التلفزيون السوري يخترع صاروخاً عابراً للقارات

التلفزيون السوري يخترع

صاروخاً عابراً للقارات

حكم البابا

منذ ظهر الأربعاء الماضي وحتى الآن تجري مباحثات  بين مذيعة التلفزيون السوري وفاء قسومة وبين أربعة من صحفيي سورية من بينهم كاتب هذه السطور ،  لترتيب ندوة تلفزيونية استثائية قد تشكل سابقة  نوعية ليس لأن المنتدين سيقدمون فيها للعالم  مفاجأة اختراع أول صاروخ سوري عابر للقارات يلف  الكرة الأرضية مرتين قبل أن يصيب هدفه ، أو لأنهم سيكشفون عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي حفي   بوش وجماعته وهم يجوبون أرض العراق ، فلم يعثروا  من بين المتبقي منها إلاّ على الجزء المتمثل في المنطلقات النظرية لحزب البعث (العراقي طبعاً) ، أو لأن المنتدين سيعلنون بالفم الملآن نبأ القبض على أسامة بن لادن ، بل ببساطة لأنهم سيناقشون  الأداء الاعلامي للتلفزيون السوري ! أسمع في هذه اللحظة استغاثة قارئ يصرخ : فلقتونا  بالاعلام السوري والصحافة السورية والتلفزيون  السوري ، هل أصبحت البلد كلّها جنّه ولم تبق إلاّ نار الإعلام السوري لتتحدثوا عنها ، ومعه كل الحق ، لكني أعتقد أن الاعلام السوري (تلفزيوناً وصحفاً) حالة من الصعب تجاوزها مثل حالة مرض السرطان طبياً ، ولايمكن لأي كان أن يتجاهله قبل أن يجد له العلاج ، ولو كان الاعلام السوري حاضراً في عصر نزول الوحي لاختص بتنزيل ، ولو شهد عهود المعجزات لأُمدّ بمعجزة ، وستضفى مسحة من القدسية على من يستطيع جعل شاشته تشاهد وجرائده تقرأ ، لأن مهمة ستكون أصعب من فتح القسطنطينية ، وقصتنا معه مثل قصة شهرزاد مع شهريار ، تحتاج إلى ألف مقال ومقال ، وفي كل مقال نحمد الله ونشكره أننا نجونا من مسرور السياف حتى المقال المقبل .

القصة ومافيها (كما رويت بدايتها في مقال سابق أعيدها هنا بما أمكنني من الاختصار ) أن المذيعة وفاء قسومة طلبت من الصحفيين الأربعة المشاركة في ندوة لمناقشة الشاشة التلفزيونية صوتياً عبر الهاتف ، وساعتها اعتذرت أنا ، فنقلت لي المذيعة السورية قبول إدارة التلفزيون على استضافتي في الاستديو ، وبعد أخذ ورد ، وتلفونات ذهب ريعها لمؤسسة الاتصالات الانسانية ولشركتي الموبايل الخيريتين في سوريا ، وتوصلنا أخيراً إلى اتفاق يقضي بالمشاركة في الندوة بالحضور في الاستديو لاثنين منّا الدّاعي أحدهم ، وبالحضور عبر الهاتف للصحفيين الباقيين ، على أن تبث الندوة على الهواء حتى لايظهرنا مقص المونتاج التلفزيوني متخلفين

عقلياً نقول نصف جملة ولانستطيع إكمالها ، أو على الأقل صامتين حالنا حال الكراسي التي نجلس عليها ، وبدون (ديلي) وهي مسألة تقنية تؤخر وصول صوت المتحدث لثلاثين ثانية بين قوله للكلمة وسماعها عبر الشاشة مما يترك فرصة لظهور أكبر كمية من إعلانات العلكة التي ترعى أغلب برامج التلفزيون كونهما ينتميان إلى نفس الفصيلة ، وبدون أن تكون الاتصالات مقيدة بحيث يتم الاتصال فقط بمن يريدون ليهزوا خصورهم على ايقاعات الاعلام الملتزم وألحان الشاشة الوطنية وطقطوقات الحرية المسؤولة ، ونظهر نحن في وضع الشيخ القرضاوي فيما لو دعي ليعطي درساً في الكاف دروا .

و..اتفقنا ، لكن الندوة التي كان موعدها سهرة الأحد 9/1/2005 تأجلت لسهرة لثلاثاء 11/1 ، وأظن أن إدارة التلفزيون ستبقى تؤجل الندوة لترمجها أخيراً في نهاية المطاف في 31 شباط القادم (!!) ، وظهرالسؤال الأهم لدى الادارة المنهكة في البحث عن حل على طريقة إما أن يموت الملك أو الحمار أو أموت أنا : من هؤلاء حتى نعطيهم فرصة الحديث على الهواء ؟! وهو سؤال يخفي في داخله تساؤولاً جوهرياً عن عقلية جهاز إعلامي مسوس ، يشكل عبئاً على السلطة التي يمثلها وينطق باسمها ويعتبر نفسه فترينتها لم تستطع كل عمليات التجميل أن تزيل حدبته من على ظهرها ، وهمّاً على المشاهد السوري أزاله عن قلبه باقتطاع سبعة آلاف ليرة من قوت عياله بتركيب ستلايت ، وقدرة هذا الجهاز وإدارته على رؤية صورته الحقيقية في عيون السوريين !

ماالذي سيقوله لنا مدير عام التلفزيون عن تلفزيونه لو أقيمت الندوة (وهي لن تقام أو سيستبدل ضيوفها ليأتي بكل بيت فستق في حال كان مضطراً لاقامتها) عندما نسأله هل تطوير صورة الشاشة بقص شعر المذيعات كما أمر وأشرف وعاين وأعاد بعضهن إلى كرسي الحلاقة لقص مزيد من الشعر ؟ وكيف يستطيع المذيع أن يكون بكامل حضوره على الشاشة ، وهو يسمع عبر السماعة الصغيرة في أذنه أثناء تغطيته لحدث مباشر من يقول في غرفة الكونترول (اسمعوا هالحمار شو عم بيحكي) ، وماهو رده على مذيعة ينبغي أن تظهر على الشاشة مبتسمة وهي تعترف أن كلمتي (حمارة وحيوانه) هما أكثر كلمتين ترداداً في أذنها من نفس السماعة عندما تكون على الهواء ، وعندما يدخل مذيع ومذيعة أخبار إلى الاستديو لتقديم النشرة فيجدان كراسيهما مسروقة ويقدمان النشرة على الواقف ، وعندما تأتي مذيعة لتقديم البرنامج الصباحي ولاتعرف من هو الضيف الذي ستستضيفه ، وتسأل المعد الذي لايعرف أي شيء عن الضيف ، فيلجؤون لضيفهم ويطلبون منه كتابة الأسئلة التي سيطرحونها عليه ، وكيف تقصى مذيعة عن الشاشة ثم تعاد بتلفون ، ولماذا يعنّف مذيع لأنه قال لوزير الاقتصاد في اتصال مباشر معه مساء الخير ، ويقال له في تلفزيون الجزيرة لايقولون مساء الخير للضيف ، وماهي سياسته البرامجية ، وماهو البرنامج الماستر الذي يعتمد عليه في جذب المشاهدين لشاشته ، وعلى أي أساس يتم اختيار شخص ليتعهد برنامجاً أو منصباً ، وعلى أي أساس يقصى شخص من برنامج أو منصب ، وكيف يدار هذا الجهاز العجيب الغريب .

منذ نشر مقالي الماضي عن التلفزيون وحتى الآن وشبكتي الموبايل يزيد ربحهما من شكاوى موظفين ومذيعين ومعدين اتصلوا بي ليخبروني بهمومهم وقصصهم التي لو كتبتها لحدثت أزمة أقلام في سورية ، ومن الطرف الآخر اتصل بي فتى التلفزيون الأول نضال زغبور ليستضيفني (على طريقة طعمي التم بتستحي العين) في برنامجه مدارات ويطلب مني اقتراح الضيف المقابل لي ، ومن بين كل حديثه لفت انتباهي كلامه عن الظاهرة الثقافية ممدوح عدوان ، الذي دعاه السيد زغبور للمشاركة في البرنامج فطلب ممدوح عدوان خمسين ألف ليرة استهجنها صاحب المدارات ، ورغم أن الادارة يمكنها الموافقة استثنائياً على المبلغ قرر السيد نضال زغبور عن سابق تصميم وترصد أن لايستضيفه لأن المثقف يجب أن لايتحدث بوسخ الدنيا ، في حين أن أية راقصة درجة ثالثة تتقاضى مثل هذا المبلغ دون أن يكون ذلك حدثاً استثنائياً في التلفزيون ، بل ويعتذر لها عن ضآلته .

أظن أن الندوة لو عقدت لن تكون مهمتها أكثر من مهمة كونسلتو يجتمع ليناقش ويحدد أسباب وفاة ميت ، وليس وصف علاجات لأنه في حالة تلفزيون الأستاذ معن حيدر مامن أمل مع متوفى ، ولذلك أقترح عليهم أن لا يعقدوها ، وأنا سأعطيهم حجة غير قابلة للدحض يردون بها على من يطالبهم بتطوير شاشتهم ، وهي بأن يقولوا بأن الشاشة السورية هي الوحيدة التي لا يستطيع أحد أن يسجل عليها عيوباً وهذه حقيقة وليست مزحة ، لأن الجمهور الذي تتوجه إليه مقسوم إلى فئتين ، الأولى هي فئة أصحاب الشاشة والمستفيدين منها وهؤلاء على قناعة كاملة بها يرونها كافية وافية جامعة مانعة ، والثانية هم الآخرون الذين لا يرونها أساساً ولذلك ليست لديهم أية ملاحظة عليها سوى أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمي !