب عامة وأمريكا خاصة إلى البحث عن حل لمشكلة الشرق الأوسط . وكان هو الموضوع الرئيسي لقمة الجزائر ، ولكن كيسنجر بدهائه دفع العرب إلى إلغاء الحظر في (18/3/74) .

وفي (20/2/74) قدم صباح القباني لكيسنجر قائمة بأسماء الأسرى الصهاينة في سوريا ، وقال : على الإسرائيلين أن يدركوا بأن حرب تشرين قد خلقت وضعاً جديداً جعل سوريا قادرة على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه تسـوية سلمية .

وقام كيسنجر برمي كذبـة عند السوفيات فقال أمام بريجينيف  : أن سوريا طلبت منه أن تساهم أمريكا في بناء الجيش السوري وأن تمده بالسلاح ، ولكن أمريكا رفضت لأنها لاتريد تأجيج نار الحرب في المنطقة . وأصلها أن كيسنجر يقول : أمريكا مدت إسرائيل بجسر جوي لأنها لاتريد أن تتغلب الأسلحة السوفياتة على الأميركية ، فقال الأسد : ماذا لو عندنا أسلحة أميركية أيضاً ، ماذا تفعل أمريكا عندئذ !!؟ وهذه النقطة حورها كيسنجر إلى تلك الكذبة ليعكر صداقة سوريا مع الروس .

اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل (31/5/74)

استغرقت رحلات كيسنجر المكوكية شهراً كاملا ً من (29/4 /  ـ  29 /5 /74) ، ونشأ ود بينه وبين حافظ الأسد  (!!!) ، بعد أن أعجب كل منهما بالآخر ، ودار ذلك وسط دائرة ضوء إعلامية عالمية دفعت اسم الأسد نحو قمة الأحدا ث العالمية ، واكتسب سمعة البطل الصامد المدافع عن المصالح السورية ، غير أن المكاسب على الأرض كانت ضئيلة جداً  . وكانت هذه أهم ملامح فك الاشتباك  :

1 ـ انسحاب إسرائيل  من الشريط المحتل في حرب تشرين ، ومن جزء مما احتلته عام (1967) ولو كان بسيطاً فيسمى انسحاب ، وتم ذلك بالانسحاب عن مدينة القنيطرة بعد أن دمر اليهود كل منازلها وبنيتها التحتية كما فعلوا ذلك في مدينة السويس ، وصارت القنيطرة في المنطقة العازلة تحت إشراف الشرطة السورية والأمم المتحدة ولايدخلها الجيش السوري .

2 ـ تتعهد سوريا بمنع الفدائيين الفلسطينيين من الدخول إلى إسرائيل .

3 ـ يحتفظ الصهاينة بمرصد جبل الشيخ .

ولدى زيارة نيكسون إلى دمشق (16/6/1974) وكانت بداية الغزل بين أمريكا والأسد ، سحب الأسد نيكسون إلى غرفة في مكتبه وقال : نقبل القرارين (242) و(338) ومستعدون للسلام مع إسرائيل شريطة أن تنسحب إلى حدود ماقبل (5/6/67) وتعيد للفلسطينيين حقوقهم .. وكان الأسـد يلح على كيسنجر في جولاته المكوكية أن يحصل على تعهد خطي منه بهذا الوعد ، ولكن دون جدوى ، ولما اقترب نيكسون أكثر من موقف الأسد تدخل كيسنجر صارخاً : سيدي الرئيس ، إننا مضطرون للمغادرة ، لقد انتهى الوقت ، إن الطائرة تنتظرنا . ومرة أخرى حاول نيكسون الاقتراب من موقف الأسد ولكن هنري قاطعه ، حتى قال نيكسون : ياهنري ألا تريد أن أتكلم !!؟ ولكن هنري لم يهتز ، بل أجاب بلهجة ناعمة دمثـة أن من الأفضل ترك معالجة هذه القضية إلى حين عودة الرئيس إلى واشنطن ، وبذلك ختم كيسنجر الاجتماع ، وسحب رئيسه إلى الخارج ([42]).

وفي ( 25/3/1975) اغتيل الملك فيصل يرحمه الله ، وخسر الأسد واحداً من أكبر مؤيديـه ومساعديه العرب الذي ضخ في خزانة سوريا أكثر من (350) مليون دولار مرة واحدة ، وخلال بضع سنوات جعل سوريا تتجاوز محنتها المادية بسبب خسارته في حرب تشرين .

الأسـد في لبنـان :

في عام (1975) اتخذت سوريا الأسد أولى خطواتها لتكون قوة إقليمية ، أو خصم إسرائيل الذي له وزن وحجم .وكانت زيارة الأسد لبنان في مطلع (1975) أول خطوة .

واندلعت الحرب الأهلية في لبنان ، بعد زيارة الأسد بأربعة شهور ، ولبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يتمتع فيه الفلسطينيون بحرية الحركة وزاد عددهم على نصف مليون ، وكان حلفاؤهم بشكل بدهي هم المسلمون ( سنة أو شيعة ) ، وكلما نفذ الفلسطينيون عملية في الأرض المحتلة ردت عليهم إسرائيل بعملية كوماندوز في قلب بيروت ، كررتها إسرائيل عدة مرات ، وبلغ مجموع عملياتها من (68 ، 1974 ) أربعة وأربعين هجوماً أدت إلى مصرع قرابة ألف فلسطيني ولبناني .

كان الخط المألوف لدى أمريكا وإسرائيل هو تخويف الأسد كي يبقى في خارج  الحلبة اللبنانية ، بينما يترك الفلسطينيون واللبنانيون يتصارعون حتى النهاية ، وكانت هذه هي غريزة إسرائيل . لكن كيسنجر استطاع أن يغير هذه القناعة لدى أمريكا وإسرائيل معاً ـ ويقنعهم أن الحكمة هي دخول سوريا إلى لبنان ، وقد توصل كيسنجر لموقف يضطر فيه الأسد إلى سحق الفلسطينيين بدلاً من حمايتهم ، وإن الفوائد لأميركا وإسرائيل يمكن أن تكون عظيمة جداً ، فالفلسطينيون سيتم قهرهم ، واليسار يقهر ، والأسد تتلوث سمعته عند العرب ، وجادل كيسنجر كعادته وهو يؤكد أنه يعرف مصلحة إسرائيل أكثر من إسرائيل نفسها ، ودفعها إلى قبول هذا التوجه ، والموافقة على دخول القوات السورية إلى لبنان ، وأن هذا سيبعد الأسد عن الاهتمام بالجولان .

اتفاقيـة الـخط الأحـمر

وهي اتفاقية شفوية مؤداها أن تقبل إسرائيل وجود قوات سورية في لبنان ، بدون صواريخ سام ، جنوب طريق دمشق بيروت ، وأن يكون الانتشار السوري في البحر والجو محدوداً ، وفي (31/5/1976) أرسل الأسد جيشاً إلى لبنان ، وعلى الفور فك حصار الفلسطينيين اليساريين عن المعاقل المسيحية بالقوة العسكرية ضد الفلسطينيين .

في البداية كان الأسد يبعث نداءات للفلسطينيين كي يلقوا سلاحهم ، ولكن عندما رفضت القيادة الفلسطينية انذاراته أرسل المدفعية والطيران لدعم تحرك قواته في العمق اللبناني . وفي أواخر حزيران (76) كانت القوات السورية تحاصر المعاقل الفلسطينية واليسارية .

مكن التدخل السوري المسيحيين التحول من الدفاع إلى الهجوم ، ولاسيما ضد مخيم (تل الزعتر ) في ضواحي بيروت الشرقية ، فحاصروه وفيه (30000) فلسطيني ، وبعد (52) يوماً من الحصار بعد أن مات فيه أكثر من (3000) فلسطيني ، وقال رابين يومها : إنه لايرى حاجة للتشويش على الجيش السوري وهو يقتل إرهابي عرفات . وقد أثبتت حسابات كيسنجر صحتها .

واهتز العالم العربي ضد الأسد ، وقطع السادات علاقاته معـه ، وأرسل صدام حسين قوات إلى الحدود السورية ، وهاجم جنبلاط الحكومة السورية ، وقالت بعض الصحف العربية أن ألسد متواطؤ مع أمريكا لسحق المقاومة الفلسطينية لتمهيد الطريق أمام مشاريع التسوية .  حتى الاتحاد السوفياتي لم يرض عن تدخله في لبنان ([43]) .

وانقضى صيف (1976) بعمليات عسكرية صغيرة هادئة تخللتها بالتناوب نداءات ومناشدات وإنذارات متجددة ، ثم شن في أواخر ايلول (76) عدداً من الهجمات الكبرى انتهت بما يقرب من الدحر الكامل للفلسطينيين وحلفائهم . وعندئذ أصبح الأسد مستعداً لقبول الدعوة السعودية إلى مؤتمر مصالحة في الرياض (16/10/1976) أضيفت الشرعية على وجوده في لبنان باسم قوات الردع العربية ، ووافقت السعودية والكويت على دفع نفقات الجيش السوري في لبنان وفي نوفمبر 76 ) دخلت القوات السورية غرب بيروت  وأعلن عن انتهاء الحرب الأهلية ([44]) .

الأســد والعـدو الداخـلي  ( الإخوان المسلمون ) 

في (16/6/1979) وقعت مذبحة المدفعية في حاب ، وقتل فيها النقيب إبراهيم اليوسف ، وهو ضابط أمن المدرسة ، بمساعدة الطليعة المقاتلة قرابة ثلاثة وثمانين طالب ضابط من العلويين ، وكانت بمثابة إعلان الحرب بين حافظ الأسد والطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين ([45]). وكانت الحوادث ( الإرهابية ) ـ كما يسميها سيل ـ من نوع (اضرب واهرب ) تهز حياة المدن السورية منذ تدخل الأسد في لبنان صيف (1976) ([46]) . وقتل عدد من رجالات الحكم مثل العميد عبد الكريم رزوق قائد مدرسة المدفعية (1977) والدكتور ابراهيم نعامة (1978) والطبيب محمد شحادة طبيب الأسد الخاص ، وغيرهم كثير .

ويرى سيل أن هذه الأحداث لم تنشأ من فراغ ، وإنما يشير إلى :  (.... وبدأ عدد من الواصلين في الحكومة يجمعون ثروات طائلة لم يعرف مثلها السوريون من قبل ، وكان الأسد منشغلاً بالشئون الخارجية وأهمل الداخل . وبينما كانت المساعدات الخارجية إلى سوريا لاتزيد عن خمسين مليون دولار سنوياً ، قفزت عام (1874) على ستمائة مليون ، معظمها من دول الخليج ، وحتى من الولايات المتحدة الأمريكية ، أما صادرات سوريا النفطية فقد كانت سبعين مليون دولار (1973) قفزت إلى (700) مليون دولار (1974* وزادت على عائدات القطن المحصول التقليدي في البلد .

وبدأت تنحصر الثروة في يد فئة قليلة ، وتهبط الطبقة الوسطى لتصبح فقيرة ، فقد كان في وسرا (55) مليونيراً بالليرات السورية  عام (1963) ، أما عام(1976 ) فقد قفز العدد إلى (2500) مليونير ، وقد اثرى كثيرون منهم من العمولات التي يأخذونها على مشاريع الدولة (مثل السيد محمد حيدر الذي سمي السيد 5 % )  ويقال (10 % ) . ونمت شراكات بين كبار رجال الأعمال وكبار موظفي النظام العسكريين والسياسيين  .

وفي ذلك الوقت أنشأ (رفعت الأسد ) الذي كان يرى نفسه درع نظام أخيه ، انشأ سرايا الدفاع ، كأفضل وحدات في الجيش من حيث الرواتب ( العسكري 1500ليرة في حين كان المدرس المتخرج من الجامعة 500ليرة فقط) . وفي المؤتمر القطري الخامس (1975) انتخب رفعت عضواً في القيادة القطرية ، وكان رفعت فوق القانون ([47]) . وارتفع مستوى المعيشة بشكل مخيف ، فالشقة التي كان ثمنها خمسين ألف ليرة صار نصف مليون أي ارتفع عشرة أضعاف .

شكل الأسـد لجنة الكسب غير المشروع (1977) التي قبضت على عشرين من كبار التجار والموظفين ، لكنها تراجعت عندما وجدت نفسها مشتبكة مع شخصيات مقربة من النظام  . وكان رفعت الأسد المثال النموذجي للإثراء غير المشروع ، ولا أحد يستطيع أن يمس شقيق الرئيس  وحامي نظامـه ، ولأن الحادة كانت ماسـة لـه في الحرب مع الإسلاميين .

لقد اصطدم حافظ الأسد بالإخوان المسلمين من أيام شبابه في الثانوية ، فاشتبك معهم بالأيدي في باحة المدرسة في اللاذقية ، وضربوه بسكين في ظهره ، أجبرته على النوم بضعة اسابيع في الفراش .

 توفي مروان حديد في السجن عام (1976) في مستشفى حرستا العسكري ، وأقسم أتباعه على الثأر لـه . وبعد ثلاثة أعوام وقعت مذبحة المدفعية في حلب ، ومن منتصف (1979) وحتى منتصف (1980) كان التنظيم السري  ( يقصد الطليعة المقاتلة ) يمسك بزمام المبادرة ، وبدا الأسـد معرضاً لأعظم الأخطار ، وكان المقاتلون يختبأون في الأحياء القديمة التي يصعب على السيارات الدخول فيها ، ومنها ينطلقون لتنفيذ عملياتهم في قتل أعوان النظام . ففي حلب قتلوا أكثر من (300) شخص معظمهم من البعثيين والعلويين . وفي عام (1979) أعدم (حسني عابو ) صهر الشيخ خيرالله ، بعد أن عرف أنه قائد التنظيم العسكري في حلب ، فخلفه (عدنان عقلة ) ، بينما قتلت قوات النظام حوالي الفين من المعارضين المسلمين ، بالإضافة إلى اعتقال الألوف .

