صنع في الصين
صلاح حميدة
لا تكاد جروح المسلمين تندمل في مكان، حتى تنفجر كالأنهار في مكان آخر، ولم تكد جراح المسلمين في قطاع غزة تندمل عن النزيف الأكبر وتنتقل إلى النزيف الأصغر، حتى انفجرت دماء مروة الشربيني وزوجها على يد عنصري حاقد في ألمانيا، وما كاد المسلمون يفيقون من صدمة اغتيال شهيدة الحجاب، حتى تفجرت أنهار الدماء في تركستان الشرقية.
فجأة وبدون مقدمات انفجر بركان الغضب الاسلامي هناك، انتفض المسلمون وثاروا محتجين على ما يحيق بهم من ظلم، فما الذي يجري هناك؟ ولماذا يثور المسلمون؟.
تعتبر منطقة تركستان الشرقية من أغنى المناطق الصينية بالثروات الطبيعية، ويقال أنها تحتوي احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي، وفيها حركة تجارية وصناعية مهمة، وكانت نسبة السكان هناك من المسلمين تمثل تسعين في المئة، ولكن اعتمدت الحكومة الصينية كما اعتمد ستالين في الماضي، سياسة التهجير والخلط الديموغرافي، وجعل الأكثرية أقلية في وطنها، وعاش المسلمون في تلك المنطقة على وقع الظلم والتهجير والتقتيل والقمع الأمني لسنوات، وبلغ الظلم مبلغه، وأغرقت مناطق المسلمين بالبوذيين الهان، وأصبح المسلمون غرباء في وطنهم، وفوق هذا كله دماء من يقتل من المسلمين تذهب هدراً، ودماء الدخلاء هي الغالية، وهذا ما كان له أبلغ الأثر في تفجير الأوضاع هناك، ومثل القشة التي قصمت ظهر البعير.
هذا التعامل العنصري الإحلالي على النمط الصهيوني في فلسطين، وعلى نمط الإبادة التي تعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك، يعكس حجم الحقد على المسلمين هناك، وقد يكون في ذلك نوع من الانتقام من أجداد هؤلاء من قادة المسلمين الذين وقفوا على حدود الصين قبل مئات السنين، وأجبروا كبراءها على خطب ود قائد فتي شاب من بني ثقيف.
التعامل الرسمي الصيني مع المسلمين وثورتهم على الظلم، جاء امتداداً للظلم المفروض عليهم، ولم يكن بدعاً ولا ردة فعل على مشاغبات، ولم يكن سلوكاً لدولة تريد منع الانفصال عنها من إقليم متمرد، فالمبالغة الشديدة في العدوان والتقتيل، والوصول بالأمور حد إغلاق المساجد ومنع الناس من الصلاة واعتلاء المساجد من الجنود، واغلاق متاجر المسلمين، والاعتقالات الواسعة والتعذيب والاعتداء والتدمير وحرق المساجد من قبل العصابات المنفلتة التي أطلق لها العنان لقتل وتدمير وحرق كل ما يتعلق بالاسلام والمسلمين، كل هذا يدل على سياسة وليس ردة فعل.
ردود فعل العالم الاسلامي جاءت باهتة، ففي حالة مروة الشربيني لم يحتج على ذلك إلا إيران؟ ولكن في حالة تركستان لم يحتج إلا تركيا وأردوجان متهماً الصين بأنها وصلت لحد الإبادة الجماعية في تعاملها مع المسلمين، وخرجت المظاهرات في تركيا، واحتجت منظمة المؤتمر الاسلامي التي للمصادفة رئيسها تركي؟.
قد يقول قائل: أن لإيران مصلحة برد الاتهام للغرب بعد موقفهم من أحداث ما بعد الانتخابات، وأن تركيا لها مصالح وروابط دينية وثقافية ولغوية وثقافية مشتركة مع عرقية الإيجور في الصين، ولكن هل العرب و باقي المسلمين ليس لهم روابط مع إخوانهم هناك؟ لماذا يخرج الإيجور المسلمون في مظاهرات عندما يقتل الفلسطينيين في غزة، ولا يخرج مظاهرات في رام الله والقدس وغزة و غيرها عندما يقتل المسلمون في تركستان؟.
قد يقول قائل: أن ما يعيشه العرب والمسلمون من مآسي لم يعد يحرك المشاعر فيهم تجاه ما يقع على إخوانهم من ظلم، وأنهم أصبحوا فاقدي الإرادة، وقد يقول قائل: قمع الحكومات يمتص ويحجب الاحتجاجات، وقد يقول آخر: فلسطين ليست كغيرها، فهي القضية الجامعة، وقد يقول غيره: أن الصين ليست لنا حساسيات معها كالدول الغربية وأمريكا على سبيل المثال.
قد يجد الانسان الكثير من الأعذار، ولكن لماذا لا يقوم المسلمون بمنع الأذى عن إخوانهم بطريقة يمكن لكل واحد منهم أن يفعلها؟ ولماذا لا نكافىء من يقف مع قضايانا، ونعاقب من يقتلنا؟ لماذا لا نكافىء تركيا لوقوفها بجانب قضايا الأمة؟ ولماذا لا نعاقب الصين لقتلها لإخواننا واستباحتها لمساجدنا؟ لماذا لا نعلن بأننا سنشتري ما يكتب عليه ( صنع في تركيا) ونقاطع ما يكتب عليه ( صنع في الصين)؟.