تداعيات تبني مجلس حقوق الإنسان لتقرير غولدستون
محمد فاروق الإمام
أثار تقرير غولدستون الذي أقر في مجلس حقوق الإنسان غضب قادة الكيان الصهيوني الذين تلوثت أيديهم بدماء الفلسطيين، وهم الذين لم يتعودوا أن يسمعوا إلا كلمات الثناء عليهم وتصنيفهم على أنهم أناس متحضرون يعيشون في واحة وارفة الظلال ينابيعها حضارة ورقي وإنسانية وتقدم وصيانة لحقوق الإنسان واحترام حقوقه ورعايته، وسط غابة مليئة بالوحوش، ورعاة الجمال المتخلفون البربريون، وقد جاء هذا التقرير ليكشف اللثام لأول مرة أمام العالم والغرب خاصة - الذي تمكنت الصهيونية من تضليله لعقود طويلة - عن حقيقة جرائم الصهيونية وما يرتكبونه من فظائع وجرائم ضد الإنسانية.. جاء ليسقط ورقة التوت عن عورات هذه الدولة المغتصبة لفلسطين بدعم قوة الغرب وأمريكا!!
فهذا رئيس وراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو يعلن بعصبية حمقاء أنه سيخوض معركة دبلوماسية طويلة تهدف إلى (إسقاط الشرعية) عن اتهام الأمم المتحدة لإسرائيل بأنها ارتكبت جرائم حرب في قطاع غزة، متهكماً على أعضاء مجلس حقوق الإنسان الدولي ومستهزئاً بأعضائه والمنتسبين إليه، متهماً إياهم بالعداء للسامية. وهدد قائلاً: (إن تقرير غولدستون قد يقوض عملية السلام في الشرق الأوسط التي ترعاها الولايات المتحدة، وإن إسرائيل يجب أن تنزع الشرعية عن التقرير، هذا الأمر لن يستغرق أسبوعاً فقط، بل ربما سنوات). وأضاف (أن إسرائيل ستخوض مواجهة طويلة ضد هذا الانتقاد).
واخطر ما تعرضت له إسرائيل هو موقف حلفائها التقليديين، ففي رسالة وقّعها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، ونشر مقتطفات منها قصر الإليزيه، طلب الاثنان من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إجراء تحقيق مستقل وشفاف حيال الأحداث التي وقعت في غزة في أثناء الحرب. وطلبا منه أيضاً تسهيل الوصول إلى غزة، خصوصاً من خلال فتح نقاط العبور أمام القوافل الإنسانية، وكذلك وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة واستئناف المفاوضات على أساس ثوابت ذكرها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه أمام الأمم المتحدة.
الولايات المتحدة التي صوتت ضد التقرير لم تخف قلقها مما ارتكبته إسرائيل من فظائع ضد الفلسطينيين، فقد جاء في تعليق المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قوله: (كوننا صوتنا بـ(لا) لا يؤثر في عمق القلق حيال أحداث مأساوية).
ومن المستحسن والمفيد أن نلقي الضوء على شخصية غولدستون الذي صاغ التقرير والتعريف به:
ريتشارد غولدستون قاض ورجل قانون جنوب أفريقي ذو أصل يهودي من مواليد 26 تشرين الأول عام 1938، متزوج، له بنتان وخمسة أحفاد، وهو من خريجي جامعة ويتووترصراند في جوهانسبورغ عام 1962.
أبرز المناصب التي شغلها غولدستون في جنوب أفريقيا هي أنه كان قاضياً بالمحكمة الدستورية لجنوب أفريقيا من عام 1994 حتى 2003، وهي الفترة التي تمت خلالها كتابة الدستور الجديد والانتقال من مرحلة التمييز العنصري إلى الديمقراطية.
وترأس غولدستون - الذي كتب عدة مقالات متعلقة بالقانون الدولي لحقوق الإنسان- على مدى 25 عاماً جمعية أصدقاء الجامعة العبرية في القدس بجنوب أفريقيا.
خارج بلاده عمل من عام 1994 حتى 1996 مدعياً عاماً رئيسياً في المحكمة الدولية التي كلفت بالتحقيق في جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ورواندا.
ومن عام 1999 حتى 2001 شغل منصب رئيس لجنة التحقيق الدولية في كوسوفو، ثم عينه الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان للإشراف على التحقيق في فساد مرتبط ببرنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.
في نيسان عام 2009 عين غولدستون رئيسا للجنة التحقيق التابعة الأمم المتحدة في انتهاكات الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة في الفترة من 27 كانون الأول عام 2008 حتى 18 كانون الثاني 2009.
من أبرز تصريحاته وقتئذ قوله إنه "صدم، باعتباره يهوديا" من تعيينه رئيسا لهذه اللجنة.
وقد رفضت إسرائيل التعاون معه مما أجبره على الدخول إلى قطاع غزة عبر مصر، في المقابل لقي تعاونا من قبل حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وزار غولدستون (71 عاما) - الذي نال عدداً هاماً من الجوائز العالمية- عدة مرات إسرائيل حيث تعيش إحدى ابنتيه منذ أكثر من عقد من الزمن، حسب صحيفة معاريف.