الحوار مع القاعدة ضرورة ملحة
الحوار مع القاعدة ضرورة ملحة
محمد هيثم عياش
برلين / 11/09/09 / أصبح تنظيم القاعدة الذي يرأسه أسامة بن لادن هاجسا يقض مضاجع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وعامل قلق للكثير من زعماء السياسة في الدول العربية ، هذا التنظيم الذي ظهر إلى العلانية بعمل عسكري استهدف سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي وتنزانيا في عام 1996 أثناء رئاسة بيل كلينتون للبيت الأبيض إذ أقدم كلينتون على توجيه ضربة عسكرية لكل من السودان وأفغانستان انتقاما لضحايا السفارتين المذكورتين وبالتالي تغطية للحملة الصحافية التي استهدفته جراء تحرشه بفتاة كانت تعمل في البيت الأبيض ، وقد أعلن أسامة بن لادن وقتها صراحة وقوف القاعدة وراء التفجيرين المذكورين إلا أنه نفى بادئ الأمر مسئولية تنظيمه عن تفجير مركز التجارة الدولي بنيويورك في حوادث 11 أيلول/سبتمبر من عام 2001 التي دخلت تاريخ الإنسانية من بابها الواسع اذ اتهمت واشنطن القاعدة وراء تلك العملية بالرغم من عدم وجود أدلة يقينية بأن القاعدة وراء تلك العملية خلال تأكيد من وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس التي كانت تعمل مستشارة شئون الأمن القومي للرئيس جورج بوش ، فقد أشارت رايس بمقابلة صحافية مع مجلة / شبيغل / الالمانية / عدد 36 عام 2002 / انه عندما صدمت الطائرة الاولى مركز التجارة قالت انها حادث اعتيادي لكثرة اصطدام الطائرات بالمركز المذكور الا انه عندما صدمت الطائرة الثانية المركز تساءلت عن الجهة التي وراء ذلك العمل إلا أنها جزمت على الفور بأن القاعدة وراءها دون أن يكون هناك تحقيق عن تلك الجهة .
ومن خلال ندوة حول الإرهاب ودور الإسلام وذكريات حوادث 11 أيلول/ سبتمبر من عام 2001 دعا اليها معهد هاينريش بول للدراسات والمساعدات الدولية / الذي يتبع حزب الخضر / مساء يوم أمس الخميس 10 سبتمبر الحالي حول ذكرى رأى اكثر المشاركين في هذه الندوة ، أن أسباب اتهام الاسلاميين وراء تلك الحوادث وما بعدها من حوادث وقعت في لندن ومدريد مصدرها المعادة للاسلام ، فالحملة ضد الإسلام معروفة في الولايات المتحدة الأمريكية منذ انهيار جدار برلين ومعه الاتحاد السوفيتي السابق وحلف وارسو ، فعندما وقع انفجار استهدف مدرسة للأطفال في اوكلاهوما سيتي وراح ضحيته اكثر من مائة طفل قالت الصحف الأمريكية بأن شخصين تبدو ملامحهما شرق اوسطية شوهدا قبيل الانفجار إلا أن الرئيس الأمريكي السابق كلينتون طالب بوقف الحملات الإعلامية والتكهنات وفسح المجال للتوصل إلى المجرمين وكان وراء ذلك العمل أمريكيون متعصبون .
ورأى خبير شئون الاسلام واستاذ مادة العربية في جامعة هامبورج جيرنوت روتر بأن البيت الابيض معروف بعدائه للإسلام والمسلمين كما ولا يزال الإعلام الأمريكي والأوروبي يشن حملات ضد الإسلام والمسلمين بزعمهم أن المسلمين يؤيدون القاعدة ، فقد زعم معهد العلوم والسياسة التابع للحزب المسيحي الديمقراطي ومقره العاصمة برلين أن التأييد لسياسة تنظيم القاعدة قد ازداد مؤخرا في بلاد العالم الإسلامي وخاصة في السعودية والإمارات ومصر والأردن وماليزيا مشيرا بدراسة يريد توزيعها خلال شهر تشرين أول/اكتوبر المقبل أن 31 في المائة من شعوب العالم الإسلامي يؤيدون سياسة القاعدة التي تستهدف مدنيين وخاصة في العراق لإحراج موقف الجيش الأمريكي والإدارة الأمريكية بالرغم من سقوط أبرياء بينما يرى 60 في المائة إلى ضرورة أن تقتصر هجمات القاعدة على الأهداف العسكرية فقط ، وأضاف استطلاع المعهد أن 74 في المائة من شعوب منطقة الخليج العربي يؤيدون سياسة القاعدة في افغانستان والعراق واستهداف المدنيين الذين يؤيدون سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في العراق بينما وصلت نسبة التأييد الكامل لسياسة القاعدة بإخراج الأمريكيين من منطقة الخليج العربي إلى 89 في المائة ومن العالم الاسلامي بشكل كامل الى 95 في المائة بينما اشارت دراسة المعهد ان نسبة وصلت الى 38 في المائة يرون بأن القاعدة قد انتهت واتهمت نسبة وصلت الى 11 في المائة القاعدة بأنها أداة امريكية على حد زعم المعهد .
ورأى صحافي مسلم يعمل ببرلين بأنه مهما يكن من ادعاء هذا المعهد بشعبية القاعدة والحث على قتل المدنيين إلا أن قتل الأبرياء حرام شرعا ، فالآية الكريمة التي تنص على تحريم قتل النفس بغير حق فكأنه قتل الناس جميعا / في سورة المائدة آية 32 : أنه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا / فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، قال مخاطبا الكعبة ما أعظم حرمتك ولحرمة مسلم أعظم من حرمتك . ولما قتل الحجاج ابن الزبير رحمهم الله ضجت مكة بالبكاء فركب الحجاج المنبر وقال يا أهل مكة بلغني إكباركم قتل ابن الزبير الا أن ابن الزبير كان من خيار هذه الأمة الا أنه طمع في الخلافة واستجار بالمسجد الحرام ولو كان شيء مانع للحرمة لكان آدم ان الله خلقه بيده وأسجد له ملائكة قدسه وأسكنه جنته فلما عصاه أخرجه من الجنة وآدم اكرم على الله من ابن الزبير والجنة أعظم حرمة من الكعبة قوموا الى صلاتكم .
ورأى خبير الارهاب اودو اولفكوتيه احد المعادين للاسلام في المانيا في الندوة المذكورة فيه أعلن احد الخبراء بأن القاعدة تريد استهداف امن المملكة العربية السعودية مؤكدا بأن الأمن أصبح مزعزعا في السعودية جراء القاعدة وإرهابها ، وان معظم الشعب السعودي متعاطف مع هذه الفرقة والدليل على ذلك العمليات الارهابية التي استهدفت آمنين في الرياض وغيرها ومحاولتهم السيطرة على منابع النفط في مناطق اخرى بتلك الدولة وما اعلان السعودية بين الحين والآخر احباط عمليات ارهابية والقاء القبض على عناصر تابعة للقاعدة الا دلي واضح بأن أمن تلك الدولة مزعزعا كما ان اعلان الكويت والامارات مؤخرا احباط عمليات ارهابية والقاء القبض على كويتيين واماراتيين يعتبر مؤشر خطر بأن القاعدة تسيطر على افكار شباب الخليج .
هذا الرأي قام احد الصحافيين بدحضه اذ إن اسبانيا تعاني من إرهاب منظمة الباسك وفرنسا تعاني من إرهاب منظمات تدعو إلى استقلال كورسيكا وعيرهما من دول في أوروبا ولا أحد يذكر بأن أمن تلك الدول مزعزعا والسعودية لا تعتبر جزيرة تقع في بحر لجي من الصعب الوصول إليها بل دولة عانت من أفكار سياسية متناقضة كما استطاعت حكومتها التعاطي بحكمة وقوة مع الفكر الذي يدعو إلى العنف .
لقد استطاعت حكومة المملكة العربية السعودية من خلال دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلى الحوار وإصداره عفوا على كل من يملك أفكارا تدعو إلى العنف المساهمة بتراجع أعمال العنف التي شهدتها المملكة على مر السنوات الكثيرة الماضية وبإمكانها القضاء على كل ظاهرة للإرهاب من خلال الحوار الفكري ، وقد أكد وزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبد العزيز آل سعود انه بالرغم من الاعتداء الذي استهدف وكيل وزارة الداخلية مؤخرا الامير محمد بن نايف بن عبد العزيز ونجا منه الا ان الحكومة السعودية ماضية في الحوار وبالتالي فسح المجال لاصحاب الفكر الضال بالعودة الى صوابهم وتسليم انفسهم قبل القدرة عليهم اذ ان مبدأ التوبة قبل القدرة من شرائع الاسلام العظمى .
فزعماء القاعدة بحاجة إلى الحوار لتفنيد أفكارهم التي يحملونها ، هذه الأفكار الممتزجة بفكر الخوارج الذين رأوا بأن المسلمين أصبحوا كفارا لرضاهم موافقة سيدنا علي رضي الله عنه تحكيم القرآن أثناء الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخوارج بأننا نأنف صلاتنا مع صلاتهم يقولون بكلام خير البرية لا يتجاوز إيمانهم حلوقهم مؤكدا بأن قتلهم سيكون على يد أولى الفرقتين إلى الحق / ونأنف صلاتنا مع صلاتهم لتعصبهم / الا أنه صلى الله عليه وسلم لم يصفهم بالكفر ، وقد قاتلهم الإمام علي ، ولما سأل احدهم الإمام علي عن الخوارج أمن أهل النار هم؟ قال: بل من النار فروا إلا أنهم أخطأوا الطريق ، وقد استطاع رضي الله عنه إقناع عدد كبير منهم بالرجوع إلى الحق عندما بعث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لمحاورتهم . والسعودية لا تخلو من علماء فذذة من أهل العزم والحزم باستطاعتهم إقناع حملة الفكر المنحرف بالعودة إلى صوابهم من جديد من خلال حوار صادق وفعّال على أن تكون الثقة ضمن أولويات هذا الحوار فأعضاء القاعدة وغيرهم من جماعات تحمل العنف ، بحاجة ماسة لمن يبين لهم انحراف الفكر الذي يحملونه فالكلم الطيب إذا ما خرج من القلب لا يقع إلا في القلب .
لقد استطاعت ألمانيا إنهاء نشاط منظمة الجيش الأحمر تلك المنظمة ومعها منظمة الألوية الحمراء الايطالية التي كانت تقض مضاجع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي / الناتو / من عنفها ؟ لقد كان الحوار والوعي السياسي وراء إعلان منظمة الجيش الأحمر الألماني في عام 1998 حل نفسها والاندماج بالمجتمع من جديد .
لقد كان عنف منظمة الجيش الأحمر أقوى بكثير من عنف القاعدة ، فقد قام أعضاءها بتصفية قادة كبار من حلف شمال الأطلسي وشخصيات اقتصادية مرموقة بل قاموا بقذف السفارة الامريكية في العاصمة القديمة لألمانيا مدينة بون بالصواريخ في وضح النهار وقاموا أواسط السبعينات باحتجاز وزراء الدول المنتجة للنفط الـ أوبيك / في فيينا أمام مرأى الناس واستخدمت ألمانيا وايطاليا والناتو جميع الوسائل المتاحة للقضاء على نشاطهم وفشلوا إلا أنهم نجحوا عن طريق الحوار .
وها هو الرئيس الألماني هورست كولر قد اجتمع مع كريستيان كلار العضو سابق في الجيش الأحمر كان لا يزال مسجونا من أجل محاورته وتفنيد أفكاره وذلك من اجل إصدار عفو خاص عنه بالرغم من أن هذا المسجون أعلن قبل لقاءه مع كولر ضرورة القضاء على النظام الرأسمالي لأنه يعتبر وجه الامبريالية الدولية القبيح التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية على حد آراء مشاركي تلك الندوة .