دور الجيش السوري في تجارة المخدرات

دور الجيش السوري في تجارة المخدرات

خالد الأحمد *

تمهيد : لا أتمنى أن هذا كله صحيح ، ولكني أعرض الواقع الذي قرأته ، وفيه أدلة وحجج قوية ، وفيه تعليل لتمسك النظام السوري بلبنان قرابة ثلاثين سنة ، كان بعض الجنود وبعض صغار الضباط ينهبون الشعب ، وقد شاهدت ضابط صف ( موظف بالثانوية ) يبني عمارة فيها عدة شقق بعد عودته من الخدمة في لبنان أواخر السبعينات ، وبعد الانتهاء من بنائها ببضع سنوات غاصت العمارة في التربة .  وكان بعض كبار الضباط يزرعون المخدرات ويصدرونها إلى شتى أقطار العالم ليجنوا منها مليارات الدولارات . التي تجمدها أمريكا اليوم ، وسوف تنهبها المخابرات الأمريكية  .

وصلب هذه الدراسة قدمها الدكتور بشير زين العابدين ، المتخصص في التاريخ السوري ، ونشرتها مجلة السنة ، من مركز الدراسات الإسلامية بلندن ، وأعلق وأضيف بعض التوضيحات عليها .

[ تشير العديد من الأدلة إلى تورط عدد من الضباط السوريين في الجيش وأجهزة الأمن في تجارة المخدرات الدولية، حيث يتم إنتاج كميات كبيرة من الأفيون في سهل البقاع اللبناني الذي كانت تزرع فيه نبتة القنب (الكانابيس) بكثرة قبل التدخل السوري عام 1976. ويتردد في معظم المصادر اسم رفعت الأسد - نائب الرئيس السوري وشقيقه في نفس الوقت - كشخص مهم في هذه التجارة الدولية. وكانت مجلة الإكسبرس الفرنسية قد ادعت (في عددها الصادر في شهر مايو 1987، ص 34 - 41) بأن هناك صلة للسلطات السورية في تجارة المخدرات اللبنانية وأن نائب الرئيس السوري رفعت أسد ضالع في تسويقها لدى شبكات التجارة العالمية. وفي شهر مايو 1985 قامت السلطات الإسبانية بطرد القنصل العام والمسؤول الأمني في السفارة السورية بسبب انكشاف دورهم في شحنة هيروين تم مصادرتها، وادعت الصحافة يومها بأن للسفير السوري في إسبانيا (وهو شخص مقرب من رفعت أسد) دور في هذه الصفقة كذلك.

وتوفر تجارة المخدرات مصدر تمويل رئيسي للمسؤولين في أجهزة الاستخبارات السورية مما يساعدهم في تقوية مواقعهم ودعم سلطتهم. فقد نقلت مجلة الإكسبرس الفرنسية عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) أن تجارة الأفيون وحدها قد وفرت للمسؤولين السوريين مكاسب تقدر بمليار دولار في عام 1986، وقد نتج عن ذلك تضاعف إنتاج هذه المادة إلى خمسة أضعاف. ووفقاً للتقرير السنوي الصادر عن إدارة متابعة تجارة المخدرات الدولية الحكومية (INCSR) عام 1989 فقد تضاعف إنتاج لبنان من الأفيون عام 1988 بصورة كبيرة بحيث أصبحت لبنان منتجاً رئيسياً لهذه المادة. وكان إنتاج لبنان في ذلك العام (1988) 600ر48 طن من القنب (الكانابيس) و700 طن من الحشيش و30 طن من الأفيون الخام، وتعتبر هذه زيادة كبيرة حيث لم يتجاوز الإنتاج اللبناني للأفيون عام 1987 عن 6 أطنان. وبالإضافة إلى ذلك فقد تم إنتاج 5 أطنان من الهيروين عام 1988، كما أصبحت لبنان منذ ذلك العام مركزاً رئيسياً لتصدير الكوكائين. وتذهب صحيفة اللوفيغارو في عددها الصادر بتاريخ 11/6/1988 بأن المزارع اللبنانية تنتج 60 طناً من الأفيون الخام سنويا حيث توجد مختبرات سرية لتصنيع المخدرات، وبأن الأرباح - التي تقدر بمئات الملايين - يتم اقتسامها بين المزارعين والمنتجين والمسوقين والقوات العسكرية السورية. وقد أشار التقرير السنوي ل (INCSR) عام 1990 بأن المساحة الكلية للأراضي المخصصة لزراعة الأفيون قد تضاعفت بين الفترة 1988 و 1989 من 2000 إلى 4500 هكتار، ونتج عن ذلك تضاعف إنتاج الأفيون تباعاً من 30 إلى 45 طن يتم معالجته بعد ذلك لتصنيع مادة الهيروين في مختبرات سرية في لبنان وسورية.

