موريتانيا

نعم من بين العسكر شرفاء ووطنيون

فيصل الشيخ محمد

الانتخابات الرئاسية الموريتانية التي جرت يوم السبت الماضي، وتنافس فيها تسعة مرشحين، وشارك فيها المواطنون بنسبة اقتراع عالية، في ظل تنافس شريف، كشف عن روح ديمقراطية تصالحية عالية المستوى، يندر وجودها في معظم بلداننا العربية.

وقد أشاد المراقبون الدوليون والعرب والمحليون الذين تابعوا عملية التصويت من الألف إلى الياء في مختلف أنحاء البلاد، بنزاهة الانتخابات وشفافيتها، كما أكدوا على عدم حصول تجاوزات تعكر نتائج هذه الانتخابات أو تشكك في مصداقيتها.

وإذا ما أثار بعض المرشحين الخاسرين وقوع عمليات تزوير، وهذا ما يحدث في معظم بلدان العالم بما فيها الدول الديمقراطية العريقة، فإن فوز ولد عبد العزيز بثقة نسبة مقبولة من المصوتين، وحصوله على 52% من أصوات الموريتانيين، وليس بالنسبة التي اعتدناها في معظم بلداننا العربية التي كانت تتراوح لعقود باتجاه رجل واحد ما نسبته بين (96% و99,9%).. والأمثلة على ذلك كثيرة في مشرق الوطن العربي ومغربه، دليل على أن هذا الكولونيل استطاع في شهور قليلة أن يكسب تعاطف الجماهير الموريتانية لأنه انحاز إلى الديمقراطية وحكم صناديق الاقتراع، ولم يتشبث بالحكم وكان باستطاعته فعل ذلك لو أراد، وتنازل عن الحكم طواعية قبل أن يخوض غمارها وفق صيغة دكار التصالحية الوطنية، وهو موقف يحسب له، ويميزه عن كل العسكريين الذين وصلوا إلى كرسي الحكم عبر الدبابة والانقلاب العسكري.

أنا أعارض وبشدة طريقة الوصول إلى الحكم عبر انقلاب عسكري وقد ذاقت بلدي سورية شرور انقلابات العسكر منذ العام 1949، والتي لم تنعم بالديمقراطية من بعد استقلالها إلا لفترات قليلة من السنين لا تتجاوز عدد أصابع اليدين معاً، من بين أربعة وستين سنة هي عمر استقلال سورية عن الفرنسيين.

أقول إنني أعارض وبشدة طريقة الوصول إلى الحكم عبر الدبابة والبندقية، ولكن إذا كان لابد من وقوع مثل هذا الشر لمنع شر أكبر منه فلا مانع من ذلك، شريطة العودة السريعة إلى الديمقراطية  وتحكيم صناديق الاقتراع والقبول بخيارات الشعب، وقد فعل ذلك قديماً العقيد سامي الحناوي في سورية، عندما أطاح بالزعيم الأرعن حسني الزعيم، وأعاد الحياة الدستورية والنيابية إلى سابق عهدها، وفعل الشيء نفسه سوار الذهب في السودان.

واليوم نحن أمام حالة جديدة ومن نوع مختلف في موريتانيا، ونرجو أن يكون فوز الكولونيل المستقيل ولد عبد العزيز بثقة الجماهير الموريتانية مثالاً يحتذى به عند باقي دولنا العربية ذات الأنظمة الشمولية التي اعتاد حكامها أن يفوزوا بنسبة تتراوح بين (96% و99,9%) في عمليات تصويت أراجوزية ومسرحية، مجّت الشعوب العربية لعب أدوار الكورس فيها.

ختاماً نتوجه إلى السيد ولد عبد العزيز بالتهنئة بفوزه بثقة الموريتانيين، وان يكون عند حسن ظنهم فيه، وأن لا يسعى في قابل الأيام إلى تعطيل الحياة السياسية الديمقراطية في موريتانيا والانتقال السلمي للسلطة، ويفكر باستصدار قوانين تسهل له البقاء في الحكم، إلى ما شاء الله كما فعل ويفعل غيره!!