صاحبي اليوم دخل الإنعاش
مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن
جلطات قلبية على جلطات في بلاد المنفى القسري الذي له فيها صاحبي ثلاثين سنة وهو يذوق ألم الفراق والبُعاد ومُنغصات عيشة الرجل الغريب وكأنه من العالم الآخر يعيش على أرض ليست أرضه ، وبلده على بُعد ساعات محروم من رؤيتها ، ممنوع من زيارتها ، ومحكوم عليه غيابياً بالموت كونه منسوب إلى المُعارضة ، فركّب صمّامات للشرايين جميعها وبقي واحد لم يُعمل له صمام لأنه اسم الله الحارسه يعني قال كان كتير كويس ، واليوم كان جاب أجله ، وهذه كلّها ليست مشكلة ، ولكن المشكلة الأصعب أنّ ذويه بعضهم في سورية وإذا بدهم يخرجوا يشوفوه لم يوافق لهم ، وإذا نال أحدهم الموافقة الأمنية بدها كم شهر حتّى تخرج ، لأنّ صاحبي دارس رياضيات ، وقد يُعطي أقربائة ما يفك رموز القنبلة النووية فيقومون على تصنيعها وهو في غرفة الإنعاش !!!
خطير هذا صاحبي!!! وأنا أزوره اخبرني بأن عزرائيل- ملك الموت عليه السلام – مر من فوقه ولم يقف عنده !!! يبدو أنّه خاف مما يُخبئه له إن أتى ولذلك من المحتمل أن يأتيه على غفلة وصاحبي ولا هامّه شي وما عنده ما يخسره بعدما خسر حياته في المنافي بعيد عن أهله وأقربائه وأحبابه وأرضه وجيرانه وداره ، وبعدما خسر الكثير الكثير
وصاحبي الثاني له قصّة غير شكل ، هو كان مُلاكم وجسمه ما شاء الله عين الحسود لاتسود ، وحتى لمّا بدّو يدخل من الباب ينحني من طوله ، وأولاده مثله بل أطول منه ، ولكن مشكلته مُشكلة ، حيث ركبته الأمراض من كثرة الأهوال التي رآها في منفاه العراق ، من أزيز الرصاص وقاذفات الطائرات وراجمات الصواريخ ، وكل قذيفة كانت بتعمل عملها عنده ... أهله وأولاده كان خوفه عليهم أكثر من نفسه ، ومثله المئات من السوريين هناك من تعرضوا للحصار والقتل ليس من قبل الأمريكان ، بل من صناديد قوات بدر والقاعدة وجيش المهدي العظيم ، وحصار النظام الذي منعهم من العودة لبلدهم سورية تحت وابل النيران والقتل الذي فُقد منهم الكثير ، ولكن حظه العاثر رماه لليمن لأتعرف عليه وأسمع قصته وهي من لحن قصص ألف ليلة وليلة !!!
وجهه نور وكأنه البدر تعلوه ابتسامة مُستمرة على الرغم مما يحمله من الأمراض التي لا يوجد شيءٌ في الدنيا إلا وركبه مما مرّ به من الأهوال ، ومع ذلك فهو منتوف مدبور مقشوط ، وعلى الحديدة بل تحت القبو بعشرين درجة إن لم نقل بألف كإمكانية مالية ، وتراه صابراً مُحتسباً عند الله ، لم أسمع له من شكوى سوى البعد وفراق الأوطان ، وأولاده اثنين منهم مكتومين ، فلا قيد ولا سجل ولا هوية ، ، وأولاد الحلال على قلة إمكانيتهم جمعوا له ما يُقارب الخمسة والعشرين ألف دولار لإجراء العملية الأولى في القلب المفتوح ، والتي سيتبعها عمليات أُخرى مُتتالية ، ولكن وصلت حالته إلى مرحلة اليأس وفارق الحياة بعد كُل ما بُذل من أجله لإنعاشه ، وبقي أولاده مرميين بلا اعتراف، فلا السفارة ساعدتهم لإخراج قيودهم وتسجيلهم ، ولا الدولة في الداخل تعاونت لحل قضيتهم ، وبقي السفير ابن بلدي الصابوني برغم كل فساده سفيراً رغم أنفنا ، وهو لا يجرؤ على حل أي مشكلة
وما بين الصديقين الحميمين ليس إلا بضعة أشهر فقدنا أصدقاء كُثر على مستوى اليمن بنفس الحالات ونفس الظروف ، وكدنا نفقد أخاً كبيراً لولا العناية الربانية أن تدخلت وأبقته بيننا ، والمشكلة صندوق الإعانات محدود ، ولا يستطيع مواجهة الحالات جميعها ولا أجزاء قليلة، لنصل في النهاية بأنه لو قُدم لهذا الشخص الدواء والمعونة من قبل أن تستفحل الحالة ، ومُساعدته في ظروفه العاثرة ، لربما أبقته بيننا أمدا أطول ، ولكن من يسمع أنّات أولئك المكلومين المُضحين ، فلا أرض تأويهم ولا سماء تُقلهم ، وحاكمنا المغوار لا يدخلون في حساباته من بعيد أو قريب ، ولا حكومته العتيدة ، فعشرات الآلاف من أمثال هؤلاء ليست إلا أصفار على اليسار لا تعنيهم بشيء ، ولا تعني المجتمع الدولي ، بل ولا تعني العالم اجمع
ومرةً دعوت كباراً إلى فطور عندي ، وللاستعداد له قبل ساعة من موعده كُل واحد بيده دواءه كرتل عسكري وعلى وتيرةٍ واحدة ، وقد تناولوا ما يجب قبل الطعام وأثناءه وبعده ، ومثل هؤلاء يُشكلون الخطر الأكبر على النظام ، وعلى ما يبدو ما يتناولونه بالكيماوي الفتّاك الذي قد يقلب النظام فيما لو عادوا إلى سورية ليعيشوا فوق أرضها بين أهاليهم وعُزوتهم وأحبائهم بعد طول غياب ، ليسعدوا بما تبقى لهم من أعمار ، ولكن هيهات هيهات
وبالفعل سيسجل التاريخ تلك المآسي ومن كان وراءها ، وكيف عُومل الأحرار المُعاملة النكرة من نظام أبى إلا أن يُعامل شعبنا كالعبيد ، وأبى شعبنا إلا أن يكون حُراً أبياً ، وهو دائماً يدفع التضحيات الجسام ، وأبينا نحن إلا أن نُسجل الوقائع على الدوام ، وستبقى رؤوسنا عالية مرفوعة لا تُزل إلا لخالقها ، ولن يُتنينا لؤم اللؤماء