رسالة عارية إلى الرئيس مبارك
رسالة عارية إلى الرئيس مبارك
أ.د/
جابر قميحة(1)
يا رئيس جمهوريتنا, أكتب إليكم هذه الرسالة الواضحة العارية من كل تزويق,
وبهرجة, ومجاملة.. قاصدا بها وجه الله, مدفوعا بولائي, لا لرئيس, ولا ملك, ولا
دنيا, ولا سلطان.. بل بولائي لله, ولرسوله, وكل قيمة عليا, متمثلا بقول علي
الغاياتي -رحمه الله-:
باسْم الكنانةِ واسم شعب ناهضٍ
لا باسم أحزابٍ ولا زعماءِ
كلّ يزولُ وينقضي, أما الحمي
فوديعةُ الآباء للأبناء
وأومنُ, وأعتنق مضمون ما قاله الشاعر البدوي محمد عبدالمطلب:
مصُر أمي فداءُ أمي حياتي
سلمتْ أمنا من العاديات
بيني.. وبينك
هذا هو منطلقي يا سيدي مبارك, وهذا هو إيماني وعقيدتي, فالحمد لله إذ لم أكن
-ولن أكون في يوم من الأيام- ممن هتفوا, ويهتفون لك: «بالروح بالدم نفديك يا
مبارك».
أكتب هذه الرسالة الواضحة العارية إليك, وأنت رئيس جمهوريتنا التي حكمتها ربع قرن..
تريد أو يريد حواريوك أن يمتد فيكون «الربع» ثلاثين عاما. وصحيح أنني قريب منك في
السن, فقد عشت عهد فاروق كله, وعهود حكام الميمونة جميعا: محمد نجيب, وعبدالناصر,
ومحمد أنور السادات, ومحمد حسني مبارك, وأنت -يا سيدي يا مبارك- حكمتنا مدة تقارب
مدد ثلاثي الثورة جميعا , فإذا حكمتنا لمدة خامسة زدت عليهم جميعا في سنوات الحكم.
وإذا كنت رئيس جمهوريتنا, فأنا مواطن عادي من حملة القلم في مصرنا المطحونة
المحروقة.
وأنت كما تقول عن نفسك.. وتكررها.. وتكررها: «أنا مسئول عن 72 مليون مصري..»
أما أنا فمسئول عن نفسي, وقلمي, وأسرتي, وطلابي, وأنت صاحب جاه عريض, وصيت -علي
مستوي العالم- صاخب رنان. أما أنا وأمثالي فلا يكاد يسمع بهم أحد.
وأنت -يا سيدي يا مبارك -والد شاب متطلع- وأنت تتطلع له أيضا- أن يخلفك في
رياسة جمهورية مصر... مصر التي بكاها شاعر في العصر المملوكي -من خمسة قرون-ومن
حقنا أن نبكي مصر في عهدكم فنردد معه :
نبكي علي مصر وسكانـِها
قد خربتْ أركانها العامرةْ
وأصبحت بالذل مقهورةً
من بعد ما كانت هي القاهرةْ
أما أنا فأب لأبناء لا يتطلعون لعُشر هذا, ولو علي سبيل التخيل, أو الأحلام
بنوعيها: أحلام اليقظة, وأحلام المنام.
وقد يقول الحواريون
ويبادر الحواريون من حملة المباخر من المرجانيين والرجبيين والببويين, وكذلك
الشاذلية والسرورية والصفوتية, ومن قالوا: إن الله قد أعدك لرياسة مصر من أيام أن
كنت جنينا, وممن ملئوا شوارع القاهرة باللافتات الضخمة التي تقول: «حتي الأجنة في
بطون الأمهات تقول: نعم لمبارك», أو ذلك «البباوي» الذي غطي الأبنية بلافتات تقول:
«سبعون مليونا يبايعون مبارك».... و.... و..
يبادر هؤلاء, إن لم يكن بلسان المقال فبلسان الحال, صارخين في وجهي: وأين أنت من
أعتاب الرئيس يا هذا حتي تنقد, وتوجه, وتتعدي الخطوط الحمراء?
