قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (4)
قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (4)
د.محمد بسام يوسف
(14)
صراع الإرادة ، ما بين العدوّ الصهيونيّ والمقاومة الإسلامية
الاجتياح الصهيونيّ للأراضي الفلسطينية، يهدف إلى إرضاء الشارع الصهيوني وتحقيق إنجازاتٍ على الأرض، تشكّل أوراقاً ضاغطةً بيد العدوّ فيما لو ذهب العالَم إلى خطواتٍ أبعد من مجرّد تأييد ما سُمي بمبادرات السلام مثل المبادرة السعودية (العربية)، كممارسة بعض الضغط عليه لقبول مبدأ العودة إلى ما يُسمى بعملية السلام، وسيستمر الصهاينة بمذابحهم وهمجيّتهم وعدوانهم، حتى يتأكدوا من كسر شوكة المقاومة، ولا يُستبعَد قيام حربٍ شاملةٍ مدروسة الأهداف والنتائج، لسحق ما تبقى من قوةٍ عربية، وإقناع الشعوب العربية والإسلامية بالسلام المخزي مع اليهود !.. ما يمهّد الطريق للعودة إلى الطاولة المستديرة !..
وحدها العمليات الفدائية الفلسطينية، ستكسِر عصا شارون الغليظة، لأنها تعبّر عن إرادة شعبٍ يتوق إلى الحرية والتحرير، وإرادة الشعوب المستمدّة من إرادة الله عز وجل لا يمكن أن تُقهَر، فالهزيمة المنكرة ستكون من نصيب الغاصب المحتل طال الزمن أم قصر، والحرب هي حرب إراداتٍ وليست حرب طائراتٍ ودبّابات .. أما الخروج من هذا المأزق فسيتم على كل حال، بإنهاء الاحتلال والظلم الصهيوني رغماً عن الصهاينة !..
(15)
المبادرة السعودية (العربية) لما يسمى بالسلام مع العدوّ الصهيونيّ والتطبيع معه
إسرائيل كيان دخيل صنّعه الغرب وزرعه في أرض فلسطين العربية، وتأسّس على أنقاض شعبٍ عربيٍ مسلمٍ هو الشعب الفلسطينيّ، الذي اقتُلِعَ من أرضه ووطنه بالقوّة، واقتُرِفَت بحقه مختلف أنواع الجرائم والإرهاب والتهجير القسريّ، وفلسطين كلها من النهر إلى البحر أرض عربية إسلامية، لا يجوز لأحدٍ أن يتنازل عن أي جزءٍ منها، تحت أي ذريعةٍ كانت، وهذا الأمر غير خاضعٍ للمناورات السياسية، فهو حق أمةٍ وشعب، والتاريخ لن يرحم أولئك الذين يتلاعبون بثوابت الأمّة الإسلامية ويناورون عليها، ظانّين أنهم يُحرِجون بذلك عدوّهم، فهذا العدو الصهيونيّ دخيل محتلّ قَدِمَ من وراء البحار غاصباً للأرض والوطن، وأي اعترافٍ به أو تطبيعٍ معه هو خرق لثوابت الأمة، وبالتالي نصر لذلك العدو الدخيل .. وعلى هذا فما سُمي بالمبادرة السعودية ثم العربية للتطبيع مع اليهود المغتصِبين لفلسطين، يشكّل صك براءةٍ للعدو الصهيونيّ الغاصب، وهي مبادرة لا تقل خطورةً عن (وعد بلفور) المشؤوم، وتعبّر عن هزيمةٍ داخليةٍ لحكام العرب والمسلمين نتمنى ألا تستمرّ، وعلى حكّامنا أن يعلموا أنّ الحق حق والباطل باطل، مهما طال الزمن، وأنّ الحق سينتصر ولو بعد حين، فليرفعوا رؤوسهم بحقّهم، وليعملوا على استرداده بعيداً عن الرهبة من عدوّهم وحلفائه، وبعيداً عن أساليب المناورات المكشوفة والمبادرات العقيمة !..
(16)
تفسيرات المبادرة العربية للسلام مع اليهود، ما بين الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها
(كفانا حروباً وأنهار دماء، فلنبحث عن صيغةٍ للتعايش مع اليهود) !.. بهذا المنطق يبرّرون تفريطهم بقضيتنا العربية والإسلامية الأولى !.. متجاهلين أنّ هذه الحروب مفروضة على الفلسطينيين والعرب من عدوهم الغاصب، بعدوانه وبطشه الذي لن يتوقّف، وأنّ الدماء لا تُهدر من أجل الإهدار، فهي ثمن التحرير والكرامة والحرية، فهل يحصل تحرير من غير دماءٍ وتضحيات ؟!..
إسرائيل هي كيان مصطنع دخيل على منطقتنا العربية، زُرِعَ بيدٍ بريطانيةٍ وغربيةٍ كانت تحتل وطننا العربيّ، وفلسطين من النهر إلى البحر أرض عربية إسلامية محتلة، وأي اعترافٍ سياسيٍ بإسرائيل (أمراً واقعاً) هو تنازل عن الحقوق العربية، ومكافأة للغاصب المحتل وحلفائه الذين صنّعوه وزرعوه في قلب الوطن العربيّ، ليكون عامل تجزئةٍ واضطرابٍ وقلقٍ مستمرٍ فيه .. فالذين يتحدّثون عن الاعتراف السياسيّ بإسرائيل إنما يُعلنون بذلك هزيمةً عربية، أما الذين يتحدّثون عن التطبيع مع اليهود المحتلّين، فهم يرفعون بذلك راياتهم البيضاء، مستسلمين للواقع الطارئ ولحالة الضعف التي صنعوها بأيديهم !.. وعلى الأنظمة العربية أن تعيد النظر في سياسات الاستخذاء التي تنتهجها، في الوقت الذي يعاني فيه الشعب العربيّ الفلسطينيّ المسلم من عمليات الاستئصال والفتك والذبح، على أيدي الذين تنشد تلك الأنظمة الاعتراف بها أو التطبيع معها !.. العرب ليسوا بحاجةٍ لا إلى الاعتراف السياسيّ بإسرائيل، ولا إلى التطبيع معها .. فهم بحاجةٍ وحسب .. للاقتداء بأطفال فلسطين ونَهجهم المجدي في مقاومة المحتلّ الغاصب الظالم السفّاح، والتاريخ سيسجّل كل المواقف: العزيزة الكريمة، أو المفرّطة المستخذية المستكينة !..
إذا داهمك لص في بيتك، ثم قتل زوجتك، ونكّل بأطفالك قبل أن يسحقهم .. وطردك من البيت الذي هو بيتك، فماذا تفعل (إذا كنت إنساناً طبيعياً وليس شاذاً) ؟!.. هل تقوم بالتفاوض معه، ثم التفاوض والتفاوض، للوصول إلى حقك ؟!.. أم أنك تعترف للصّ بأن بيتك أصبح بيته، لأنك غير قادرٍ على الوصول إلى حقك بسبب أنك ضعيف لا تملك سوى الخضوع، ولم تعد لك كرامة أو عزة من تلك التي تُخلَق عادةً مع البشر ؟!.. أم تتذلل إلى ذلك المجرم اللص ليمنحك جزءاً من بيتك، وبعضاً من قطع الأثاث التي هي في الأصل من أملاكك ؟!.. مقابل أن يقبل إقامة كل أشكال العلاقات معك، ويُبقي لك على ثيابك التي ترتديها فلا يسرقها منك، فضلاً عن أن يُبقيَ على حياتك ؟!..
هذا ما يفعله العرب الآن مع الكيان الصهيونيّ المحتل الغاصب، بمن فيهم أولئك الذين يروّجون لفكرة تشكيل تكتّلٍ اقتصاديٍ قويٍ، مع مَن ؟!.. مع اللص الذي اغتصب أرضهم وقتل أطفالهم واقتلع شعبهم من أرضه ووطنه !..
إذن : لا مساومة مع اللص الصهيونيّ الغاصب، ولا اعتراف به ولا تطبيع معه، فلكل أمّةٍ ثوابت يجب عدم تجاوزها أو التحايل عليها أو مصادرة حق الأجيال القادمة في تحرير أرضها !.. أما الذين يتحدثون عن المنطق والموضوعية والواقعية والمبادرات الذكية، فماذا لو وفّروا دموعهم وواقعيّتهم وذكاءهم ؟!.. وماذا سيقولون لأولئك الذين ما يزالون يحتفظون بمفاتيح بيوتهم، وبمستندات ملكية أراضيهم المحتلة في عكا ويافا وتل أبيب وحيفا والجليل و..؟!.. وماذا سيقولون لكل قطرة دمٍ سُفِكَت في دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا وقانا والجولان وسيناء وغزة والضفة والقدس و.. و..؟!.. وماذا سيقولون لكل فتاةٍ انتهك اليهود شرفها أمام أعينهم وأعين أصحاب نظريات الظلم والتطبيع والاعتراف بالغاصب المحتل والواقعية والموضوعية والتكتلات الاقتصادية ؟!
على الذين يتحدثون عن قوة إسرائيل الجبّارة، أن يتذكّروا أنهم ينتمون إلى خير أمةٍ أُخرِجَت للناس، تملك أكثر من نصف ثروات العالم، وأفضل موقعٍ استراتيجي، وأهم قوةٍ بشرية، ولو أرادوا لركع العالم أمام أعتابهم، مستجدياً منهم حلّ قضيّتهم !.. لكنهم يصنعون ذلّهم بأيديهم، باسم الواقعية والموضوعية والمنطق والذكاء الخارق، فتباً لهم أنّى يؤفَكون !..
يتبع إن شاء الله