عند بسّام الخبر اليقين

صلاح حميدة

[email protected]

أثارت الاتهامات التي وجهها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي، لرئيس اللجنة التنفيذية في المنظمة محمود عباس والقيادي الفتحاوي في حركة فتح محمد دحلان، بأنهما ضالعين في مؤامرة اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات مسموماً، أثارت عاصفة من الردود والتكهانات والتعليقات، وفيما التزم محمود عباس ومحمد دحلان الصمت، كان هناك سيل من التعليقات من الكثيرين على هذا الاعلان، من سياسيين ووسائل إعلام، وكذلك في صفوف القاعدة التنظيمية لحركة فتح، وفي صفوف عامة الشعب الفلسطيني، فعرفات ليس كغيره من قادة الشعب الفلسطيني، فقد شكل رمزاً للقضية الفلسطينية خلال عدة عقود.

إنقسمت الردود بين صامت ومذهول من هول الصدمة، وبين مكذب وبين مؤيد، وفي أغلب التحليلات ابتعد المحللون عن الموضوعية في التعامل مع الحدث، وكانت الدوافع الشخصية والسياسية هي المحرك لأغلب الذين تناولوا الموضوع.

عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حاول الاستمرار في الامساك بالعصا من وسطها، ولم يشأ أن ينحاز لهذا أو ذاك، وكان واضحاً من خلال تصريحاته حرصه على وحدة الحركة ولملمة الأمور، واعتبر أن هذه القضية يتم توظيفها من قبل القدومي في الصراعات الداخلية في الحركة، وأنه لم يكن يتمنى أن ينشر هذا الغسيل على الملأ، وأنه كان يتمنى أن يبقى الجدل حول الموضوع داخلياً، وهذا قد يشير أن هذا الموضوع كان موضع نقاش أو جدل، ولكن من باب التوظيف، حسب ما ألمح زكي.

المقرّبون من محمود عباس ودحلان شنوا هجوماً قاسياً على القدومي، واعتبروا أن ما نشره يعتبر مجموعة من الأكاذيب وأن المحضر الذي قال أن عرفات أودعه عنده، مليء بالأكاذيب والتناقضات، واعتبروا أنه من السهل على أي شخص اختلاق مثل هذا المحضر، وأن الإتيان بمثله ليس بدعاً، ولا مفاجأة، واعتبروا أن القدومي يسعى لشق الحركة وإفشال المؤتمر الفتحاوي الذي يسعى عباس لعقده في بيت لحم.

المنشقون عن حركة فتح بقيادة خالد أبو هلال كانوا يجزمون دائماً أن ما أعلن عنه بالأمس هو الذي جرى، وكانوا يدللون على كلامهم هذا باتهامهم المتنفذين في الحركة برفض فتح ملف اغتيال عرفات ورفض فتح تحقيق في قتل مؤسس فتح وقائدها، وكانوا يرددون دائماً أن اغتيال قادة المقاومة يتم عبر ما يعرف بالتنسيق الأمني الذي تعتبره السلطة الفلسطينية التزاماً منها للاحتلال وللأمريكان وما يعرف بالمجتمع الدولي، وكانوا يدللون على ذلك بممارسات السلطة ضد المقاومة على الأرض، وكان يردد أبو هلال الذي كان يشاع أنه كان قريباً من دحلان، أن دحلان كان يعمل على حرف بوصلة فتح لتصبح نقيضاً استراتيجياً لنهج المقاومة الذي مثله عرفات وحركة حماس ومن معهما، وأنه كان يسعى لتأميم العمالة عبر ما يصطلح عليه التنسيق الأمني.

أما في صفوف حركة حماس ومن معها أو من يؤيد خطها السياسي، فقد اعتبرت أن هذا ما أعلنت عنه دائماً، وأن هذا ما اكتشفته من ممارسات للتنسيق الأمني والذي من خلاله يتم نقل المعلومات عن المقاومة للاحتلال، ودللت على ذلك بالشبكات الأمنية التي قالت أنها القت القبض عليها، وبالوثائق التي عثرت عليها في مقرات الأمن في غزة عندما سيطرت عليها، ولكنها اعتبرت أن الاعلان من قيادي فتحاوي كالقدومي عن هذا الموضوع يكتسب أهمية خاصة لكون من أعلن عن الموضوع ليس من حماس خصم فتح السياسي، وبالتالي مصلحته هي مع حركته وليس مع حماس، وبالتالي فهي تعتبره تأكيداً على المؤكد عندها.

