افتتاحية العدد الجديد من نشرة ماف

افتتاحية العدد الجديد من نشرة ماف

انتهاكات هائلة في مجال حقوق الإنسان

تتنافى وطبيعة العصر

بقلم رئيس التحرير

 بعد التطورات الدولية السريعة التي شهدها العالم، في السنوات الأخيرة، أفرز الواقع مكونات جديدة، أساسية، بل ومفاهيم،  سياسية، واقتصادية، جديدة،أيضاً ، منها سياسة: القطب الواحد، والعولمة، وسياسة الاقتصاد الحرّ بمفهومه الحديث،  كي تتكون – في المقابل- مفاهيم   أكثر إلحاحاً ومنفعة، وجدوى، من السابق،نظراً لتزايد الحاجة الملحة إليها، مثل: الديمقراطية وحقوق الإنسان، والعلاقة الجدلية بينهما، لتغدو بدورها معايير أساسية، يقاس بها مدى تطور الدول، والحكومات، استجابة للضرورات والحاجات الأساسية التي يتطلبها الواقع الجديد المشار إليه.

 ومن هنا ، فإنه كلما كانت الدول والحكومات متجاوبة مع هذه العناوين الجديدة، القديمة،  كلما تقدمت هذه الدول والحكومات على مثيلاتها، في الوقت نفسه ، ويقاس عليه سجل تلك الدول والحكومات بحقوق الإنسان، ومدى  التزامها بمبادئ الشرعية الدولية، المتمثلة بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، وكافة العهود والاتفاقات والمواثيق، التي وقعت عليها هذه الدول من جهة، ومن جهة أخرى: عدم التزامها الجادّ بمبادئ الدستور، والانتهاكات الصارخة، التي تحدث بين الفينة والأخرى، أمام أعين جميعنا .

 لذلك كله ، نرى، أنه على العكس، تماماً، لقد زادت وتيرة الاعتقالات في الأشهر ،و الأيام الأخيرة، والتي كانت أكثرها انتهاكاً مؤخراً: الحالة التي تعرّض لها الأستاذ المحامي مهند الحسني رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان( سواسية ) ،حيث تم اعتقاله أثناء استدعائه لإحدى الجهات الأمنية بدمشق   ).في الوقت الذي كان فيه من المفروض أن تقوم السلطات الأمنية بالحصول على  الموافقة القضائية بإصدار مذكرة رسمية قضائية ، وتقديمها لمجلس فرع نقابة المحامين بدمشق، وبالتالي حضور مندوب عن هذه النقابة ،   وفي كافة المراحل، وبالأخص الأولية منها، إذا وجد ما يستوجب توقيفه، والتحقيق معه، وفيما إذا كان بالفعل قد ارتكب جرائم فعلية ، تستوجب توقيفه، وإحالته للقضاء، وهذه هي من أبسط الحقوق -التي كفلها الدستور السوري للمواطن- والواردة في فصل  الحريات والحقوق والواجبات العامة، بموجب الفقرة الثانية من المادة الثامنة والعشرين من الدستور السوري والتي تنص على ما يلي:

" لا يجوز تحرّي أحد أو توقيفه إلا وفقا للقانون"

 وكما تؤكد ذلك الفقرة الثانية، من المادة التاسعة، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كما يلي:

" لكلّ فرد الحق في الحرية وفي الأمان على شخصه.ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه".

 وكما  تنصّ المادة التاسعة من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان صراحة على ما يلي:

"لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً".

 ومما ذكر سابقاً، نرى أنه من الضروري، ومن مصلحة البلدان والحكومات  جميعاً، تنفيذ التزاماتها،  بمبادئ دساتيرها الوطنية، وعدم ظهورها أمام المواطن بمظهر تعاليها على القانون، ما يجعلها عرضة لارتكاب الأخطاء والنواقص. والتوقف مليّاً عند الملف الطبيعي لكل إنسان، وهي مسألة حقوق الإنسان دون تمييز، ووضع حد للانتهاكات بحق  مواطنيها ، لما من شأن ذلك أن يرتّب حالة من الارتباك، وعدم الاستطاعة على مواكبة التقدم والتطور الحاصلين عموماً لدى كافة البلدان المتحضرة،التي تحترم حقوق الإنسان ، بالإضافة إلى كسبها الرأي العام العالمي، وجعل سجلها مقبولاً في ما يخص مسألة حقوق الإنسان، عموماً، والانخراط  في المصالح الدولية على أكمل وجه،وعدم إظهارها كحالة شاذة غير مقبولة.

 ولقد آن الأوان إلغاء العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية الذي لا يزال مستمراً منذ 8 آذار1962 ، والذي من شأنه التطبيق فقط في حالات الحرب والعدوان على سيادة البلدان ،وكذلك على المستوى الدولي،  وعدم التزامها بمبادئ دستورها بحق مواطنيها، وبالمواثيق والعهود الدولية، وكافة الاتفاقات، والتي من شأنها أن تجعلها في المحصلة دولة مواكبة للتطورات العلمية الهائلة، والسريعة،  ومن هنا فالأجدر بها التماشي مع ما هو عصري، وحديث، بل وجعل الأمن والاستقرار استراتيجيين لها، دون ممارسة أي من الضروب العسف والانتهاكات  بحق المواطن، خاصة وأن الأزمة الاقتصادية باتت تتفاقم يوماً وراء يوم ، ما يجعل مواطننا يكتوي بأكثر من نار ..!

 أجل ،إن ما نراه هو – العكس تماماً- حيث أن سجون البلاد تعج بأصحاب الرأي بدءا بمعتقلي إعلان دمشق ، ومروراً باعتقال العديد من القيادات الكردية من أصحاب الرأي مثل : مشعل التمو ومصطفى جمعه ورفاقه ،بالإضافة إلى العضو القيادي في حزب يكيتي الكردي إبراهيم برو ورفاقه، ناهيك عن الكثيرين ممن تم اعتقالهم بتهمة انتسابهم للاتحاد الديمقراطي ،من تمت مداهمة بعض البيوت الآمنة ، واعتقالهم ،  وكل هؤلاء  الناشطين يتم اعتقالهم بسبب آرائهم ،بل أنه يتم بشكل متواصل استدعاء أصحاب الرأي إلى  الجهات الأمنية- المحلية والمركزية -  والتضييق عليهم بغرض إسكاتهم ، وهو ما يسيء إلى سجل حقوق الإنسان على أسوأ شكل.

 ولعل ما بدر عن نقابة المحامين بدمشق ، من تحريك دعوى بحق الأستاذ مهند الحسني، وهو محام وعضو في هذه النقابة ، وكان من واجبها الدفاع عنه، لا اتهامه من قبلها بتهمة :ترؤس منظمة حقوقية دون رخصة ، إلى جانب اتهامات أخرى،لمحاسبته قانونياً، وهو مؤشر جد خطير له دلالاته المعروفة.

كما أن الخط البياني للاعتقال على خلفية الرأي ، والتضييق على أصحاب الرأي إنما بات يرتفع،بشكل خطير، على نحو، لافت  ، ما يدفعنا للمزيد من القلق من جراء ما آلت إليه حالة حقوق الإنسان في بلدنا سوريا،  وهو قلق  مشروع بات يتفاقم يوماً وراء يوم ، دون أن يكون هناك في المدى- الآن- ما يشفع له من مسوغات البتة.

منظمة حقوق الإنسان في سوريا -ماف

www.hro-maf.org

لمراسلة مجلس الأمناء

[email protected]