مكونات الثقافة الثورية الفتحاوية

مكونات الثقافة الثورية الفتحاوية

أحمد الفلو /فلسطين

[email protected]

لقد كانت انطلاقة حركة فتح في مطلع عام 1965 حدثاً تاريخياً هاماً في تاريخ القضية الفلسطينية سواء على الصعيد السياسي العربي والوطني أو الصعيد الاجتماعي الفلسطيني خاصةً أن تلك الانطلاقة بعثت الكثير من الأمل والتفاؤل في أوساط اللاجئين في المخيمات والشتات, وكان اللاجئون ومازالوا هم وقود الثورة المسلحة و شهدائها ,لأن الأمل بتحرير أرضهم يعتريهم و يلامس طموحاتهم وأحلامهم بالعودة إلى ديارهم , ولكن الشرعية الثورية ومن خلال مسيرتها و نهجها فإنها كانت تنتج بداخلها بذور الانحراف والتسيُّب دون أن يكون هناك آليات للمراجعة والتقييم تحدد الأخطاء وتتلافى الانحرافات, وربما يعود ذلك إلى العديد من الأسباب التي تتعلق بالبناء الفكري النظري والسلوكي لمجمل المسيرة الثورية الفلسطينية ولعلنا نذكر أهم مكونات ذلك المنهج النظري والسلوكي الذي كاد أن يُغرق السفينة الفلسطينية :

المكون الأول : هيمنة فكر تقديس وتنزيه القيادة عن أي شائبة و التشبث بها وكأنها معصومة عن الخطأ, وذلك التقديس الذي أبدته القاعدة تجاه القيادة قد شجعت القيادة على التصرف بصلاحيات مطلقة جعلتها تتمادى على أساسيات القضية الفلسطينية دون حسيب ولا رقيب, قد لعب جهل القاعدة دوراً هاماً في ذلك خاصةً وأن معظم الذين شكلوا الوحدات العسكرية المقاتلة كانوا من الشبان المتسربين من التعليم المتوسط والثانوي, كما لقيت الأساطير والقصص الخرافية التي كان يبثها هؤلاء القادة عن أنفسهم وعن إمكانياتهم الخارقة صدىً في نفوس هؤلاء الجهلة بل وحتى في نفوس الكثير من المتعلمين وهي قصص من نوع الختيار تمكَن من زرع عبوة ناسفة داخل مقر الأركان الإسرائيلي وخرج دون أن يلحظه أحد أو أن الحكيم نجا قبل دقائق من سقوط صاروخ إسرائيلي على مكتبه في بيروت أو أن الزعيم الملهم أبا النوف يعرف ما يدور في دهاليز الخارجية الإسرائيلية و هو جالس في مكتبه , وهكذا جعلونا نصبح ونمسي على معجزات هؤلاء القادة العظام و أضحى القائد الرمز أهم من فلسطين ذاتها بل نصفق له ونشيد بإنجازاته المباركة حتى عندما يتنازل عن فلسطين للصهاينة , وهذا يذكرنا بالنهج الإسلامي الذي تتبناه حماس حيث الولاء لله والدين وليس لمشعل و أبي مرزوق .

المكون الثاني : التكتيك السياسي أهم من الإستراتيجية وهو ما يُدعى في ثقافتهم الواقعية السياسية أو البراغماتية وهو سلوك تمَّ بموجبه التنازل للعدو الإسرائيلي عن أهم أركان القضية الفلسطينية وهي الأرض و القدس ثم الاعتراف بشرعية قيام الدولة الصهيونية على ثلاثة أرباع فلسطين مقابل الحصول على الربع الباقي , وكانت النتيجة أن تلك القيادات الثورية لم تتمكن من الاستحواذ حتى على ربع ذلك الربع المتبقي بعد أن تناسلت المغتصبات الصهيونية و قضمت ما أمكنها قضمه من الأرض, بينما كانت القيادات الفلسطينية تواجه كل تلك الشراسة الصهيونية بما يُسمّى خطاب العقلانية والتخاطب مع أمريكا والغرب بلغة سياسية يفهمها ,أو بهدف إبعاد شبهة الإرهاب عن شعبنا من خلال التخاذل في الدفاع عن الشعب واعتقال كل من يقاوم الصهاينة والاستمرار في سياسة التفاوض والتنسيق الأمني مع العدو بل وصل الأمر بقيادة بشمركة عباس إلى القيام بمهام قتل المقاومين نيابةً عن الجيش الإسرائيلي .

