الإخوان المسلمون السوريون والتعددية السياسية
الإخوان المسلمون السوريون والتعددية السياسية
د. خالد الأحمد *
تعـريـف : التعددية السياسية معناها أن يسمح بتعدد الأحزاب في البلد ، حيث يتقدم مجموعة من المواطنين ، بطلب إلى وزارة الداخليـة ، يطلبون السـماح لهم بتشكيل حزب سياسي ، يذكرون اسمه وأهدافه ونظامه الداخلي ، وفي حدود أربعين يوماً يجب على وزارة الداخلية الموافقة على طلبهم ، وإلا اعتبر موافقاً عليه تلقائياً . ويجوز لكل حزب مرخص لـه إصدار صحفه الخاصة به ، والقيام بنـشاطات طلابية وتربوية واجتماعية وثقافية كما في دول أوربا الغربية ، والجزائر حالياً . وعكســه نظام الحزب الواحد ؛ حيث لايسمح في البلد لغير الحزب الحاكم ، كما هو في الاتحاد السوفياتي سابقاً ، وسوريا وتونس ، والجزائر في عهد بومدين ، والعراق …إلخ .
والتعددية السياسية أسلوب من التعامل السياسي تأخذ بـه كثير من الدول المتقدمــة سياسياً ، وهو أفضل وقاية من أعمال العنف والثورات الشعبية ضـد الحكم الفردي ، وبالتعدية السياسية يتم التداول عى السلطة من قبل الأحزاب السياسية بواسطة الانتخابات ، كما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية ، ودول أوربا الغربية ، ويوماً بعد يوم يزيد عدد البلدان الملتزمـة بالتعدديـة السياسية.
موقف العلمانيين من الحركة الإسلامية :
ينظر بعض الناس إلى الحركة الإسلامية على أنها شمولية ؛ لاتـقبل التعددية السياسية ، ويدعو خصوم الإسلام إلى محاربة الحركة الإسلامية والحيلولة دون وصولها لى الحكم ؛ لأنها سـوف تفرض نظاماً آحادياً يمنع قيام أحزاب سياسية ، ويمنع المعارضة ، ويكم الأفواه ، ويصادر حرية الكلمة .
وقد سـاعد هـؤلاء بعضُ الدعاة ـ عن جهل طيب قلب ـ عندما أفتـوا أنه لا أحزاب في الدولة المسلمة ، وأن التحزب لم يذكر في كتاب الله إلا في معرض الذم ، وأن المسلمين جماعة واحدة ، يقودهم إمام (حاكم ) واحد ، وطاعته واجبة عليهم بنص القرآن الكريم .
وقـد فات هؤلاء وهؤلاء أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين أصدر مشروعه السياسي في منتصف التسعينات ، وقد شمل هذا المشروع مبدأ المشاركة السياسية ومعناها أن يسهم الإخوان المسلمون مع غيرهم من القوى الوطنية في حكومة ائتلافية ، وقد عللوا ذلك تعليلاً إسلامياً واضحاً عندما قالوا ينظر الإخوان المسلمون إلى الحكم على أنه غرم وليس غنماً ، ومادام غرماً فلتحمل كل القوى الوطنية هذا الغـرم معـاً .
وتبعهم الإخوان المسلمون المسلمون عندما أصدروا مشروعهم السياسي (2004) حيث كرروا نفس المبدأ ؛ مبدأ المشاركة ، وليس الانفراد بالحكم .
وفاتهم أيضاً معرفـة تاريخ الإخوان المسلمين في سوريا ، فهو خير دليل على أن الإخوان المسلمين مشاركون وليس منفردون بالحكم ، ودليل على أن العلمانيين الذين يتهمون الإخوان بالفردية والاستبداد لايقرأون التاريخ .
تاريخ الإخوان والتعدديـة السياسية في سـوريا :
ومن خلال تاريخ الحركة الإسلامية في سوريا يتضح أنها وافقت على التعددية السياسية في عام ( 1943) ، وأسهمت حسب مبدأ المشاركة بالانتخابات ونجح نائب عن إخوان حماة وهو الشيخ محمود الشقفة يرحمه الله ، ثم دخل الإخوان السوريون مجلس عام 1947وانتخب المراقب العام الدكتور مصطفى السباعي يرحمه الله ، وفي عام 1949م اختارت دمشق السباعي ، وصار نائبًا لرئيس المجلس ، وعضواً بارزاً في لجنة الدستور ، وفي هذا المجلس وضع الدستور السوري وكان للسباعي خاصة وللإخوان عامة دور كبير فيه ، وقاد السباعي يومها الجبهة الإسلامية الاشتراكية .
