الخروج من النفق ... "إرهابي" من البرازيل!

الخروج من النفق ... "إرهابي" من البرازيل!

م. حسن الحسن *

[email protected]

تمكنوا منه بعد أن بطحوه أرضاً ووطأوا ظهره، وأتبعوا ذلك بإطلاق خمس رصاصاتٍ من فوهة المسدس على رأسه، كانت تكفيه واحدة منها لتفجر دماغه وتجعله أشلاء، لكنها الفرصة الذهبية للخلاص من ذلك "الإرهابي"، صاحب الملامح الآسيوية! مع رخصة بالقتل، في أنفاق ميترو لندن. 

انتشت الشرطة البريطانية، تتالت تصريحات إيان بلير قائد جهاز الشرطة (اسكتلنديارد): لقد كان لدينا معلومات، كان تحت المراقبة، لديه علاقة بتفجيرات الأمس، الموقف تحت السيطرة، الغارات تتوالى على مساكن المشتبه بهم، المحجبات والملتحون وكل صاحب سمة تدلّ على أنه مسلم معرضٌ للتفتيش!  

شعر المسلمون في بريطانيا بحالة من الاختناق: دمهم رخيص، الحجاب تهمة، اللحية إرهاب، والملامح الآسيوية والعربية مبررٌ كافٍ للاشتباه والتوقيف والاعتقال، وربما القتل!   

وبعد أن انجلت حقيقة الموقف، وظهر أنّ "الإرهابي" عامل صيانة كهرباء من البرازيل، من غير أية أسلاك متفجرة يلفّ بها خاصرته تحت سترته الشتوية "المريبة!" في صيف لندن المطير، ومع انتفاء مبررات مقاومته لضباط الشرطة الثلاثة، تتزاحم علامات الاستفهام على دوافع الإطاحة برأس "الإرهابي" المزعوم بتلك البشاعة.  

وفي خضم هذه المعمعة، تتلاشى أوهام مجتمع بريطاني متعدد الأوجه والثقافات، وتنهار مصداقية إيان بلير وشرطة لندن والأجهزة الأمنية وكل التقارير التي أدلوا بها وزعموها، عن وجود ما يكفي من ملابساتٍ ومعلوماتٍ عن ذلك الفتى الإرهابي للتصرف معه على ذلك النحو، لقد راقبوه وتابعوا خطواته من بيته إلى بوابة القطار الذي أراد اللحاق به عبثاً، ليستقله متوجهاً إلى عمله، وقتلوه بغلّ أمام أعين الناس. 

عقب إعلان تلك الفضيحة، وإثر خروج صديقي الملتحي من المسجد، توجه إلى رجل الشرطة الواقف على الناصية، سأله بلهجةٍ حازمة: هل سمعت الأخبار؟ لا، هل عرفت أن الذي قتلتموه في النفق يوم البارحة هو برازيلي!؟ آه، لا أبداً، بذهول، نعم لقد قتلتم شاباً برازيلياً البارحة ولم يكن مسلماً، وغادره بعد أن تركه مشدوهاً.  

إن الأجواء النفسية المكفهرة والكئيبة التي بادر طوني بلير بإيجادها منذ اللحظات الأولى حول المسلمين وعلاقتهم بالتفجيرات، وتركيز وسائل الإعلام على صورة المسلم الانتحاري الذي لا يأبه بحياة البشر، ومع إجراء الأجهزة الأمنية حملات تفتيش متعاقبة بشكلٍ مهول آزاء كل من تشير سماته إلى أنه مسلم، هي التي أدخلت الجميع في بريطانيا، مسلمين وغير مسلمين إلى نفقٍ مظلم، أدى إلى جريمة قتلٍ جبانةٍ لإنسانٍ بريء، دخل النفق على قدميه ليخرج منه جثة هامدة.  

بعد كل هذا نتساءل، هل تثوب الشرطة والأجهزة الأمنية والإعلامية البريطانية إلى رشدها، وترعوي عن غيها، وتُصّوبُ من طريقة تعاطيها الفجّة مع المسلمين، أم أنها ستكتفي بالاعتذار للبرازيل، وإلى البكاء والعويل على الضحية، وإلى اللجوء في المرة القادمة من التشبث والتأكد  أولاً من هوية المبطوح أرضاً، بسؤاله عما إن لم يكن مسلماً، قبل أن يفرغ المسدس في رأسه!

              

* نائب ممثل حزب التحرير المملكة المتحدة