المعارضة الفلسطينية
المعارضة الفلسطينية...
حذار من تجريب المجرب!
عريب الرنتاوي
تتحضّر الفصائل الفلسطينية المعارضة لاتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير لمواجهة قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للانعقاد في دورة طارئة لانتخاب أعضاء جدد إلى اللجنة التنفيذية بدل الأعضاء المتوفين ، واستبدال بعض ممثلي الفصائل القدامى بممثلين جدد عنها ، عملا بالنظام الداخلي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
إن أسوأ ما يمكن أن تنتهي إليه المعارضة الفلسطينية هو إعادة تجريب المجرب ، إعادة انتاج الإجراءات والتدابير التي طالما اتخذت مثلها في مناسبات شبيهة سابقة ، كأن يصار مثلا ، إلى دعوة مؤتمر شعبي للانعقاد على عجل ، أو دعوة "المؤتمرات الثلاثة" لإصدار بيانات منددة باجتماع رام الله ، أو الاكتفاء بتوزيع مذكرة على الدول العربية الشقيقة والأجنبية الصديقة ، تستتبع عادة بتشكيل لجنة متابعة ، تحل محل اللجنة التحضيرية ، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
إن هم فعلوا ذلك ، والأرجح أنهم سيفعلون ، سيكون مثلهم مثل الذين يفعلون الشيء ذاته ، حتى لا أقول يقترفون الخطأ ذاته ، وينتظرون نتائج مختلفة في المقابل ، علما بأنه لا يوجد سبب واحد يحدونا أو يحدوهم للاعتقاد ، بأن إعادة انتاج "السيناريو ذاته" سيأتي بغير النتائج التي نعرفها ، والتي لم تجلب نفعا أو تدرأ ضرا.
والحقيقة أنه لاحتواء "الاندفاعة المتسارعة" التي يقودها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، داخل فتح والسلطة والمنظمة ، وبصورة تعيد انتاج وتكييف كل هذه المؤسسات على مقاس مشروعه وبرنامجه وزعامته الآخذة في "التكرس" كقوة مهيمنة أكثر من أي مرحلة مضى ، لم يعد مفيدا اللجوء إلى وسائل قديمة ، لم تثبت منذ "مجلس عمان "1985 جدواها ، فلا "مؤتمر شعبيا" في مخيم اليرموك مصحوبا بمظاهرة في غزة ، ولا بيانات متفرقة هنا وهناك ، يمكن أن تحدث فرقا ، فالسلطة والمنظمة وفتح مؤخرا ، لم تعد تولي الخارج الاهتمام الذي يثير قلقها الشديد ، كما أن مصائر قطاع غزة ، لم تعد مدرجة على جدول أعمال هذه الأطراف ، طالما أن القطاع يختنق بمشكلات الحصار والتجويع والتطرف والتخبط ، فالصراع ينعقد اليوم كما هو ظاهر على الضفة الغربية ، ليس بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب ، بل وبين الفلسطينيين أنفسهم كذلك.
ولهذا أحسب ، أن المعارضة الفلسطينية مطالبة بنقل احتجاجاتها إلى الضفة الغربية أولا ، وعدم التسليم بأن هذه المنطقة قد باتت "ساقطة عسكريا ـ أمنيا" ، عليها أن تنظم ردود أفعال عاقلة على محاولات تكريس الانقسام وشرعنة الهيمنة والاستبعاد ، عليها - وبشكل خاص حماس - أن تتخطى البعد الفصائلي في حركتها وردود أفعالها إلى البعد الوطني الأعم والأشمل ، عليها أن تثق وتفعل دور مؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة التي تقاوم بشدة ، محاولات تكريس الانقسام ، عليها أن تتحرك على الساحتين العربية والدولية ، وبخطاب مقنع يستند إلى التحولات الإيجابية التي طرأت على خطاب هذه القوى ، وتحديدا حماس.
والأهم من كل هذا وذاك ، أن على المعارضة - حماس تحديدا - أن تقف مطولا أمام تجربة حكمها وحكومتها في غزة ، وهي تجربة تتعرض للنقد الشديد حتى من قبل حلفاء حماس وأصدقائها ، فإذا كان "أنموذج الحكم في غزة" هو ما تعد به الحركة أهل الضفة والقدس ، فالأرجح أنها لن تجد مؤيدين كثر لها بين هؤلاء ، خصوصا بعد تكاثرت أنباء تقييد الحريات و"الاستخدام المفرط للقوة" في الحسم مع السلفية الجهادية ، وقبلها مع خصومها المحليين ، وبعد تكاثر القصص والروايات عن محاولات فرض نمط حياة خاص على الفلسطينيين ، فآخر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو المزيد من الانشقاقات على الخلفية الاجتماعية والديمقراطية ، إذ يكفيه ما لديه من انشقاقات حول البرنامج الوطني ومصائر مشروعه التحرري.