مسلمو الإيغور..

محمد فاروق الإمام

ضحية إرهاب الدولة

محمد فاروق الإمام

[email protected]

فجأة ودون مقدمات شغلت الأقلية المسلمة الإيغورية التي تعيش في محيط صيني كبير الإعلام العالمي، وهي تقاوم إرهاب الدولة الصينية، وتتعرض إلى أبشع صنوف التمييز العنصري، من نظام يدعي أنه اشتراكي أممي ويساوي بين كل البشر، فإذا كل دعاويه باطلة، وقد ظهر على حقيقته عندما نقلت الفضائيات العالمية الأسلوب الوحشي والدموي ضد المسلمين، الذين أرادوا أن يعبروا سلمياً عن معاناتهم وما يتعرضون له من تمييز وتهميش ومضايقات كان أقلها إغلاق المساجد ومنع المسلمين من أداء الصلاة فيها ثم منعهم من الخروج من منازلهم، ونهب ثروات إقليمهم الذي يجسم على بحر من النفط والمعادن بأنواعها.

قلة منا من كان يعرف اسم الإقليم الذي تعيش فيه الأقلية الإيغورية المسلمة.. إنه إقليم تركستان.. وتركستان كلمة مكونة من مقطعين ترك وستان وتعني أرض الترك، وهي بلاد واسعة في آسيا الوسطي مليئة بالكنوز والثروات، تقاسمتها الصين وروسيا قرونًا طويلةً بعد أن ضعُف أمر المسلمين بها،  فاحتل الروس قسمها الغربي الذي يضم دول (كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان)، والذي تحرر مؤخرًا بعد انفراط عقد الاتحاد السوفييتي.

وقد احتلت الصين في عام 1949م قسمها الشرقي (المعروف بتركستان الشرقية (إيغورستان أو سنكيانج)، الاسم الذي أطلقه الصينيون عليها لطمس هويتها الإسلامية.

سنكيانغ تعني المستعمرة الجديدة، أو الوطن الجديد، وكانت تتمتع قديمًا بأهمية كبيرة في التجارة العالمية؛ فكان طريق الحرير المشهور يمر بها، ويربط الصين ببلاد العالم القديم والدولة البيزنطية.

تقع تركستان الشرقية في أواسط آسيا الوسطى، وتحدها من الشمال جمهورية روسيا الاتحادية، ومن الغرب الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق، ومن الجنوب باكستان وكشمير والتبت، ومن الشرق الصين الشعبية ومن الشمال الشرقي منغوليا الشعبية.

تبلغ مساحتها 1.828.417 كم2، أي خُمس مساحة الصين، وحسب الإحصائيات الصينية فإن تعداد السكان بها هو 9 ملايين نسمة تقريباً، إلا أن هناك جهاتٍ مستقلة قدرت تعدادهم بحوالي 25 مليون نسمة من الأتراك المسلمين، يتكلمون اللغة الإيغورية، وهي إحدى فروع اللغة التركية، لكنها تكتب بالحروف العربية.

غالبية السكان من الإيغور، بالإضافة إلى أقليات من القيرغيز والكازاخ والأوزبك، وجميعهم يدينون بالإسلام وينتمون إلى العرق التركي؛ إلا أن الصين عمدت إلى سياسة تهجير التركستانيين وإحلال الصينيين محلهم.

دخل الإسلام هذه البلاد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان 86ه/ 705م، وتم فتحها على يد القائد "قتيبة بن مسلم الباهلي" عام 95 ه/714م، وقد استولى الصينيون على تركستان الشرقية سنة (1174 ه/ 1760م) بعد أن ضعف أمر المسلمين بها، وقامت بينهم معارك دامية في عام 1759م، ارتكبت خلالها القوات الصينية مذبحة جماعية قتل فيها مليون مسلم، ثم قامت الصين باحتلالها في عهد أسرة المانتشو عام 1760م. وفرضوا سيطرتهم عليها حتى عام 1862م، لكن الشعب التركستاني لم يستسلم، ولم يخضع للجبروت الصيني، بل استمرَّ في مقاومته للاحتلال، حتى تحرير بلاده عام 1863م، وأقاموا دولةً مستقلةً إسلامية تحت زعامة (يعقوب بك بدولت) الذي استمرَّ حكمه 16 عامًا، إلا أن الصراع الذي دار بين البريطانيين والروس خلال القرن التاسع عشر للسيطرة

على آسيا الوسطى، وتخوف البريطانيين من أن ينجح الروس في ضم تركستان الشرقية إلى أراضيهم، بعد أن سيطروا على معظم دول آسيا الوسطي المسلمة

فقاموا بمساندة الصينيين للسيطرة عليها، واستطاعت الجيوش الصينية الضخمة بقيادة الجنرال "زوزونغ تانغ" مهاجمتها واحتلاها مرةً أخرى في عام 1876م،

ومنذ ذلك التاريخ سُميت باسم "شنجيانغ، أو "سنكيانج.

وفي 18 تشرين الثاني عام 1884م ضمها الصينيون داخل حدود إمبراطورية المنجو، لكن الجهاد لم يتوقف، وتابع التركستانيون كفاحهم وثوراتهم ونجحوا

مرتين الأولى في عام 1933م، والثانية عام 1944م حتى نال الإقليم استقلاله

بعد الثورة التي قادها الشيخ "علي خان"، إلا أنها لم تستطع الاستمرار طويلاً

حيث قام الاتحاد السوفييتي بدعم الصين عسكريًّا وماديًّا للقضاء على هذه الدولة.