وفي آذار (1980) حاول الإخوان المسلمون ( يقصد الطليعة المقاتلة ) القيام باضراب تجاري ، سرى في كافة المدن ماعدا دمشق التي وجد السد فيها حليفاً في شخص (بدر الدين الشلاح ) رئيس اتحاد الغرف التجارية وصاحب النفوذ الكبير ، ومع أنه في الثمانينات جمع ىاصحاب المحلات التجارية وحثهم على عدم الإضراب . وقد استفاد تجار دمشق من الثراء الجديد ، أكثر من زملائهم في المدن الأخرى ، وقد تبين للأسد  ، منذ اسـتلامه الحكم ؛ أنه يجب عليه أن يتصالح مع طبقة التجار الدمشقيين ليستقر له الحكم . 

وفي المؤتمر القطري السابع تولى رفعت الأسد الدعوة إلى شن حرب شاملة ضد (الإرهابيين ) وقال : إن ستالين ضحى بعشرة ملايين للمحافظة على الثورة البلشفية ، ويجب أن تفعل سوريا مثل ذلك ، وقد شهد ذلك المؤتمر صعود رفعت إلى مستوى لاتتفوق عليها سوى منزلة أخيه حافظ . ولعل أساليب القبضة الحديدية التي مارسها قد أنقذت الدولة ، غير أنه غيرت طابعها أيضاً .

وفي (9/3/1980) أرسلت قوات محمولة جواً إلى جسر الشغور وأدى ذلك إلى (200) قتيل من المواطنين وسيق مئات آخرون إلى المحاكم الميدانية . وارسلت الفرقة الثالثة بأكملها أي عشرة آلاف رجل و(250) دبابة إلى حلب يقودها شفيق فياض ، وانضم إليها رجال من سرايا الدفاع ، وقامت بعمليات التفتيش ( التمشـيط ) الذي ساد في الربع الثاني من عام (1980) . وبقيت القرقة الثالثة عاماً كاملاً في حلب ، لها دبابة في كل شارع ، وتعرضت حماة للقصة نفسها من التمشيط في سنوات (1980 ـ1981) . وحلت النقابات ووضعت مكاتبها تحت الوصاية ، ولم تظهر بعد ذلك .

وفي (26/6/1980) كان الأسد يودع أحد ضيوفه الأفارقة ، عندما نجا من الموت بأعجوبة على يد خصومه الإسلاميين ، فقد ألقيت عليه قنبلتان ، فرفس إحدى القنبلتين بعيداً ، بينما القى أحد الحراس بنفسه على الثانية ، وقام حارسه خالد الحسين (الفلسطيني ) بإلقاء الرئيس على الأرض وجعل جسمه درعاً لحمايته .

وفي الساعة الثالثة من صباح يوم (27/6/1980) شحنت وحدتان من سرايا الدفاع بالطائرات إلى سجن تدمر ، وأطلقت النار من الأسلحة الرشاشة على المساجين في زنزاناتهم ، فقتل حوالي خمسمائة سجين كلهم من الإخوان المسلمين ([48]) .

وصدر المرسوم (49) الذي يجرم بالإعدام على كل من انتسب للإخوان المسلمين ، وأعطيت فرصة شهر واحد لمن ينسحب من التنظيم ، فتقدم مئات من صغار الأعضاء ولكن المتشددين في قلب الحركة لم يهتزوا . 

وفي عام (1981) قتلت المخابرات السورية الصحفي سليم اللوزي ، ورياض طـه نقيب الصفيين في بيروت ، وقتلوا بنان الطنطاوي زوجة عصام العطار ، كما اغتالوا صلاح الدين البيطار في باريز ، الذي لأصدر في باريز مجلة (الإحياء العربي) بدعم من الخليج ، ونشر فيها مطالبة المحامين السوريين بإعادة سيطرة القانون ، وجـّر ح قاعدة الحكم السوري الطائفية العلوية . وشنع على الأسد قتله للفلسطينيين في لبنان.

وفي خريف 1980 شكلت الجبهة الإسلامية التي حاولت تجميع المعارضة السورية في تحالف وطني وكانت قيادتها مكونة من عدنان سعد الدين من (حمص ) (!!!!) ، ومحمد (!!!) البيانوني من حلب وسعيد حوا من مواليد حماة . ونقل العمليات إلى دمشق في مكتب رئيس الوزراء (آب 1981) ، وخارج الآمرية الجوية (أيلول 1981) ، وخارج مقر الخبراء السوفيات (اكتوبر 1981) ، وأكثرها دموية الأزبكية (29/10/1981) . وتحولت دمشق إلى معسكر مسلح . وحصل الأسد على سيارة كدلك مصفحة عام (1976) ، وفي عام (1981) كان الأسد من أفضل الرجال حراسة في العالم  

انتفاضـة حـماة ([49])

في (2/2/1982) كانت وحدة من الجيش تمشط المدينة القديمة ، فوقعت في كمين وقتل فيه عشرون جندياً ، بعد أن عثر الجنود على وكـر القائد المحلي للمقاتلين ( عمر جواد المسمى أبو بكر ) . وعندما طوق أعطى الأوامر بالانتفاضة ، فانطلقت المساجد بنداءات الجهاد ضد البعثيين من مكبرات الصوت ، وخرج مئات المقاتلين من مخابئهم يقتلون وينهبون السلاح ، ويهاجمون بيوت المسؤولين ، وبحلول صباح الثالث من شباط قتل سبعون من كبار المسؤولين ،وأعلن المقاتلون سيطرتهم على مدينة حماة .

واستمرت المعركة ثلاثة أسابيع مدلهمة ضارية ، كانت الحكومة تحاول إعادة السيطرة في الأسبوع  الأول ،وفي الأسبوعيين الآخرين كانت تقتل المتمردين ([50]) ، وتراجع المتمردون إلى الأحياء القديمة التي لاتدخلها السيارات ، مثل البارودية والكيلانية ، فقصفتها السلطة بالمدفعية وقتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء قبل القضاء على المقاومة وبعدها . ودمرت الحكومة ثلث المدينة .

وأزيحت الأحياء القديمة المتهدمة بالجرافات ، وأقيمت حدائق وساحات ، ونوادي وبركة سباحة مختلطة (!!!) ، وكانت هذه السباحة المختلطة من أهم التغييرات الثورية عام (1983) .

  يقول باترك سيل : وهؤلاء المقاتلون الذين يملكون أموالاً وأسلحة ومعدات متطورة كانوا سذجاً في السياسة ، فقد تحدثوا عن إقامة جمهورية إسلامية في سوريا ، ولكنهم لم يقدموا أي برنامج منطقي متماسك ، ورغم ذلك تعاطف معهم كل من يكره البعثيين وهم أغلبية الشعب  .  

انزوى الأسد بعد القضاء على الإخوان المسلمين ، وصار شعبه يراه في التلفزيون فقط ، وبدأ يهرم خلال سنوات الأزمـة ، إذ كان يأكل بشكل غير منتظم ، ونادراً ماكان يخرج لاستنشاق الهواء الطبيعي ، بل يعمل في مكتبه المغلق بستائر ثقيلة أربع عشرة ساعة بلا توقف ـ حتى اضر ذلك بصحته ، فأصابه الضنى والهزال ، ولم يعد ينام إلا غراراً ، ونشأت لديه عادة مقلقة وهي استدعاء أحد مساعدية أو السفراء إلى منزله في منتصف الليل من أجل حديث حتى الثالثة صباحاً ([51]) .

ولم تكن الخشية من الاغتيال هي السبب الوحيد لهذه العزلة ، بل وجدها من حكم مكيافللي ( كي تقود الرجال أدر لهم ظهرك ) ...أي لاتجلس معهم فيهابونك . ولم يعد الوزراء يرونه سوى مرتين ، الأولى عند قسم اليمين ، والثانية عندما يغادر المنصب  ، وصار من يحظى بمقابلة الأسد هم أصحاب النفوذ الكبير في سوريا فقط .

كان لديه مكتب في بيته وآخر في القصر الجمهوري ، ولا أحد يعرف أين يداوم غداً ، ومتى يصل ؟ ولاتوجد عنده عطلة أسبوعية ، وكان السفراء الأجانب ينتظرون شهوراً لتقديم أوراق اعتمادهم له .

ولم تعد عنده عطل ولا زيارات لأقارب أو أصدقاء ، وكانت أداته المفضلة في الحكم هي الهاتف . في السبعينات كان يحكم بترأس الاجتماعات ، وفي الثمانينات كان يحكم بالهاتف ، يبدأ الاتصال منه دائماً ولاأحد يجرؤ على الاتصال بـه ماعدا ثلاثة أو أربعة وهم قادة الأجهزة الأمنية ، وبقية الوزراء ورئيسهم وغيرهم يتصلون بمدير مكتبه (أبي سليم ) .

وكان يقرأ كل يوم ثلاثة خلاصات للأخبار تجهز لـه بعنايـة، ويرأس ذلك القسم (جبران كورية ) المسيحي البروتستانتي ، وكل شيء كان يدار حسب الطريقة القديمة ، لاكمبيوتر ، ولا أرشيف ، وكان العثور على وثيقة قد يستغرق ثلاثة أيام .

في الثمانينات صار في البيت الأسدي طباخة وخادمة ، وقد أصر الأسد على أن يتعلم أولاده في سوريا (!!!) وكانوا مثلاً للالتزام والمثالية في تعاملهم مع المدرسين ، ويرتدون اللباس الجامعي المقرر على الطلاب والطالبات .

وكانت الروح السائدة في البيت هي الخجل والتمسك بالخلق القويم ، وشدة الولاء للأسد ، وعندما كبروا لم يعد يرونه إلا نادراً ، يقول باسل :

( كنا نرى والدنا في البيت ، ولكنه كان مشغولاً إلى درجة أن ثلاثة أيام تمر أحياناً دون أن نتمكن من التحدث معه ، فلم نتناول الإفطار أو العشاء سوية ، ولا أذكر أننا تغدينا كعائلة واحدة إلا مرة أو مرتين في مناسبات رسمية ، كنا نقضي يوماً أو يومين في اللاذقية في الصيف ، ولكن حتى هناك كان والدي ينهمك في العمل في مكتبه فلانراه كثيراً .

الأسـد يقف مع إيـران ([52])

يقول باترك سيل ص 571 : أجرأ ملامح سياسة الأسد الخارجية ... كانت بلاشك وقوفه مع إيران الثورة ، وهاهو الأسد بطل القضية العربية المعاصر ؛ يتحالف مع قوة كبرى غير عربية ، بل كانت ـ ومازالت ـ تهدد الدول العربية عبر الخليج . وبالنسبة للعالم العربي ، وحتى المحلي ، كان قرار الأسد بدعم إيران محيراً ومثيراً للجدل والخصومة ، وقد خلق هذا التيار نزاعات مع العالم العربي ، وأبرز الطابع الشاذ والخطر نوعاً مـا للنظام السوري .وبد الأسد وكأنه يخطو خارج المسار الأساسي العربي القومي ، ومع ذلك فقد تمسك برأيه هذا خلال جميع تقلبات حرب الخليج ، ولم يتأثر بقلق الآخرين .

كانت هناك أسباب استرتيجية هامة لتحركه ، وقد تشبث بها مثل كامب ديفيد ، وخروج مصر من الصف العربي ، ويدعـي أنه يعوض مصر بإيران ضد إسرائيل ... ولكن لها جذور في خلفيته كأحد أبناء الطائفة العلوية .

وكانت صلته مع الإمام موسى الصدر وثيقة الذي استقر في لبنان (1959) وأفتى بأن العلوية فرقة من المسلين الشيعة . كما أبقى الشيعة في لبنان خارج ائتلاف كمال جنبلاط اليساري الذي دمره الأسد فيمابعد .

عرض الأسد على الخميني الإقامة في سوريا ، بعد أن أخرجه صدام حسين من النجف عام (1978) ، ولكنه فضل (باريز ) ، ويرى الأسد أن من أسباب دعمـه للثورة الإيرانية أنها ضد الشـاه الحليف الأول لإسرائيل .

وفي الحقيقة وجد الأسـد في التحالف مع إيران أفضل وسيلة لكبح جماح جاره وعدوه ( صدام حسين ) مع أنهما أبناء حزب البعث كلاهما .

ومنذ دخول القوات العراقية إيران وبداية حرب الخليج الأولى ، شجبها الأسد باعتبارها حرباً خاطئة غير مناسبة من حيث زمانها ومكانها واختيار العدو لأن محاربة إيران حماقة فهي ستنهك العرب وتشغلهم عن المعركة المقدسة في فلسطين ، وحاول الأسد عن طريق السعودية والأردن إيقاف الحرب ، ولما يئس من إيقافها صار يعمل على عدم انتصار العراق ([53]) .

وكان السوفيات مسرورين لأن إيران تخلت عن أمريكا ، ورخصوا لسوريا وليبيا بيع اسلحة سوفيتية لإيران ، وكانت هناك تقارير فورية عن جسر جوي من سوريا عبر اليونان وبلغاريا والاتحاد السوفياتي ، ومن لبييا عن طريق البحر الأسود ، وكان هذا الجسر يستخدم أسطول الشاه الضخم من طائرات البوينغ (747) و (727)  و(707) . وفي كانون الثاني (1981) أقامت إيران خطوطاً جويـة منتظمة مع دمشق وطرابلس والجزائر .

وفي عام (1979) بدأ متطوعون إيرانيون يعبرون من خلال سوريا في طريقهم على لبنان ، كي يقاتلوا إسرائيل ، وراحت مخابرات رفعت الأسد تنضم إلى إيران في القيام بمهمات تخريبية في العراق ، أو بالتجهيز بالسلاح ، أو التعاون المخابراتي ، أو الدعاية ، وسرعان ماوجدت سوريا نفسها منغمسة في حرب الخليج .

ورد صدام بإغلاق السفارة السورية في بغداد في آب (19870) ، وصار الإعلام العراقي يكيل الشتائم للأسد الذي سلم القنيطرة بدون قتال (1967) وطلب وقف إطلاق النار بجبن في اليوم الثاني لحرب تشرين (1973) وتدخل في لبنان بالتواطؤ مع إسرائيل وأمريكا لذبح الفلسطينيين ([54]) .

ومع استمرار الحرب صرت تشاهد في دمشق أعداد كبيرة من النساء الإيرانيات بعباءاتهن السود ، من أرامل وأمهات القتلى ، يتوجهن إلى قبر السيدة زينب حفيدة الرسول r ، ولما قام علي أكبر ولايتي وزير خارجية إيران بزيارة دمشق في رأس السنة (1981) وفي الفندق كان يتابع التلفزيون السوري فأصيب بصدمة وهو يرى الملاهي الليلية التي تحتفل في آخر السنة بالعربدة والمرح الصاخب ، وشعر المسؤولون السوريون بالحرج الخفيف عندما افتتح ولايتي جلسة المحادثات في صباح اليوم التالي بشن حملة عنيفة ضد الراقصات شبه العاريات اللواتي شاهدهن على شاشة التلفزيون السوري .

ومع استمرار الحرب رأت إسرائيل في تجارة السلاح مع إيران فرصة لإقامة علاقة سرية مع المشايخ ، وفي (1980) استأنف بيجن بصمت وهدوء بيع معدات عسكرية لإيران ، بدءاً من قطع غيار الطائرات (ف ـ4) المقاتلة .

وتبين أن كثيراً من المعلومات المخابراتية التي شجعت صدام على غزو إيران ، كانت تأتي من إسرائيل وخلاصتها أن إيران في حالة فوضى ، وقد أعدمت مائة ضابط ، وسرحت ألوفاً ،  والجيش الباقي مشتبك مع الحرس الثوري الجديد ، وظن صدام أنه يستطيع الإطاحة بالخميني خلال أسبوع واحد فقط ، نتيجة المعلومات التي سربته له إسرائيل ، كي تشغل أكير عدوين لها ببعضهما ، وكان ذلك ، وكنا نلاحظ أن أمريكا ( يعني إسرائيل ) كانت  تريد أن تستمر الحرب ويبقى الوضع ( لاغالب ولامغلوب ) .

واستمر ت سـوريا الأسد وإسرائيل تتسابقان على كسب ود ثورة إيران ، وبذلك امتد الصراع العربي الإسرائيلي إلى الخليج ، فإسرائيل تأمل أن تؤدي مبيعات الأسلحة لإيران إلى إقامة تماثل واتفاق في المصالح بينهما ، أما سوريا فترى أنه يجب احتضان الثورة الإيراينة كحليف ـ رغم الضغط العربي ـ والمؤسسات السنية وخاصة في الجزيرة العربية والدول الخليجية .

حرب الأخوين حافظ ورفعت ([55])

في (18/11/1983) نقل الأسد إلى العناية المشددة لاضطراب في نبضات قلبه ، كان يشكو من السكري منذ زمن طويل ، وتفاقم بسبب حبه للحلوى ، وقد اضر بصحته عدم انتظام الغذاء ، ونقص في الهواء الطلق ، وطول الجلوس على الكرسي ، وبالإجمال السبب الحقيقي هو الإرهاق.

وأعطاه الأطباء مسكنات قوية ليجبروه على الراحة .

وأصيب المقربون منه بالذعر لأنهم فجأة أصبحوا بلاقائد([56]) .

وأعلنت الصحف أنه يجري عملية زائدة دودية ، لكن سرعان مانبش الصحفيون أنه أزالها منذ عشرين عاماً ، واضح كذب الإعلان السوري سافراً .

وافترض أنه استهدف بهجوم غادر خفي ، فبدل جميع طاقم الخدمة معـه : الطباخين والخدم والممرضات ، بل غير أثاث المنزل أيضاً . وفي (27/11/1983) ظهر على التلفزيون يفتتح جسراً في دمشق .

أمضى رفعت ثلاثة ايام في المشفى مع أخيه بلا نـوم ، وقد صعق لمرض أخيـه ، ومن سريره أرسل حافظ الأسد أمرأً بتشكيل لجنة سداسية من : مشارقة ، خدام ، الأحمر ، الشهابي ، الكسم ، وطلاس . لتدير البلد في غيابه ، والغريب أنه لم يجعل أخاه رفعت واحداً منهم .

واتجه قادة البلد العسكريين إلى رفعت بحثاً عن قيادة ، لأنهم رأوا أنه أفضل من يحمي النظام ، باعتباره شقيق الأسد ، وقد انتصر على الإخوان المسلمين ، أكبر خطر داخلي ، ورأوا فيه أنه سوف يخلف أخاه ، ويبقى كل منهم في مكانه .

ولم يوافق كبار الضباط على هؤلاء الستة ، الذين لم يروا فيهم سوى موظفين تنفيذيين موهوبين ،وليسول دعائم للنظام . وبناء على تحريضهم قام الشهابي وخدام بزيارة رفعت ، ليخبروه أن رجلاً مثله لايمكن إبعاده في مثل تلك اللحظات عن المجالس الحاكمة في البلد ، أما رفعت فقال إنه يمتثل لرغبات الرئيس الذي لم يجعله أحد الستة .

ولكن سرعان مااقتنع رفعت معهم ثم عقد اجتماعاً كاملاً للقيادة القطرية لم يغب عن سوى حافظ الأسد ووزير إعلامه أحمد اسكندر الذي كان على فراش الموت . وقررت القيادة القطرية أن تجعل من نفسها بديلاً عن اللجنة السداسية ، وكانت هذه طريقة أنيقة متقنة لجلب رفعت .

ولما علم الأسد وهو في النقاهة سخط سخطاً شديداً لأن أي انحراف عن الطاعة الكاملة الخالية من أي تساؤل كان يثير شكوكه ([57]) . فاستدعى كبار ضباطه ووبخهم على الابتعاد عن تنفيذ رغباته الصريحة ، وبذلك فتحوا الباب لأخطار غير متوقعة : أولم يروا أن دفع رفعت إلى المقدمة كان خطة أميركية ـ سعودية لإزاحته عن الحكم ([58]) ؟

ولما مرض حافظ في نوفمبر (1983) ، وتجمع الضباط حول رفعت ، فجأة ظهرت في كل مكان في العاصمة دمشق ، صورة لرفعت تظهره في أوضاع قيادية آمرة وقد ارتدى زي المظليين .

يكبر حافظ رفعت بسبع سنين ، وكان يرغم أخاه المتمرد الأصغر على احترامه ، وكان رفع يشبه حافظ في البنية الجسدية القوية ، والذكاء اللامع ، ولكنه يختلف في أنه أكثر ضحكاً من حافظ ، وميال للمتع ومندفع ، وكريم إلى حد الإفراط ، وبينما انهمك حافظ بكرسيه مشغولاُ في شؤون الدولة كلياً ، انهمك رفعت في بناء سرايا الدفاع ، كجنود مخلصين له ، وكان رفعت يمار س سلطات مطلقة ،  وقد أثرى هو وأصدقاؤه الحميمون ، كما كان يذهب في مهمات سرية إلى الأصدقاء والأعداء على السواء ، ويشترك في مشاريع أخرى يحيط بها الظلام والضباب في عالم السياسة والتجارة في البلاد العربية ([59]).

أما دور رفعت في تثبيت نظام أخيه حافظ فيعرفه القاصي والداني ، منذ شباط (1966) في إزاحة أمين الحافظ وعمران ، وفي (1969) في التخلص من عبدالكريم الجندي  ، والتخلص من صلاح جديد وزمرته القوية (1970) ، ثم سحق التمرد الإسلامي (1981 ـ1982) . وأصبحت سراياه جيش قوامه خمسة وخمسون ألفاً من معظمهم من العلويين ، وعنده أحدث الدبابات (ت ـ72) ، واسطول من المروحيات ، ولهم رواتب متميزة عن الجيش السوري . وتزوج أربع نساء وأنجب سبعة عشر ولداً ، ماعدا البنات .

كان حافظ الأسد يكره طريقة أخيه رفعت في الحياة ، وكذلك زوجته (أم باسل ) السيدة أنيسة مخلوف المتحفظة والمؤثرة ، وكان ينقد أخاه الذي اشترى بيتاً في أمريكا بمليون دولار أمريكي ([60]).

 وكان لايثق بصداقات رفعت مع ياسر عرفات والملك الحسن ملك المغرب ، وغيرهما .

وقعت مهمة (احتواء رفعت ) على عاتق الجنرالات الذين أتوه في مرض حافظ يبايعونه ، ولكنهم بدلوا ولاءهم ورجعوا لما شفي حافظ ، ومن الواضح أنهم يرون رفعت خلفاً لحافظ وليس بديلاً عنه ، ولما وبخهم حافظ وفهموا قصده انقلبوا على أنفسهم ، ومعظمهك من العلويين وهم (علي دوبا ، ومحمد الخولي ، وفؤاد عبسي ، ومحمد ناصيف ( وهو من القليلين الذين يتصلون هاتفيـاً بحافظ الأسد ) ،

وبشكل عام كان منافسو رفعت بالإضافة لمن ذكر : علي حيدر قائد الوحدات الخاصة ، وعدنان مخلوف من قادة الحرس الجمهوري ، وعدنان الأسد ( ابن عم حافظ ) قائد سرايا الصراع ، والجنرال شفيق فياض ، والجنرال إبراهيم صافي ، والجنرال علي أصلان ،  كان هؤلاء هم الجنرالات الذين تجمعوا حول رفعت أول الأمر ، ثم انقبلوا ضده ، والذين بدأوا في مطلع عام (1984) يناورون لإيقافه عند حـده .

وفي (23شباط 1984) بعد استقبال أحد الأمراء في مطار دمشق من قبل أنصار رفعت استقبالاً يفوق الترحيب الرسمي للكسم رئيس الوزراء  ؛ أمر الأسـد رئيس الأركان حكمت الشهابي أن يقوم بتسريح العقيد سليم بركات مدير أمن رفعت ، وكان الأسد يريد أن يتم خروجه في نصف سـاعة ، وناشد بركات رفعت أن يحميه ، وتحدث رفعت مع الشهابي هاتفياً ليطلب مهلة قدرها (48) ساعة ، ولكن الشهابي رفض وقال أوامر الرئيس واضحة جداً . ولكن بركات رفض التخلي عن منصبـه ، وهنا سارع علي دوبـا إلى ثكنـة بركات فاقتحمها بمفرده ودونما سـلاح ، وانقض على بركات وجرده من مسدسـه الذي كان يلوح بـه ، ثم صفعـه على وجهـه واقتاده بعيداً . وبعد بضع ساعات تمكن رفعت من الوصول إلى الأسد على الهاتف ، فسأله :

ـ ماذا فعلتم (بزلمتي ) بركات !!؟ فرد الأسد باقتضاب :

ـ أعتقد أننا أعدمناه .

ـ ولماذا تفعلون ذلك ؟

ـ لقد أمرت بنقلـه ، ولكنه رفض أن يذهب .

وبعد لأي عثر رفعت على بركات في السجن ، فأمن إطلاق سراحه ودبر لـه وظيفـة أسلم .

وأرسل رفعت أخاه جميلاً ليشفع لـه عند حافظ ، ولكن حافظ قال : أنا أخوكم الأكبر الذي أنتم مدينون له بالطاعة ، لاتنسوا أنني أنا الذي صنعتكم جميعاً .

وفي (29/2/1984) عقدت القيادة القطرية جلسة طارئة وتقرر تعيين ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية وهم : عبدالحليم خدام ( عدو رفعت ) ، والدكتوررفعت نفسه ([61])، وزهير مشارقة ، 

ونقلت إمرة سرايا الدفاع بموجب مرسوم جمهوري إلى العقيد محمد غانم ، ولكن رفعت جمع الضباط وطلب منهم انتخاب خلف له فاختاروا معين ناصيف ( زوج تماضر رفعت الأسد ) أما غانم فقد تنازل من تلقاء نفسـه .

وهكذا استمر الضغط على رفعت من أواخر عام (1983) وحتى آذار (1984) حيث تم نقل واعتقال العديدين من أنصاره الموالين لهم ،وقيل أعدم بعضهم .

وفي (30/3/1984) لم يستطع رفعت أن يتحمل أكثر فأمر سرايا دفاعه بالتحرك نحو دمشق ، والاستيلاء على السلطة ، فتحركت دباباته إلى داخل العاصمة ، وتمركزت سرية دبابات عند دوار كفر سوسة خارج مبنى قيادة المخابرات العامة ، حيث كان بإمكانها قصف المدينة ، واحتلت دبابات أخرى الحدائق عند الشيراتون وقصر الضيافة الجديد ، وزرعت الألغام أيضاً ، وطوقت فرقة مشاة القيادة القطرية .

وبسرعة حشد شفيق فياض دباباته على طول النهر في المعرض ، وانتشرت قوات المغاوير التابعة لعلي حيدر ، وأخرج المدنيون من بيوتهم الواقعة في مناطق الاقتتال المحتملة ، وصعد الملحقون العسكريون على الأسطح يراقبون بالمناظير التحركات .

في اليوم الذي سبق زحف رفعت أحضر الأسد أمه ( تجاوزت الثمانين ) من القرداحة بطائرة خاصة 

 لتبقى في منزل رفعت ، وكان يعرف أنها لاتزال تمارس تأثيراً قاهراً على طفلها الأصغر .

ولبس الأسد الزي العسكري الكامل ، واتجـه بالسيارة مع ولده باسـل فقط ، بدون حرس ولا مرافقين ، عبر الشوارع الفارغة الموحشة إلى مواقع أخيه المحصنة جيداً في ضاحية المـزة السكنية  ، حي ثيقع منزل رفعت ومقر قيادة سرايا الدفاع . وكان رفعت قد وضع دبابات في البساتين المجاورة وعلى طول الطريق الرئيسي ، ونصب مدفعية على جبل قاسيون المطل على المدينة . وفي الطريق لتحدي هذه القوة المركزة توقف حافظ الأسـد عند دوار كفر سـوسـة المليء بدبابات رفعـت وأمر الضابط المسؤول أن يعود إلى ثكنتـه .

وفي منزل رفعت في المـزة وقف الأخوان آخر الأمر وجهاً لوجـه فقال حافظ :

ـ أتريـد أن تقلب النظام !!؟ ها أنذا . أنا النظام .

ودار بينهما جدال عاصف طيلة ساعة . ولكن الأسـد في دوره كأخ أكبر ، ومع وجود والدته في البيت ، لم يكن ليفشل في كسب النزاع ، فاختار رفعت أن يقبل تعهد أخيـه بأن مصالحه وأرصدته سوف تحترم  . وأذعن لأخيـه كما كان يفعل ايام شبابهما . ونقل أصدقاء رفعت فيما بعد أنه قال : إن قراره بترك القتال كان أعظم غلطة ارتكبها في حياتـه .

وبعد ... طاف حافظ الأسد على وحدات رفعت المنتشرة في منطقة المـزة وأمرها بالانصراف . وبعد يوم أو يومين تنفس الناس الصعداء . وهم يرون اختفاء الدبابات من شوارع دمشق .

وفي حفلة عشاء صنعها رفعت لحوالي خمسمائة من رابطة الخريجين التي حلها حافظ الأسد قال رفعت  :  ( إن أخي لم يعد يحبني ، وعندما يراني يكشر ، وأنا لست عميلاً أمريكياً أو سعودياً ، ولم ااتصلت بالأمير عبدالله كان ذلك من أجل الحصول على المال ، وكنت أعمل من أجل سوريا . لو كنت أحمقاً لكان باستطاعتي أن أدمر دمشق كلها ، ولكنني أحب هذا المكان ، لقد كان رجالي هنا طيلة ثمانية عشر عاماً ، وقد اعتاد الناس علينا ، وهم يحبوننا (!!!!) والآت يريد هؤلاء (يقصد وحدات علي حيدر ) أن يطرودنا إلى الخارج ([62]) .

وكان رفعت يعارض سياسات أخيه حافظ في عدة أمور منها :

1ـ اعتماد سوريا أكثر من اللازم على السوفيات ، وبُعدها عن أمريكا .

2 ـ تورط سوريا في لبنان .

3 ـ يعارض دعم المنشقين عن فتح مثل أبي موسى وأبي نضال .

4 ـ ويعارض التحالف مع إيران ويقول ماذا يختلف هؤلاء عن الإخوان الذين قاتلناهم في سوريا ، كيف يمكن للنظام أن يتبع سياسة في حماة وأخرى مختلفة عنها في طهران !!؟هل كان الصراع ضد الإخوان المسلمين صورياً أم عقائدياً !!!؟

ويقول رفعت : إننا نتحدث عن الحريـة ، ولسنا أحراراً إلا في أن نأكل ونتزوج فقط . وفي (28 /5/1984) أرسلت طائرة محملة بسبعين من كبار الضباط (!!!!!) إلى موسكو لفترة تهدأ فيها النفوس ، وكان من بينهم رفعت الأسـد ، ولما أعلن بعضهم خوفـه على النظام قال له حافظ : لاتخافوا على النظام بل خافوا على أنفسكم .

ثم تم استدعاؤهم جميعاً ماعدا رفعت ،وفي (5/6) وصل رفعت إلى جنيـف ، وكان يرافقه أكثر من مائة ، وقيل مائتين من حراسه ومساعديه ، وهده حاشية باهظة التكاليف تكفل القذافي بتمويلها كي يبقى رفعت في الخارج .

وفي أيلول (1984) انتقل رفعت مع بقية طاقمه ـ بعد أن عاد الكثير منهم إلى سوريا ، انتق رفعت إلى فرنسا . وظل رفعت محتفظاً بلقب (نائب رئيس الجمهورية ) ، وفي (26/11) زار رفعت دمشق ، وزار القصر الجمهوري ، وركـع وقبل يـد أخيـه ـ ولكن أخـاه لم يسامحه ([63]) .ومنع من زيارة سرايا الدفاع ، وفي المؤتمر القطري (يناير 1985 ) وحضره رفعت لأنه عضو قيادة قطرية، تعرض رفعت لكثير من النقد والهجوم ، وكان بمثابة من يقف في قفص الاتهام ز وفي هذا المؤتمر منحت الصلاحية لحافظ الأسد كي يعين اللجنة المركزية كيفما يريد ، التي تنتخب القيادة القطرية .

وبعد ثلاثة أسابيع انتخب حافظ رئيساً للجمهورية للمرة الثالثة بنسبة (97ر 99) .

وفي مايو (1986 ) قام رفعت بزيارة غير معلنة لبريطانيا ، وقد سبقه أربعة من حراسـه الشخصيين مسلحين يحملون جوازات سفر مغربية ، وهبطت بعدهم طائرتان خاصتان تحملان رفعت وأفراد عائلتـه ( زوجاته وأولاده الصغار ) والخدم والحشم ورجال الأمن وكان مجموعهم أربعين شخصاً معظمهم يحمل جوازات سفر مغربية . 

باسـل حافظ الأسـد ([64]) :

 ولد باسل في (   23/3/1962 ) ، وهو المولود الثاني بعد بشرى ، درس الهندسـة ، ثم تطوع في الجيش ووصل إلى رتبـة رائـد ، وجمع عدة مهارات كما يتضح من الهامش المرافق ، وكان ضابطاً في الحرس الجمهوري ، وقد وضح أو والده يـعده للخلافة بعـده ، فصار يسلمه بعض الملفات مثل ملف مكافحة الفسـاد ، وكان أباطرة الفسـاد هم أعمامه رفعت وجميل وأولادهم ، وقطع شوطاً في مكافحة هؤلاء الذين كانوا يتاجرون بالمخدرات على مستوى دولي ، وفجأة أعلن في دمشق عن وفاته في حادث سيارة ، ولكن بعض الأنباء أشارت إلأى موتـه في لبنـان على يـد أولاد عمـه رفعـت أو جميل الذين ناصبوه العـداء لأنـه أخذ مكان رفعـت . ولأنـه كافحهم في حملة مكافحة الفساد ، وملاحقتهم في تهريب المخدرات .

ويروي أحد أطباء الأسـد أنهم أحضروه إلى جثمان باسـل ، فبكى بكاء مـراً وقال : حسبنا كل الحسابات ، إلا المـوت لم نحسـب حسـابه .

وفـاة الأسـد 

منذ أن دخل المستشفى في أواخر (1983) ، تتالت الإشاعات عن موت حافظ الأسد ، وعن مرضـه سرطان الدم ، وأنه بحاجة إلى تغيير دمـه بين الحين والآخر ، وصار يزداد عزلـة وانطواء على نفسـه ، وخاصة بعد موت ولده باسـل الذي كان يعـده ليخلفه في الرئاسـة .

وأخيراً وفي (10 / 6 / 200م) توفي حافظ الأسـد ، وأزيح عن سوريا كابوس كبير جداً ، وقد مهد الخلافة لولده بشار الذي قطع دراسته في طب العيون ببريطانيا ، بعد موت باسـل ـ وجـيء بـه إلى دمشق ، وأدخل في الكلية العسكرية ، وخلال سنة أو سنتين صار رائداً في الحر س الجمهوري ، ثم عدل الدستور السوري خلال ربع ساعة من قبل مجلس الشعب ليصبح عمر رئيس الجمهورية لايقل عن أربع وثلاثين سنة .

وبويـع بشـار ، ليخلف والده ، ونشأ نوع جديد من الأنظمة الحاكمة وهو الجمهوري الوراثي كما حصل في سوريا ، وقد يحصل في غيرها من الجمهوريات العربية .

خاتمـة :

بعد أن لخصت معظم كتاب (باترك سيل ) الصراع على الشرق الأوسط ، وهو بمثابة ترجمة لحياة حافظ الأسـد ، أقول معظمه وليس كله ، حيث كنت أتجنب في التحليلات السياسية التي شغلت أكثر من ثلث الكتاب ، وكنت أقلب حتى إذا وجدت اسم ( الأسد ) بدأت أقرأ بالتفصيل وأضع الخطوط تحت ما أراه هاماً .

بعد هذه الرحلة مع الكتاب والتي استغرقت مني بضعة أيام تولد في ذهني بعض الأسئلة والأجوبة وهاهي :

1 ـ حافظ الأسد شخص أعطاه الله بسطة في الجسم ، وفي الذهن ، واستطاع أن ينهب من أموال السوريين والعرب والإيرانيين حتى صار من أثرياء العالم ، وقاد سوريا ولبنان والفلسطينيين إلى التهلكة ، وترك آثاراً سوف تبقى إلى ماشاء الله حيث لايقدر على إزالتها إلا الله  .

2 ـ يتضح مبدأ ( غمز على اليسار واذهب يمين ) بشكل جلي في مسيرته ، وهذه بعض الأمثلة :

1. يعتقد ويصرح بأنه حريص على مصلحة الفلاحين ، ولكنه عندما استلم الرئاسة حرص على مصلحة التجار الدمشقيين، بعد أن أدرك أن استقرار الحكم يلزمه رضى التجار الدمشقيين.

2.   هو وجميع الحكام أمثاله تاجروا بقضية فلسطين ، وبعد استلامه الرئاسة دخل لبنان وذبح الفلسطينيين .

3. أمضى عمره ينادي ضد الامبريالية وضد أمريكا ، ونشأ  ود  بينه وبين كيسنجر ، ودخل لبنان بهندسة كيسنجر ، وموافقة أمريكا وإسرائيل.

4. يظهر أمام العلويين أنه يناضل من أجلهم ، ولا أحد يصدق أنه عمل ضدهم ، ولكنه ذبح منهم الكثير ، (عمران ، جديد ، وأعوانهم بالمئات ، ثم أزلام أخيه رفعت ... ) .

5. ظهر أمام أسرته ( آل الأسد ) أنه يعمل من أجلهم ، ثم طرد أخاه رفعت الذي مكن حكم حافظ وثبتـه ، وسلط أولاده باسل ثم بشار على أولاد عمهم رفعت وجميل .

3 ـ يتضح أن جده سليمان مجهول ، ولا يعرفون لقبـه ، لذلك لم يقل لنا (باترك سيل ) سليمان مَن ، بل حصل على لقب ( الوحش ) من حلبة المصارعة ) .

4 ـ تعلم والده علي سليمان الأسد ، وكان مشتركاً في جريدة تصله بالبريد إلى القرداحة ، وكان الشخص الوحيد الذي يملك (خارطة للعالم ) يعلقها في غرفة النوم ، وكان يشرح عليها سـير الحرب العالمية الثانية ، أين تعلم !!؟؟ ومتى !!؟؟ علماً أن أولاده الثمانية الأول فاتهم التعليم لعدم وجود مدرسة في القرداحة ، حتى حافظ نفسه فاته سنتان ، ودخل المدرسة في الثامنة وليس السادسة لعدم وجود مدرسة في القرداحة ، فأين تعلم علي سليمان الأسد !!!؟؟؟ ومتى !!!؟؟ وهذا جعله يقفز السّلم الاجتماعي من رجل ابن لاجئ ، إلى وجيـه من وجهـاء القرداحة ، حيث طلب منه وجهاء القرداحة تغيير لقب (الوحش ) الذي اكتسبه أبوه من حلبة المصارعة إلى لقب ( الأسـد ) .

 5 ـ سافر حافظ الأسـد ثلاثة أشهر إلى بريطانيا ، في عام (1965ـ 1966) ورجع يوم (23/شباط 1966) . خلال المعركة ، وكان السبب الظاهر هو العلاج من آلام في الظهر وفي الرقبة ، وهذا التبرير غير مقنع ، فقد ترك البلاد في مرجل يغلي ، والصراع قائم بين القيادة القومية والقطرية ، ومن يصدق أن العلاج يتطلب ذلك السفر ، وكان قائداً للقوى الجوية ، وبعد شباط صار وزيراً للدفاع ، ويتمكن من إحضار الطبيب والجهاز الذي يلـزمه إلى مكتب عمله ، ولكن هذا السفر والإقامة هناك من أسرار حياته المكتومـة .

