القضية الكردية
بداية لابد من الاعتذار من المواطنين السورين الأكراد عن حالة التجاهل والصمت التي كنا عليها كقوى سياسية ديمقراطية معارضة تجاه العنف الذي مارسته السلطة بحق الأكراد منذ الستينات، بالرغم من أن الاستبداد طال الجميع
أ. عبد الحفيظ الحافظ
تكون النسيج الاجتماعي في سوريا من إثنيات وقوميات ودينية وثقافية متعددة ، تشكلت منها تاريخياً جماعة المواطنين السوريين ، لذا من الوهم الاعتقاد بنقاء أية جماعة ، فنحن أبناء هذا الوطن تركة حضارات قامت واندثرت ، وشكل هذا الخليط عنصر إثراء حضاري ، وهو عامل إغناء للأكثرية بانتمائها إلى محيطها العربي .
لقد أشارت السنوات الأخيرة إلى ضعف الاندماج المجتمعي الذي ينذر بتصدع يزداد
عمقاً إذا لم تعالج بالانطلاق من الوطنية وحق المواطنة ، وقد لعب الاستبداد
السياسي دوراً سلبياً في تعقيد هذا الواقع عندما صادر الحقل السياسي والاجتماعي
، وفرَّغ المتحدات الحديثة من مضامينها ، ولا يخفى على أحد دور العامل الخارجي
الذي يعمل للتسلل من خلال ضعف البنية الداخلية .
لقد شهدت بعض المدن والبلدات السورية و آخرها ( القدموس ) أحداثاً قرعت ناقوس
الخطر ، ونبه ما جرى إلى أن مجتمعنا يختزن في أحشائه ترسبات من الاختلافات تجاه
الآخر ، وبالتأكيد الساحة العربية ليست في أحسن حال .
إننا نظن أن التماسك الاجتماعي الظاهري يستبطن التوجس والخشية من المستقبل ومن الآخر ، وهذه الحالة تتطلب وضع بنية الدولة والمؤسسات موضع تساؤل ونقد .
في السنوات الخمس الأخيرة طرحت القوى السورية الكردية كل ما يتعلق بالقضية الكردية ، كالحرمان من الجنسية ، والبعض طرح (كردستان السورية) ، لكن الأغلبية من هذه القوى شاركت في الاعتصامات السلمية والمطلبية ووقعت على البيانات التي تتعلق بحقوق الإنسان وإلغاء حالة الطوارئ ، كما عبر الطيف السياسي والاجتماعي المعارض عن قراءته ورؤيته لهذه المسألة الوطنية .
بداية لابد من الاعتذار من المواطنين السورين الأكراد عن حالة التجاهل والصمت
التي كنا عليها كقوى سياسية ديمقراطية معارضة تجاه العنف الذي مارسته السلطة
بحق الأكراد منذ الستينات، بالرغم من أن الاستبداد طال الجميع .
كما لابد من نقد بعض القوى السورية الكردية التي كانت ظهيراً للنظام السوري في
العقود السابقة ، ولا بد من نقد مَن أجج الاحتقان وشارك بأعمال وأقوال أساءت
إلى الوحدة الوطنية .
وإذا كانت حقائق الجغرافية والسياسة الدولية وزعت الأكراد كشعب وأبناء قومية واحدة بين عدة دول ، كذلك السياسة الدولية ذاتها قسمت الأمة العربية في مروحة واسعة من الدول وقد عززت أنظمتها الحاكمة هذه التجزئة ، لذا كلنا في الهم شرق .
لن نكرر ما قيل في اللقاءين السابقين : أننا نرى أن فئات من الأكراد السوريين بدافع الاستفزاز حيناً ورد الفعل أحياناً ساهمت في توتير العلاقة العربية الكردية ، وكم كنا نتمنى من الفصائل السورية الكردية أن تدين العدوان الأمريكي على العراق واحتلاله ، الذي استبطن أيضاً حالة من الشك والتحفز لدى المواطنين السوريين .
