مركزية فتح الجديدة وتحدي الحوار

د.مصطفى يوسف اللداوي

د.مصطفى يوسف اللداوي *

[email protected]

انتهى المؤتمر السادس لحركة فتح بعد مخاضٍ كبير، وانتظارٍ طويل، وأصبح لحركة فتح لأول مرة منذ عشرين عاماً قيادة جديدة، ولجنة مركزية ومجلساً ثورياً جديدين، وتغيرت وجوه وغابت أخرى، لتجد في انتظارها ملفاتٍ ساخنة، وأخرى عاجلة، وغيرها يتطلب مواقف استراتيجية، وربما تغييراتٍ جوهرية، وقد لا يكون من السهل على بعض الوجوه الجديدة اتخاذ قراراتٍ مصيرية تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية كلها، ولكن المرحلة تتطلب من قيادة فتح الجديدة أن تكون على قدر المسؤولية، وأن تواجه التحديات، وأن تتصدى للمهام مهما كانت درجة خطورتها وصعوبتها .

ولعل التحدي الذي تواجهه حركة فتح اليوم أكبر بكثير من ذلك التحدي الذي تصدت له في مؤتمرها الخامس، الذي جاء انعقاده في إطارٍ من القوة والتحدي والإرادة الصلبة التي وفرتها الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وفي ظل سيطرة وهيمنة حركة فتح على الشارع الفلسطيني كله، في ظل قيادة الرئيس عرفات لحركة فتح والثورة الفلسطينية، الذي أحسن الاستفادة من الانتفاضة الفلسطينية المباركة في مواجهة حالة التردي العربي الكبير، واستطاع أن يقود الثورة الفلسطينية وحركة فتح في الاتجاه الذي حدده وخطه بنفسه مع لجنته المركزية، ولم تكن تواجهه في حينها تحدياتٍ داخلية فلسطينية خطرة كما تواجه حركة فتح اليوم .

أما اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح التي أفرزها مؤتمرها السادس فإنها أمام تحدياتٍ كبيرة وخطيرة، داخلية وخارجية، وهي تحديات الشعب الفلسطيني كله، ولكن التحدي الأخطر والأكثر استعجالاً هو التصدي لحالة الانقسام السياسي والجغرافي في الشارع الفلسطيني، ومواجهة حالة الاستعصاء والمراوحة المكانية في الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، التي تتحمل فيه فتح مسؤولية كبيرة، فلقد خلقت ممارساتها في السنوات الخمسة عشر الماضية، خاصةً ممارسات الأجهزة الأمنية التي كانت تقودها ومازالت، أزماتٍ فلسطينية داخلية حادة، وأدت عقلية التفوق والتفرد الفتحاوية التي سادت لسنواتٍ طويلة، إلى فساد الحياة السياسية الفلسطينية، ولذا فهي المسؤولة عن حالة الانقسام والتشرذم في الشارع الفلسطيني، وهي التي دفعت حركة المقاومة الإسلامية " حماس " من خلال ممارساتها القمعية لأن تدافع عن نفسها، ولأن تصد الهجمات المتوالية على عناصرها وعلى مؤسساتها الخيرية والإنسانية، ولولا إحساس حركة حماس بالظلم والقهر الذي وقع عليها على أيدي قادة حركة فتح، وخاصة قادة أجهزتها الأمنية والتي فاز بعضها في اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح، لربما تجنب الشارع الفلسطيني حالة الانقسام التي نشهدها ونعاني منها اليوم، فحركة فتح التي لم تحسن قيادة وريادة الشارع الفلسطيني في ظل تفوقها وتميزها، تتحمل اليوم قيادتها الجديدة مسؤولية كبيرة إزاء إعادة الأمور إلى نصابها، وتصويب مسار العمل الفلسطيني، وإعادة اللحمة والوحدة إلى مختلف شرائح الشعب الفلسطيني، وعليها أن تقصي كل رموز الإقصاء والاستئصال الذين خططوا لهذه النتيجة.

