العرب والغرب إلى أين.؟ !

العرب والغرب إلى أين.؟ !

يحيى الصّوفي

تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة بين فرق عدة تنادي بالإصلاح وأخرى ترفض حتى السماع به تحت ذريعة الخوف على مورثنا الثقافي والديني من الضياع.؟ !

ولكي نستطيع إلقاء بعض الضوء من وجهة نظر محايدة على هذا الموضوع سألقي برفقتكم نفس النظرة إلى الغرب ولأبدأ معكم رحلتهم نحو التطور والذي بدأ بعصر النور ( عهد النهضة في ايطاليا) لماذا ايطاليا أولا وليس السويد على سبيل المثال ؟

بكل بساطة لأنها كانت الأقرب إلى الحضارات القديمة وعلى رأسها الحضارة العربية الإسلامية والتفاعل معها.

وبدأت نتيجة الحاجة لنفض غبار القيم القديمة المتحجرة في مطاردة الطبقة المتعلمة وسلطة الكنيسة وبداية فصل الدين عن الدولة وعبرت فترة استعمارية ظالمة لكل بلدان العالم وانتهت بحربين عالميتين بحجم اكبر الكوارث التي تمر بها الإنسانية وتمخضت عن ميلاد القوانين الدولية ورسم الحدود للدول الجديدة بالقلم والمسطرة وبما يخدم الدول المنتصرة في الحرب.

وقد لا أكون مبالغا كثيرا إذ قلت بان الغرب لازال ينظر إلينا إلى الآن كدول تابعة للمعسكر المهزوم بقيادة الدولة العثمانية المتحالفة مع النازية ولهذا يجري علينا ما جرى عليها من تقطيع وعقاب.

إذا نحن منذ البداية ضحية تحالفات خاطئة غير مسئولين عنها بقدر الكارثة والعقوبة التي لحقت بنا وهي تقسيم العالم العربي وزرع دولة إسرائيل.

نحن بلا شك وبطموحاتنا الوحدوية ونزعتنا نحو الاستقلال وحبنا لكي نلعب دورنا كأمة موحدة قوية تنعم بالحرية والرخاء والاستقلال وبجود دولة مصطنعة في خاصرتها تؤلم هذا الجسد العملاق كلما حاولنا التحرك خطوة إلى الأمام، قد حملنا وبإرادتنا الموجة الأولى من القيادات والزعامات العربية إلى سدة القيادة ؟ نعم أقولها وبصوت عال نحن من حمل إلى الواجهة تلك القيادات إلى السلطة وسلمناها الرقاب على أمل أن تحملنا مع أحلامها الوردية التي كانت تنثرها علينا بالرفاهية والاستقلال ودحر الجهل والتخلف والسيطرة الاستعمارية والسعي لمواكبة عصر الصناعة الحديث والحضارة الناشئة،.

ولو القينا نظرة بسيطة إلى الدول العربية والى تلك القيادات الوطنية التي حملت البلاد العربية نحو التنمية لوجدنا الفرق شاسعا بين التبعية للدول المنتصرة والخنوع لها وبين الدفاع عن الاستقلال وحماية ثروات ومكاسب الشعوب وتحقيق مكاسب لا يمكن لأي كان إلا الشهادة لها بما أنجزته وعلى كل الصعد (الصحية، التعليمية، الصناعية، الزراعية، التشريعية والثقافية، الخ ) كل حسب رقعته الجغرافية وثروته الوطنية وقربه أو بعده من بؤرة المشكلة المركزية وهي الصراع مع إسرائيل وما نتج عنها من حروب وهدر للثروات والطاقات وإيقاعنا مرة أخرى في فخ التحالفات الخاطئة (المعسكر الشيوعي) لنجد أنفسنا بعد سقوطه رهينة للعقاب والاستغلال والنهب والتقسيم مرة ثانية هذا إذا أضفنا الكارثة الكبرى التي وقعنا ضحيتها وهي سرقة المكاسب الشعبية بعد الاستقلال وسرقة إنجازاتهم وثوراتهم وثرواتهم من قلة لازالت تعبث بمصير الأمة تحت ستار الدفاع عنها. ؟