6 ـ روى أحد زملاء محمد رباح الطويل ، وهو مدرس من جماعة الإخوان المسلمين ، التقى مع محمد رباح الطويل في سـجن المـزة العسكري ، وكلاهما معتقل ، في السبعينات ، وتحدث الزميلان القديمان مع بعضهما وقال محمد رباح الطويل موصياً زميله الإخواني : سلم لي على والدتي ، لما تخرج ، وطمنها عني ، وقل لها صحتي جيدة والحمد لله ، ولاتقلق علي  . فأجابه الإخواني : سبحان الله ، أنا وأنت في السجن ، وأنت البعثي الوزير ، تظن أن يفرج عني قبلك !!!؟ فأجاب محمد رباح الطويل : أنا لن يفرج عني ، وسوف أموت في السجن ، وسوف اشرح لك لماذا ؟ كي تصدق ، وكي تحفظ هذه الشهادة للتاريخ ، أنا شاهد على جريمة العصر ، وسوف أموت في السجن ، وهؤلاء الرفاق معي ، كلنا سنموت في السجن ، لأننا شهداء على جريمة العصر !!!؟

قال المدرس الإخواني : وماهي جريمة العصر !!؟ أجاب محمد رباح الطويل : في عام (1966) حضر من الولايات المتحدة الأمريكية وفد من اليهود الصهاينة الأمريكان ، ووصلوا إلى دمشق لأنهم يحملون جوازات سفر أمريكية ، وجنسياتهم أمريكية أيضاً ، وكلهم من كبار أثرياء العالم ، جاءوا يعرضون علينا في القيادة القطرية أن نؤجرهم هضبة الجولان ، أو نبيعها ونطلب الثمن الذي نريد !!!ورفض هذا الطلب بالاجماع من القيادة القطرية ، وسافر الوفـد إلى بيروت تمهيداً لعودته إلى واشنطن ، وفي بيروت لحقهم ، وزير الدفاع يومذاك حافظ الأسد ، وتعهد لهم بتسليمهم الجولان ، وتعاقدوا على أن يساعدوه بواسطة المخابرات المركزية الأمريكية على استلام الحكم في سوريا ، ثم ثبيت حكمه فيها ، وتعهد لهم بتسليم الجولان ، وحصل على سلفة مقدماً ، وبقية الدفع عند الاستلام ...وهكذا كانت حرب (1967) كما عرف العالم كله أنها( استلام وتسليم)

وكلكم تعرفون إذاعة بيان سقوط القنيطرة ، وكلكم تعرفون مجرى الحـرب .. الحرب الخيانة ، التي اعتقلنا نحن عندما قررت القيادة القطرية تنحية حافظ الأسد عن وزارة الدفاع ، ومصطفى طلاس عن رئاسة الأركان ، وهذا أقل مايجب فعلـه لنحفظ ماء وجـه الحزب ، فكانت النتيجة كما ترى ، الحركة التصحيحية التي اعتقل فيها حافظ الأسد رفاقه أعضاء القيادة وزجهم في السـجن ، ولن يخرجوا إلا أموات كما أعتقد.

والأغلب أنه أجرها للصهاينة لمدة ثلاثين عاماً .

وقد لاحظنا في عام (1997) أي بعد ثلاثين عاماً على حرب حزيران حيث سلمت الجولان للصهاينة ، لاحظنا حافظ الأسد يجتمع وحده مع كلينتون في جنيف ، مدة ساعات ، ويخمن بعض السياسيين أن الصهاينة ممثلين بكلينتون عرضوا عليه تمديد المدة ثلاثين سنة أخرى أو حتى إشعار آخر مقابل مساعدة حافظ الأسد على توريث الحكم الجمهوري لولده بشار .

وقد لاحظنا ( مادلين أولبرايت ) وزيرة الخارجية الأمريكية يومذاك ؛ تحضر جنازة حافظ الأسد ، وتجتمع ببشار بضع ساعات على انفراد كذلك ، ولا تغادر دمشق إلا بعد أن اطمأنت على تثبيت بشار خلفاً لحافظ الأسد ، كما ظهر في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث (2005) أن مصطلح الجولان لم يذكر في هذا المؤتمر البتـة .

7 ـ  آخر تحليل لشخصية حافظ الأسـد عندي أنه متمركز جداً حول عبادة الذات ، يعشق ذاته حتى العبادة ، أي يجعل من نفسه إلهاً . ولم يصرح لأحد بذلك ولكن هذه أدلتي :

1. كان يعتقد أنه يقوم بعمل مشروع وأخلاقي بينما أزاح العقيد زياد الحريري ، والصوفي ، والأتاسي ، بل مئات الضباط ، وهو يدمر الجيش السوري ، حتى دخل حرب (67) بدون ضباط ، جمع بعض المعلمين العلويين الذين سبق لهم الخدمة في الجيش ، وأعطاهم رتباً عسكرية ، ومراتب بعثيـة ، وهم لايفقهون شيئاً في العسكرية ... وهو يعلم أن هذا سيمهد له الوصول إلى إحلال ذاته على العرش . ولايهم إذا كان سيضيع الجولان ، أو يسلمها للصهاينة .

2. أزاح رفاق السلاح والحزب الدروز والإسماعيليين ، بين قتيل وسجين ومشرد ، من أجل تعبيد الطريق كي يصل إلى العرش .

3. أزاح مؤسسي حزب البعث ، عفلق والبيطار ، والحوراني ، والرزاز ، والعيسمي ، والجندي ,غيرهم كثير .... مع أن حزب البعث هو أول درجات السلم التي صعد عليها . وكل ذلك سيحقق له الوصول إلى العرش .

4. أزاح كثيراً من العلويين (رفاق السلاح والحزب والعقيدة ) مثل عمران وجديد ومئات من أنصارهم الضباط ، وغيرهم ليصل إلى العرش.

5. أزاح أخاه ، كي يمهد الطريق لخلافة ولده . على الرغم من أن كل منصف يعرف أن أخاه كان اليد اليمنى له ، وإن رفعت ارتكب آلاف الجرائم كي يثبت حكم أخيه ، وسيبقى منبوذاً في سوريا والعالم أجمع بسبب هذه الجرائم  .

6. وظني أن حافظ لو عاش طويلاً ، وشعر أن ولده باسل ينافسه في الحكم لتخلص منه كما تخلص من جديد وعمران ورفعت .

إنها ( عبادة الذات ) فقد عبد حافظ الأسد نفسـه ، وهكذا كانت بسطة الجسم والذهن نقمـة على حافظ الأسد ، ولم تكن نعمـة ... وسيحشر مع الطواغيت [ أقول لأنه مات على ذلك ] في نار جهنم ، وسبب ذلك أن الله عزوجل أعطاه بسـطة في الجسـد والذهن ، فانجرف بسببها إلى عبادة الذات أجارنا الله منها .

وقد لاحظنا عندما مرض وشكل اللجنة السداسية لتسيير الأمور في غيابه ، ولاحظ هؤلاء المختارون في اللجنة مع كبار الضباط أيضاً مثل (دوبا ، وأصلان ، وفياض ... ) الذين يمسكون البلد أن رفعت لايصح أن يغيب عن هذه اللجنة ، ولما تحدثوا في ذلك ، ورأوا دعوة القيادة القطرية لاجتماع طارئ ، وقد حضر الجميع ماعدا حافظ الأسد تغيب لمرضه ، واحمد اسكندر أحمد كان يصارع سكرات الموت ، وقررت القيادة القطرية ( المفروض أنها أعلى مستوى في السلطة من حافظ نفسـه ) ، قررت أن تهتم هي نفسها بتسيير شئون البلد ، وليس اللجنة السداسية ، وكان هذا القرار منطقي جداً ، وهو خطوة انتقالية لتكليف رفعت لأن كل الضباط الأقوياء ، مع كراهتم لرفعت ـ يرونه الوريث الشرعي لأخيه ، نظراً لخدماته الكثيرة والكبيرة التي قدمها رفعت لتثبيت حكم أخيه ، ولكن حافظ الأسد لما شفي من مرضه ، وبـخ كبار الضباط ( دوبا ، وأصلان , ... ) لماذا لم يتقيدوا بأمـره !!!؟  فقراره أعلى من قرار القيادة القطرية ـ كما يفهم حافظ الأسد ـ وتعليل ذلك أنه قرر من يومها على خلافة ولده باسل لـه ، وليس رفعت ، والولد مقدم على الأخ في الإرث كما هو معلوم .

وأخيراً :

ينبغي الاستفادة من هذه الدراسة في مايلي :

1 ـ أن لاينغش المسلمون بالظواهر ( وحدة ، حرية ، اشتراكية ) ، ثم يقودهم هذا الطاغية بهذا الشعار ، ويسخرهم ليصعد فوق رؤوسهم ، وجماجمهم ، إلى عرش ذاتـه .

2 ـ أن لايتساهل المسلمون بالعمل الفردي ، وكل من ينحو نحو العمل الفردي ، يسقط من الحركة ، ولاينقاد له الآخرون ، يجب أن يرسخ في أجيالنا العمل المؤسساتي . وقد لاحظنا أن حافظ الأسد وبخ الضباط الذين التزموا بقرار القيادة القطرية عندما كان حافظ في العناية المركزة  ، وهو يرى أن قراره أهم من قرار القيادة ... ومن المؤسف أن كبار الضباط صدقوا ، وانقلبوا على رفعت بعد أن كانوا معـه .

والحمد لله رب العالمين

              

* كاتب سوري في المنفى

[1] ـ وهل تنفعنا هذه المعرفة !!؟ لماذا نشقى من أجلها !!!؟ وجوابي على ذلك أن حافظ الأسد شخص غير عادي ، في جسمه ، وفي عقله ، فقد أعطاه الله عزوجل قدرات جسدية وذهنية كبيرة ، وسيجعلها حجة عليه يوم القيامة لأنه لم يستخدم هذه القدرات في طاعة الله ، بل استخدمها في معصية الله و عبادة الذات . ومن دراسة حياة حافظ الأسد لاشك أننا سننبهر بإنجازاته الشخصية ، فقد ارتقى سلم المجد الدنيوي من ابن فلاح فقير في الجبل إلى رئيس بل ملك سوريا ، التي ورثها بعده لأولاده . ودراسة حياة هذه الشخصية تعرفنا بالنقص الكبير الذي اتسم بـه معاصروه ، الذين استطاع أن يضحك عليهم ، ويسخرهم لمصلحة عبادة ذاتـه .

[2] ـ باترك سيل ، الصراع على الشرق الأوسط . وكل معلومة في هذا البحث لايذكر مرجعها فإنها منقولة من هذا الكتاب ، أو من كتاب (فان دام ) الصراع على السلطة في سوريا ، لأن المادة الأساسية لهذا البحث هي خلاصة لكتاب باترك سيل  .

[3] ـ هذه المعلومة قالتها لي الدكتورة سلمى بنت الشيخ عبدالرحمن الخير ، من كبار أسر القرداحة ،  في الجزائر (1975م) .

[4]  ـ باترك سيل ، ص 14 .

[5] ـ والعجب كذلك أن باترك سيل فاته أن يذكر أين تعلم علي سليمان الوحش ( الأسد ) ، وقد ذكر فيما بعد أن أول مدرسة ابتدائية افتتحت في القرداحة كان ذلك في الثلاثينات ، وبسبب ذلك حرم أولاد علي سليمان الثمانية الأول من التعليم ، أما حافظ فقد تأخر مدة سنتين حتى افتتحت المدرسة في القرداحة ، فكان يكبر أقرانه في الفصل في العمر لهذا السبب ، وهذا يؤكد أن علي سليمان لم يتعلم في القرداحة ، فأين تعلم إذن !!!؟ وهو ليس فقط يقرأ ويكتب ، بل يشترك في جريدة تصله في البريد إلى القرداحة ، كما أنه يحب الكتب ، وفي بيتـه خريطـة ، يشرح فيها لجلسائه تطورات الحرب العالمية الثانية ، ....!!! وكنت أتمنى لو أن باترك سيل ، أو غيره من الباحثين يتمكن الآن من معرفة هذه الأجوبة ، وعجب مرة أخرى من باترك سيل كيف يستحمر عقول القراء ، فيذكر أن علي سليمان كان متعلماً ، ولايكلف نفسه عناء البحث عن المكان الذي تعلم فيه ، بل يذكر لنا أن أولاده الكبار حرموا من التعليم لأن القرداحة كانت خالية من أي مدرسة قبل الثلاثينات ، وأن حافظ نفسه دخل السنة الأولى في الثامنة أو التاسعة من عمره . وهكذا أضاف باترك سيل عدة أمور غامضة منها :

1 ـ ماهو لقب سليمان قبل أن يكون الوحش ، ومااسم والد سليمان وجده ..!!!؟؟؟

2 ـ أين تعلم علي سليمان الأسد!!!!؟؟ ؟

3 ـ من أين جاء سليمان إلى القرداحـة ، ويبدو أنه من المؤكد أنه ليس من أهل القرداحة .

[6] ـ يروي ضابط متقاعد أنه كان له زميل في الكلية العسكرية ضابط يسمى ( غسان علي سليمان الأسد ) ، شقيق لحافظ الأسد ، وهو شبيه بحافظ بشكل كبير في جسمه ، ورآه ثانية عندما كان برتبة ( مقدم ) .. ولا أحد في سوريا يعرف هذا الشخص !!!!؟ أين هو !!! وماذا فعل !!! وهذا غموض آخر يضاف إلى عدة أمور غامضة سابقة .

[7]  ـ انتبه (على الطريق )  يعني عند مدخل القرداحـة ، كما روت لي الدكتورة سلمى الخيّر . حيث وفد سليمان على القرداحة ، وبنى عند مدخل القرية أي خارجها .

[8] ـ باترك سيل ، ص 19 ، ولاحظ المتنامية أي التي بدأت من سليمان ـ وصار التكاثر مرغوباً جداً عندهم ، وهذا يفسر لنا الرغبة المحمومة عند رفعت بالتكاثر .

[9]  ـ ليس صحيحاً ما يقوله باترك سيل ، ويبدو أن الفرنسيين اهتموا بالقرداحة وأمثالها بشكل خاص ، أما في قرى السـنة ، فأول مدرسـة في ريف حماة  ( السني ) كانت عام (1948) وكان مختار القرية من أصدقاء كبار الإقطاعيين ، حتى تمكن من الفوز بهذه المكرمة ، أما في قرية الكاتب وهي من القرى الصغيرة الفقيرة النائية فقد فتحت فيها المدرسة الابتدائية للمرة الأولى عام (1966) م .

[10]  ـ باترك سيل ، ص 28 . وفي كشف أعده ضابط بريطاني عام (1942) يوضح أن عائلة علي سليمان تترأ س عشيرة (العيلة ) الفرعية من قبيلة (الكلبية )  ، بينما يقول (فان دام ) أنهم فرع من عشيرة المتاورة ، وهو مركز متواضع ولكنه حقيقي ، ذلك أن آل الأسـد كانوا قد حققوا لأنفسهم منزلة في قريتهم ، ولكنهم كانوا لايزالون أقل تأثيراً من أسر القرداحة البارزة مثل  : آل حسون ، وعثمان ، والخيـّر  .

[11]  ـ باترك سيل ، ص 38 .

[12]  ـ باترك سيل ، ص 44 . والذي لم يذكره الكاتب هو أن هذه الخادمات قمن بمنعطف تاريخي كبير جدا وهو التوسط لأقربائهن في دخول الجيش عامة ، والكليات العسكرية خاصة .

[13] ـ والثانوية أنذاك يقصد بها المرحلتين الإعدادية والثانوية معاً .

[14]  ـ باترك سيل ،  ص 56 ، وقد نقلها في مقابلة مع الدكتور وهيب غانم في اللاذقية (15/4 /1985) .

[15] ـ يبدو أن الخطف عند العلويين أمر عادي  ، لذلك عادت أنيسة إلى أهلها بعد أسابيع من زواجها ، ونفس القصة تكررت في زواج بشرى بنت حافظ الأسد من آصف شوكت ، عندما عارض باسل زواجهما لأن آصف متزوج ، وبعد موت باسل ، خطف آصف بشرى ، وتزوجها وأسكنها في حي المزة أيضاً ، وبعد مدة أرسل حافظ الأسد مفرزة من الجنود لحماية بيت ابنته وصهره .

[16]  ـ فاد دام ، الصراع على السلطة في سوريا ، لندن ،1979 ، ص 49 .

[17] ـ لما صار رئيساً نهب من أموال السوريين والعرب والإيرانيين مليارات وصار من أغنياء العالم ، واشترى أسوة بغيره من كبار اثرياء العالم جزيرة صغيرة في بحر إيجـه ، وبنى فيها قصراً ليسكنه في يوم مـا ، وحده ، ولكن ذلك لم يتحقق ..

[18]  ـ رفع المرة الأولى من نقيب إلى مقدم ، والمرة الثانية من مقدم إلى لواء ، والثالثة من لواء إلى فريق ، ويلاحظ أنها كلهل ترفيعات استثنائية ، بدون حق .

[19] ـ الذي شاع يومها أن حصيلة القتال (200) عسكري .

[20] ـ كانت سـوريا هي الـمحرضة على الحرب ، فقد أدلـى وزيـر الدفاع السوري وقائــد سلاح الطيران اللـواء حافـظ الأسـد بتصريح لصحيفـة الثـورة السورية يوم (20 /5 / 1967م ) جاء فيه : ( .. إنه لابد على الأقل من اتخاذ حد أدنى من الاجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لإسرائيل تردها إلى صوابها ... إن مثل هذه الإجراءات ستجعل إسرائيل تركع ذليلة مدحورة ، وتعيش جواً من الرعب والخوف يمنعها من أن تفكر ثانية في العدوان . إن الوقت قد حان لخوض معركة تحرير فلسطين ، وإن القوات المسلحة السورية أصبحت جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان ، وإنما للمبادرة في عملية التحرير ونسف الوجود الصهيوني من الوطن العربي  إننا أخذنا بالاعتبار تدخل الأسطول السادس الأمريكي  وإن معرفتي لإمكانياتنا تجعلني أؤكد أن أية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة ، وهناك إجماع فـي الجيـش العـربي السوري الذي طال استعداده ويده على الزناد ، على المطالبة بالتعجيل في المعركة ، ونحن الآن في انتظار إشارة من القيادة السياسية . وإن سلاح الجو السوري تطور تطور كبيراً بعد ( 23/2 /1966م ) من حيث الكمية والنوع والتدريب ، وأصبحت لديه زيادة كبيرة في عدد الطائرات ، وهي من أحدث الطائرات في العالم ، كما ازداد عدد الطيارين وارتفع مستوى التدريب.

[21] ـ لماذا لم تبدأ هذه الطائرات منذ الصباح ، لما بدأت الحرب في الخامسة ، ونجد الجواب في كتاب ( حـربنا مع إسـرائيل ) للملك حسين إذ يقول :

كنا ننتظر السوريين فبدون طائرات الميغ لايمكن قصف مطارات إسرائيل الجوية، ومنذالتاسعة والنصف اتصلت قيادة العمليات الجوية بالسوريين ، فكان جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث !!! وأن طائراتهم ليست مستعدة !!! وأن مطاراتهم تقوم برحلة تدريبية !!! وطلبوا إمهالهم نصف ساعة، ثم عادوا وطلبوا إمهالهم ساعة ، وفي العاشرة والخامسة والأربعين كررواالطلب نفسه فوافقنا، وفي الحادية عشرة (أي بعد ست ساعات)لم يعد بالإمكان الانتظار!!، فأقلعت الطائرات العراقية وانضمت إلى سلاحنا الجوي لتساهم في المهمة، ولذلك لم تبدأ عملياتنا الجوية إلا بعد الحادية عشرة ( أي بعد فراغ الطيران الصهيوني من تدمير الطيران المصري ) .

يقول الملك حسين في هذا المعنى (فوت علينا تأخر الطيران السوري فرصة ذهبية كان يمكن أن ننتهزها لمصلحة العرب ، فلولا تردد السوريين!!! لكنا قد بدأنا عمليات القصف الجوي في وقت مبكر،ولاسـتطعنا اعتراض القاذفـات الـمعادية وهي في طريق عودتها إلى قواعدها بعد قصفها للقـواعـد المصرية ، وقد فرغت خزاناتها من الوقود ونفذت ذخيرتها ، وكان بإمكاننا حتى مفاجأتها وهي جاثمة على الأرض تملأ خزاناتها استعداداً لشن هجمة جديدة ، فلو قيض لنا ذلك لتبدل سير المعركة وتبدلت نتائجها

الزمن وحده سيكشف تفسيراً لأمور عديدة ، لكن ما تأكدت منه أن الطيران السوري لم يكن جاهزاً للحرب يوم(5) حزيران ، وكانت حسابات الإسرائيليين صحيحة عندما لم يتركوا سوى اثنتي عشرة طائرة لحماية سمائهم ، بينما استخدموا كل سلاحهم الجوي لضرب مصر). انتهى كلام الملك حسين .

ويتذكر الشعب  العربي السوري أغنيــة البعثيين عن طائــرة الميغ عندما يقول ذلك الساقط ( ميراج طيارك هرب ، مهزوم من نسر العرب . والميغ طارت واعتلت بالجو تتحدى القدر ) ، ويؤكد عبد الناصر أن البعثيين هم الذين ورطوه في الحرب ، ثم لم يقدموا شيئاً أبداً، ومن خلال قـراءة كتـاب سقوط الجولان يلاحظ أن البعثيين لم يسمحوا للجــيش أن يقاتل ، حتى أن خسائر ســوريا كانت حوالي (120) جندياً فقط ([21])، بينما بلغت خسائر مصـركما أعلنهـا عبد الناصر (5000 1)عسكـري بينهم (1000) ضــابط منهم (35) طياراً .

[22] ـ مجلة الحوادث ، اللبنانية ، العدد رقم (406 ) في (7/6/ 1968م ) عن كتاب المسلمون والحرب الرابعة ص 172 .

[23]  ـ المرجع السابق .

[24] ـ في (23 شباط 1966 ) قاد سليم حاطوم مغاويره وهجم على منزل الرئيس محمد أمين الحافظ ، فدافع الجنود (حرس الرئيس ) وكثير منهم من البدو ، دافعوا حتى الموت ، وكان عدد القتلى أكثر من (200) عسكري ، أي أكثر من خسائر سوريا في حرب حزيران .

[25] ـ انظر رواية دماء على الجولان ، للكاتب خالد الأحمد . ومعظمها أخبار واقعية جمعها الكاتب ممن اشـتركوا في حرب (1967م) .

[26] ـ مما يفسر لنا بعض الغموض في حرب حزيران الرواية التالية :  روى أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من اللاذقية أنه اجتمع مع محمد رباح الطويل في سجن المزة بعد حرب (67) بعد أن اعتقل محمد رباح الطويل ( وزير الداخلية ) وأودع في المزة . وكلاهما كانا زملاء في المرحلة الثانوية ، قال الطويل يوصي زميله الإخواني أن يسلم على أمـه عندما يخرج من السجن ، ويطمنها عن صحته ، فقال له الإخواني : عجباً منك كيف تفكر !! هل تتوقع أن أخرج قبلك من السجن ، وأنت بعثي ، ووزير ، ومن زملاء حافظ الأسد !!!؟ قال محمد رباح الطويل : نعم أنت سوف تخرج قبلي ، وأنا لن أخرج من السجن إلا إلى القبر ، فأنا أحد شهود جريمة العصر ، ولن يسمح لي بالعيش ، سوف يقتلني حافظ الأسد ، لأنني شاهد على جريمة العصر !!! فقال الإخواني : ماهي جريمة العصر ؟ فقال محمد رباح الطويل : في عام ( 66) جاء إلى دمشق وفد من اليهود الأمريكيين ، يطلب من القيادة القطرية لحزب البعث تأجير الجولان لهم ثلاثين سنة ، وكان جواب القيادة القطرية الرفض ، فعاد الوفد إلى بيروت ليتابع سفره من هناك ، وفي بيروت لحقهم حافظ الأسد ( وزير الدفاع ) وعقد معهم الصفقة ، وتعهد لهم بذلك .

انتهى كلام الطويل ... وأذكر بكلمة سامي الجندي عندما قال : إن بلاغ سقوط القنيطرة تحار في فهمه العقول . وينتبه إلى أن حافظ الأسد في عام (1997) أي بعد ثلاثين سنة على ضياع الجولان أو تأجير الجولان ، اجتمع مع كلينتون في جنيف وأكدت وسائل الإعلام على محادثات سرية بينهما ( ثنائية ) لم يحضر غيرهما .. وقد اجتهدت وسائل الإعلام بأن حافظ طلب جلاء اليهود عن الجولان بعد انقضاء مدة التأجير ( 30) سنة ، ولكن اليهود أخبروه بواسطة ( كلينتون ) أنهم وفوا شرطهم وهو تثبيت حكمه في سوريا ، واليوم يطلبون تمديد العقد إلى أجل غير مسمى ليثبتوا حكم ولده بشار من بعده !!!! والله أعلم ... والعرب في نومهم يشخرون ...

[27]  ـ انضم رفعت للحزب في الخامسة عشر (1952) ، وسيق للخدمة العسكرية (1959) ونقل بعد الانفصال إلى وزارة الداخلية (الجمارك ) ، وفي (1965) عين نائباً لوحدة عسكرية كلها من الحزبيين كانت بقيادة محمد عمران ، وسيطر عليها رفعت بعده ، ولعبت دوراً في (23شباط1966)  ، واكتشف رفعت أن جديد يخطط لاغتيال شقيقه حافظ ، وفي المدة (25 ـ 28 شباط 1969) قام حافظ ورفعت بشبه انقلاب .

[28]  ـ هذا كان مخطط الأسد ، أما صلاح جديد فلم يكن طامعاً في الانفراد بالسلطة ، لأنه كان حزبياً حتى العظم .

[29] ـ  نشر موقع ( كلنا شركاء ) موضوعاً عن الجولان في (12 /6/2005) لذلك أحببت أن ألخص بعضه ليتبين مدى الإهمال المقصود من قبل النظام السوري للجولان  .

وهذه أهم العناوين :

ـ حملة جديدة استيطانية في الجولان لجلب مئات العائلات اليهودية .

ـ استقطاب ( 300) عائلة يهودية ضمن عام (2005) .

ـ عنوان الحملة : الجولان مشرع أبوابه لكم وهو مفعم بالحياة .

ـ وجاء في الحملة : الجولان يتميز بالهدوء الأمنـي ، ومستوى المعيشة المرتفع لدى المستوطنين .

ـ الطبيعة الخلابة والهـدوء والأمـان ينتظرونكم في الجولان .

ـ (21) مستوطنة ممتدة من جبل الشيخ وحتى بحيرة طبريا ؛ فتحت أبوابها لاستقبال القادمين الجدد .

ـ ازداد الاستيطان في الجولان في السنوات الأخيرة بنسبة (400 % ) .

ـ (700) عائلة يهودية استوطنت الجولان في السنوات الأربع الماضية .

 ـ (97 % ) من القادمين للجولان  من أراضي (48 ) و (3 % ) قادمون جدد .

 وهذا يبين عظم هذه الجريمة ، التي جعلت الجولان ملاذاً آمناً للصهاينة الذين يهربون من انتفاضة حماس والجهاد الإسلامي [ الإخوان المسلمون في فلسطين ] ، بينمـا يوفـر البعثيون السوريون  لهـم ملاذاً آمناً  في الجولان .

ـ ارتفعت نسبة السياحة عام (2002) بنسبة (7 % ) ، وفي عام (2003 ) ارتفعت بنسبة ( 15 % ) ويبلغ متوسط السياح الذين يزورون الجولان سنوياً ( 3 ) ملايين سائح .

وهذه العناوين لاتحتاج إلى تعليق ، سوى أن نذكر بما كررته إذاعـة دمشق بعد نكسـة (1967م ) ، حيث أجبرت الشعب العربي على أن يفهم أن الصهيونية لم تنتصر ، صحيح أنها احتلت سيناء ، والضفة الغربية ، والجولان ، ولكنها كانت تهدف إلى إسقاط ثورة الثامن من آذار التقدمية ، ولم تستطع ، ولذلك لم تنتصر ، أما الأرض فإعادتها أمر هين .

[30] ـ  كما يقول الملازم أول حسين النواف قائد إحدى السرايا المدرعة يومذاك ، وكان مدرباً عندنا في دورة الدبابات ضمن اللواء السبعين التي شاء الله أن أكون أحد أفرادها ،  يقول أطلق علينا النار رامي (اربجي ) ولم يلحق بنا ضرراً ، وهرب من أمامنا على بعد مئات الأمتار ، فأمرت الجنود أن يتركوه ينجو بروحه . وهذا يدلني على أن إرادة القتال لم تكن مبيتة عند جيشنا . أو أن الأوامر أعطيت لهم بذلك .

وليلة (16/11) كنت قد ذهبت إلى دمشق بدون تصريح لأنه خلال الأسبوع ، ولايحق لنا ـ الطلاب الضباط ـ الخروج سوى يوم الخميس . ولاحظت في شوارع دمشق حركة غير عادية من سيارات الشرطة العسكرية ، فخفت ، وكنت أنوي المبيت في دمشق ، فغيرت رأيي وخرجت ليلاً ، ودخلت من تحت الشريط في مغامرة كتب الله لي أن أبقى حياً لأن أجلي لم ينتـه ، ووصلت إلى مقـر الدورة عندما ناداني الحرس من زملائي : قف ... فكلمته بصوت منخفض : أنا خالد ... فقال : الله يخرب بيتك ، من يخرج في مثل هذا اليوم ... الدنيا خربانة .. ووصلت فراشي ودخلت تحت البطانية وأنا اشكر الله وأحمده على نجاتي ....

[31] ـ هذا الحدث  وهو موافقة السباعي رأي الأكثرية أول الأدلـة التاريخية على أن الإخوان المسلمين ديموقراطيون ، فعلى الرغم من انتقاد العلماء والمشايخ داخل المجلس وخارجه للشيخ السباعي خاصة وللإخوان عامة ، وافق الشيخ السباعي والإخوان على رأي الأكثرية .

[32] ـ وهذه غلطة شاطر كما يقال ، إذ أنه كشف عن نفسه ، فهو إذن مكلف بإكمال مافعله عبد الناصر ،وهو القضاء على الحركة الإسلامية عامة ، والإخوان المسلمين خاصة  ، وبالفعل اجتهد حافظ الأسد خلال الثمانينات وقتل عشرات الألوف من الإخوان المسلمون ، ثم مات حافظ الأسد وبقي الإخوان المسلمون ، كما سبق أن مات عبد الناصر وبقي الإخوان المسلمون .

[33]  ـ أما الذي ساد وانتشر في المنطقة كلها يومذاك هو التحريك وليس التحرير . لأنه يتفق مع نتائج الحرب التي لم تحرر ، وإنما أدت إلى فك الاشتباك ...

[34]  ـ وهذا يفسر لنا أيضاً الغاية من حرب ( 1967)  . وهو احتلال أرض العرب ، ثم التفاوض عليها من أجل السلام مع اليهود .

[35] ـ وهذا يؤكد أن هدف الأسد من الحرب ، حرب تشرين هو الحصول على السلام . فهي حرب تحريك عند الأسد كماهي عند السادات ,

[36]  ـ باترك سيل ، ص 316 .

[37] ـ وأحد هذه الطرق من عميل سوري وهو (لواء ) في الجيش (!!!!!) كانت مخابرات دولة عربية قد جندتـه لصالحها ، فأوصل لها خطط حرب تشرين ، ونقلت نسخ منها على الفور وبيد مبعوثين موثوقين إلى هنري كيسنجر ، وموشي دايان . ولكنهما لم يصدقا ذلك . وقد اتصل (دايان ) بهذا الجاسوس العربي يقول له : ( إنني أدرك بأنني تحت رحمتك ، إنك إذا كشفت ما تعرف فسينتهي مستقبلي المهني وحياتي العملية ، وفي غضون ذلك أرجو أن تتكرم بأن تتسلم مع أعمق امتناننا أعلى وسام عسكري تستطيع إسرائيل أن تمنحه لمواطن أجنبي   ( انظر باترك سيل ص 320 ) .

[38]  ـ وكان هذا من التوفيق الرباني ، ومن أسباب مباغتة العدو الصهيوني ، الذي بوغت فعلاً ، لأنه لم تجر العادة الهجوم في الظهيرة ، وأغلب معارك الهجوم تبدأ في الفجر ، أو في آخر الليل لنجاح المباغتة عند نوم العدو ... وحدثني ضابط مدفعي سوري من أصدقائي في الجبهة السورية ، حيث انتهت خدمتي العسكرية قبل سنة من حرب تشرين ، وكنت في الجبهة ، أعرف الأماكن التي دار فيها القتال ، قال النقيب فايز أبو عذاب يرحمه الله : الساعة الثانية إلا ربع دعانا قائد الكتيبة وأعطانا أمر القتال ، حيث تكون ساعة الصفر الثانية تماماً ، فعدت إلى السـرية وجهزنا المدافع ـ وهي جاهزة أصلاً ـ وفي الثانية قلت للعساكر (نار ) فلم ينفذ العساكر ، وإنما نظروا إلي مشدوهين وقالوا : هل أنت جاد ياسيدي !!؟ فغضبت وكررت ، وفي تلك اللحظة مرت فوقنا طائرات السوخوي راجعة من التمهيد الذي قامت به ، فبادر العساكر يكبرون ويهللون ويسارعون إلى رمي قذائف المدفعية حسب المعطيات المحددة سابقاً على الخرائط .. وانقلب الحال خلال خمس دقائق من هدوء إلى صخب المعركة .....

[39]  ـ باترك سيل ، ص 316 .

[40] ـ الكولونيل تريفورن دويوي : النص المراوغ ، الحروب العربية ـ الاسرائيلية ، ص 417 .

[41] ـ حدثني الملازم صفوق  ....  وكان ضابط ارتباط في الفرقة الخامسة خلال الحرب ، قال أوكلت لي مهمة مرافقة المقدم العراقي قائد اللواء المدرع  عند وصوله إلى الجبهة ، وإيصاله إلى مكان تواجد العميد علي أصلان قائد الفرقة الخامسة ، وكان المقدم العراقي مثالاً للانضباط العسكري في لباسه ، والتجهيزات التي يحملها مثل أي جندي ، ولما وصلت إلى مكان تواجد العميد علي أصلان ، وجدته يلبس حذاء مدنياً ، وكأنه في نادي الضباط ، وتقدم المقدم العراقي بكل انضباط بالتحية العسكرية ووقف باستعداد وقال : المقدم (....) قائد اللواء المدرع ( ...) تحت إمرتكم سيدي العميد ، يقول الملازم صفوق : خجلت جداً حيث أن العميد علي أصلان لم يغير من جلسته ، ولم يرد التحية بشكل عسكري ، بل قال : أهلا وسهلاً ، ثم قال لي : أعده ياملازم إلى وحدته وسوف أتصل بـه عند اللزوم . ولم ينس حافظ الأسد هذه المكرمة للعراقيين ، فأرسل جيشه عام (1992) ليقاتل مع الأمريكيين بدلاً من أن ينضم إلى رفاقه البعثيين العراقيين ، الذين حموا دمشق عام (1973) . وهكذا دائماً نحن نفهم الأسد عندما نغمز على اليسار ونذهب إلى اليمين . وفي الواقع وقوف الأسد مع أمريكا ضد البعثيين العراقيين ، ووقوفه مع الفرس الإيرانيين ضد البعثيين العراقيين العرب ، تجعل الحجارة الصماء تفهم  حافظ الأسد ، وتعرفه جيداً ، ماعدا العرب لأن أكثرهم لايقرأون ، ولايسمعون ، ولا......

[42]  ـ باترك سيل ـ ص 401

[43]  ـ وأهم تفسير لدخول الأسد لبنان ، كما سبق هو سحق المقاومة ليقبل العرب بالتسوية ، ومن ثم ، تضييق الخناق على المعارضة السورية وخاصة الإخوان المسلمين ، وقد كانت المعارضة السورية تتنفس الحرية من الرئة اللبنانية ، وكل مطلوب للأمن السوري خلال ساعتين فقط يكون داخل لبنان لينجو بريشـه من بطش الأمن السوري ، وعرف الأسد أنه لايستطيع كبح الشعب السوري بدون السيطرة على لبنان لتكون تابعة لـه . بل استطاع الأسد أن يحكم الخناق على العرب جميعاً بعد دخوله لبنان ، واستمر يبتـز أموالهم ، ليوزعها على أزلامه وعشيرته .

[44] ـ عمليات جيـش الأسـد في لبنـان

هب المســلمون صفاً واحداً بعد مجزرة ( الكارنتينا ) التي دبرها حزب الكتائب ضد المسلمين ، وانضم المسلمون يقاتلون في إطار منظمة التحرير أو الحركة الوطنية أو جيش لبنان العربي ، وتمكنت القوات الوطنية من احتلال  شتورا ، وزحلة ، وزغرتا ، والدامور ، والسعديات ، ودارت الدائرة على الموارنة وسائر الصليبيين ، وأخذت مدفعية جيش لبنان العربي تدك قصر الرئاسة في بعبدا ، فهرب رئيس الجمهورية سليمان فرنجية إلى زغرتا ، وسيطر الجيش العربي على معظم لبنان بقيادة الضابط أحمد الخطيب ، وبات مؤكداً أن الوضع سينتهي لمصلحة الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية ، وفي هذا الظرف الحرج تحرك حافظ الأسد لينفذ الأوامر التي صدرت إليه من تل أبيب وواشنطن .

وبمجرد وصول القوات السورية بعد موافقة جامعة الدول العربية التي تكفلت بتغطية نفقات قوات الردع السورية ، تخلت الصاعقة عن منظمة التحرير ، كما تخلى حزب البعث اللبناني عن الحركة الوطنية ، وهكذا شق الأسد المنظمة والحركة منذ اليوم الأول ، كما تخلت أمل الشيعية عن جيش لبنان العربي والحركة الوطنية ، بعد أوامر موسى الصدر لهم ، ووقف الدروز على الحياد يتفرجون على ذبح المسلمين،وهاهي النتائج العسكرية :

1ــ انتصرت القوات السورية انتصاراً ساحقاً على القوات المشتركة في سهل البقاع وعكار والجبل وصيدا ، وفرضت حصاراً في البر والبحر والجو ، ومنعت وصول المؤن والذخائر إلى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية ،واستولت القوات السورية على مواد غذائية أرسلت من الفلسطينين في الخليج إلى القوات المشتركة .

2 ــ تركت القوات السورية ميناء جونية الذي يسيطر عليه حزب الكتائب ، ليتنفس منه الموارنة والصليبيون ، والتجار من الضباط السوريين الكبار .

3 ــ طارد الجيش السوري كل معارض سوري أو لبناني، واعتقله أو قتله إن لم يتمكن من الفــرار .

4 ــ ساهمت القوات السورية في حصار تل الزعتر ، بالتعاون مع الكتائب ، وبدأ الحصار في أواخر حزيران ، وسقط المخيم في (14 / 8 / 1976م ) بعد حصار أكثر من شهر ونصف ، ومنعت القوات السورية وصول الطعام والماء والذخيرة إلى المخيم ، كما شاركت في الإعدامات وهتك الأعراض والنهب تحت قيادة العقيد علي مدني [ قائد الشرطة العسكرية ، ومن رجال الحركة التصحيحية 1971م]  .

5 ــ فعلت منظمة الصاعقة وقوات الردع السورية الأفاعيل في لبنان من نهب المصارف، والسيارات  والمخازن والمستودعات . 

[45] ـ في هذا الفصل غيرت كثيراً من مصطلحات (باترك سيل ) التي تدل على جهله بالواقع  . وفي ص 514 أخطاء شنيعة منها أن العقيد علي حيدر آمر حامية حماة (!!!)  قتل عام (1976) ..

[46] ـ وهذا غير صحيح ، لأن الرصاصة الأولى للطليعة المقاتلة كانت يوم (16 /2 /1976 ) في رأس الرائد محمد غـرة  قائد الأمن القومي في حماة .

[47]  ـ باترك سيل ، ص 518 .

[48]  ـ الحقيقة ألف وليس خمسمائة  كما يقول نزار نيوف .

[49] ـ في آذار عام (1980م ) أجمع المثقفون ورجال الفكر والأطباء والمهندسون والصيادلة وجميع أصحاب المهن في حماة وحلب وإدلب وجسر الشغور على تقديم المطالب التالية لحافظ الأسـد وهي :

1 ـ رفع حالة الطوارئ ، وإلغاء المحاكم العرفية .

2 ـ إعادة جميع صلاحيات التقاضي إلى القضاء المدني . بعد استقلال السلطة القضائية عن التنفيذية .

3 ـ احترام حقوق الإنسان فعلاً وممارسة .

4 ـ إجراء انتخابات حـرة يختار الشعب فيها رجال السلطة التشريعية .

و خرجت عدة مظاهرات ومسيرات شعبية في حماة وحلب وإدلب وجسر الشغور تندد بالسلطة الأسدية ، وتـم الاتفاق على أن يكون يوم ( 31 /3 / 1980م ) إضراباً عاماً تأييداً لهذه المطالب . ونفذ الإضراب ووزعت عشرات الآلاف من النشرات تبين المطالب المتفق عليها من قبل الشعب .

وكان رد السلطة الأسدية حل النقابات ومجالسها وفروعها ، واعتقل أعضاؤها ، واعتقل عدد كبير من أسائذة الجامعات والمحامين والأطباء والصيادلة والمدرسين والعلماء ، و آلاف من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية ، وبدأت السلطة بتمشيط المدن والقرى ، فكانت المجازر الجماعية . ومنها مجازر حماة .

[50] ـ والصحيح أنها كانت تقتل الشعب الحموي من كل الفئات ، حتى المسيحيين والبعـثيين ، ومعظم القتلى من النساء والأطفال .

[51] ـ متى كان يتهجد (!!!!) كما يقول الشيخ ( .... ) ، ومتى كان يصلي الصبح (!!!!) ؟؟؟

[52] ـ في عام (1979) والثورة الايرانيـة على أشدها ، وبداية صراع الإسلاميين المسلح مع الأسـد في سوريا ، كنت بعيداً عن سوريا ، وكان زميلي العلوي نائب الملحق الثقافي في السفارة السورية هناك ، يرسل لي ـ مشكوراً ـ الصحف السـورية في البريد ، حيث كنت بعيداً جداً عن العاصمة ، وكنت أطالع الصحف السورية بشغف ، وأتعجب من وقوف الإعلام العربي السوري الذي يحارب الإسلاميين في سوريا ، وقوفه مع الثورة الإسلامية الإيرانيـة ، خاصة وأن تصريحات الخميني ورجاله يومذاك كانت تنم عن ثورة إسلامية ، لاتختلف عما يطلبه الإخوان المسلمون ، وكان هذا سـراً غامضاً عسير الفهم يومذاك ، لكنه اتضح فيما بعد بأن الأسد كان علوياً يدعي أنه من الشيعة ، قبل أن يكون عربياً ، ـ كما يتضح من كتاب باترك سيل ـ  وإذا تنازع هذان الخطان لديه : خط العروبة وخط الشيعة ، فالشيعة أولاً حتى لو كانوا فرسأً ، وضد الأمة العربية .

[53]  ـ باترك سيل ، ص 581 .

[54]  ـ باترك سيل ، ص 582 .

[55]  ـ  يقول مصطفى طلاس في كتابه (ثلاثة شهور هزت سوريا ) :

محاولـة انقلابـه على حافظ ( شباط : 1984م ) :

يظهر مما سبق ، كما سبق أن عرفناه من الواقع السوري في عقد السبعينات ، أن رفعت أسـد كان الساعد الأيمن لشقيقه حافظ وكان عونه في ذبـح الشعب ، ونهب خيراته وثرواته ، وكان ينتظر موت أخيه ليتسلم الرئاسة بدلاً منه ، لأنه كما قيل [طالبان لايشبعان طالب علم وطالب مال ] ، ورفعت طالب مال ، والجاه وسيلة للمال أيضاً ، لذلك لم يكتف أن يكون نائباً لرئيس الجمهورية لشئون الأمن ، ولم يقبل أن يتسلم الحكم ابن أخيه باسل حافظ الأسد بعد موت أبيه ، وقد شاهد  أخاه حافظاً يهيئ ولـده البكـر ( باسـل ) ليخلفـه في الرئاسـة ، وبنـاء عليـه قـرر رفعت أن ينقلب على أخيه ويتسلم الحكم بالقـوة ، فحرك الدبابات وهمّ بذلك لولا أن أخاه عرف بنوايا شقيقه مسبقاُ من جواسيسه في سرايا الدفاع ، فأحبط الانقلاب بمساعدة مصطفى طلاس وعلي دوبا ومحمد حيدر الذين يكرهون رفعت كثيراً لتجبره وتكبره عليهم . كما يتضح من كتاب مصطفى طلاس [ ثلاثة شهور هزت سوريا ] . وانتهت هذه المحاولة بنفـي رفعـت خارج سوريا بعد أن دفـع لـه أخوه عشـرات الملايين من الدولارات استدانها من القذافي . يقول العماد طلاس في كتابه :

رفعـت يعـد أتبـاعـه بالدولة العلويـة :

يكشف طلاس أن رفعت كان "يدغدغ أحلام المتعصبين طائفياً بأن وعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية هناك كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون بإقامة الدويلات الطائفية التي ستدور في فلك إسرائيل قولا ًواحداً  ". ويبدو أن رفعت تشجع في مشروعه لعلمه أن "اميركا سوف ترحب بالفكرة لأنها مع أي تفكك للأمة العربية".

وبدأت تظهر على جدران اللاذقية عبارات  تمجد شخص رفعت مثل "رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب". وبدأ أنصاره ينصبون "الحواجز الطيارة لإشعار المواطنين أنهم موجودون بقوة على الساحة". ويبدو أن قصد رفعت من السيطرة على مسقط رأس الرئيس، بحسب العماد طلاس، أن يقول للعالم: "إذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها فهو بالأحرى غير قادر على السيطرة على باقي المحافظات .

حافـظ ينفي أخـاه رفعت :

في أواخر نيسان (1984م) تيقن العميد رفعت أن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه ( حافظ) فاتصل بشقيقه جميل الأسد ليمهد له المصالحة مع أخيه الرئيس. ومع أن الرئيس الأسد معروف عربياً ودولياً بأنه سيد من أتقن فن لعبة عض الأصابع فقد كان ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت، وهذا لأن الأخير سيد من ابتز أخاه وغير أخيه. إذ ما إن وافق على الخروج من سوريا حتى بدأ يساوم على المبلغ الذي يحتاج إليه للإقامة شهوراً عدة خارج البلاد حتى تهدأ العاصفة. هذا مع أن الأمير( ..... ) كان يدفع له شهريا (5 ) ملايين دولار، كما لم يقصّر معه الشيخ خليفة آل ثاني ومثله ياسر عرفات والشيخ سحيم آل ثاني...إلخ.

طلب رفعت مبلغاً كبيراً بالقطع النادر لم يكن متوافراً في المصرف المركزي، فخطر للرئيس الأسد أن العقيد القذافي يمكن أن يكون الشخص الذي يحل المشكلة ويؤمّن المال اللازم لإشباع فم أخيه وحين التقاه موفد الرئيس كان القذافي والحمد لله بمزاج حسن، وتذكر مواقف الأسد القومية في دعم الثورة الليبية ومؤازرتها، ورد على رسالة الأسد رد اًجميلاً، وتم تحويل المبلغ بكامله إلى المصرف المركزي، وأعطى الرئيس شقيقه جزءاً منه وبقي الجزء الآخر احتياطا للطوارئ الاقتصادية التي كانت تعصف بنا.

وتم تحجيم سرايا الدفاع وعُُيِّن رفعت نائباً لرئيس الجمهورية مسؤولاً عن شؤون الأمن. واستمر في هذا المنصب حتى عام (1998م) . غير أن تعيينه كان نظرياً لأن الرئيس الأسد أحرص من أن يسلّم أمنه الشخصي وأمن البلاد لرجل لا يتقي الله بوطنه ولا بأهله.

وتضمن الاتفاق أن يسافر رفعت إلى موسكو ومعه اللواءان شفيق فياض وعلي حيدر، وليطمئن رفعت أن الطائرة لن تنفجر في الجو طلب أن يسافر معهم  رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء محمد الخولي .

ووافق رفعت الذي اختار أن يقبل تعهد حافظ بأن مصالحه وأرصدته سوف تحترم في حالة سحب قواته من العاصمة ومغادرة البلاد عام 1984م  ( انتهى كلام طلاس )

[56]  ـ وهذه ملازمة للحكم الفردي ، الذي لايقوم على مؤسسة ، بل على فرد . فقد دخل عدة رؤساء أميركان المستشفى لإجراء عمليات جراحية ، ولم يسبب غيابهم أي ارتباك في البيت الأبيض .

[57]  ـ وهذا من أوضح الأدلة على أنه فردي ديكتاتوري مستبد ، فالتصرف الذي سار عليه أخوه كان منطقياً تماماً ، ومتمشياً مع العمل الجماعي المؤسساتي ، ولكن حافظ كبح الحزب منذ السبعينات وهمشه ولم يعد له مكانة عنده .

[58]  ـ هذا التبرير لا يستند إلى أساس من المنطق ، وإنما حافظ كان ينوي ويخطط من ذلك الوقت لتوريث الحكم لولده باسـل .

[59]  ـ يقصد سيل تجارة المخدرات التي جنى منها رفعت مليارات الدولارات ، وجعلته من أغنياء العالم ، كما بينت في دراستي عن رفعت .

[60] ـ هل سأل حافظ نفسـه : من أين حصل رفعت على هذه الملايين كي يشتري بيتاً في آخر الدنيا ، بهذا المبلغ !!!؟؟

[61] ـ ويلاحظ الإشارة بالدكتور إشارة إلى الدكتوراة من جامعة موسكو على أطروحة عن الصراع الطبقي في سوريا ، ويعتقد أنها من تأليف أحمد داود العلوي الذي يجيد اللغة الروسية .. أما الليسانس في التاريخ ثم الحقوق فكان رفعت وولده وزوجته يجلسون في مكتب رئيس الجامعة ، وتحضر لهم الأسئلة والكتب ، وعندئذ قال رفعت : العمى هاتوا لنا أستاذ يدلنا على الأجوبة في هذه الكتب ، فأحضروا لهم . وبسبب ذلك ترك عدد من الأساتذة الكبار جامعة دمشق مثل الدكتور عمر الحكيم وغيره . انظر كتاب مصطفى طلاس (ثلاثة شهور هزت سوريا ) .

[62]  ـ باترك سيل ، ص 705 . وفي الحقيقة لايحبهم أحد من دمشق إلا العلويون وأمثالهم الذين جاءوا بهم إلى دمشق ليكونوا سنداً لهم .

[63]  ـ تبين هذا كله فيما بعد أنه من أجل توريث الحكم إلى ولده باسل .

[64] ـ ولد باسل الأسد في 23 آذار من عام 1962 في مدينة دمشق. أنهى دراسته الثانوية من معهد الحرية في مدينة دمشق عام 1978 و انتسب الى كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق , و حصل على شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1983. انتسب الى القوات المسلحة في عام 1984 وتخرج من كلية المدرعات برتبة ملازم اول وكان اول دورته.اتبع دورة اركان في كلية القيادة العليا و كان اول دورته.
حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية بامتياز مع مرتبة الشرف الاولى.
اتبع دورة طيار مقاتل ( ميغ 21).  
قافز مظلي حر و بطل دورته في القفز الحر.
اشترك في اول دورة للقفز المظلي للشبيبة عام 1980.  بطل سورية الاول في الفروسية.
بطل دورة العاب البحر الابيض المتوسط بالفروسية عام 1978 و فارسها الذهبي الاول , وهو الفارس العربي الوحيد الحاصل على هذه الميدالية.  طور رياضة الفروسية. وسع نطاقها واقام لها النوادي في اغلب المحافظات السورية.
اهم البطولات التي يعتز بها هي دورات الفروسية ضمن نطاق مهرجان المحبة و التي حصل في جميع بطولاتها على المراكز الاولى.  
شجع رياضة السباحة بانواعها واسس نادي اليخوت.
منحته منظمة اليونسكو وسام التقدير لسجاياه واخلاقه الرياضية عام 1992 حفل رسمي في مدينة باريس.
رئيس الجمعية المعلوماتية في سورية وقد عمل على ادخال الحاسوب (الكمبيوتر) في مختلف المجالات.
كان يهوى مطالعة الكتب السياسية و الاقتصادية و العسكرية والادبية. كان يهوى المناقشات ولديه اسلوب رائع في الاقناع.     رائد ركن مظلي مهندس قيادي و سياسي محنك.
نال وسام التدريب في الجيش العربي السوري عدة مرات لتفوقه, ولتفوق وحدته وتحقيقها افضل النتائج في التدريب الماضي.
اخر مبارياته الرياضية كانت مباراة في رماية على حمام الحفرة و التي اقيمت في نادي باسل الاسد قبل شهر من وفاته وقد حصل فيها على المركز الاول واصا ب ثلاثةعشرة حمامة من اصل خمسة عشرة وكان عدد المشاركين 17 راميا من دمشق وحلب.  
 
توفي في 21 كانون الثاني عام 1994 عن عمر يناهز (32 )عاما ، ويظن أنه قتل في لبنان من قبل أولاد عمه الذين طاردهم وكافحهم في تجارة المخدرات . وكان موتـه فاجعـة كبيرة لوالده . الذي حرم عشرات الألوف من السوريين من أولادهم ، فعاقبه سبحانه وتعالى بنفس الألم وحرمه من احب أولاده إليه والذي كان يعده لخلافته .