نحن نتعاطف مع حقوق الأكراد القومية ، نتبنى حقهم بالمواطنة الكاملة أسوةً بكل المواطنين السوريين ، وكذلك حقهم الثقافي ، و بالبداهة حق الجنسية للمحرومين والمجردين منها وفق التشريعات السورية المعمول بها ، إذ هذا جزء من مشروعنا الوطني في التغيير الوطني الديمقراطي سواء شاركتنا القوى السورية الكردية في إنجاز هذا المشروع أم لا.
لكننا لسنا على خلاف مع سورية الوطن ، سورية بحدودها الجغرافية والسياسية و الوطن بكل مكوناته الاجتماعية ، والعَلم والنشيد السوريين رمزان لهذا الوطن . وإن تبنينا لشكل النضال الوطني الديمقراطي السلمي لا يجعلنا ننبذ العنف وندينه وحسب ، بل نقف ضد كل أشكال العنف وضد الداعين إليه وممارسيه من أية جهة صدر ، لأن العنف كما نعتقد يدمر الوطن ويحط بوعي البشر ويغتال إنسانية الإنسان .
إننا نعتز بالحوار الغني والمسئول الذي تم بيننا كطيف سياسي واجتماعي ديمقراطي معارض وبين القوى السياسية الكردية ، وقد كان الحوار غنياً وضرورياً جرى بين أبناء وطن واحد وصلنا من خلاله إلى قواسم مشتركة ، نعتقد أنها لعبت دوراً إيجابياً في تغليب المصلحة الوطنية العليا ومستقبل سوريا على المصالح الضيقة والآنية ، وربما أصبح من الضروري التوقيع على وثيقة تحدد تلك القواسم المشتركة والمتفق عليها ، ونراها خطوةً سيكون لها آثارٌ إيجابيةٌ على مستقبل الديمقراطية في هذا الوطن .
* كانت ستلقى في منتدى جمال الأتاسي للحوار الوطني الديمقراطي مساء 1/8/2005
القضية الكردية وتحديات المرحلة*
جريدة الوحدة ، العدد 144
بات من المؤكد أن التغير الذي لف العالم بآثاره المتنوعة سوف يصيب سوريا أيضاً,
عاجلاً أم أجلاً, وأن الدلائل والمؤشرات تعلن عن نفسها كل يوم، وبأشكال مختلفة,
خاصة بعد التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط إثر حرب العراق وسقوط النظام
الدكتاتوري البائد، والتي فتحت أبواب التغير على مصراعيه, ووضعت المنطقة على
أعتاب مرحلة جديدة، أبرز عناوينها نشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ونبذ
التطرف ومحاربة الإرهاب,...وبسبب القراءة السورية الخاطئة لتلك التطورات فقد
تصاعدت الضغوطات الدولية وسقطت بموجبها الأوراق الإقليمية التي استخدمها النظام
فترة طويلة في المساومات السياسية وفي ضبط الوضع الداخلي, وذلك اعتبارا من
الورقة الكردستانية التي استخدمت للتدخل في شؤون بقية أجزاء كردستان والضغط على
الأنظمة الغاصبة لها, وفي تحويل أنظار قسم هام من الجماهير الكردية السورية
وإلهائها عن قضيتها السياسية، ومروراً بالورقة الفلسطينية من خلال تواجد العديد
من مكاتب المنظمات التي أغلقت متأخراً، وانتهاءً بالورقة اللبنانية واضطرار
الجيش السوري للانسحاب، وما تبع هذا وذاك من ارتخاء القبضة الأمنية الداخلية
وتزايد الآمال بحصول انفراج ديمقراطي ستكون له آثار ايجابية على الحياة
السياسية في البلاد بشكل عام, وتتحول الحركة الوطنية الكردية بموجبه إلى إحدى
القوى المرشحة للصعود ليتصاعد دورها مستقبلاً, باعتبارها الممثلة الشرعية للشعب
الكردي أولا،ً ولأنها حافظت على بوصلتها الوطنية وبرامجها الموضوعية ثانياً.
ولذلك فهي, في الجانب الآخر, أصبحت مستهدفة أكثر أي وقت مضى من قبل السياسة
الشوفينية خاصة منذ آذار 2004 حيث تفجرت أحداث القامشلي الدامية لا لمجرد كونها
نتيجة لحالة شغب بين جمهوري كرة القدم بل كان قد خطط لها لافتعال مشكلة يمكن
استثمارها في عرقلة تطور المجتمع الكردي الذي أنعشت التطورات الأخيرة في
المنطقة آماله ولم تردعه عمليات القمع والاعتقال عن مواصلة نضاله، كما لم تجدي
التهديدات المباشرة بحظر نشاط الأحزاب الكردية نفعاً, ولم تحقق محاولات البحث
عن البدائل مشوهة أية نتيجة، وانكشف بالمقابل بطلان الاتهامات المزعومة حول
إستقوائها بالخارج. بل بالعكس فقد بدأت السلطة, وخاصة بعد المؤتمر القطري
العاشر لحزب البعث باللعب تحت الطاولة تحت غطاء توصيات هذا المؤتمر بفتح حوار
جدي مع الإدارة الأمريكية وتصحيح مسار العلاقات مع الحكومة لعراقية الجديدة
لإبداء استعدادها للتعاون المشترك من أجل ضبط الحدود مع العراق مقابل غض النظر
عن الممارسات القمعية في الداخل، والتي طالت مؤخراً مختلف التجمعات والنشاطات
التي قامت بها المعارضة السورية بما فيها الحركة الكردية التي تمر الآن بمرحلة
دقيقة تستوجب المزيد من الحكمة دون الانتقاص من ضرورات التمسك بالجرأة
والمبدئية المطلوبة, كما تستوجب الالتزام بجانب الحذر دون الانزلاق إلى مهاوي
التردد والتراجع، فالسنوات القادمة تحمل معها بالتأكيد المزيد من آمال التحرر
من الاضطهاد وإنهاء حالة الحرمان والتمتع بالحقوق القومية الديمقراطية واتساع
دائرة التفاهم والتفهّم من جانب الشريك الوطني العربي السوري الذي تخدعه
السياسة الشوفينية كلما أرادت تحويل أنظاره واهتماماته عن القضايا الأساسية من
خلال إيهامه بالخطر الكردي المزعوم، فمثلما فعل حكّام الانفصال عندما دقوا جرس
الإنذار حول وجود خطر كردي في شمال سوريا في بداية الستينات لتغطية انقلابهم,
كذلك يعيد أمثالهم اليوم نفس السيناريو لاستعداء الرأي العام الوطني على الجانب
الكردي للتغطية على صفقة الاستقواء بالخارج مقابل الضغط على الداخل, ومن هنا
شهدت الساحة السورية تحركات مريبة لمحاصرة النضال الكردي وعزله عن النضال
الديمقراطي العام, وبدأت تلك التحركات باجتماع جرمز قرب القامشلي الذي انعقد
برعاية السلطة التي أوهمت المجتمعين بالخطر الكردي وعزفت على أوتار النعرات
القومية وباركت عملية القمع والنهب التي حدثت في اليوم التالي واستقطبت لأول
مرة شرائح واسعة من المكوّنات السورية الأخرى ضد المكوّن الكردي مستغلة في ذلك
مسيرة يوم 5/6/2005 التي وفّرت لها الفرصة اللازمة لتحجيم إرادة شعبنا الكردي,
وامتدت تلك التحركات للضغط على بعض أطراف المعارضة في دمشق التي تراجعت عن بعض
مواقفها الإيجابية من القضية الكردية, وتوسيع دائرة المتنكرين والمتجاهلين
لعدالتها, كما امتدت لتنعش بعض الرموز العشائرية العربية الباحثة عن أدوار
ضائعة, لتنظم اجتماعات بإيعاز أمني تحت غطاء التطوع لمواجهة الخطر الكردي
المزعوم. مستغلة في ذلك بعض الشعارات والممارسات غير الموضوعية التي تخللت
الحراك الشعبي العفوي الكردي، والتي تعرف تلك الجهات حقيقة أصحابها ودوافعها حق
المعرفة, لكنها تتعمد إلصاقها بالحركة الكردية في محاولة لتشويه صورتها الوطنية
والطعن في مصداقيتها مثلما فعل السيد الرئيس الوزراء محمد ناجي العطري في
مقابلة مع إحدى الصحف العربية عندما ربط جميع الأحزاب الكردية بالخارج.
إن تلك التحركات والاتهامات بقدر ماتثير القلق والمخاوف فإنها أيضاً تشكل, أو
يجب أن تشكل, حافزاً لتوحيد الصف الوطني الكردي لمواجهة مختلف أشكال التحدي,
وإفشال كل إشكال التآمر بما فيها مخطط تصعيد النعرات القومية التي يراد منه
الهاء الجميع عن مهام تحصين البلاد من خلال إطلاق الحريات الديمقراطية وإنهاء
حالة الطوارئ, وإن إثارة تلك النعرات، أياً كانت الجهة التي تقف وراءها, ليست
من مصلحة أحد ويبقى الجميع عرباً وأكراداً وأقليات قومية مطالبين بترميم ما
نجحت الشوفينية وقوى التخلف والانعزالية في تخريبه, فالوطن بحاجة إلى تفاهم
وتعاون جميع الشركاء والمكوّنات الوطنية، وأن تجربة العراق وبعدها تجربة
السودان تؤكدان معاً أن الشطب على الآخر قد يكون ممكناً لبعض الوقت, لكنه يبقى
مستحيلاً كل الوقت.
* افتتاحية جريدة الوحدة ،العدد 144 ، الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية - يكيتي
مداخلة خصصت للإلقاء في منتدى جمال الاتاسي
حول القضية الكردية في سوريا
زردشت محمد*
في البداية كل الشكر للإخوة الأعزاء في إدارة منتدى جمال الاتاسي. على هذه المبادرة الطيبة والمستمرة لعقد هذا الاجتماع رغم كل الصعوبات والعراقيل التي تواجهها في سبيل أداء رسالتها الحضارية والتي نعتبرها بوابة للحوار الوطني الشامل حول مختلف قضايانا الوطنية. ومن ضمنها قضية الشعب الكردي في سوريا وحركته الوطنية الديمقراطية التي ظلت تبحث عن منابر تطل من خلالها على الساحة الوطنية لتلقي الضوء على أوجه معاناة الكرد وما يتعرض له من سياسات التمييز القومي وأوجه الاضطهاد والحرمان الممارسة بحقه مما تسبب إلى حد كبير في عرقلة تطوره الاجتماعي والثقافي والسياسي. ولإزالة اللبس والغموض عما يكتنف هذه المسالة لدى أوساط شعبنا السوري عموما وحركته الوطنية الديمقراطية خصوصا.
لكي تتضح الصورة لا بدّ من الإشارة في البداية إلى واقع مجتمعنا السوري وتحديد السمات الأساسية في المجال السياسي وقراءة حال الكرد في هذا المجال وذلك لمعرفة ما هو ممكن في ظل هذا المناخ.
إنّ الشعب السوري بمختلف انتماءاته القومية ( العربية – الكردية – والقوميات الأخرى ) والمتشكل جغرافيا ضمن إطار الدولة السورية الحديثة بحدودها السياسية القائمة والمعترف بها دوليا لا يستطع أحدا أن يتجاهل هذا التنوع والتعدد القومي والثقافي والديني واقعيا وسياسيا.
وان نجاحنا في المعترك الوطني الديمقراطي مرتبط بجدية العلاقة وايجابيتها من مكونات المجتمع السوري بقواه المختلفة التي يمكن إن تلعب الدور الأساسي في إنضاج وقوة العامل الذاتي في تعاطيه مع التحديات الخارجية. وذلك في زمن تغيرت فيه المعطيات وتبدلت موازين القوى والاصطفافات وبرزت مفاهيم جديدة في ظل واقع متغير لا مكان فيه لشعارات وخطب حماسية قد تضلل فئة من بسطاء الناس و تجيّش العواطف كي تبقى على حالة الركود بغية إدامة احتكار العمل السياسي والاستئثار بالسلطة على قاعدة نظام الحزب الواحد.
وان أولى تلك المستلزمات هي تفعيل ممكنات الوحدة الوطنية المرتكزة على الاختلاف والتنوع والتعدد والمساواة في الحقوق والواجبات في دولة لجميع مواطنيها و موطن اعتزازهم دون تمييز.
ومن هنا فإن استمرار العمل بحالة الطوارئ والأحكام العرفية منذ عام 1963 وجعلها غطاء قانونيا تلجأ إليها وتتذرع بها هذه الجهة الرسمية أو تلك بات أمرا يدعو إلى الاستياء والقلق من قبل أوسع قطاعات مجتمعنا السوري.
كما أن من ينظر إلى الوضع الاقتصادي المأزوم وما نجم عنه من تردي الأحوال المعيشية وزيادة معدلات البطالة واتساع دائرة الفقر بشكل مخيف. يدرك بأن الأزمة التي نعانيها هي أزمة بنيوية عامة وليست ناجمة عن أخطاء هنا و خلل هناك أو فاسد هنا ومفسد هناك.
وإنّ الأزمة التي نعيشها في سورية والتي طالت كل مساحات الواقع بمستوياته الأساسية ( المجتمع / الدولة / السلطة ) حتى أنه يمكن القول بأنّ سورية تعيش مخاض ازموي تكثّف سياسيا بغياب الحرية والتعددية السياسية الحقيقية وعدم وجود قانون لتنظيم الأحزاب. وتكثّف اقتصاديا بحالة الركود وازدياد معدلات البطالة والفقر إلى حد مخيف. و هذا ما انتج في المحصلة تماهي الدولة والسلطة مفهوميا وواقعيا. وذلك منذ أن عملت السلطة التي انفرد بها حزب البعث على تعليق الدستور و تغييب القانون والعمل بمقتضى حالة الطوارئ والأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية وأطلقت عملية تبعيث المؤسسات والمنظمات الشعبية حتى تطابق مفهوم المواطنة مع مفهوم الحزبية وبات الدفاع الثورة أهم من الدفاع عن الوطن والدفاع عن الحزب أهم من الدفاع عن الشعب والدفاع عن الأيديولوجيا أهم من الدفاع عن الحق والقانون . وباتت عضوية الحزب مدخلا وحيدا إلى عضوية الدولة والسلطة. وهذا ما خفض الدولة من مستوى الشيء العام المشترك ( دولة المجتمع ) إلى مستوى الشيء الخاص ممهدة بذلك السبيل لولادة ( مجتمع السلطة) في معارضة المجتمع المدني التي شلّت قواه نتيجة لعزل المجتمع عن السياسة وهذا ما أسس لمناخ أكثر خصوبة لظاهرة الفساد المعمم حيث لم يعد انحرافا مسلكيا وشذوذا عن القاعدة بل غدت هي القاعدة.
بهذا الاحتكار الفعّال لمصادر القوة والثروة ونزع السياسة عن المجتمع تماهت الدولة – السلطة – و تحولت الأجهزة من طبقة سياسية دولتية إلى طبقة اقتصادية دولتيه كفّت عن كونها سياسة و تحوّلت إلى نوع من شركة مساهمة تستثمر في السياسة كما تستثمر في الاقتصاد و باتت وظيفتها السياسية مرتبطة بوظيفتها الاقتصادية بعد أن كفّت عن كونها وظيفة اجتماعية ذات طابع عام.
- وضع الشعب الكردي في سورية في ظل الأوضاع القائمة:
وفقا للقانون الدولي و بخلاف ما هو دارج في برامج الأحزاب العربية و الكردية على السواء لا يجوز الحديث عن اكثر من شعب في دولة واحدة فمن الناحية القانونية تتكوّن الدولة من ( أرض – شعب – سلطة سياسية ) الشعب مقولة سياسية تختلف عن مقولة المجتمع فالمجتمع يتألف من قوميات متعددة بينما الشعب جمع من المواطنين الأحرار المتساوون في الحقوق والواجبات في ظل سيادة القانون والدستور وتكتسب الهوية الفعلية من الدولة الوطنية.
الكرد كغيرهم من القوميات الأخرى كالعرب والفرس والترك لهم لغتهم وثقافتهم وتجربتهم التاريخية واسهامهم في الحضارة الإنسانية. ولهم أسوة بغيرهم من الجماعات تطلعات قومية مشروعه و شرعية. و ما أصابهم في التاريخ الحديث و لاسيما بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية وتقسيم بلاد الكرد وإلحاقه بدولة من الدول التي رسمت حدودها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى و هذه حقيقة واقعية لا فائدة من نكرانها أو تجاهلها والقفز فوقها . وان حل القضية الكردية في هذه المنطقة من العالم مرتبط أوثق الارتباط بشعوب المنطقة و قواها السياسية في إطار الدول التي يتعايش ضمنها الكرد وبدرجة التطور والتقدم الذي تحرزه تلك الشعوب و القوى ومن هنا فان تأخر وتخلف تلك الشعوب وما نجمت عنه من تداعيات أبرزها الاستبداد السياسي المقرون بالاستبداد الديني من جهة وبالتعصب القومي للقومية السائدة من جهة أخرى.
وجراء ذلك التقسيم يشعر العرب والكرد على السواء بنوع من الاستلاب السياسي / القومي فنحن الكرد كالعرب لنا لغتنا وثقافتنا وتاريخنا و هويتنا القومية و هويتنا هي ما نحن عليه و ما يمكن إن نكون عليه بإنتاجنا سوية لتلك الهوية الوطنية .
منذ قيام الجمهورية السورية كان الكرد السوريون و لا يزالون مواطنين سوريين كغيرهم من أبناء القوميات الأخرى اسهموا في الحياة العامة. ولا سيما في مجال السياسة والثقافة والفنون وفي مجال الدفاع عن استقلال البلاد وسيادتها. وكانوا موضع احترام جميع السوريين وتقديرهم وكان ذلك انعكاسا لصيرورة نمو الوطنية السورية التي تعثرت في أواخر خمسينات القرن الماضي و أوائل ستيناته وتحويل الدولة شيئا فشيئا إلى نوع من دولة حصرية تسلطية قامت على إلغاء مبدأ المواطنة و مبدأ المشاركة السياسية. وممارسات عنصرية إزاء المواطنين الكرد وما أسفرت عن نتائج من حرمان من ابسط حق من حقوق الإنسان. بات من الضروري معالجة أسبابها على نحو جذري و ذلك من خلال إعادة الاعتبار للوطنية السورية والعمل على تنميتها و تعزيزها و تضافر الجهود في سبيل تحقيقها من خلال المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية .. الخ
كما أن الهوية السورية لا تنفي أي من الانتماءات الأثنية أو الدينية أو المذهبية أو اللغوية أو الثقافية بل تمنحها الحرية وتوفر لها شروط النمو والازدهار. فكلما تعزز التواصل بين فئات المجتمع المختلفة تغدو الانتماءات ما قبل الوطنية محتواة في الانتماء الوطني و محددة به.
فلا يعود هناك تناقض بين كون المرء كرديا أو عربيا مسلما أو مسيحيا و ما بين كونه سوريا وتغدو الهوية الوطنية هوية مركبة قابلة للنمو والتطور ومفتوحة على أفق إنساني رحب بخلاف الهويات النقية المتماهية مع ذاتها أو المغلقة على يقينها الذاتي.