 

ما العمل؟هل نلغي كل ما قامت به الدول العربية منذ الاستقلال ونقلب الطاولة لنخرب كل ما بنته الشعوب العربية بجهدها وأموالها تحت حجة التغير ؟

أم نصحح بهدوء بعد أن اتيحت لنا الفرصة في ذلك بعد سقوط الأقطاب ودخول العالم من بوابة النظرة الشمولية والقطب الواحد للحضارة الحديثة. !

أم نبدأ من جديد في خلق أقطاب جديدة وتحالفات جديدة تقودها دول إسلامية ناشئة حديثا تسعى لكي تحتمي بنا تحت ستار الدفاع عن الثقافة الإسلامية حتى إذا ما انتهت إلى الصلح مع الغرب وأخذت ما تحتاجه منه رمتنا رمية الكلاب الجرباء التي لا نفع منها.؟؟؟ !!!

وهل وصلنا حقا إلى درجة من النضج والوعي الثقافي والسياسي حتى لا نقع مرة ثانية بفخ اللعب على العواطف والموروثات الثقافية والدينية للشعوب العربية ( الم تلاحظون هذه الهجمة الشرسة من قبل بعض الدول الإسلامية الكبرى على العالم العربي وتحريضهم لنا من خلال منظمة الدول الإسلامية للوقوف ضد الغرب ومشاريعهم المشبوهة في الإصلاح.؟ ) ومنذ متى تهتم تلك الدول على مصالحنا وتخاف على ثقافتنا وتراثنا وهم أول اللاهثين خلف الغرب والساعين لتطبق أنظمتهم العلمانية، وكانوا أول المتحالفين ضد مصالحنا وتطورنا واستقلالنا بدعمهم المطلق لإسرائيل منذ تأسيسها.؟؟؟ !!!

القوا نظرة بسيطة إلى ما يحاك في السودان منذ عشرات السنين لندرك حجم المخاطر التي تنتظرنا ولنتعلم بان أفقر وأتعس دولة في العالم تجاورنا بالحدود لو استطاعت وواتها الفرصة أن تنهش بنا وتمزقنا وتستولي على ثرواتنا لما تأخرت في ذلك.؟!

فالخطر لا يكمن بالدول المعروفة لنا بالاستعمار القديم أو الحديث فحسب بل بتلك الدول الصغيرة الفقيرة القابعة في هدوء تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض علينا مع رصيدها الهائل من الكره والإلحاد أيضا. ؟!

 

الم يحن الوقت بعد للتصالح مع أنفسنا والتحالف بين الشعوب وقياداتها لكي نبني أوطاننا بالتسامح والخلق الكريم الذي عرفنا به على مر العصور وهو جزء من كياننا وشخصيتنا ( كنتم خير امة أخرجت للناس )

الم يحن الوقت بعد لنفض غبار الخوف من الغرب والذي هو نتاج تفاعل حضاري مع حضارتنا العربية الإسلامية وامتداد لها شئنا أم أبينا وهم اقرب الناس إلينا عرقيا ودينيا وثقافيا من الهند والصين وأفريقيا الملحدون والذين يتسربون بهدوء عبر عمالتهم الوافدة وتقاليدهم وخلقهم التي تشجع على الأفيون والجنس وتعتبرهم جزء من ثقافتهم.؟؟؟ !!!

ولماذا هذا الخوف الذي يسيطر علينا من الغرب ولدينا تجربة معه عمرها عمر البشرية في المد والجذر الحضاري فكنا نأخذ منهم ونتأثر بهم ويأخذون عنا ويتأثرون بنا .؟!