المكون الثالث : عدم قبول الآخر أو إلغاء وجود الآخرعلى مبدأ من ليس معنا فهو ضدنا وبالتالي لا يستحق الحياة, وهذا ما أدى إلى تدمير الحياة السياسية الفلسطينية بشكل كامل, وقد تمكنت تلك الثقافة المدمرة من تحويل التجربة الانتخابية الفلسطينية الأخيرة من مفخرة نعتز بها إلى مأساة انفصالية أوصلتنا إليها البشمركة الفتحاوية بمؤازرة اليسار الثوري المنافق المتحالف معها, و ننوه بالموقف المخزي الأخير الذي أبداه النواب الفتحاويون عندما تجمهروا و أغلقوا باب مقر المجلس التشريعي بوجه رئيس المجلس عبد العزيز الدويك بُعَيد خروجه من المعتقل الإسرائيلي مع أنّ الرجل يتبنى سياسة تصالحية واضحة مع بين جميع القوى الفلسطينية ولكن يبدو أن التنظيم والانتماء الفتحاوي متقدم بمراحل على الوطن والانتماء لفلسطين لدى النخبة الفتحاوية .  

المكون الرابع : ربما كان الرابط الذي التقت عليه معظم التنظيمات الفلسطينية ورسخته في أدبياتها هو العداء المطلق للإسلام ولكل ما هو إسلامي و نَعْته بالرجعية و التخلف والعمالة لأمريكا وبريطانيا, وتراوحت درجة العداء هذه ما بين الاكتفاء باستبعاد الكوادر المسلمة عن الساحة الفتحاوية ليتطور ذلك الموقف في عهد عباس الزاهر إلى عمليات الاختطاف والتعذيب والقتل التي تقوم بها بشمركة دايتون ضد المجاهدين, وما بين الإلحاد و العداء السافر للإسلام كما هو الحال في التنظيمات الماركسية التي حاولت إقحام الصراع الطبقي إلى ساحة القضية الفلسطينية ولعل هذا المكون الفكري الأخير ألحق خسارة هائلة بقضيتنا المقدسة التي هي أحوج ما تكون إلى دعم ومؤازرة العالم الإسلامي من جهة وإلى الابتعاد عن زجّ قضيتنا في مسالك البروليتاريا والثقافة الماركسية التي لم يلبث أصحابها الأصليين إلاّ أن بالوا عليها, و قد تبدّى ذلك العداء جلياً في رفض جبهات اليسار إقامة أي نوع من التعاون مع المقاومة الإسلامية ثم انخراط العديد من أزلام اليسار ضمن جوقة قصر المقاطعة وتلقي الأموال من دايتون مع الاحتفاظ الإعلامي بالمظهر المقاوم , فلماذا ولمصلحة من وماذا جنت قضيتنا من استبعاد الإسلام و محاربة الاتجاهات الإسلامية في صفوف الثورة الفلسطينية غير المزيد من الضعف والعزلة , وبالتأكيد فإن الفوز الجماهيري الساحق للمقاومة الإسلامية يدعم ما ندعيه بأن أجواء الحرية السياسية في المجتمع الفلسطيني تقود وبشكل حتمي إلى فوز الإسلام وأهله وإلى تلاشي واندثار الفتحاويين و حلفائهم العلمانيين و اليساريين .    

المكون الخامس : المخصصات المالية وامتيازات القادة و جحافل المتفرغين و هو المكون الجوهري للثقافة الثورية و هي عصب الإحساس وعصب الحركة في هيكل الثقافة الفتحاوية والجبهوية بلا ريب, حيث تضمن القيادة ولاء القاعدة الكامل لها عبر حقيبة الرواتب و لعل تلك الحقيبة العجيبة ذات المفعول السحري كانت ومازالت تضخ الدم والأوكسجين والهواء داخل الجسد الثوري الفلسطيني .

   إن انتشار الوعي الإسلامي و دخول العقيدة الجهادية إلى معترك الحياة السياسية الفلسطينية بثًّ الحياة من جديد في البنية الوطنية الفلسطينية وأعادها إلى المسار الصحيح, وهو الذي أوقف مسلسلات الانهيار والتنازل التي تمت على أيدي العابثين و القتلة واللصوص, وأنهى سيطرة بشمركة عباس على جزء من الوطن و أعاد لقضية فلسطين ألقها وبريقها بل وتجاوز ذلك الهدف لتصبح حركة حماس قوة أساسية في مركز الريادة لكل العرب والمسلمين لا يمكن لأحد أن يتجاوزها في .