وفي عام 1949م قام "ماوتسي تونج" (الزعيم الصيني الشيوعي) بفرض سيطرته على المنطقة كلها، وبمؤامرة روسية صينية مشتركة، تم القضاء على زعماء القومية الإيغورية والكازاخية في جمهورية تركستان الشرقية الوليدة، حيث أيقن الروس أن هؤلاء المناضلين سيدعمون أشقاءهم في دول آسيا الوسطى المسلمة في كفاحهم للتخلص من الشيوعية السوفيتية.

وتم تقسيم تركستان الشرقية إلى 6 مناطق، حكمتها الصين بقبضة من حديد

فأغلقت المساجد وجرَّمت اقتناء المصاحف، والتعليم الديني وإقامة العبادات

وأُجبر المسلمون على تعلم الإلحاد وتناول الأطعمة المحرمة وتحديد النسل، وبُنيت سجون عديدة وإلقاء الآلاف منهم داخلها باعتبارهم أخطر المجرمين على أراضيها، وعملت الصين على إلحاق الأذى بمسلمي تركستان بكل ما أوتيت من قوة، فقامت بإجراء تجارب نووية على أراضيها.

ففي عام 1964م قامت بإجراء 35 تفجيرًا نوويًّا، دون أية تدابير لحماية المواطنين

مما أدَّى إلى زيادة معدلات الإصابة بأمراض السرطان والتشوهات الخلقية.

وإن كان ماوتسي تونغ قد أعطى الإقليم حكمًا ذاتيًّا إلا أنه من الناحية الفعلية حدث العكس تمامًا، فالحكم ودفته في يد الصينيين، وينفذه الموظفون التركستانيون بالإكراه، وتقوم الحكومة الصينية بالتمييز ضد الشعب التركستاني وتهجيره؛

بهدف تغيير التوزيع السكاني بالإقليم وإحلال الصينيين محل التركستانيين.

كما عملت الحكومة الصينية على قطع الصلة بين مسلمي تركستان الشرقية بالإسلام والمسلمين، فمنعت سفر المسلمين إلى خارج البلاد، كما منعت دخول أي أجنبي لتفقد أحوالهم، ومَن استطاع منهم الهروب إلى الخارج لم ينج أقاربه من العقاب في الداخل.

ومنذ بداية الحكم الشيوعي وحتى الآن يعمل الصينيون على تذويب الشعب التركستاني في المجتمع الصيني وطمس هويته. ومن وسائل التذويب التي يتبعها الصينيون في تركستان الشرقية منذ سنين طويلة.. تشجيع الزواج بين التركستانيين والصينيين، وإلغاء اللغة الإيغورية من المؤسسات التعليمية والحكومية، وإحلال اللغة الصينية محلها.

ولم يقف الظلم عند هذا الحد، بل قامت الصين بنهب ثروات تركستان الشرقية

التي حباها الله بها وحرمان أصحابها من خيرات بلادهم، من البترول والغاز الطبيعي، والذهب ومن الفحم الذي تنتج منه سنويًّا 600 مليون طن، وكذا اليورانيوم.

وقد استغلت الصين أحداث 11 أيلول، وركبت موجة الحرب على الإرهاب

في قمع المسلمين الإيغوريين، واتهمتهم بالتطرف والإرهاب وموالاة حركة طالبان الأفغانية وتنظيم القاعدة، مع أنه ليس لهم أي علاقة لا بهذا ولا ذاك، بهدف تضليل العالم بأن قضية الإيغور ليست قضية شعب وحقوق إنسان بل قضية إرهاب.

والأدهى من ذلك تضامن عدد من الدول مثل كازخستان وقيرغزستان، وطاجكستان، وأوزبكستان مع الصين لمكافحة ما يسمونه ب)الأصولية الإسلامية(؛ تمثل ذلك في مجموعة "شنغهاي" التي تضم الدول الإسلامية السابق ذكرها بالإضافة إلى الصين وروسيا.

وتقوم هذه الدول بإعادة اللاجئين الإيغوريين بالقوة إلى الصين، مما يمثل انتهاكًا لمعاهدة الأمم المتحدة للاجئين؛ فقد قامت كازاخستان بإعادة اللاجئين الإيغوريين قسرًا إلى الصين، كما طردت باكستان الطلبة الإيغوريين وأغلقت بيوت الضيافة المخصصة لهم في إسلام آباد.

كذلك لا تسمح لهم العديد من الدول العربية بدخول أراضيها رغم حصولهم على تأشيرات سفر من القنصليات العربية، بل تشترط بعض الدول حصولهم على أوراق أمنية من الحكومة الصينية، مما يدل على خضوع بعض الدول العربية للضغوط الصينية.

ورغم تخلي المسلمين عن نصرة إخوانهم في تركستان الشرقية، إلا أن هناك صحوةً إسلامية بين الإيغوريين، وشغف لتعلم الإسلام واللغة العربية، فقد قام الإيغوريون بتأسيس "الشبكة الإيغورية للأخبار" لتعريف العالم بفظائع الصين داخل بلادهم.

ولاستعطاف العرب والمسلمين لنصرتهم، والضغط على الحكومة الصينية لرفع المعاناة عنهم.. ها هي تركستان تستنجد.. فهل من نصير؟