هذه الأجهزة :
أهي أَمنيّة ؟!.. أم استبداديّة قمعيّة ؟!..
د.محمد بسام يوسف
(الأمن) هو السكينة والسلام والاستقرار، والراحة النفسية والجسدية المطلقة، والرخاء والعدل والهدوء!..
(الأمن) هو السهر على راحة الناس، واحترام إنسانيّتهم وكرامتهم، والمرابطة على الثغور، وترسيخ معاني المواطَنة الحقّة للفرد وللمجتمع .. فأين نحن من هذا كله؟!..
لقد ارتبط اسم (الأمن) و(الأجهزة الأمنية) بواقعٍ مظلمٍ، وَسَمَ جوانب كثيرةً من جوانب الحياة العامة، فتعبير (الأمن) ارتبط في عالمنا، بالقمع والرعب والقهر والسجن والزنزانة ومراقبة الناس وكشف أستارهم ومداهمة بيوتهم!.. كما ارتبط بالجلاّد والسَوْط والتعذيب والدولاب والضحية وسفك الدماء والقهر والظلم والإذلال!..
نعم، لقد ارتبط تعبير (الأمن) بكل المصطلحات القبيحة المذكورة، وهذا الارتباط الشاذّ، هو واقع الحال في معظم دول العالم، وفي طليعتها دول ما يسمى بالعالم (الثالث)!.. الذي أُسِّسَت فيه (مؤسسات الأمن) لحماية (أنظمة الحكم)، بدلاً من حماية (الشعب) أو (الوطن)!.. خاصةً في الدول التي تُقلَب فيها (الكراسي)، بقوّة السلاح وبهمّة جنرالات (النياشين) الزائفة!.. وتُفرَض فيها أنظمة الحياة الجائرة المستبِدّة ومناهجها، بقوّة (الأجهزة الأمنية) العتيدة!.. التي تَعتبر (المواطن) خصمها الأول، والعدوّ الذي لا يمكن الانتصار عليه إلا بالقمع والاستبداد!..
المواطن في معظم دول عالمنا العربيّ والإسلاميّ، هو العدوّ رقم (واحد)، الذي يتوجّب عليه أن يتلذّذ بطعم (الأمن) المرّ بشكلٍ دائم!.. وأن يشعر (بنعيم) الأجهزة الأمنية، في أقبيتها المظلمة من مرتبة (خمس نجوم)!.. لكن مع ذلك كله، فلا يخلو الأمر من بعض (الأجهزة) الظريفة اللطيفة، التي تحمل اسم (الأمن) على رأسها، بحماسةٍ منقطعة النظير!..
أول ذلك أن تمارس مواهبها الخلاّقة في حماية حقوق الإنسان، والدفاع المستميت عن هذه الحقوق، بحيث تبدو صورتها الإنسانية مشرقةً بيضاء خالصة!.. ونظراً لاهتمامها (أي الأجهزة الأمنية) الشديد بحقوق الإنسان، فإنها تحتفل دائماً، باستضافة روّاد هذه الحقوق ودعاتها، وأعضاء لجانها، وكلّ ما يمتّ إليها بِصِلةٍ قريبةٍ أو بعيدةٍ .. حتى الجدّ العاشر، والحفيد المئة!.. تستضيفهم جميعاً في صالاتها الواسعة الفسيحة من فئة (سبع نجوم)!.. وتستقبل كلاً منهم على (بساط الريح)، أو على (الكرسيّ الألمانيّ) المريح!.. الذي يُنعش الأبدان، ويُكسّر العظام، ويقطّع الأوصال، ويرفع الرأس بخفضه إلى مستوى الركبتين، فيليّن عظام الرقبة، ويدغدغ المفاصل، فيمزّق أوتارها، ويفتّتها إلى قِطَعٍ لا تُعَدّ ولا تُحصى!..
الدعاة إلى احترام (حقوق الإنسان) يحتاجون إلى (وسائل إيضاح)، لإتقان مهنتهم وزيادة خبرتهم بتلك الحقوق!.. والأجهزة الأمنية التي ليس لها من همٍّ إلا تحقيق حرية المواطن وكرامته وأمنه، تقوم بهذا الواجب على أكمل وجه، وتقدّم كلّ التسهيلات، لحصول لجان (حقوق الإنسان) ورجالها، على (وسائل الإيضاح)، وتجريبها عليهم، ليتأكّدوا بأنفسهم وبأجسادهم، أنّ الإنسان محتَرَم في بلدانهم، إلى درجة الموت، تفتيتاً أو سحقاً أو جَلداً أو ذبحاً من الوريد إلى الوريد!.. وقد يحتاج استيعاب المنهاج والدروس إلى عشر سنواتٍ أو أكثر، فالمنهاج طويل وعميق وعلميّ معقّد!.. يتخرّج بعدها داعية (حقوق الإنسان) إلى القبر، أو إلى القهر مريضاً مُشوّهاً مُعَاقاً!..
هذا ما يذوقه أعضاء لجان (حقوق الإنسان)، خاصةً في الجمهوريات (الوراثية)، التي أخذت على عاتقها الدفاع بلا هوادةٍ عن تلك الحقوق!.. فكيف بالإنسان نفسه، الذي تُدافع تلك اللجان عن حقوقه وكرامته وإنسانيّته؟!..
بئسَت تلك الأجهزة (القمعية) في هذا العالم العربيّ والإسلاميّ، أولها الأجهزة المافيوية في الشام.. التي وَسَمَت نفسها ونهجها الإجراميّ بـ (الأمن)، افتراءً وزوراً وخداعاً وتلفيقاً، واحتارت كيف تمنح الإنسان حقوقه الإنسانية، وكيف تسهر على راحته وطمأنينته وأمنه، داخل الزنازن الفارهة، وفي ظل (وسائل الإيضاح) المصمّمة خصّيصاً، لرفاهية المواطن وعيشه الرغيد!.. إذ تكلّف الكلمة عقْداً من الزمن، في الراحة المطلقة والسكينة والنعيم بين جدرانٍ أربعة!.. وتكلّف الجُملة عقوداً بعدد كلماتها، في ذلك النعيم القمعيّ المقيم!..
بئسَت أجهزة (الحرّية) القمعية، بكلّ أشكالها وأنواعها ومقاساتها!.. والعار والشنار للساهرين على إذلال الإنسان وامتهانه وانتهاكه .. حتى حصوله على كامل حقوقه المشروعة، من الذلّ والقهر والقمع والاستبداد، المستمدَّة من شِرعة الغاب القمعية القهرية المتخلّفة!..
متى تنقشع الغمّة؟!.. متى تتحضّر الأنظمة وتركل تخلّفها وساديّتها واضطراباتها المريضة وهلوساتها الحمقاء؟!.. قبل أن تُركَل إلى قاعٍ آسنٍ، يليق بها وبكل جبّارٍ معتدٍ أثيم، طال الزمن أم قَصُر؟!..