بقية الفصائل على الساحة لا زالت تعيش صمت المذهول، أو صمت من لا يريد التدخل في صراع القوى داخل حركة فتح، ولكن لا بد من التبيان هنا أنه لا يختلف اثنان على أن القدومي سعى لتوظيف هذه القضية في خلافاته مع محمود عباس ودحلان، وهذا ما أفقده المصداقية حسب رأيي، فقضية عرفات بالنسبة للفتحاوي هي قضية الأب والقائد والمناضل، بل يكاد المراقب أن يجزم أن فتح هي عرفات، وأن عرفات هو فتح، وأن فتح تعيش ما تعيشه اليوم بسبب غياب عرفات المفاجىء عن قمة هرمها.

فالسؤال الذي يوجه للقدومي بكل بساطة، لماذا لم تعلن عن هذا الموضوع حتى اليوم؟ ولماذا لم تؤيد اتهام قيادات من فتح في غزة حينها لمن يقول المحضر أنهم ساهموا في التآمر على قتل عرفات؟ وحاول حينها عدد منهم قتل محمود عباس في عزاء عرفات في غزة، وقتل عدد من حراسه؟

إذاً هناك من يشكك  في الاتهام من الأصل، بل يتهم القدومي باختلاقه، وهناك من يشكك في نوايا القدومي، واستخدامه لما قال أنها وديعة عرفات لديه، ويوظفها في صراعاته مع عباس، وليس من باب الحرص على الكشف عن قتلة عرفات.

في هذه القضية تحديداً، تم إغفال قضية هامة، هي التي بإمكانها حل هذا اللغز، وبإمكانها إنهاء هذا الجدل، الذي أعتقد أن تداعياته لها ما بعدها، فمن المعروف أن القيادي في حركة حماس محمود الزهار، عقد مؤتمراً صحفياً شهيراً في قطاع غزة، وأعلن في هذا المؤتمر عن عثور حماس على وثيقة في أرشيف الرئيس عرفات في غزة، وهي عبارة عن رسالة من بسام أبو شريف مستشار عرفات، وفي هذه الرسالة  يحذر أبو شريف عرفات من أن هناك من يتآمر عليه مع الأمريكان والاسرائيليين بهدف تسميمه، وينصحه بمغادرة الضفة الغربية، ولكون هذه الرسالة أعلن عنها من قبل حماس قبل ما يقارب الثلاث سنوات، قامت قناة الجزيرة الفضائية باستضافة أبو شريف، والذي أكد أنه بعث بالرسالة لعرفات، وقال أن عرفات يعلم من هو هذا الشخص، ولم يفصح أبو شريف عن هوية الشخص الذي حذر عرفات من مؤامرته لتسميمه، وقال أنه يحتفظ بذلك للوقت المناسب؟!.

في هذا الوقت بالذات، الشعب الفلسطيني يطالب بسّام أبو شريف بالإفصاح عن ما بقي غامضاً في رسالته الشهيرة لعرفات، لأن أبو شريف هو الوحيد الذي تحدث عن الموضوع ومؤامرة الإغتيال بالسم قبل حدوثه، وتم توثيق ذلك، وأبو شريف ليس له حالياً أي مصلحة مع أي طرف من أطراف الصراع الفتحاوي الداخلي، ويقال أنه مريض، وبالتالي فهو خالي مصلحة من هذا أو ذاك، وتشكل شهادته حلاً للغز يجهله الكثيرون حتى الآن، وشكل محلاً للتوظيف في الصراع الداخلي الفلسطيني، ولذلك من المهم توجيه بوصلة التساؤلات إلى بسّام أبو شريف، فعندك يا بسّام الخبر اليقين.