نرحب بالحكم على البلتاجي وحجازي

د. عبد الوهاب الأفندي

د. عبد الوهاب الأفندي

(1) أصدرت محكمة جنايات القاهرة، وهي «صاحبة سوابق» في مجالات عدة، حكماً على كل من الزعيم الإخواني محمد البلتاجي والداعية المعروف صفوت حجازي بأحكام وصلت إلى عشرين عاماً بتهمة احتجاز ضابط شرطة «قسرياً» و»الشروع في تعذيبه». ولست على اطلاع على حيثيات الحكم الذي يعتبر سابقة أخرى تضاف إلى «سوابق» المحكمة التي كان يرجى أن تصبح يوماً موقرة. ولكن مهما يكن فإن هذه سابقة محمودة، لأنها جرمت مجرد «الشروع» في التعذيب، وهي بشرى طيبة لضحايا التعذيب في مصر التي تحتاج إلى حراسة هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى.

(2)

من نافلة القول إن البلتاجي كان، كما لم يخف على من تابع المسألة بأدنى اهتمام، في شغل من أمره بسبب مقتل ابنته على يد الشرطة وانشغاله بمهام سياسية وإعلامية كبرى، ولم يكن هو من تعرض لضابط الشرطة المعني بخير أو شر، إذا افترضنا أن الشرطي المعني قد تعرض لمكروه وهو يمارس وشيعته القتل والتنكيل في ميدان رابعة. وعليه فإن مسؤولية البلتاجي وحجازي هي أخلاقية-سياسية في الأساس بحكم قيادتهما لاعتصام رابعة. وعليه فإن هذه سابقة قضائية مهمة، ليست فقط في تجريم مجرد الشروع في التعذيب، بل كذلك السكوت عنه والمسؤولية السياسية والأخلاقية تجاهه. وهذه بشرى سارة أخرى للضحايا.

(3)

المعروف للقاصي والداني أن التعذيب في مصر يمارس بصورة روتينية، مثل طقوس العبادة، في كل مراكز الاعتقال. وقد استمعت باهتمام شديد (وكثير من الألم)، لشهادة صحافي الجزيرة عبدالله الشامي المفرج عنه في حزيران/يونيو الماضي بعد اعتقال دام قرابة عام وإضراب عن الطعام لمدة مائة وأربعين يوماً، وكيف أنه تعرض لتعذيب وتحقير لا يوصف بدأ بمجرد الاعتقال. وبحسب تلك الشهادة فإن التعذيب والتحقير والشتم بأقذع الألفاظ يمارس بصورة يومية على كل المعتقلين، بغض النظر عن الهوية والجرم.

(4)

بحسب تقرير حقوقي دولي صدر في نفس الشهر الذي أفرج فيه عن الشامي فإن عدد المعتقلين السياسيين في مصر يناهز الواحد والأربعين ألفاً. وكان تقرير حقوقي آخر حدد عدد كل نزلاء السجون في مصر في حزيران/يونيو عام 2012 بأكثر من 180 الفا. أي أن عدد كل سجناء مصر قرابة ربع مليون. ومن نافلة القول إن كل من هؤلاء قد تعرض بلا شك على -أقل تقدير- لجناية «الشروع في التعذيب».

(5)

وبحسب هذا الحكم، فإن وزر التعذيب يقع على المسؤول الأول عنه، وهو من كان يتولى الزعامة السياسية. وبهذا المنطلق، فإن رئيس المحكمة الدستورية (ورئيس الغفلة) في مصر غير المحروسة أيام فض اعتصام رابعة، يتحمل هو ووزير الداخلية ووزير الدفاع وقتها، وزر ما تعرض له عبدالله الشامي وأكثر من أربعين ألف معتقل آخر من «شروع في التعذيب». وبحسب «سابقة» جنايات القاهرة أعلاه، فإن كل من هؤلاء يجب أن يحكم عليه بالسجن ثمانمئة وعشرين ألف سنة بالتمام والكمال. هذا إذا استثنينا بالطبع السجناء الجنائيين (و ياما في الحبس المصري من مظاليم!). أما إذا لم نفعل فإن الحكم يكون بخمسة ملايين سنة سجن فقط لا غير، لكل من السيسي ومنصور وإبراهيم.

(6)

ننصح ضحايا التعذيب وكذلك «الشروع في التعذيب» في مصر أن يهرعوا إلى أبواب محاكم مصر، وأن يقدموا شكاواهم للقضاء المصري النزيه والعادل حتى ينصفهم كما أنصف الضابط المصري المسكين والمغلوب على أمره. فالحمد الله إن في مصر حكام لا يظلم عندهم أحد، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن نجاشي الحبشة، عليه رضوان الله. فلا تفوتوا الفرصة، هداكم الله يا أهل مصر.

(7)

ربما يعجز بعض الضحايا (ربما لأنهم ما يزالون في الحبس، أو لأن التعذيب أودى بهم أوسبب لهم عاهات مستديمة)، عن الوصول إلى أبواب محاكم مصر العادلة والنزيهة، والتي تنصف حتى الشرطة من معذبيهم والمعتدين عليهم. وعلى هؤلاء ألا يخافوا ولا يحزنوا، فإن هناك «كاميرات» تسجل كل ما تعرضوا له، ولو كان في جوف جب مظلم، وشرطة يسجلون بدقة محاضر كل شيء حتى لو كان همسة أو نظرة، ومحاكم جاهزة للنطق بحكم ينصف من ظلم مثقال ذرة. وعندما تنصب تلك المحاكم، وينطق بأحكام لا معقب لها، يتمنى الظالمون لو أنهم سجنوا بالفعل خمسة ملايين سنة، وواجهوا «الشروع في التعذيب» في كل دقيقة وثانية منها. وهي أمنية لن ينالوها!

(8)

شكت زوجة الدكتور البلتاجي السيدة سناء عبدالجواد من أن السلطات أخفت أو أتلفت تسجيلات مصورة ومستندات أخرى تبرىء زوجها من التهم الموجهة إليه. والأصل أن المتهم لا يحتاج إلى أدلة إلى إثبات براءته، وإنما واجب الادعاء هو إثبات التهمة. مهما يكن، فإننا أيضاً نطمئن السيدة المحترمة –وعلى مسؤوليتنا- أن هناك نسخاً من تسجيلات أشمل وأكثر دقة، محفوظة في مكان لن تصل إليه أيدي العابثين، وأنها ستظهر في وقت يرونه بعيداً وهو قريب جداً.

٭ كاتب من السودان