واجب الوقت لدى السياسيين الكرد السوريين

محمد أحمد الكردي*

[email protected]

بشكل شبه يومي تردنا إلى الموقع مقالات وموضوعات بقصد النشر، مذيّلة بأسماء معروفة أو وهمية، لكتّاب مشهورين، أو مغمورين، أو أنصاف كتّاب وأرباعهم، وربما بأسماء خلّبية مدفوعة من جهات مشبوهة، مضامينها الرئيسية النيل من الحزب الفلاني الكردي، أو اتهام الشخصية الكردية أو الوطنية المرموقة الفلانية، أو تخوين (زيد) أو إلصاق تهمة العمالة بـ(عبيد)... فنتجاهل هذه الموضوعات، وربما أرسلنا لبعض كاتبيها رأينا الذي ألزمنا أنفسنا به منذ انطلاق الموقع، وهو أن هذا المنبر الإعلامي وُجِدَ ليكون أداة تجميع لا تفريق للكرد أولاً وللسوريين ثانياً، فقد كفانا تشرذماً وتفرقاً وضياعاً في متاهات التخوين والاتهام بالعمالة للجهة الفلانية أو العلانية، أو تصنيفاً لبعضنا ضمن الطابور الخامس أو...، وكأن قدَرَ الكرد أن يعيشوا كالنار التي يأكل بعضُها بعضاً، إلى أن تفنى وتُفنِي نفسَها بنفسها!! ولو أننا نشرنا كل ما هبّ ودبّ على الموقع لتحوّل إلى حبال غسيل وسِخٍ قذِر ذي ألوان متداخلة وروائح كريهة منفِّرة، تشمئزّ النفوس الكريمة من النظر إليه، وفي سبيل ماذا؟ في سبيل إشباع رغبة الانتقام لدى (س)، أو رغبة التشفي لدى (ص)، والنتيجة النهائية هي المساهمة الأكيدة في الذهاب بالقضية الكردية بعيداً عن سكّتها وعدالتها، التي تنتظر من أبنائها إبرازها بأعدل ما تكون وأنصع وجه، وطرح الحلول العملية السليمة لها.

أيها الكرد السوريون سياسيين وحزبيين وكُتّابا وهواة كتابة: ألم يحن الوقت لأن نوجّه كل طاقاتنا نحو قضايانا المصيرية؟ إلى متى نبقى نأكل بعضنا ونضعِف مجموعنا ونشمِت بنا عدوّنا ونتسبب في تأخير معالجة قضايانا التي لم تعد تحتمل التأجيل؟

هل فكرتم بمعاناة إخوانكم القابعين في السجون الأسدية، الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي في تلك السجون التي فاقت في عددها المدارس والمستشفيات والمصانع والحدائق مجتمعة في مناطقكم المنكوبة؟

هل تناهى إلى أسماعكم الكريمة ما يعانيه مئات الآلاف من إخوانكم المجردين من جنسيتهم، منذ نحو نصف قرن، وظروف  حياتهم البئيسة في الخيام الممزقة على أطراف المدن، الذين لا يجدون ما يسدّ رمقهم إلا ما تجود به حاويات القمامة؟ هل شغّلتم تفكيركم قليلاً في ذلك المستقبل الذي ينتظرهم وينتظر أولادهم؟ هلاّ وضع أحدُنا نفسه مكانهم ولو في عالم الأحلام والتخيلات، والأمور التي تشغل بالهم والأحلام التي تدغدغ عواطفهم، لنرى ما إذا كنا فعلاً نلامس في كتاباتنا وطروحاتنا واقعهم وما ينبغي أن يكون عليه غدهم، أو أننا نزيد في معاناتهم ونعمّقها؟! وهل جرت دراسات معمقة للنتائج الكارثية المترتبة على المرسوم "المشؤوم" ذي الرقم 49 لعام 2008م، الذي يشل الحياة الاقتصادية في المناطق الكردية، دون المناطق الحدودية في بقية أنحاء سورية؟ وإلى متى سيستمر العمل به؟ وكيف السبيل إلى إلغائه؟ وهل يأتي هذا المرسوم بالرقم 49 مصادفة؟ أم أن ترقيمه جاء مقصوداً هكذا ليذكّر الناس بالقانون 49 لعام 1980م الذي يحكم بالإعدام على كل متهم بالانتساب لجماعة الإخوان المسلمين، كما يحكم هذا المرسوم على حياة الكرد بالإعدام البطيء!! 