وبالرغم من وجود مناطق عدة في لبنان لزراعة الأفيون فإن منطقة سهل البقاع الخاضعة للقوات السورية تعتبر المركز الرئيسي لهذه النبتة، حيث يشير التقرير السابق بأن القوات السورية هي التي تقوم بحراسة هذه المواقع، وتشرف كذلك على إصدار التصاريح اللازمة لمرور الشحنات عبر مواقع التفتيش السورية، بينما تقوم شاحنات النقل التابعة للجيش السوري في كثير من الحالات بنقل شحنات المخدرات، وتضيف مجلة الإكسبريس بأن طائرات الهيلوكبتر العسكرية التابعة للجيش السوري تستخدم كذلك لنقل المنتج الخام إلى المختبرات التي يتم فيها معالجة الأفيون لتحويله بعد ذلك إلى مادة الهيروين تمهيدا لبيعه في السوق العالمية. ومع وجود عدد من المختبرات في سهل البقاع فإن المدينة الرئيسية التي يتم شحن الأفيون إليها لمعالجته هي مدينة حلب حيث يوجد العديد من المختبرات المهمة التي يمكن تتبع المزيد منها في دمشق وحمص وحماة. وبالنظر إلى التواجد الكثيف للمخابرات داخل سورية فإنه يستحيل وجود هذا العدد من المختبرات دون علم السلطات السورية بها، بل إنه من غير المتصور أن تتم هذه التجارة بأسرها دون أن يكون للسلطات السورية ضلوع فيها].

هكذا إذن الطائرات العمودية التي دفع الشعب ثمنها من لقمة خبز أولاده ، استخدمت في قتل المواطنين الأبرياء في جسر الشغور ، وجبل الزاوية ، وحماة ، وتدمر ، واستخدمت أيضاً في نقل المخدرات من المزارع إلى المصانع المبثوثة في مدن سوريا تحت حراسة المخابرات العسكرية .

[ووفقاً لتقرير (INCSR) لعام 1990 فإنه يتم شحن المخدرات اللبنانية عن طريق سورية وإسرائيل والموانئ اللبنانية على البحر المتوسط وأبرزها طرابلس. وبينما تعتبر مصر من أكبر مراكز استهلاك الحشيش فهناك كميات كبيرة تصدر كذلك إلى سورية وتركيا، ويقدر التقرير بأن 40% من الهيروين و 20% من الحشيش اللبناني يصل إلى الولايات المتحدة سنوياً.

وفي حين تلمح المصادر الحكومية في أمريكا إلى تورط النظام السوري دون تأكيد هذه المعلومات فإن أحد المحققين السابقين في ملف المخدرات اللبنانية قد صرح بأن الحكومة الأمريكية تعلم أكثر مما هو منشور، وبأن النظام السوري متورط في هذه التجارة بشكل قطعي. وقد نص على ذلك تقرير عام 1990 المذكور آنفا بقوله: "يعتقد المسؤولون الأمريكيون بأن عدداً من الجنود والضباط السوريين المتمركزين في سهل البقاع – بالإضافة إلى ضباط كبار في قيادة الجيش السوري - متورطون في تجارة المخدرات" (ص 367). وفي إشارة أخرى إلى الدور السوري يقول التقرير: "وباستثناء الحزام الأمني الإسرائيلي في جنوب لبنان والأماكن الخاضعة للنصارى فإن 65% من البلاد تخضع للقوات السورية بما فيها سهل البقاع الذي يعتبر المركز الرئيسي لإنتاج المخدرات، ولدينا قناعة بأن السلطات السورية تجيز إنتاج وشحن المخدرات في المناطق الخاضعة لسيطرتها وتستفيد من ذلك" (ص 362).

وفي عدد 19 نوفمبر 1989 ادعت صحيفة التورنتو ستار الأمريكية بأن مسؤولين أمريكان وفرنسيين قد تورطوا في هذه التجارة مقابل الإفراج عن الرهائن ولتحقيق مصالح أخرى. وادعت الصحيفة بأنه في عام 1988 أوفدت فرنسا عالمين في مجال الكيمياء للإشراف على إنشاء مختبرين لإنتاج الهيروين في لبنان تابعين لرجل الأعمال السوري منذر الكسار الذي يمارس كثيرا من أنشطته التجارية في أوروبا ويتمتع بعلاقة جيدة مع رفعت أسد. وقد زعمت الصحيفة كذلك بأن مسؤولين في وكالة الاستخبارات الأمريكية قد سهلوا صفقة مخدرات في أمريكا مقابل "مساعدات" قدمها لهم منذر الكسار. جدير بالذكر أن شقيق الكسار متزوج من ابنة رئيس المخابرات العسكرية علي دوبا.