اعتبرها كلمات هدْهدِية
وأنا أقول -يا سيدي يا مبارك-: إن الصغير قد يدرك من المسائل ما لا يدركه
الكبير, وإن المغمور قد يعرف منها ما لا يعرفه المشهور, وقد يرجع ذلك إلي طبيعة
معايشة الواقع والاندماج فيه دون أستار وحوائل. ولا يخفي عليكم -يا سيدي يا مبارك-
أن الله سبحانه وتعالي قد وهب سليمان عليه السلام من الملك والإمكانات ما لم يجعلها
لأحد قبله أو بعده , قال تعالي: {وسخرنا له الريح تجري بأمره
رخاء حيث أصاب , والشياطين كل بناء وغواص} [ص: 36, 37].
ومع ذلك جهل أشياء عرفها طائر صغير هو الهدهد, وقال لسليمان
{..أحطتُ بـما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين . إني وجدت
امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش غظيم } [النمل: 22, 23] . وصور له
سلطان الملكة وعبادتها وقومها للشمس من دون الله.. إلخ (انظر آيات النمل من 24-
44).
وتصور الآيات حوارا طويلا بين النبي الملك, وبين الطائر الضعيف كان موضوعيًا
فنيًا منتجًا, قاد إلي إسلام ملكة ومملكة وشعب, وأدي الهدهد مهمات عملية كان لها
بالغ الأثر في عودة هؤلاء جميعًا إلي الله , ولم يقل سليمان: «محظور» أن أحاور
طائرًا ضعيفًا أو مستضعفًا, وأنا الذي سخر لي الله الجن والريح.
عهد التزوير المكين
وبصراحة «الهدهد» -يا سيدي يا مبارك-: أقول إن عهد سيادتكم فاق كل العهود
السابقة في «التزوير», التزوير الشامل الذي أصبح قاعدة راسخة, وكأن مخالفته تعتبر
-في عهدكم- ضد طبائع الأشياء. هل أتاك يا سيدي أنباء مهازل اليوم الأسود يوم
25/5/2005.. يوم الاستفتاء علي تعديل المادة 76?! وقد قيل: إن الدولة أنفقت في سبيل
ذلك مائة مليون جنيه من مال الفقراء والمطحونين في مصر «المحروسة».. مائة مليون
جنيه.. والمسألة كلها كانت تزويرًا في تزوير في تزوير.. لجان لم يدخلها أحد سودت كل
بطاقاتها.. صحفي كأحمد إبراهيم أعطي صوته عشر مرات في عشر لجان مختلفة «بهدف فضح
العملية طبعًا».. ولا أكرر ما نشرته الصحف فهو أدق, وأشمل, وأكثر تفصيلا واستشهادًا
بالحالات والوقائع.. وياللعار..
من أجل عيون لورا
وأصبح للتزوير امتداداته, وجذوره الخسيسة التي ضربت وتضرب في حياتنا الاجتماعية
والتعليمية.. وأنقل لسيادتكم -يا سيدي.. يا مبارك- ما جاء في عدة مواقع بالإنترنت:
«وزارة
التعليم المصرية تنٍصب علي الإدارة الأمريكية».
كشف طلب إحاطة قدمه الدكتور حمدي حسن -عضو الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان
المسلمين بالبرلمان المصري- أن وزارة التربية والتعليم المصرية مارست عملية نصب علي
عقيلة الرئيس الأمريكي السيدة لورا بوش.. وقال النائب -في طلب الإحاطة الذي وجهه
لوزير التربية والتعليم:- إنه لا يخلو حديث في مدينة الإسكندرية -التي يمثلها
النائب في البرلمان- من فضيحة التزوير الذي حدث في أثناء زيارة السيدة لورا بوش
لمدرسة «أم القري» بحي «العوايد», حيث تم استبدال إدارة المدرسة وطلابها بإدارة
وطلاب آخرين
من
إحدي المدارس التجريبية المتميزة.. مشيرًا إلي أنه يبدو أن منظر وهيئة إدارة
المدرسة, والتلاميذ الأصليين لن تعجب السيدة لورا» حيث سيبدو عليهم الفقر
والأنيميا, فأرادت وزارة التربية والتعليم أن تشاهد سيدة أمريكا الأولي إدارة
وأطفالا وتلاميذ يبدو عليهم الآثار الكريمة والمحترمة للملايين المدفوعة من
المعونات الأمريكية لتطوير المدارس ونظم التعليم!! مشيرًا إلي أنه إذا كانت الحيلة
قد مرت بسلام علي السيدة لورا, وسفيرها, وإدارتها, ومخابراتها, فماذا يكون موقف مصر
إذا تم كشف هذه الحيلة غير الكريمة? وهل المنح الأمريكية التي تقبلها الحكومة
تقبلها للتطوير أم للتزوير? ولماذا لم يبق تلاميذ المدرسة وإدارتها الحقيقيون
لمقابلة مقدمي المنحة? ولماذا نكذب? ولصالح من نتجمل? وهل هذه فعلاً هي التربية
المفروضة والمفترضة? وهل هكذا نعلم أبناءنا?
وأنهي النائب طلبه بضرورة كشف حساب عاجل عن قيمة هذه المنحة, وكيفية وبنود صرفها.
******************
وأقول
للأخ النائب: تأكد أن هذه الفضيحة لن تخفي حقيقتها عن الأمريكان وهناك سابقة تؤيدني
فيما قلت, وخلاصتها: أن اليهود سنة 1967 -أثناء العدوان- ضربوا بالطائرات مدرسة
«بحر البقر», ويقال إنهم أصابوا عددًا من تلاميذها. واستغلت مصر هذه الواقعة
العدوانية فاختارت عددًا من تلاميذ مدارس اللغات المتفوقين وقاموا بجولة دعائية في
أوروبا, على أنهم من تلاميذ بحر اليقر , مصورين «مذبحة» مدرسة بحر البقر التي ُقتل
عدد من تلاميذها بقنابل الطيران الإسرائيلي.. طبعًا كان هؤلاء التلاميذ يتقنون
الإنجليزية والفرنسية والألمانية ويتحدثون بها بطلاقة. وانكشف «الملعوب» قبل أن
يعود هؤلاء التلاميذ إلي مصر من جولتهم بيومين» كشفه بتحقيق مصور صحفي إسرائيلي
وآخر إنجليزي.. في تفصيل لا يتسع المقام لعرضه.. وما قام به مسئولو التعليم في
الإسكندرية يعد إساءة بالغة لشعور الشعب المصري, وسمعة الحكومة المصرية, زيادة علي
الإساءة البالغة للقيم الأخلاقية والتعليمية.
وأيضًا من أجل عيونها
وفضيحة أخري -ياسيدي.. يا مبارك- تذكرنا بجريمة الأمريكان بتدنيس المصحف. فلأول
مرة أمرت قيادات التربية والتعليم بمدينة الإسكندرية بنزع كل الآيات القرآنية التي
كانت موجودة بمدرسة «أم القري» التي زارتها السيدة لورا بوش, كما تم تحويل «زاوية
الصلاة» بالمدرسة إلي قاعة للموسيقي, خشية أن تقع أعين سيدة البيت الأبيض, أو أيّ
من أفراد المخابرات الأمريكية (CIA)
المرافقين لها علي هذه الآيات, فيتهم التعليم المصري بالتطرف والإرهاب.
وقد أثار نزع الآيات القرآنية وإغلاق زاوية الصلاة سخط كل العاملين بالمدرسة
والمنطقة المحيطة.
وبالنسبة للفضيحة الأولي بررت السيدة كاميليا حجازي -وكيلة وزارة التربية والتعليم
بالإسكندرية- استبدال طاقم هيئة التدريس بمدرسة أم القري, وكذلك التلاميذ.. بررت
ذلك بأن طاقم المدرسة الأصلي معظمه سيدات مججبات, ومدرسون ملتحون, وهذا ما يتعارض
مع المفهوم الأمريكي لتطوير التعليم المطبق حاليًا في 36 مدرسة ابتدائية
بالإسكندرية, في إطار ما يسمي «مشروع تطوير التعليم بالإسكندرية».