هل اطلع أحدكم على ما جاء في رواية" تدمر... السجان رهيب والسجن أرهب"، ورواية"القوقعة" التي تحكي جزءاً بسيطاً مما يحصل خلف الجدران في زنازين آل أسد المفتقرة إلى أبسط متطلبات السجون والمعتقلات في القرن الحادي والعشرين؟

هل قرأتم تصريحات بشار قبل نحو  مدة، ويدعو فيها إلى التعاون بين سورية وكل من تركيا والعراق وإيران؟ هل سألنا أنفسنا لِمَ هذه الدعوة؟ وما الهدف منها؟

هل اتفق الساسة الكرد السوريون على المستقبل الذي ينشدونه للشعب الكردي في سورية؟ أم أن هذا الأمر لا يهمّهم؟ هل فكرنا في وضع الخطط الاقتصادية والتنموية والتربوية التي سنعتمدها في حال جرت تلبية المطالب الكردية؟ وكيف ستكون العلاقة بين مختلف الاتجاهات والمشارب الكردية؟ هل سيقبلون بالتعايش السلمي والمنافسة الشريفة بين بعضهم بعضاً؟ أم أن أساليبهم وسياساتهم التي نراها في الوقت الحاضر ستأخذ أقصى مداها، وبالتالي سيفني بعضهم بعضاً؟

لنفترض أن النظام الحاكم في دمشق قد غيّر جلده وما فوقه وما تحته وقال تعالوا يا أيها الكرد السوريون واطرحوا مطالبكم والحقوق التي تريدون... هل عند أحد تفويض من باقي الكرد السوريين بالحديث في هذا الشأن المصيري؟ هل عنده تصور في كيفية حل مشكلة المجردين من الجنسية؟ هل يتوقف الأمر عند إصدار مرسوم بإعادة الجنسية للمجردين منها؟ كيف السبيل إلى تجاوز الذيول الناجمة عن فقدانهم لممتلكاتهم وأراضيهم وما كانوا يملكون؟ هل يرضون بالتعويض المالي؟ وبأسعار اليوم أم أمس؟ ولنفترض جدلاً أن الحكومة قد أصرّت على تعويضهم بالمال، وقالت لهم: إن لكم الحق في أن تشتروا مقابل ما فقدتموه في مناطق أخرى داخلية وليس داخل المناطق الكردية. ما الموقف حينذاك؟ ومن المخوّل باتخاذه؟

ما الأطر والأسس التي يجب  أن تضم أحرار سورية، على مختلف انتماءاتهم وأحزابهم، على طريق تفعيل المعارضة البنّاءة والمؤثّرة للنظام الحاكم في دمشق، التي من شأنها إرغام هذا الشعب على تحقيق المطالب الحقة والعادلة للشعب السوري؟

إن واجب الوقت، أو قل المسألة الملحة لدى السياسيين الكرد السوريين، التي يجب أن تحتل مقدمة الأولويات، في هذا الوقت وخلال المرحلة القادمة هي الانصراف إلى البحث والتفكير وتقديم الحلول والمقترحات المعقولة والمنطقية والسليمة الممكنة للإشكاليات والتحديات التي أشرنا إلى بعضها، ولدى كل منا حزمة منها أو من غيرها، بدلاً من تبديد الجهود والطاقات في نشر غسيل بعضنا بعضاً، بحق أو باطل، وبالنتيجة توهين نفسية أبناء شعبنا الذين ينتظرون من زعمائه والمتنوّرين فيهم رسم غد أفضل، دون الالتفات إلى المثبّطين والمعوّقين وواضعي العصيّ في العجلات.

فما حصل خلال المراحل الماضية كاف لأخذ العبرة، والعاقل من اتّعظ بغيره، والأحمق من اتعظ بنفسه، والأشد حمقاً من لم يتعظ، لا بغيره، ولا بنفسه، ونعوذ بالله أن نكون من الصنفين الآخرين."وقل اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم.

              

*نائب المشرف على موقع syriakurds.com