من يفاوض حماس

من يفاوض حماس

د. مصطفى يوسف اللداوي *

لسنا ندري من هي الجهة صاحبة الحق ، ومالكة القرار التي يحق لها التفاوض والحوار مع حركة حماس ، ومن يمثل المفاوضون في القاهرة ، ومن هي مرجعيتهم وأين هي ، وهل يوجد شريك وطني فلسطيني يفاوض بمسؤولية ووطنية حركة حماس .

فحركة حماس تملك قرارها ، وتعرف طريقها ، وقد حددت أهدافها ، وعددت شروطها ، وهي تدرك ماذا تريد ، وإلى أين تمضي ، فهي حركة مسؤولة ومنظمة ، يذهب وفدها إلى القاهرة برئسٍ واحد ، ولهم صوتٌ واحد ، وموقف واحد ، وشروط واحدة ، ومهما اختلف الناطقون باسمها في القاهرة أو دمشق أو بيروت أو غزة ، فإنهم يصيغون ذات الموقف وإن جاءت بعباراتٍ مختلفة ، ولكنها عباراتٌ رصينة ، تدل على وحدة الموقف ، ووحدة الكلمة ، وإتفاق المحاورين والناطقين والموجهين وحتى المراقبين .

وتكاد تكون شروط حركة حماس ثابتةٌ لم تتغير ، فهي لا تغير مواقفها بعد كل لقاء ، ولا تتنكب لأي إتفاق ، ولا تعود إلى القاهرة بمواقف جديدة غير تلك التي أعلنت عنها سابقاً ، فهي حركة واضحة في مواقفها ، وهي لا تريد أن يطول عمر الانقسام بين شطري الوطن ، ولا تريد لهذا الإنقسام أن يتجذر ويتعمق ، وهي تريد احتراماً للشرعية والدستور ، وتقديراً لخيار الشعب وإرادته ، وهي تطمح للافراج عن كل المعتقلين والمحتجزين في سجون غزة ورام الله قبل المطالبة بالافراج عن السجناء والمعتقلين في سجون العدو الإسرائيلي ، وهي تريد حكومة وحدة وطنية ، يشارك فيها الجميع ، ويحترم الجميع سياستها ، وتسعى لإجراء انتخاباتٍ فلسطينية تشريعية ورئاسية وأخرى لتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني ، ولكن وفق قواعد ونظم تحقق العدالة والنزاهة والاحترام ، وهي تسعى إلى رفع الحصار عن قطاع غزة ، وتستعجل إعادة إعماره ، وترفض أن تربط رفع الحصار وإعادة الإعمار بأي شروطٍ أخرى ، وترفض أن تخضع لضغط الأطراف الأخرى كلها على جرح غزة .

ولحركة حماس مرجعيةٌ واحدة ، هي مؤسساتها الشورية والقيادية ، في الداخل والخارج ، ولا يوجد من يؤثر على قراراتها ، ومن يملي عليها مواقفها ، ولا توجد لها مرجعيات خارج حدود الوطن بحدوده الوطنية ، ولا تسمح حركة حماس لأيٍ كان بالتدخل في شؤونها الداخلية ، أو فرض مواقفَ عليها ، وإن كانت تستجيب للمستجدات ، وتتعاطى مع الواقع بمرونةٍ ويسر ، وطواعية ديناميكية تجعلها حركةً واقعية تعيش واقعها وظروف زمانها .

أما في الجانب الآخر من طاولة المفاوضات فإن الأمور غير واضحة ، بل هي مبهمةٌ وغامضة ، إذ لا توجد مرجعية وطنية واحدة للطرف الآخر الذي يفاوض ويحاور حركة حماس ، حيث تتعدد المواقف ، وتتناقض التصريحات ، ويتنابذ المحاورون أبناء الفريق الواحد ، ويتبادلون الاتهامات ، وينقلبون على المواقف ، ويتراجعون عن الاتفاقيات ، ويتنكرون لكل محاولات الاتفاق ، ويظهر على الفضائيات ناطقون مختلفون ، كلٌ يصرح باسم الوفد المحاور ، ولكنهم يحملون المتناقضات ، ويزرعون المتفجرات على طاولة المفاوضات ، فيفسدون كل محاولة للتفاهم ، ويتقلون كل فرصة للإتفاق .

وفجأةٌ تصدر مواقف من رام الله تنفي أي فرصة للإتفاق ، وهي مواقف مسؤولة ، تصدر عن رئاسة السلطة الفلسطينية ، أو عن ناطقٍ باسمها ، أو مستشارٍ لرئيسها ، وعندما أعلن عن أن يوم السابع من يوليو الجاري سيكون يوماً للحسم الوطني الفلسطيني ، وأن القاهرة ستشهد حفل توقيع على اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني ، برزت في القاهرة رسالة باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، تحذر بأن أي اتفاق في القاهرة مع حركة حماس لن يكون معبراً عن إرادة المنظمة ، وبدورها لن تعترف به ، ولن تصادق عليه ، فتم بهذا الموقف وأد الإتفاق ، وقتل الأمل الذي بدأ يكبر في صدور الفلسطينيين .

ألا يحق لنا أن نتساءل عن مرجعة الطرف الفلسطيني المفاوض الآخر في القاهرة ، وقد عرفنا أن مرجعية حركة حماس هي مؤسساتها الشورية والقيادية ، وأن أحداً لا يقوى على فرض شروطه عليها ، فهي حركةٌ مستقلة في قرارها ، حرة في مواقفها ، متحررة من أي قيد أو التزامٍ غير وطني ، ولكن من هي مرجعية وفد السلطة الفلسطينية المحاور ، أهي مرجعية فلسطينية وطنية ، وهل المفاوضون في القاهرة يمثلون السلطة الفلسطينية ، أم أنهم يمثلون حركة فتح ، أم أنهم يمثلون منظمة التحرير الفلسطينية بأطيافها السياسية ، أم أنهم يمثلون ذواتهم وأشخاصهم ، وكلٌ يعبر عن رأيه وموقفه فقط ، فهل هناك مؤسسة وطنية واحدة جامعة وحريصة هي التي تنسق وتنظم مواقفهم ، وتعبر عن أراءهم ، أم أن على وفد السلطة الفلسطينية المفاوض أن يشاور أو يراعي مواقف دولٍ أخرى ، دولية وإقليمية وحتى احتلالية ، وأن يخضع لشروطها وطلباتها وحاجاتها ، وإلا فبماذا يفسر إنقلاباتهم المستمرة على كل محاولة للإتفاق ، وبماذا يفسر قتلهم ووأدهم كل جولةٍ للحوار عندما تقوم أجهزة أمن رام الله باعتقال المئات من كوادر وأنصار حركة حماس .

بكل صدقٍ ومسؤولية هذا سؤال موجه لكل فلسطيني مواطنٍ ومسؤول ، عن مرجعية وفد السلطة الفلسطينية المفاوض في القاهرة ، بل عن وطنية المرجعية وفلسطينيتها ، ومن هو المسؤول عن فشل الحوار مرة تلو مرة ، وهل يستطيع شعبنا أن يصبر أكثر أمام ضبابية مرجعية وفد السلطة في القاهرة ، أم أنه سيكون له موقف ورأي آخر .

              

*كاتبٌ وباحثٌ فلسطيني