السباعي يوافق الأكثرية مع مخالفتها لـه :
وفي هذا المجلس وقعت حادثة تؤكد لكل ذي عقل وعينين مبصرتين أن الإخوان ديموقراطيون ، وليسوا مستبدين ، فقد طرح السباعي يرحمه الله ـ وكان نائب رئيس المجلس ، ورئيس لجنة وضع الدستور ـ طرح فكرة دين الدولة الإسلام ، ولكن العلمانيين قامت قيامتهم وتكتلوا وأسقطوا هذه الفكرة ، وطرحوا بديلاً عنها وهي أن دين رئيس الجمهورية الإسلام فتنازل السباعي يرحمه الله عن طـرحـه ووافق على طـرح الأكثرية ، وبقي رئيساُ للجنة الدستور ، بعد أن وافق على فكرة لايقبلها هو بشخصه ، ولكنها نالت قبول الأكثرية .
كما شاركوا في مرحلة ماقبل الوحدة مع مصر عام (1956م) ، حيث شارك الإخوان بعدد من النواب في مجلس النواب ، منهم مصطفى السباعي يرحمه الله ـ المراقب العام الأول ـ ومنهم الدكتور نبيل الطويل ، والأستاذ محمد المبارك ، وغيرهم ، وكان في مجلس النواب عدد من النواب الشيوعيين يرأسهم خالد بكداش .
كما شاركت الحركة الإسلامية بأكثر من وزير منهم محمد المبارك (وزيرًا للعـدل) ، والدكتور الطويل (وزيراً للصحة ) . والأسـتاذ عمرعودة الخطيب ( وزيراً للتموين ) ،كما شاركت الحركة الإسلامية في عهد الانفصال (1961م) بعدد من النواب في المجلس النيابي ، وكان لهم كتلة كبيرة منهم الأستاذ عصام العطار ، والشيخ محمد علي مشعل ، والأستاذ طيب الخوجة من حمص ، والشيخان عبد الفتاح أبو غدة ومصطفى الزرقا عن حلب ، وزهير الشاويش عن دمشق ، وغيرهم . وصار في هذا المجلس ثلاثة أقطاب للقرار السياسي هم الأستاذ عصام العطار زعيم الكتلةالإسلامية ، وخالد العظم رئيس مجلس الوراء ، وأكرم الحوراني زعيم الكتلة الاشتراكية .
عصام العطار يرفض الانفراد بالحكم :
وفي هذه الفترة عرض العميد صدقي العطار على عصام العطار أن يقوم الضباط الدمشقيون ـ وكانوا كتلة كبيرة في الجيش كان لها دور في الانفصال ـ أن يقوموا بانقلاب عسكري ويسلموا الحكم للإخوان المسلمين ، فرفض الأخ عصام العطار ـ وكان أمير الجماعة يومئذ ـ رفض هذا العرض ، ولم يقبل أن يستلم الإخوان الحكم بانقلاب عسكري ، ولم يقبل أن ينفرد الإخوان بالحكم ، وبعد أسـابيع قليلة قام انقلاب البعثيين وانفردوا بالحكم ومازالوا منذ اثنتين واربعين سنة .
وفي عام 1982م أسهم الإخوان المسلمون السوريون في إقامة التحالف الوطني للشعب السوري ، ويتكون هذا التحالف من عدة حركات سياسية منها الإخوان المسلمون ، والبعثيون القوميون المنشقون عن النظام السوري ، والاشتراكيون ، والناصريون ، وإحدى فصائل الحزب الشيوعي ، وبعض المستقلين ، ومازال هذا التحالف قائماً ، ونتوقع له دور بارز في سورية المستقبل .
الإخوان السوريون والتعددية اليوم :
وضع الإخوان المسلمون السوريون حالياً المشروع الحضاري لسورية المستقبل ، يحددون فيه معالم العمل السياسي ومنه التعددية السياسية وحرية الأحزاب . وقد جاء في مشروعه التمهيدي : ( التعددية سـمة من سـمات المجتمعات البشرية ، والاختلاف الفكري والسياسـي ظاهرة غنى في المجتمع يجب التعامل معـها لإثـراء وتمتـين الوحدة الوطنيـة ). كما جاء تحت عنوان السياسات الدسـتورية : ( التعددية السياسية وحرية تأليف الأحزاب ) .
كما دعا الإخوان المسلمون في سوريا إلى مؤتمر المعارضة السورية في شهر آب 2002 في لندن ، حيث حضرت عدة فصائل من المعارضة خارج سوريا ، من الإسلاميين والماركسيين ، والبعثيين القوميين ، والمستقلين ، كما حضر ممثلون عن الحركات الكردية ، وشخصيات علوية ومسيحية ، وهكذا مثل المؤتمر معظم ألوان الطيف السوري .
وبعد دراسة ميثاق الشرف الذي أعدته جماعة الإخوان المسلمون ، والمداولة والمناقشات ، وتعديل بعض الفقرات ، تمت الموافقة على هذا المشروع ، والتوقيع عليه من قبل المؤتمرين ، ليصبح الميثاق الوطني ، كما تشكلت لجنة الميثاق الوطني من سبعة أشخاص أحدهم علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا .
ثم طرح الإخوان المسلمون المشروع الحضاري لسوريا المستقبل ومما جاء فيه :
في عام 2000ً طرح الإخوان المسلمون في سوريا ( ميثاق الشـرف الوطني ) الذي تحول بعد مؤتمر المعارضة في لندن (2002) إلى الميثاق الوطني ، وفيه عبارات صريحة وواضحة يؤكد فيها الإخوان المسلمون في سوريا على التعددية السياسية ومنها :
( والدولة الحديثة دولة ( تداولية ) ، ومن هنا جاء الاشتقاق اللغوي لكلمة دولة ، وتكون صناديق الاقتراع الحـر والنـزيه ؛ اساساً لتداول السلطة بين أبناء الوطن أجمعين ، والدولة الحديثة دولة تعددية ، تتبين فيها الرؤى ، وتتعدد الاجتهادا ـ وتختلف المواقف ، وتقوم فيها قوى المعارضة السياسية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، بدور المراقب والمسدد ، حتى لاتنجرف الدولة إلى دائرة الاستبداد أم ستنقع الفساد) .
كما حدد الإخوان المسلمون السوريون في المشروع الحضاري لسورية المستقبل ، معالم العمل السياسي ومنه التعددية السياسية وحرية الأحزاب . وقد جاء في مشروعه التمهيدي : ( التعددية سـمة من سـمات المجتمعات البشرية ، والاختلاف الفكري والسياسـي ظاهرة غنى في المجتمع يجب التعامل معها لإثـراء وتمتـين الوحدة الوطنيـة ).
وبعد أن سـرد المشروع التعددية الدينية والمذهبية والعرقية في سوريا يقول : ( وعلى أساس هذه الرؤية التاريخية لأبعاد التعددية ( الدينية والفكرية والفقهية ) ... نؤكد أن التعددية السياسية هي حقيقة واقعة في كل تجمع بشري ، كما أنها سـمة أساسية لأي دولة حديثة ، تسعى إلى بناء وجود تنافسي لتحقيق مشروع حضاري عام . ) ثم يعدد المشروع التمهيدي إيجابيات التعددية ومنها :
1 ـ طرح العديد من البرامج لتحقيق المشروعات الوطنية الكبرى .
2 ـ التخلص من سلبيات الرؤية الأحادية .
3 ـ تضع التعددية العمل العام تحت مجهر الرقابة الشعبية .
4 ـ التعددية السياسية هي المقابل الموضوعي للاستبداد .
5 ـ بناء مؤسسات المجتمع المدني ....الخ ) .
وهذا نخلص إلى أن الإخوان المسلمين السوريين سابقاً ولاحقاً ودائماً مع التعددية السياسية ، وضد الاستبداد والانفراد بالسلطة ، ويبررون ذلك بأن الحكم غرم وليس غنمـاً . فمتى يعقل العلمانيون ذلك !!!؟
* كاتب سوري في المنفى