لا اتفاق دون تحرير الأسرى
د.مصطفى يوسف اللداوي *
الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، والسجون الفلسطينية في رام الله وغزة ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذي يتم فيه الإفراج عنهم، وعودتهم إلى بيوتهم وأهلهم ، فقد مضى على اعتقال بعضهم في السجون الإسرائيلية عشرات السنوات، وغيب الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني المئات منهم في سجون الأخوة والأشقاء لفترةٍ طويلة، وقد كانت سجون الأشقاء أشد وأنكى على شعبنا الفلسطيني من كل سجون ومعتقلات العدو الإسرائيلي، فإن كان الفلسطينيون قد تقبلوا السجن والاعتقال على أيدي الاحتلال، الذي هو سجية وسياسة كل مستعمرٍ ومحتل، فإنه لم يستسغ ولم يتقبل أبداً سياسة الاعتقال الفلسطينية، ولا يمكنه أن يتصور أن خاتمة نضال ومقاومة أبنائه ستكون في السجون والمعتقلات الفلسطينية، وسيكون الفلسطيني سجاناً وجلاداً على أخيه ورفيق درب نضاله الفلسطيني الآخر، وسيكون رفيق " البرش" والزنزانة والعنبر هو الذي يعذب ويشبح ويعلق وينفخ أحياناً.
الفلسطينيون جميعاً – دون استثناء - ينتظرون عودة أبناءهم إلى بيوتهم من سجون العدو الإسرائيلي وسجون رام الله وغزة، ولهذا فإنهم يتابعون بكلِ شغفٍ تفاصيل الحوار الفلسطيني – الفلسطيني ، الذي ستكون من ثماره تبييض السجون الفلسطينية ، وإخراج جميع المعتقلين منها، وإنهاء ظاهرة الاعتقال السياسي، ووقف كل ممارسات التعذيب والإهانة التي تلحق بالمعتقلين جراء انتماءاتهم السياسية، فهم يتطلعون إلى إنهاء حالة الفرقة والخصومة والانقسام ليتمكن أبناؤهم من العودة إلى بيوتهم .
ويتابع الفلسطينيون أخبار وتفاصيل الصفقة المزمع عقدها بين حركة المقاومة الإسلامية " حماس " والعدو الإسرائيلي حول الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، حيث يأمل مئات المعتقلين أن تشملهم صفقة التبادل، وتعقد مئات الأمهات الفلسطينيات أمالهن على هذه الصفقة لعودة أبناءهن وتحريرهم من القيد والأسر، وتخشى العائلات الفلسطينية أن تفشل محادثات صفقة تبادل الأسرى مع العدو الإسرائيلي، ولكنها تخشى أكثر أن تتنازل المقاومة عن مطالبها السابقة أمام التعنت الإسرائيلي، فتعيد تصنيف قوائم المعتقلين، أو تغير في قوائم الأسماء المقدمة، وأن تخفض من أعداد المعتقلين المقترحة، فلسان حال الفلسطينيين يقول لقد دفعنا في غزةَ ثمناً باهضاً من أجل الحفاظ على الجندي الإسرائيلي الأسير ضماناً لإتمام الصفقة، لذا فلا اتفاق مع العدو الإسرائيلي دون إتمام صفقة التبادل بالشكل الذي نريد، ووفق القائمة التي أعددنا، ولا تنازلات تقدم إلى العدو الإسرائيلي في هذا الملف .