وواضح أنه تبرير أو عذر أقبح من الذنب بكثير.. بكثير جدًا. فلنضحًّ بقيمنا
الدينية والخلقية- يا كاميليا هانم- لإرضاء أمريكا, وللحصول علي حفنات من
الدولارات.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومسئوليتك عن 72 مليونًا
وعودًا علي بدء أقول -يا سيدي .. يا مبارك- :ما أكثر ما قلت في أحاديثك وحواراتك
علي المستويات المحلية والعالمية: «إنني مسئول عن 72 مليون مصري». وأنت معي -يا
سيدي- أن المسئولية لا تتوقف عند منطق الشعور, والمشاركة الوجدانية حزنًا وفرحًا,
وألمًا وأملاً, ولكن المسئولية شعور وعمل يحكمه العدل والجدية والحرص علي حياة
الآخرين ومصالحهم.
ومن محاسن الإسلام أنه جعل المسئولية ذات مفهوم شامل من ناحية, وحقيقي من ناحية
أخري.. فقد قال الصادق المصدوق -صلي الله عليه وسلم-: «كلكم راع, وكل راع مسئول عن
رعيته..» ثم ذكر الحاكم والزوج وغيرهما.. وتبقي المسئولية الكبري مسئولية الحاكم..
وهي مسئولية يجب أن تقوم أساسًا علي العدل.. العدل في وجهه الاجتماعي بأن يعيش كل
واحد في الجماعة المعيشة الكريمة, غير محروم ولا ممنوع, وأن يمكن من استغلال مواهبه
بما يفيد شخصه, وبما يفيد الجماعة, ويكثّر إنتاجها.
وهناك العدل القانوني الذي يقتضي أن يطبق القانون علي الجميع سواء, فلا تفاضل
بين الناس في التطبيق القانوني, إنما التفاضل بالقيام بالفضائل الإنسانية. وقد قال
رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: «.. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وأنت
تعلم -يا سيدي يا مبارك- أن الدولة الإسلامية ارتجت لأن ابن الوالي عمرو بن العاص
ضرب ابن نصراني.. وأحضرهم عمر بن الخطاب جميعًا إلي المدينة وأمر المعتدَي عليه أن
يقتص من ابن الوالي , ثم قال لابن النصراني: اضرب بعصاك صلعة عمرو (وهي إهانة كبيرة
عند العرب), فوالله إن الولد لم يعتدِ عليك إلا بصولة أبيه.. نعم يا سيدي يا مبارك
الولد يغدو ضاريًا عدوانيًا مغرورًا إذا كان أبوه من ذوي السلطان.. هذا هو عمر الذي
تحدث عن مسئوليته فقال: «والله لو عثرت بغلة بالعراق لكنت المسئول عنها أمام
الله..لِـمَ لَـمْ أسوّ لها الطريق?».
وأسأل -يا سيدي يا مبارك-: أحقًا أنت مسئول عن الـ(72 مليونًا من المصريين)
بالمفهوم الصحيح للمسئولية? أيدخل في هؤلاء الإخوان المسلمون وهم أكثر من نصف
الشعب? أيدخل في هؤلاء رجال من خيرة من عرفت مصر ألقي بهم رجالك في غيابات السجون
ظلمًا وعدوانًا من أمثال الدكتور محمود عزت والدكتور عصام العريان وآلاف آخرين?
أيدخل في هؤلاء ربع مليون ما بين قتيل ومريض مرضًا مستعصيًا أعني ضحايا وزيرك يوسف
والي بكيماوياته المسرطنة, ومازال «الوالي» حرًا طليقًا ينام ملء جفنيه وأذنيه,
ويخرج لسانه للقانون وأهل الضحايا?
وهل من طبيعة مسئوليتك أن يعامل أعضاء الحزب الوطني معاملة حريرية كأنهم فوق
القانون والحق والشعب كله?!
سيدي يا مبارك وإلي أن ألقاك مرة أخري إن شاء الله أقول لك: «اتق الله.. اتق الله..
فإن خير الزاد هو التقوي».
(2)
وأكمل -يا سيدي... يا مبارك- مسيرة رسالتي العارية إليكم, وقد قدمت آنفًا مظهرًا من
مظاهر التزوير الشائن الخسيس الذي أساء -بل انحط- بقيمنا التربوية والأخلاقية, فقد
أمرت السيدة «كاميليا حجازي» -وكيلة التربية والتعليم بالإسكندرية- بالآتي:
1- إبعاد هيئة التدريس بمدرسة «أم القري» بحي العوايد بالإسكندرية لأن أعضاءها من
الرجال ملتحون, ومن النساء محجبات.
2- إبعاد تلاميذ المدرسة المذكورة, وإحلال تلاميذ من الطبقة الراقية, ومن ذوي
السمْت الجميل والمظهر النظيف.. محل تلاميذ المدرسة الأصليين, وأغلبهم من الطبقة
الدنيا أو المتوسطة.
3- تحويل «مصلّي» المدرسة إلي قاعة موسيقي.
4- رفع وإخفاء كل الآيات القرآنية والعبارات الدينية المعلقة علي الحيطان .
وكل هذه الإجراءات تمت قبل زيارة «الإمبراطورة» لورا بوش للمدرسة حتي نفوز برضاها,
واستمرار معونة أهلها بعد أن رأت أنه «كله تمام يا فندم».
وزورت النظافةُ والشوارع.. والشجر
ومن بضعة أسابيع زارت السيدة سوزان مبارك دارًا للأيتام, فقام السادة المسئولون
بعملية استحمام وتمشيط للأطفال البؤساء, و«تفلية» رءوسهم, حتي يكونوا في أبهي صورة
أمام الكاميرات التليفزيونية, وتم توزيع الملابس الجديدة عليهم, وأعطوا كل طفل لعبة
يمسك بها أمام السادة الزائرين... وقد تمت الزيارة بسلام, وصور التليفزيون اللقاء ,
والتقطت الصحف الصور المناسبة, ومضت «ماما سوزان» لحالها, فقام مسئولو التليفزيون
«بلمّ» عدة الشغل, وعندما تقدم مسئول الاكسِسْوار لأخذ اللعب, تمسك الأطفال الأيتام
بها, ورفضوا إعطاءها له.. ظنًا منهم أنها هدية من «ماما سوزان», ولكن الرجل أبي إلا
أن يجمع اللعب, وصار يشدها من أيدي الأطفال, وهم يصرخون ويبكون, ولما قال له أحدهم:
«دي هدية من ماما سوزان» قال له: «نعم يا روح أمك.. ماما سوزان? دي عهده من
التليفزيون أنا ماضي (موقّع) عليها.. هات اللعبة يا ابن كذا.. وكذا».
ويكمل الدكتور علاء الدين عباس الخبر قائلاً: «واللطيف في زيارة السيدة سوزان
مبارك لعزبة الوالدة بحلوان.. أنه تم رصف الطرق بنوع عجيب من الأسفلت... نوع يصلح
لمرور السيارات ذهابًا وعودة فقط, وبعد انتهاء الزيارة يتشقق الأسفلت, وينخلع من
مكانه!! ويتم تجميع الأشجار الزاهية التي استزرعوها, ويجمعونها في سيارات, وقد أطلق
الناس عليها في بلدنا «شجر رياسة الجمهورية»» (حيث إنها تغرس, ثم تخلع بعد الزيارات
الرسمية مباشرة).
لقد اتسعت قاعدة التزوير في عهدكم يا سيدي مبارك فلم يعد يكتفي بالانتخابات
والاستفتاءات, بل امتد إلي المدارس والتربية والتعليم والماء والنظافة, والأشجار
والطرقات.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومع التزوير نفاق رخيص
ولا يستطيع أشد الناس غفلة, وأضعفهم تفكيرًا أن ينكر أن النفاق أصبح صاحب هيمنة
وسيادة في كل المصالح والدواوين والمجالات.. والنفاق من أقذر الصفات البشرية
وأحطها:
- لأنه كذب علي الله.
- ولأنه كذب علي الناس.
- ولأنه كذب علي الذات.
فالمنافق بفطرته يؤمن في قرارة نفسه: أنه بنفاقه كذاب أشِـر, وأنه يظهر خلاف ما
يبطن , حرصًا علي تحقيق مصالحه, وتحقيق أكبر قدر من المنافع: مالا, أو منصبًا, أو
جاهًا ونفوذًا.
والمنافقون -كما تعلم يا سيدي يا مبارك- غالبًا ما يكونون من النجوم اللامعة,
وأصحاب الحيثيات والمكانة . والخطورة أن الكثيرين -بسبب مواقعهم هذه- يتخذهم الناس
قدوة ومثلاً, وبذلك يستشري مرض النفاق في نفوس المواطنين, وخصوصًا الشباب وهنا
تنهار قائمة القيم الخلقية واحدة تلو الأخري, ويصبح الشعب غثاء كغثاء السيل.
واليكم بباوي.. والأشباه...
ألم تَر -يا سيدي... يا مبارك- إلي «لوقا بباوي» واللوحة البارزة الضخمة التي
تحمل صورتكم, وقد كتب عليها بالخط الكبير «70 مليون مصري يقولون: «نعم لمبارك» وتحت
العبارة -بخط أصغر- «د. نبيل لوقا بباوي».
ويبلغ الغلو النفاقي أقصي مداه في لافتة ضخمة جدًا باسم أسرة «حامد موسي» نصها
«نعم بالإجماع وبالحب لمحمد حسني مبارك, وابن مبارك, وابن ابن مبارك».
وبجانب النادي الأهلي لافتة نصها «حتي المواليد في بطون أمهاتهم تقول: نعم
للاستمرار, نعم لمبارك». وصاحب هذه اللافتة يظهر أنه " خائب " في اللغة العربية ,
لأن المواليد لا تكون في بطون الأمهات, ولكنها الأجنّة (جمع جنين).
هذا عدا آلاف اللافتات القماشية في القاهرة وغيرها من المدن المصرية... وهذا
أيضًا غير الإعلانات الصحفية المؤيدة لسيادتكم, مع أنكم لم تعلنوا حتي الآن, إن
كنتم ستخوضون «الانتخاب» أم لا.
وكل أولئك يتكلف عشرات الملايين من الجنيهات, كما أن هذه الإعلانات تأتي بعكس ما
أراده أصحابها, وتغرس في نفوس الناس المزيد من النقمة والكراهية لعهدكم ونظامكم .
وأنا أسأل: ما شعور عمال في مصنع, وهم يرون مديره أو رئيسه الأعلي يدفع ربع مليون
جنيه مقابل نشر صفحة تأييد لكمٍ في صحيفة قومية?! ألا ينازعهم خاطر مؤدّاه «كنا نحن
أحق بهذا المبلغ» بدلاً من هذه الدعاية النفاقية التهريجية?
وآه لو أصدرت قرارًا بـإيقاف هذه الموجة النفاقية, والإفادة من هذه الأموال المهدرة
فيما ينفع الناس.
وفجأة ظهر عبد العال
!!!
اسمه محمد عبد العال, كا
ن
رئيس حزب اسمه «التكافل الاجتماعي».. له تاريخ معروف لا يهمنا في هذا السياق, ولكني
أذكر للتاريخ موقفًا لهذا الرجل يدينه ويشينه, وهو موقفه من رواية «وليمة لأعشاب
البحر» لحيدر حيدر السوري, وهي رواية ساقطة أساءت إلي ديننا, وشوهت سيرة الرسول صلي
الله عليه وسلم, وكل القيم الأخلاقية, واستعملت ألفاظ العهر والدعارة بصراحة فاحشة.
فماذا فعل محمد عبد العال هذا -وقد كان عضوًا معينًا بمجلس الشوري? طار إلي حيدر
في قريته السورية, وعاد إلي مصر لينشر في صحيفته صوره معه, ويصفه بالعبقرية والتفتح
والموسوعية والموضوعية.. ليس هذا فحسب, ولكن أخذ ينشر في صحيفته فصول هذه الرواية
الداعرة .. متحديًا بذلك شعور المسلمين:
وبعد أن خرج عبد العال من السجن بسبب قضايا معروفة اختفي وتواري, ولم يعد أحد
يشعر به... الله? وبعدين? الرجل تعود علي البهرجة والأضواء, ولو كانت زائفة, حتي لو
أعشَت عينيه, فالمهم عنده هو الظهور, فلما رأي أوكازيون المبايعة, ورأي حركة معارضة
«نظيفة» اسمها «كفاية», أعلن عن قيام حركة مناهضة سماها «الاستمرار من أجل
الازدهار», وأصدر بيانًا يوم 2/6/2005 يعلن فيه:
1- رفضه التام لأفكار الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية).
2 - إيمان أعضاء حركته -حركة الاستمرار- أن بقاء الرئيس حسني مبارك في موقعه يشكل
ضمانة لمصر والمصريين» لأن البديل لن يكون إلا أحد رموز الجماعات الإرهابية.
3- قيام حركته هذه ضرورة لابد منها, وهدفها الأساسي العمل علي استمرار الرئيس مبارك
في حكمه, ولا يمكن الاعتماد علي الشعب في تحقيق هذا الهدف» لأن الشعب المصري -كما
وصفه رئيس الوزراء- لم ينضج بعد.
واستمر عبد العال في هجومه علي الشعب المصري فقال: إن خمسين في المائة منه
أميون, وإرادة الشعب لم تنجح في انتخابات نادي الزمالك, وكذلك في انتخابات نقابة
المحامين , وبالتالي لا يصلح أن ينتخب هذا الشعب رئيس جمهورية.
أمِثل هذا الرجل الذي سب شعبنا سبًا صريحًا, واتهمه بالجهل ونقص الأهلية, وعمي
التمييز.. أمثله يؤتمن أن يكون علي رأس حركة تناصرك?.. ولعلك تذكر- يا سيدي.. يا
مبارك- أنك قلت في حوار صحفي: «ومع ذلك إذا أرادني الشعب فإني أنحني لإرادته»...
فكيف تنحني لإرادة شعب لا يعترف عبد العال بأنه لا يملك لا إرادة.. ولا وعيًا ولا
تمييزًا?
ولكم الجوُّ الصافـي!!
وقد أثبتت الأيام, وما رآه الشعب من بلطجة الحزب الحاكم, وما وقع من تزييف,
وضرب, وإهانات, وهتك للأعراض, واستعانة بالمجرمين والداعرات.. كل ذلك أثبت -يا سيدي
يا مبارك- أن تعديل المادة 76, لم يكن أول خطوة علي طريق الديمقراطية -كما روج
حواريوك, والمنافقون, والنفعيون من بني هبّاش, وبني هبّار- فكل مواطن أدرك أن هذا
التعديل كان, -وسيبقي- شكليًا.. دعائيًا, وذلك بعد وضع عراقيل, وشروط مستحيلة
التحقيق للآخرين.
وأصبح واضحًا -يا سيدي.. يا مبارك- أن السيناريو المقبل سيكون واحدًا من الأربعة
الآتية :
1- ألا يرشح أحد نفسه في مواجهة سيادتكم , وبذلك تحقق يا سيدي النجاح بالتزكية.
2- أن يرشح واحد (ممن استوفي الشروط المطلوبة), بإرادته, وإرادة حزبه... وطبعًا
رسوبه مضمون... مضمون... مضمون, يا سيدي . والنتيجة نفسها محققة, لو قدم الحزب
الوطني مرشحًا من أعضائه ذرا للرماد في العيون.
3- ألا ترشح نفسك, ويرشح نجلكم جمال مبارك. والنتيجة معروفة .
4- أن ترشح نفسك, ولا تستمر في الحكم أكثر من عامين ثم تستقيل.. وبعدها يرشح جمال
نفسه (وهذا ليس استنتاجي, بل ذكرته بعض وكالات الأنباء).
والخلاصة -يا سيدي.. يا مبارك- أن الجو سيكون خاليًا لكم تمامًا في كل
الأحوال... وكأنك المقصود بقول الشاعر العربي القديم (مخاطبًا طائر القبّرة).
خلا لكِ الجو فبيضي واصفري
ونقّري ماشئت أن تُنقًّري
جمال مبارك... مصري
وأنا أعترف -يا سيدي.. يا مبارك- أن «جمال» نجلكم شاب مثقف, وأن له ثقلاً ووزنًا
في الحزب الوطني, كما أن له تأثيره علي الأجهزة الحكومية. ولكنه -مع ذلك- ليس
عبقريًا ولا فذّا, لا من الناحية الثقافية, ولا من الناحية القيادية. وكل شعبنا
يعرف أن في مصر آلافًا من الشباب يفوقونه ثقافة... وخبرة... وحُنكة.. ولكنهم لا
يجدون «المساحة» التي يثبتون فيها ذواتهم, وإمكاناتهم العقلية والثقافية والميدانية
العملية.
هذه هي صورة جمال كما أراه, ويراه الملايين من غيري -يا سيدي يا مبارك- وبصراحة
تامة يبقي مؤهله الأكبر أنه ابن حسني مبارك. دون إنكاري لخصائصه التي ذكرتها آنفًا.
وما جعلني أصرح بهذا التصور إلا كلماتك لأحمد الجار الله وهي: «وأعتقد -بعد تعديل
المادة 76 -يكون من حق جمال مبارك -كأي مصري- أن يرشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية».
وأنا أقول -يا سيدي.. يا مبارك-: إنه لا يوجد في مصر كلها -بل في العالم كله- من
ينكر مصرية جمال محمد حسني مبارك.. ولكنه -يا سيدي- ليس ككل مصري, أو أي مصري, كما
ذكرتم.
1- فهو -مقدمًا- ضامن للنصاب المطلوب من أعضاء مجلسي الشعب والشوري, والمجالس
المحلية, بينما يصعب -بل يستحيل- تحقيق ذلك أو بعضه لأي مصري.
2- ونجلكم جمال يقف في صفه, وخلفه, ومن بين يديه إمكانات, ورصيد ضخم من المساندة
الحكومية, والمؤازرة الحزبية والبوليسية, والمالية, مما يعجز أي مصري عن أن يكون له
أقل القليل منه.
3- والرعاية المستقبلية مكفولة له, يفعل ما يشاء, ويتحرك كيفما يريد. أما غيره -إذا
رشح نفسه- فلن يجد إلا التضييق والمعاكسات, وإغلاق المدن والقري في وجهه, وقد يتكرر
الضرب والإهانات... وهتك الأعراض... وربما التهم الملفقة.
حكم الأسرة المباركية!!!
وأكاد أتصور -يا سيدي.. يا مبارك- أنكم لو اكتفتيتم بمد حكمكم إلي ثلاثين
عامًا... وجاء السيد جمال محمد حسني مبارك... ليحكم ثلاثين أخري, وقد يئول حكم مصر
بعد ذلك إلي حفيد من حفدَتكم لو حدث ذلك -وهو ليس مستحيلاً- لعاشت مصر بعد أسرة
محمد علي.. حكم الأسرة الثانية: أسرة مبارك. ومهما قيل في توصيف حكمها, فإننا نقول
-اعتمادًا علي الواقع-: إنه سيكون حكمًا ملكيًا... يتمتع بكل سمات الملكية... حتي
لو علقنا عليه ألف لافته تقول: «إنه حكم جمهوري».
نرفض منطقكم.. يا سيدي
لقد قلتم -في واحد من حواراتكم-: " إن ترك الحكم عملية صعبة جدًا.." وهو منطق
«تشبّثي» نرفضه مهما كانت إنجازاتكم ومآثركم ومفاخركم, ونرفض منطق مظاهرات بلطجية
الحزب الوطني «حسني مبارك غيره مفيشْ... غيرُه غيره ما يلْـزَمنيشْ».
أقول هذا... لأن تشبثكم بالحكم -علي المستوي الفردي, والمستوي الأسْريً- يـُعد
إهانة كبري لمصر.. وشعب مصر, فهو يعني أنها عقَمتْ, وأصبحت عاقرًا... مع أن مصر
ولادة... وستظل ولادة إلي الأبد.... يا سيدي.. يا مبارك.