لماذا هذا الخوف على اللغة وقد كنا منذ أن خلقت الحضارة نأخذ منهم ونضيف دون حرج أو تبعية وهم لازالوا إلى الآن يأخذون منا بمنتهى الفرح والافتخار ( انظروا الإضافات الجديدة السنوية على قواميسهم اللغوية)

لماذا بعد أن جربنا الرفض لخمسين عاما مضت لا نجرب التعاون والتبادل فنغلبهم بحجتهم ونغزوهم بما تعلمناه عنهم بأخلاقنا وتراثنا وثقافتنا الحميدة السمحة فنحول دعوتهم للرزيلة تحت ستار الحرية إلى عفة تحت ستار الحماية، ونحول دعوتهم للفوضى والاستغلال تحت ستار الديمقراطية إلى تهذيب للمشاعر وعدالة تحت ستار احترام الحقوق، وبدلا من أن تتحول بلادنا كمكب لنفاياتهم الثقافية (التي نسعى نحن وبكل قوة لاستجلابها كما نستجلب ثيابهم البالية) نحولها إلى مستقطب للعلوم والبحوث والدراسات بتفعيلنا للثقة التي غابت عنا وإبعاد الخوف المتأصل في النفوس من هذا النمر المصنوع من ورق والذي أسميناه الغرب.؟؟؟ !!!

 

وأخيرا لا يصح إلا الصحيح والغلبة دائما للحق ولا شيء يخيفنا إلا بما ملكته نفوسنا من وهم والعبرة في البلدان العربية القليلة جدا التي حوت التنوع الثقافي والتفاعل مع الغرب (منها لبنان) وكيف كانت الوحيدة في العالم العربي منارة للفكر الحر وللحرية وغزت بمفكريها وكتابها الغرب ودافعت عن ثقافة العرب وفنونهم وأخلاقهم أكثر بكثير مما فعله العرب جميعا في ذلك.؟؟؟ !!!

فهل نترك هذه الفرصة الجديدة السانحة في التغير نحو الحرية والتطور الذي نبحث عنه والتي بدأت تظهر بوادره الحميدة الخجلة هنا وهناك فنعمل على تشجيعها أم نقلب الطاولة راس على عقب ونغط قرنا آخر في الجهل والتخلف والظلم والظلام والاقتتال تحت ستار الخوف على مورثنا الثقافي ( لندع كل ذو موهبة لما وهب له فمن شاء البغي يعثر على شاكلته ومن سعى للخير يجد مثله ومن يبحث عن العلم ففي الغرب منه الكثير ومن يبحث عن الضلالة والفسق فعندهم على أنواعه، ولتتكشف الوجوه على حقيقتها ولتنزع الأقنعة التي تخفي خلفها ما يناقضها، فيعمل بالنهار من كان الظلام يساعده على التخفي بفعله وتتكشف الحقائق وتسمى الأسماء بمسمياتها). ؟؟؟ !!!

وأنا في الحقيقة لا أجد أي داعي للخوف على مخزوننا الثقافي والأدبي والديني ولا على العادات والتقاليد فما لم يستطع الاستعمار العثماني للبلاد العربية مدة أربعة قرون والاستعمار الفرنسي للجزائر لأكثر من مئة عام وقبلها الرومان والفرس لن يعيبه خوض تجربة هو حر فيها في التلقي ولننظر إلى الدول الأوروبية المتوسطية والتي رغم تواجدها في قلب الغرب وتعتبر إحدى صانعي ثقافته( اليونان، ايطاليا، أسبانيا، البرتغال، وأجزاء من فرنسا ) لازالت إلى الآن محافظة على ارثها ودينها وعاداتها وتقاليدها وهي دوما مدعاة للإعجاب من قبل الدول الأخرى.؟؟؟ !!!

 وليس أكثر عبرة من المثل الصيني الذي يقول ( أضيء شمعة بدلا من أن تلعن الظلام).