كما أشارت مصادر أخرى إلى دور بارز للكسار في شحنات الأسلحة التي عرفت فيما بعد بقضية إيران - كونترا، حيث قالت صحيفة ميدل إيست إنسايدر بأنه: "في نفس الوقت الذي كان الكسار مطلوباً من قبل السلطات الأمريكية عام 1985 بسبب تورطه في تجارة المخدرات، فإنه كان يمثل مجلس الأمن الوطني في شحن أسلحة من المعسكر الشرقي (AK47) إلى ثوار الكونترا" !!!] .

ويتضح من قراءة التقرير أن المخابرات الأمريكية والاسرائيلية مضطلعة على تورط النظام السوري في تجارة المخدرات ، وزراعتها وانتاجها في لبنان وتصديرها إلى دول كثيرة منها أمريكا نفسها ، ويفهم هذا على أساس فقه الموازنات الأمريكية والصهيونية ، فليزرعوا ويتاجروا بالمخدرات ، ولينشغلوا عن تحرير الجولان ، حتى صار تمديد وجود قوات الأمم المتحدة للفصل بين سوريا وإسرائيل يتم دورياً وبشكل تلقائي كل ستة أشهر ، كما نسمع في الأخبار ، منذ فصل القوات عام (1974) وحتى اليوم . وقد نجح مخطط المخابرات الأمريكية والصهيونية في القضاء على الجيش السوري (العقائدي ) بهذه الطريقة ، واليوم جيشنا السوري مشغول بتوافه السرقات ، والجنود عمال عند قائد الكتيبة وقائد اللواء ، وكبار الضباط يسرقون مخصصات الطعام للجنود ، يبيعونها ، ثم يقدمون لهم الطعام من مطاعم يوظفون فيها عمال من قبلهم تبيع لصالحهم ، فتراهم كالمنشار ، يبيعون مخصصات الجنود ، ثم يبيعونهم الطعام ، والمهم  الربح ، فقائد الكتيبة ينافس قائد اللواء في عدد الملايين التي يسرقها خلال العام من الجنود المساكين ، وقد قال لي عدة قادمين من سوريا أن الخدمة العسكرية لولده كلفته مائة ألف ليرة سورية مصروف للولد وهدايا إجبارية لقائد الكتيبة وغيره . لقاء حصول ولده على الإجازات ، وإذا ابتلي المجند وصار سائقاً فعليه تصليح سيارته العسكرية من حسابه كلما تعطلت ، بينما قائد الكتيبة يسرق فواتير إصلاحها من الجيش .

أقول هذا والألم يعصر قلبي وقلب كل من عاش في الجيش العربي السوري قبيل الحركة التصحيحية التي تسلم فيها حافظ الأسد مقاليد الحكم في سوريا ، وحول سوريا إلى حقل تعمل فيه المخابرات العسكرية ، وتديره من الألف إلى الياء ، كان الطعام يفيض في الجيش العربي السوري ، وكان اللباس يفيض كذلك ، وكان ضابط الصف المجند يتقاضى مكافأة تكفيه لمصروفه وطعامه وسكنه ، أما الضابط المجند فكان راتبه يكفي لأسرة متوسطة الحال يومذاك . يوم أن خسر الجيش الصهيوني أسلحته التي غنمها الجيش العربي السوري في معركة تل العزيزيات (1962) م عندما استشهد البطل الملازم أول محمود الدباس يرحمه الله . وأخذت الغنائم من أسلحة وآليات الجيش الصهيوني فعرضت في المرجة وسط دمشق ، وهذه آخر مرة يغنم الجيش العربي السوري أسلحة للعدو الصهيوني ، عندما كان جيشاًُ عربياً سورياً ، قبل أن يصبح ( عقائدياً ) .

هذا واقع مر ، ومؤلم ، لا أذكره للتشفي ، بل يتمزق قلبي ألماً كلما سمعته ، وإنما أذكره ليضطلع عليه المسؤلون ، لعل فيهم  أو في بعضهم بقية من رشد  أو مروءة ، وينتبهون لهذه المصائب قبل فوات الأوان .   

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم  ، ونسأل الله عز وجل أن يغير هذه الأحوال إلى أحسن ، إنه على كل شيء قدير .     

والحمد لله رب العالمين .

               

* كاتب سوري في المنفى