حمى الله سورية من عاصمتي السوء
طهران وواشنطن
محمد فاروق الإمام
[email protected]
تقاطع المصالح بين إيران وأمريكا تطفو
على سطح الخلافات العراقية السورية حول التفجيرات الدامية الأخيرة في بغداد.
أمريكا التي أخفقت – حتى الساعة – في
محاولاتها فك التحالف السوري الإيراني.. وإيران التي تخشى من جهتها قطيعة بينها
وبين سورية على خلفية عودة المفاوضات السورية – الإسرائيلية التي قد تكون مباشرة
هذه المرة، جعلت ذينك البلدين يضعان خلافاتهما حول الملف النووي الإيراني بعيداً عن
التداول حالياً، باستثناء الغزل المتبادل بين مشاريع إيرانية ستطرح في هذا المجال
ومحفزات غربية مشجعة تدعو طهران لوضع حد لهذا الملف الذي يقلقها ويقلق ربيبتها
إسرائيل.
معظم المراقبين ظنوا أن العلاقة
السورية العراقية تسير من حسن إلى أحسن على ضوء الزيارات المكوكية للمسؤولين
العراقيين إلى دمشق، والتي كان آخرها زيارة المالكي التي جرى فيها مزيد من الدفء في
العلاقات بين البلدين، لكثرة ما عقد بينهما من اتفاقيات أمنية واقتصادية
إستراتيجية، وجاءت هذه الزيارة قبل يوم واحد من الأربعاء الدامي الذي حل على بغداد،
فهل يعقل أن يوجه المالكي اتهامات صريحة إلى سورية على أنها كانت وراء هذه
التفجيرات ولم يجف بعد مداد الحبر الذي وقع فيه على هذه الاتفاقيات معها، إن لم تكن
طهران على رضاً تام عن هذه الاتهامات وهي من صنعته وصنعت حزبه ورعته ودعمته إعداداً
مادياً ومخابراتياً ولوجستياً وإعلامياً حتى وصل إلى ما وصل إليه!!
إذن فإن لطهران مصلحة من وراء اتهام
المالكي لسورية، بغض النظر عما يقوم به متكي من تمثيلية الوساطة المشبوهة التي لا
تنطلي على أي مراقب، كما هو الحال بالنسبة لواشنطن، فلكل منهما أجندته وأهدافه، وكل
منهما يغني على ليلاه.
واشنطن تريد الضغط على دمشق لفك
ارتباطها مع طهران والدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل.. وإيران تريد الضغط على
سورية حتى لا تنساق وراء العم سام وتدير ظهرها لطهران.. ولطهران مصالح إستراتيجية
كبرى مع سورية كلفتها الكثير وبنت عليها الكثير من الأحلام والآمال.
المالكي الذي لا يسر وضعه لا صديق ولا
عدو لا يستطيع أن يفعل إلا ما تمليه عليه واشنطن وطهران، وقد تخلى عنه كل حلفائه في
بغداد، وهو لا يريد أن يفقد الجميع دفعة واحدة، ولا تريد له طهران أو واشنطن أن
ينهار حكمه، وقد وجدا فيه الأداة الطيعة التي تخدم أغراضهما وأجندتهما.
قد يكون قرار المالكي باتهام سورية
بأنها كانت وراء تفجيرات الأربعاء الدامي قراراً متسرعاً ينم عن تخبط ورعونة وهروب
من المسؤولية.. ولكن هذا لا يستوجب الرد القاسي من دمشق التي كان عليها أن تمتص
بعقلانية موقف العراق، فالخطأ لا يصلحه الخطأ، وكان عليها أن تبحث عن أنجع الوسائل
التي تضع حداً لهذا الخلاف ولا تذهب بعيداً في طريق القطيعة بين البلدين الشقيقين
إلى أقصى مدى.
وكان من الحكمة أن تقوم الدبلوماسية
السورية بإجراء الاتصالات اللازمة مع دول الجوار الإسلامية والعربية المؤثرة، للسعي
إلى تقريب وجهات النظر بين بغداد ودمشق بعيداً عن التشنج والانفعال وردات الفعل،
التي من شأنها أن تزيد من اشتعال الفتيل بين البلدين وصب الزيت على نار خلافاتهما،
وهذا – بالطبع – لن يكون في مصلحة البلدين الجارين الشقيقين في كل الأحوال.. فبغداد
يكفيها ما فيها من بلوى، ودمشق يجب تجنيبها مما يريده لها الأعداء.
نطالب بغداد بمزيد من ضبط النفس
والتعقل في بياناتها.. ونطالب دمشق بالحلم والصبر الجميل، وأن تأخذ بالاعتبار حال
العراق الجريح العليل، وأن تعالج الأمور بالحكمة الشامية المعهودة بعيداً عن التشنج
وردات الفعل، وأن تتسامى فوق البيانات الإعلامية غير المتوازنة حتى وإن تخللها بعض
الاتهامات، فالعليل والجريح يهذي ولا يحاسب على هذيانه، والعاقل يبقى هو الرابح في
كل الأحول.. نتمنى على دمشق أن تتمسك بالوساطة التركية وأن لا تألوا جهداً في
إنجاحها، وفي الوقت نفسه أن لا تدير ظهرها للوساطة الإيرانية التي هي بحاجتها لما
لطهران من دالة على المالكي!!