ودخلت حركة فتح نفق التيه والضياع
اختيار عباس
ودخلت حركة فتح نفق التيه والضياع
محمد فاروق الإمام
باختيار أعضاء مؤتمر حركة فتح المنعقد حالياً في مدينة بيت لحم السيد محمود عباس زعيماً لحركتهم بالتزكية وبلا منافس تكون فتح قد أدخلت نفسها في نفق التيه والضياع، وطي ملف هذه الحركة العظيمة التي استقطبت قلوب الجماهير الفلسطينية، واستهوت قلوب العرب والأحرار في العالم على مدى أربعين سنة.
إن تصفيق أعضاء فتح وقوفاً تأييداً لاقتراح بانتخاب محمود عباس زعيماً لحركتهم خارج الانتخابات المقررة لاختيار أعضاء اللجنة المركزية الجديدة يعيد إلى أذهاننا الصور المضحكة والممجوجة التي شهدتها الساحة العربية خلال حقبة حكم الزعيم الملهم والرجل الضرورة، والتمسك به رغم ما جر على البلاد والعباد من هزائم وويلات وتخلف وفقر وإذلال وعبودية.
لقد حظي عباس في مؤتمر فتح السادس بما لم يحظ به مؤسس هذه الحركة ياسر عرفات في مؤتمرات الحركة الخمس السابقة، وهو الذي دفع حياته ثمناً لتمسكه بثوابت هذه الحركة وبخطها النضالي التحرري، ورفض التوقيع على معاهدة تمس أي من ثوابت هذه الحركة أو تنقص حقاً من حقوق الشعب الفلسطيني.. بل كان عرفات يواجه في تلك المؤتمرات منافسة قوية وشرسة من قبل رفاقه الآخرين على عضوية اللجنة المركزية، ولا يسلم منهم من توجيه اللوم والانتقاد تجاه كثير من مواقفه وسياساته التي يختلفون معه عليها.
لم تهضم معدتي هذه البيعة التي نالها عباس من أعضاء المؤتمر السادس لفتح، ولم يدرك عقلي دوافعها، وعباس منذ هندسته لنهج أوسلو التفاوضي قبل خمسة عشر عاماً، ومرونته السياسية مع الغرب وإسرائيل لم ينجح في تحقيق أي من متطلبات السلام الذي ينشده الشعب الفلسطيني، فالاستيطان تصاعدت وتيرته حتى وصلت لاحتلال بيوت المقدسيين وطردهم من منازلهم التي ورثوها منذ العهد العثماني قبل مئة عام، والجدار العنصري العازل لا يزال يمزق مدن وقرى الضفة الغربية، والحواجز الصهيونية الثابتة في جميع المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية لا تزال قائمة لقهر المواطن الفلسطيني وإذلاله، وآلاف الأسرى الفلسطينيين لا يزالون يقبعون وراء القضبان الحديدية الصهيونية، ولا تزال غزة – وهي نصف الوطن الفلسطيني – تعيش في حالة حصار مميت، ويمنع عنها الدواء والغذاء والماء، ولا يزال الانقسام الفلسطيني جرحه نازفاً دون أن يلوح في الأفق أي بصيص لإنهائه، والدولة الفلسطينية التي تناوبت الإدارة الأمريكية على تبني قيامها لم تتحقق.
وكل ما حققه عباس هو تمكنه من لجم الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، ومنعهم من تقديم أي عون أو مساعدة لإخوانهم في غزة أيام العدوان الصهيوني الهمجي الغاشم عليها، ولا يزال يمنع أي تحرك لأهل الضفة الغربية لخرق الحصار على غزة.
كما أنجز محمود عباس مهمة تغيير سلوك الناس في الضفة الغربية بواسطة قوات الأمن الفلسطينية التي اختيرت عناصرها ودربت وسلحت على عين الرقيب الصهيوني والداعم الأمريكي.
يتساءل المرء بحسرة وألم: أهذا سقف ما تريد فتح وقد حققته.. السلطة والمناصب الوزارية والإدارية والأمنية وجواز السفر وزرع بعض السفارات هنا وهناك في بعض أقطار العالم بالمواصفات الصهيونية والرضا الأمريكي والمباركة الأوروبية؟!
أخيراً أنبه فتح التي هويت، منذ تفتحت عيناي على النضال والكفاح الفلسطيني، إن تكريس جميع السلطات بيد محمود عباس، وجعله فوق كل أشكال المساءلة والمحاسبة أمر خطير بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، لأن هذه المبايعة العمياء لهذا الرجل ستجعله يوغل في مسيرته الانبطاحية التي تنحرف (180) درجة عن منطلقات حركة فتح الأساسية وتراثها النضالي العريق الذي تبنته لأكثر من أربعين سنة، ويدخل القضية الفلسطينية في نفق مظلم تحتاج من الشعب الفلسطيني أجيال وأجيال لتعود إلى النور ثانية وإلى حديث الناس واهتمام العالم.