في نطاق المجتمع يتحدد الأفراد بصفاتهم الشخصية و محمولاتهم الثقافية وانتماءاتهم الأثنية فللأكراد أن يؤسسوا كغيرهم من الأثنيات الأخرى وفقا لمبدأ المساواة في الحقوق مدارس و كليات ومعاهد تعلم باللغة الكردية وتعنى بالثقافة الكردية وان يصدروا صحفا و مجلات وكتبا و دوريات باللغة الكردية وان يقيموا محطات إذاعة و تلفزة تنطق باللغة الكردية و من واجب السلطة بقدر ما تكون سلطة عامة أن تفسح المجال لسائر القوميات في المؤسسات الثقافية والإعلامية العامة و من واجب الدولة أن تنظم ممارسة الحرية و ممارسة الحقوق و أن تكون محايدة حيادا تاما إزاء صفات أعضائها ومحمولاتهم و معتقداتهم وانتماءاتهم ولا يجوز أن تبدو لهم من الداخل ســـوى بصفتها دولة حق وقانون وارادة عامة لا دولة عربية أو كردية و دولة هذه الطبقة أو تلك. الدولة تجريد عقلي تتجلى موضوعيا في مؤسساتها العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية الدولة الوطنية التي ندعو إليها هي التي تضمن حقوقا سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية متساوية لجميع المواطنين عربا وكردا بلا استثناء ولا تمييز.
أم سنظل نعيد إنتاج التحاجز الاجتماعي على صعيد المجتمع والشمولية و الاستبداد على صعيد الدولة.
فالإحداث المأساوية خلال شهر آذار عام 2004 أظهرت أن مجتمعنا السوري يحتضن في أعماقه بؤرا للتوتر والاحتقان القابل للانفجار في أية لحظة. وبيّنت كذلك أن أحد أهم جوانب الأزمة البنيوية لمجتمعنا السوري باتت مرتبطة بعدم ثبات ورسوخ قيم المواطنة التي أهدرتها السلطة من المجتمع، والمجتمع بات يتجه للتعبير عن أزمته الراهنة بأشكال احتجاجية مشوهة وممارسات عنفية مأساوية قد تنسف ما تبقى من الحس بالمواطنة. فتلك الأحداث المأساوية ولّدت الشكوك حول وضعية المجتمع السوري ودرجة توافقاته الاجتماعية قبل السياسية. وما أحداث النهب والسلب التي حدثت في مدينة القامشلي على اثر جريمة الاغتيال التي طالت العلامة الشيخ معشوق الخزنوي إلا دليل على تلك الحالة المشوّهة والخطيرة والتي قد تدفع باتجاهات لا تحمد عقباها.
كما أن الضغوطات التي تمارس على سورية والتحديات الخارجية المائلة أمامنا يدفعنا باتجاه إيجاد الحلول لجميع معضلاتنا الداخلية و لذلك عدة مداخل أهمها:
1. رفع حالة الطوارئ وإلغاء جميع القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية واعادة هيكلة الأجهزة الأمنية و اتباعها للوزارات المختصة وإخضاعها لرقابة السلطة التشريعية.
2. سن قانون عصري ديمقراطي للانتخابات التشريعية والمحلية و قانون ديمقراطي للأحزاب والجمعيات
3. الإقرار الدستوري بالتعددية القومية في سورية كمقدمة لإيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية بما يضمن التمتع بالحقوق السياسية و الثقافية والاجتماعية في إطار وحدة البلاد و جعل التنوع القومي والديني مصدر إغناء و ثراء لمجتمعنا قبل أن يجعل غيرنا هذا التنوع عامل تنافر و تصارع
4. إعادة الجنسية للمواطنين الكرد الذين جردوا منها نتيجة إحصاء عام 1962 .
5. إدانة كافة أساليب العنف في التعبير عن أي موقف سياسي و كذلك رفض المساهمة في نشر ثقافة العنف والتبرير لها.
6. تحسين الأوضاع المعاشية و توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل و مواجهة خطر البطالة و الانفجار السكاني و العمل بجدية لحماية البيئة و عدم استنزاف الثروات الوطنية
وفي الختام: أننا نتمتع بقدر لا باس به من الطموح لكي نعيد الاعتبار للمؤسسات. أن نساهم في إنعاش الجانب الاجتماعي التآلفي لدى الإنسان المواطن البعيد كل البعد عن التعصّب و الإقصاء و تغريب المخالف لآرائنا، لذلك يبقى الطموح والدعوة لسلوكيات اكثر إنسانية في وطن يتفيأ بظله جميع أبنائه بمختلف انتماءاتهم.
* عضو اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي)
** لم تسمح السلطات الأمنية بانعقاد الجلسة المخصصة.