ماذا يعني استبدال الأمن القومي بالوطني

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

الظاهر للعيان بأنها خطوة إيجابية نحو الآخر ، أو خطوة لا بُد منها للتنصل من تركات وأعمال المنظومة الأمنية السابقة التي تقع تحت إشراف الأمن القومي السيء الصيت والسمعة والذي على مدار أربعين عاماً لم يجلب الأمن لسورية ولم يُحقق أي إنجاز يُذكر سوى اللهم ما تعيشه بلدنا اليوم من حالة الاستبداد والسيطرة الأمنية القمعية المُخيمة على كل نواحي الحياة ، وتسلط الأجهزة الأمنية على كل مقاليد الأمور ، وغياب مؤسسات الدولة ، ولا صوت يعلو فوق صوت أجهزة الاستخبارات ، ولا نقاش ولا جدال في أي إجراء ظالم بدءاً من المُحاكمات العسكرية الاستثنائية المُجحفة بحق المدنيين الوطنيين الأحرار وعدم مناقشة القانون المُعيب الأسوأ في العالم 49لعام 1981 والذي فاق ضحاياه ما خسرته سورية على مدار قرون ، ومروراً ببقاء الحالة البوليسية المُهيمنة على الحياة السورية ، وانتهاءً بآخر قانون بإلزام دفع الجزية عن المنفيين قسراً تحت مُسمى رسوم الاغتراب ، بما في ذلك من اتخاذ مُعاملات ذوي المُستهدف كرهائن إلى حين إخضاع صاحب الشأن لدفع الرسوم ولو جلس على أبواب المساجد لشحذ المبلغ أو فكر بعملية سطو لتأمين فروض الجزية ، أو حتى وإن تطلب الأمر لبيع أولاده إرضاءً لأصحاب القرار الخاطئ والمُجحف بحق الشريحة الوطنية والمُناضلين الشُرفاء الذين لم تُذل رقابهم في يوم من الأيام إلا لله سبحانه العزيز القهار

 والاحتمال الآخر لهذا الاستبدال هو مبني على التخوف من ضباط الحرس القديم المتمكنين والمُتمرسين أصحاب القدرة على الشغب وهزهزة الأوضاع ، وأصحاب الفضل على أصحاب العهد الجديد الذي لا يستطيع أن يُحرك ساكناً ما لم يحسب لهم ألف حساب ، حتى أن البعض منهم ممن تبوأ المناصب المُتقدمة فكر بالانقضاض على السلطة الحالية وبالتنسيق مع الجهات الغربية التي فضحه بعضها وكشفوه مما تسبب ذلك  في قتله كغازي كنعان ومحمد سليمان وآخرون لا زالوا في سجل المجهولين ، ومعنى ذلك أن رئيس سلطة الأمر الواقع الحالي واقع بين نارين ، الأول مُحاولته تحديث القطاعات الأمنية بالعناصر الشابة الأكثر ولاءً له والأقل خبرة في السيطرة والاستحكام والقيادة وانقياد الأجهزة لها ، ولا سيما أصحاب النفوذ من الحرس القديم من الجنرالات المطحطحين ذوو الصولات والجولات ، الذين يُحسب لتحركهم وانقلابهم ألف حساب ، والثاني مُحاولة رئيس الأمر الواقع إغلاق مراكز النفوذ لأصحاب الحرس القديم ، وقطع الأوكسجين عنها تدريجياً لإعلان وفاتها ، وهي خطوة لا توصف بالسهلة وما دونها الكثير من الصعاب لكون هؤلاء ممن هم أصحاب الفضل في نقل السلطة بهدوء من الأب إلى الابن ، ولأعمارهم الكبيرة التي لا تنظر إلى هذا الرئيس إلا على انه من صناعتها لمرحلة ممكن تغييره عند شعورها بأي لحظة خطر لم يستشعروها بعد لأن حركة التغيير تتم على نار هادئة وبلا ضجيج  أو بسبب إعطاء بعضهم التضمينات التي لا يزال يثق بها ،أ ولأسباب أخرى ومنها خشية النظام من يدهم الطولى التي يُحظو بها في مُعظم الأجهزة الأمنية والعسكرية ، مما يؤهلهم في يوم من الأيام من قلب السحر على الساحر على حين غرة ، ولذا فقد عمد الرئيس إلى سن قانون لم يعهده هؤلاء وهو تسريحهم من الخدمة عند انتهاء السن القانونية تحت دعاوي شتى ، استطاع النظام من خلاله التخلص من البعض بينما البعض الآخر لازال يُقاوم ويلعب لعبة القط والفار الى أن تحين لحظة المواجهة

 ومما يُعانيه النظام الحالي أيضاً على الصعيد الذاتي  عدم ثقته بالوجوه الجديدة لعدم خبرتها وأيضاً لعنصر الشبابية التي فيها والمغامرة ، والتي قد تقلب الطاولة أيضاً حتى على النظام عندما ترى الأمر مُتاحاً ، أو ترى نافذة للوصول عند أي اشتباك أو خلخلة قد يكون النظام غارق في حلها بينما هؤلاء الجُدد يحفرون من تحته ليتسلقوا مكانه ، هذا عدا عن عدم الثقة بهم  في إدارة كفة الأمور والتغلب على العقبات الجمّة والكبيرة التي ستواجهها ، وعدم تعود الناس على إدارتها  ، وعدم امتلاكها لبرامج تطويرية وتنموية سوى الارتجالية في القرارات ، التي أدت الى خسائر كبيرة منذ خلافة الابن للأب على صعيد الداخل السوري وخارجه

 وبالقراءة السريعة لما أورده موقع كُلنا شُركاء المُقرب من النظام جداً ونقلاً عن المرصد السوري عن الخبر بتعيين نائب الرئيس فاروق الشرع المدني في موقع هام في هذا المجلس الوطني كصورة لا بُد منها لإطفاء المدنية على هذا المجلس وليس العسكرة التي لا يملك الشرع منها أي خطوط  أو أي روابط تؤهله بإدارة المجلس أو المشاركة به بفاعلية ، بينما خطوط اللعبة الجدية ستكون بيد رئيس المكتب القومي المنحل الجنرال هشام بختيار صاحب الترتيبات الجدية ومحطة ثقة الرئيس ، كون اولاد بختيار والمُحيطين به دخلوا في لعبة إعادة ترتيب الأوراق لرئيس الأمر الواقع بشار الأسد ، ويُساعده في ذلك الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بختيات وذويه المُقربين ، مما يعني ذلك الاستغناء عن الكثير من الحرس القديم وبقاء من هو موضع الثقة لكون أبناءهم وذويهم من أكثر المُستفيدين ، وبالتالي لا يوجد هناك أي تضرر في المصالح عندما يرث الأبناء الآباء ، بينما الكثير من الحرس القديم من شُطبت أسمائهم ومن يُعمل على شطبها في تحرك هادئ محفوف بالمخاطر كالرماد تحت النار ، فيما سيحل علي مملوك رئيس أمن الدولة سيء الصيت والسمعة مع فرع فلسطين في هذا المجلس كما ورد اسمه لإعطاء هذا المجلس صفة الحالة القائمة في إرهاب الناس لما ألفوه عن هذا الجهاز من التجاوزات الخطيرة ، وربما يأتي حل المجلس القومي بالوطني لمحاولة النظام تبيض الحال  إن قرر تغيير سياسته فيما بعد مع استبعاد ذلك ولكن الأيام هي من ستنبئنا بما تخفيه ، وخاصة وأنّ هذا الضابط الجنرال الذي يُعتقد بان يكون له الدور الأبرز في هذا التشكيل لما يحظى به من الثقة الكبيرة لدى الرئيس على حساب صهره آصف شوكت الذي راجت المعلومات عن تسريحه من قبل من جميع مناصبه نظراً لتواطئه أو تساهله بحسب التقارير التي رُفعت ضده مما جعله في مكان عدم ثقة واطمئنان مُستفيداً من هذا الوضع الجنرال مملوك الذي على عاتقه ستكون المسؤولية الأكبر في هذا المجلس ، وفي عملية التغيير والتبديل ورسم السياسات والترفيعات وغير ذلك

 وأخيراً : لا يسعنا إلا أن نوجه رسالة في ظل هذا الوضع لتركيبة النظام المُتماسك على قواعد غير واضحة ومُحددة ، وهو يسبح بعيداً عن زوارق النجاة الشعبية والوطنية للاستنهاض بالبلد على الأُسس المتينة ، التي ما إن يُقرر الصعود إليها والتعاون معها فإن الكثير من الأمور ستتغير على كُل الصُعد ، وربما تكون سورية الأرقى والأعظم على الكثير من الدول إذا ما تضامن أهلها وتعاونوا على إنقاذها من حالة الغرق التي هي عليها الآن  ،  وبالتالي لا يسعنا إلا أن ندعو القائمين على الوضع على إبراز حسن النوايا من وراء هكذا تغيرات عبر  إلغاء حالة الطوارئ الاستثنائية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من أربعين عام بما لا يتناسب مع ما يُريد إظهاره رئيسها من روح الشباب ، وبما لا يعكس عن السنين التي عاشها في الغرب ورأى فيها التقدم والتطور وكرامة وحقوق الإنسان في تناقض كبير ما بين الحالتين الغربية التي عاش فيها والسورية التي يحكمها بالحديد والنار والقهر والإجبار والوصاية ، وفي ظل قانون القتل 49 لعام 1981 الذي لم تشهد له الطبيعة مثيلاً مما يُلحق الأذى على واضعيه أبدا الدهر ، ويوصمهم تاريخياً بشيء كبير لا يمحيه إلا إلغاؤه عن اقتدار وترميم مُعطياته ، وإعادة الحياة المدنية والحرية إلى البلاد والعباد بعيداً عن المحاكم الاستثنائية العسكرية الجائرة ، والإفراج عن جميع المُعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المُختفين والدعوة إلى فتح البلاد أمام أبناءها المنفيين وتعدادهم بعشرات الآلاف ، وحينها فقط نرى سورية قلعة الصمود في وجه الأعادي وعملاقا اقتصاديا كبيرا يُسابق الدول المُتقدمة لما يملكه أهلها من طاقات مكبوتة لم يُفسح لها المجال بسبب أجواء الكبت والانغلاق والخوف ، ولن يتحقق ذلك في ظل حالة الانقسام التي تحياها سورية اليوم.