فهل نتوقع من اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح أن تطلق الحوار الوطني الفلسطيني من عقاله، وأن تزيل العقبات التي تعترض طريق نجاحه، وهل تفرض على حكومة السيد فياض " المارقة " أن تقضي على ظاهرة الاعتقال السياسي، وأن توقف سياسة التعذيب التي تمارسها ضد معتقلي حركة حماس وغيرهم، وهل تحاسب اللجنة المركزية لحركة فتح السيد فياض على ممارساته الأمنية التي أدت إلى قتل العديد من أبناء حركة حماس وغيرهم خلال حملات الاعتقال والملاحقة والمداهمة، وهل نتوقع من اللجنة المركزية لحركة فتح أن ترفع الغطاء السياسي عن حكومة فياض، وألا تمنحها أي شكل من أشكال الحماية ، وهل نتوقع من اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح، ومن رئيسها السيد محمود عباس خطوات ثقة جديدة، تتناسب مع العهد والقيادة الجديدة، فيأمر بالإفراج عن مئات المعتقلين السياسيين في سجون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهل يقوم المناضل الأسير مروان البرغوثي بتوجيه نداء إلى رفاقه في اللجنة المركزية لحركة فتح بضرورة تذليل العقبات التي تعترض مسيرة الحوار الوطني، وهل يعكس البرغوثي الحالة الوحدوية للحركة الفلسطينية الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية على مسار الحوار الوطني الفلسطيني .

وهل تقبل اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح بمبدأ المشاركة السياسية، وتتخلى عن سياسة الإقصاء والتفرد التي مارستها لسنواتٍ طويلة، وتقبل بنتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، فتوافق على انتخاباتٍ فلسطينية شاملة، تشريعية ورئاسية ووطنية، تشمل الوطن الفلسطيني كله في الداخل والشتات، وتكون مستعدة لقبول نتائجها والتعاون مع كل الأطراف التي تفرزها العملية الانتخابية، وتلتزم بإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية الفلسطينية على أسس وطنية، بعيداً عن المحاصصة والفئوية والحزبية، أم أن اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح ستغمض عيونها عن حاجة الشعب الفلسطيني ومعاناته، وستخضع لهيمنة بعض أعضاءها الذين يتمتعون بنفوذٍ وعلاقاتٍ كثيرة وعديدة لا تخدم في أكثرها شعبنا الفلسطيني، وقد أضرت بمصالحه ردحاً طويلاً من الزمن، فهل ستخضع اللجنة المركزية لحركة فتح لهيمنة رواد عقدة الانتقام، والحالمين بالعودة إلى المنتزه والسفينة والكتيبة ومقرات الباستيل الفلسطينية .

الآمال المعقودة على اللجنة المركزية الجديدة لحركة فتح كثيرة وكبيرة، وعلى الذين حملوا هذه الأمانة أن يدركوا عظمها، وأنها مسؤولية كبيرة وعظيمة، وأنهم سيسألون عنها أمام الله وأمام شعبهم، وعليهم أن يبادروا إلى تذليل الصعاب والعقبات التي تعترض سبيل الحوار الوطني الفلسطيني، وهي عقبات وتحدياتٌ داخلية، وهي ليست عقبات حقيقية أو مطالب معقدة ومستحيلة، بل هي مطالب وطنية تهم الشعب الفلسطيني كله، وقد يكون من المناسب لها أن تبادر فتزف إلى الشعب الفلسطيني أخباراً سارة، تتمثل في تبييض السجون الفلسطينية، وتحرير كل السجناء السياسيين المحتجزين فيها، ليعودوا إلى بيوتهم وأسرهم وأطفالهم، بل إن عليها أن تعلن عن سياسة جديدة لبناء الثقة بينها وبين حركة حماس، وأن تشكل معها الجناح الثاني للطائر الفلسطيني العتيد، ليتمكن شعبنا من التحليق عالياً خلال مسيرته النضالية والجهادية، وليكون أقرب وأقدر على تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، وإلا بقي هذا الطائر العظيم مهيض الجناح مهما كان جناحه الآخر قوياً وفيتاً، وأولى هذه الخطوات تتمثل في لجم السيد فياض وحكومته، ووضع حدٍ لمحاولاته عرقلة وإجهاض الحوار الفلسطيني، وعليها في الوقت نفسه أن تخلص قرارها الفلسطيني من أي تبعية لأي جهةٍ كانت، وألا ترهن قرارها لأحد، وألا تجعله في غير يدٍ فلسطينية، وليكن قرارها قراراً فلسطينياً محضاً، تدفعه وتحركه المصلحة الوطنية الفلسطينية، ولا تخضع لأي شروطٍ مهما كانت، وإن مؤتمرها الذي أيد حق الشعب الفلسطيني في الكفاح والنضال، أحرى أن يكون قراره لجنته المركزية حراً مستقلاً سيداً ووطنياً .

               

*كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني