فتح من حركة كفاح إلى حركة انبطاح
محمد فاروق الإمام
[email protected]
لم أسمع في حياتي أن مؤتمراً لحركة تحررية وطنية عقد في ظل حراب المحتل الغاصب
وبموافقته ومباركته وتسهيلاته إلا مؤتمر فتح السادس الذي عقد يوم أمس الثلاثاء
4 آب، في مدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، وسط تباكي قيادات ومنظمي
المؤتمر على رفاق لهم في غزة لم يتمكنوا من حضور هذا المؤتمر، لأنهم مُنعوا من
قبل حماس من مغادرة القطاع المحرر.
ويعقد مؤتمر فتح السادس هذا بعد عشرين سنة وسط خلافات حادة بين رموز الحركة
واتهامات متبادلة وصلت حتى الاتهام بالعمالة للعدو الصهيوني، والمشاركة في قتل
رمز هذه الحركة ومفجر ثورتها وحامل بندقيتها ومطلق رصاصتها الأولى القائد
الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات.
إن إصرار السلطة الفلسطينية وقياداتها في رام الله على عقد مؤتمر حركة فتح داخل
الأرض المحتلة وبحماية الحراب الصهيونية أمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب، ووضع
ألف علامة استفهام وتعجب لهذا الإصرار الغريب والمستهجن، حتى من العديد من رموز
حركة فتح وقياداتها التاريخية، ومن العرب الذين ينظرون إلى حركة فتح كبرى
الفصائل الفلسطينية نظرة تقدير واحترام وإعزاز وإكبار، كونها الحركة التي أطلقت
رصاصة الكفاح المسلح الأولى في وجه الكيان الصهيوني الغاصب عام 1965.
وأخشى ما نخشاه أن يتحول هذا المؤتمر إلى مسرحية أراجوزية يتمخض عنه قيادة
جديدة تنسلخ عن حركة فتح الأصيلة التي عرفناها، وتكون أقدر على تقديم التنازلات
للعدو الصهيوني، ولا يستبعد أن يكون الصهاينة قد برمجوا السماح لعقد هذا
المؤتمر في بيت لحم لتحقيق هذه الغاية، لأنه من المحال أن توافق إسرائيل على
عقد المؤتمر وتقدم كل هذه التسهيلات لحضور المئات من خارج فلسطين حتى يخرج
المؤتمر بقرارات عملية وسقوف سياسية تؤكد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني..
وإنني لست فقط أستبعد ذلك بل أؤكد على أن وراء موافقة إسرائيل لعقد هذا المؤتمر
في ظل حرابها وتسهيلاتها الهدف منه انسلاخ هذه الحركة عن تاريخها ومبادئها
وثوابتها، وتبني خيار السلام الذي يُفصل لها من قبل إسرائيل وبمقاييسها، وفق ما
يمكن أن تعتبره تنازلات قاسية وأليمة بحسب معاييرها، والتي لا يمكن التنازل
عنها وهي:
1-
القدس موحدة وعاصمة
أبدية لإسرائيل.
2-
الاعتراف بالدولة
الإسرائيلية اليهودية.
3-
بقاء المستوطنات التي
أقامتها في الضفة الغربية وحول القدس القديمة.
4-
بقاء الجدار العازل
الذي يقطّع أوصال الضفة الغربية.
5-
عدم عودة المهجرين
الفلسطينيين.
6-
عدم إطلاق سراح
الأسرى الفلسطينيين ممن تعتبرهم قد تلوثت أيدهم بالدم اليهودي.
7-
قيام حكم ذاتي شكلي..
أو قيام دولة مسخ مجردة السلاح والسيادة.
وليس خافياً على أحد أن هناك خططاً دولية برعاية أمريكية أوروبية تحاك منذ زمن
لإيجاد قيادة جديدة لحركة فتح تتلاءم مع مصالح الكيان الصهيوني، ولا تعارض أجندة
الدولة العبرية وأطماعها في المنطقة.. فهل سنشهد في قابل الأيام ولادة قيادة جديدة
لهذه الحركة العظيمة تجيد الانبطاح للعدو الصهيوني وتقبل بكل ما يمنحها إياه من
كسرة خبز أو نظرة استهجان، وتوقع على كل ما يمكن أن يعرضه عليها، ويضيع الحلم الذي
كافحت في سبيله هذه الحركة المناضلة على مدى أربعين عاماً جرت خلالها أنهار من
الدماء الفلسطينية الزكية الطاهرة التي روت أرض فلسطين من صفد حتى بئر السبع؟!