أما الأسرى والمعتقلون في سجون الأخوة والأشقاء، التي هي أشد وأنكى من كل سجون العدو الإسرائيلي، والتي يمارس فيها تعذيباً مهولاً، واعتداءاً صارخاً على حقوق وكرامة المعتقل، والتهمة الموجهة إليهم هي الانتماء إلى فصيلٍ مقاوم، أو حمل سلاحٍ من أجل المقاومة، فإن الإفراج عنهم أوجب وأولى، وإذا كنا نعيب على العدو الإسرائيلي أنه يحتجز في سجونه آلاف المعتقلين الفلسطينيين، فإننا نعيب على أنفسنا ألف مرة أننا نعتقل أنفسنا وأبناءنا، وأننا نذيقهم في سجوننا مختلف صنوف العذاب، الذي أفضى في كثيرٍ منه إلى الموت، وقد لا يكون آخرهم كمال أبو طعيمة الذي يرقد اليوم في أحد المستشفيات الأردنية في حالة موتٍ سريري بسبب التعذيب الشديد الذي تعرض له في سجون مدينة الخليل التي تجوسها أقدام المستوطنين الهمجية، وتجوبها عربات الاحتلال العسكرية، ولا تبقي على أي شكلٍ من أشكال السيادة الفلسطينية سوى سيادتها على السجون والمعتقلات، حيث تتيح لهم الفرصة الكاملة للاستمتاع بممارسة السيادة الفلسطينية غير المستقلة على السجناء والمعتقلين، تعذيباً وإهانة وقتلاً .
وإذا كان لا اتفاق مع العدو الإسرائيلي على هدنةٍ أو تحريرٍ لشاليط قبل الإفراج عن معتقلينا من سجونه، فإنه لا اتفاق فلسطيني – فلسطيني قبل تبييض السجون الفلسطينية، ولا مؤتمر لحركة فتح تحت حراب العدو الإسرائيلي وعيونه وآذانه وسجون السلطة الفلسطينية تغص بمئات المعتقلين من أبناء حركة حماس وغيرها، فما قيمة عقد مؤتمرٍ عامٍ لحركةٍ مناضلة ينضح تاريخها بالنضال والعطاء والصفحات الناصعة المشرفة وهي تغطي سياسة الاعتقال والتعذيب والقتل، وإنه لعيبٌ كبير أن نسمع بين الحين والآخر عن استشهاد معتقلٍ فلسطيني في سجون السلطة الفلسطينية جراء التعذيب الوحشي، أو نقل بعضهم إلى المستشفيات وهم في حالة الخطر الشديد أو الموت السريري .
فإلى الذين يملكون القدرة على اتخاذ القرار، أصيخوا السمع لصوت شعبكم، ولا تصموا آذانكم عن صراخه، وتحسسوا آلامه وحاجاته، ولا تخضعوا لضغوطٍ أو وساطاتٍ دولية وشخصية للسماح بخروج مندوبين أو غيرهم للمشاركة في مؤتمر فتح العام في بيت لحم قبل ضمان الإفراج عن المعتقلين والسجناء كافة من سجون السلطة الفلسطينية في رام الله، وقبل ضمان عدم العودة إلى سياسة الاعتقال من جديد، وكونوا حذرين قبل أن تكونوا مصممين على مواقفكم، فلا تخدعوا بإفراجٍ عن عشراتٍ واعتقالٍ لمئاتٍ في ذات الوقت، وإنما إفراجٌ تام وامتناعٌ تام عن العودة إلى سياسة الاعتقال السياسي، ولا عيب في أن نستخدم هذه الورقة كعامل ضغطٍ على حكومة رام الله، فإذا كانت حريصة على نجاح مؤتمرها، وعلى ضمان مشاركة كافة أعضاءها، فإن عليها أن تقدم تنازلاً مشرفاً لشعبها، تنازلاً لا تهمة فيه، ولا عار يلحقها إن هي ارتكبته وقامت به، فهي بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين في سجونها إنما تدخل الفرحة إلى قلوب أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا، اللاتي فقدن أبناءهن وأشقاءهن وآباءهن، وإنما العار هو المضي في هذه السياسة الأمنية الغريبة عنا، والمنافية لقيمنا، والمخالفة لتاريخنا، والتي يخطط لها ويقودها أعداء شعبنا، وفي ذات اليوم الذي تفرج فيه حكومة رام الله بعد تقديم كل الضمانات اللازمة لعدم عودتها إلى سياسة الاعتقال الأمني من جديد، فإن على الحكومة الفلسطينية في غزة أن تفرج عن كل المعتقلين في سجونها، وألا تبقي شاباً بعيداً عن بيته، أو محروماً من أهله، وإن هذا – لعمري – هو عدلٌ نبتغيه .
*كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني