قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (3)
قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (3)
د.محمد بسام يوسف
(10)
عَسكرة انتفاضة الأقصى المبارك .. هل أضرّت بالقضية الفلسطينية ؟!..
يصرّ هراطقة الإعلام الغربيّ وأبواقه التي يحمل بعضها الجنسية العربية، على أنّ دخول الانتفاضة الفلسطينية المباركة في طور المقاومة العسكرية، هو من أفدح الأخطار على القضية الفلسطينية، وعلى مستقبل الشعب الفلسطينيّ!.. وهم بذلك يريدون لهذا الشعب المجاهد، أن يستسلم لعدوّه الذي يستخدم بحق المسلمين كل أنواع الجرائم، من خلال العمليات العسكرية الإجرامية حصراً .. يريد مشعوذو أميركة وحلفاؤها الغربيون والعرب، أن ينتزعوا حتى الحجر، من يد طفلٍ قتل المجرمون اليهود أمه وأباه وأشقاءه وشقيقاته!.. يريدون لدبّابة (ميركافا) الصهيونية، أن تهرس أجساد النساء والشيوخ والأطفال وهم يبتسمون لها ويرحّبون بها!.. يريدون للجرّافات الصهيونية المدرّعة التي تهدم البيوت الفلسطينية فوق رؤوس أصحابها .. أن تُقذَفَ بالأوراد والرياحين وأغصان الزيتون!.. هكذا يريدون، حرصاً على سلامة الشعب الفلسطينيّ وأمنه كما يزعمون!.. ولكنّ الله يريد أمراً آخر :
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ..) (البقرة:من الآية191).
ثم هل تحرير الأوطان يتم بالخطابات، والنضال التلفزيوني والإذاعي، وبيانات الاستنكار والإدانة والاستغاثة والتنديد، ومبادرات التوسّل المتتابعة العقيمة ؟!.. تحرير الأرض التي اغتُصِبَت بالقوّة لا يتم إلا بالقوّة، والتحرير والحرية لا يُصنَعان من غير تضحياتٍ جسيمة!..
الخطوات السياسية وأوسلو التي أُتخمت بالاتفاقيات والمعاهدات، فضلاً عن (متاهة الطريق).. جلبت الكوارث ولم تجلب الحرية ولا التحرير إلى الفلسطينيين، لقد جلبت تلك الاتفاقيات الخزي والمراوغات والدمار الذي نشهده اليوم للشعب الفلسطيني المجاهد .. أوسلو لم تنجب إلا سماسرة التفريط المذهل بقضية المسلمين الأولى!.. لهذا فإنّ التعبير الشعبيّ السلميّ المجرّد من القوّة العسكرية لا يزيل احتلالاً، ولا يدفع ظلماً، ولا يكسر شوكة عدوّ .. فما العمل ؟!.. الجواب سيبقى عند حماس والجهاد والأقصى وحركات المقاومة الشريفة المسلّحة للغاصب المحتل!..
(11)
هكذا يزعمون : العمليات الفدائية الاستشهادية .. انتحارية !..
تستمرّ وسائل الإعلام الغربية وبعض حليفاتها العربية أو بالأحرى الناطقة بالعربية.. تستمرّ بمحاولاتٍ محمومةٍ لغسل أدمغة الشعوب المسلمة بوسائل شتّى .. بأنّ العمليات الفدائية للمقاومة الفلسطينية هي عمليات انتحارية، يقوم بها بعض الشباب الذين يئسوا من الحياة، فقرّروا إنهاء حياتهم بهذه الطريقة!.. وكم شعرتُ بالاشمئزاز من أحد برامج إذاعة لندن (البي بي سي)، التي تتولّى كِبر هذه الحملة النفسية على المسلمين، وتُجري خلال هذا البرنامج، الندوات والحوارات مع بعض الشخصيات المحسوبة على الإسلام والمسلمين، ومع بعض الأطباء النفسيين العرب، لتحليل ظاهرة العمليات الاستشهادية التي يعتبرونها عملياتٍ (انتحارية)، ولاقتراح كيفية معالجة ظروفها من الناحية النفسية، باعتبار أنّ مَن ينفّذون تلك العمليات ضد اليهود، يُعانون من خللٍ نفسيٍ يتطلّب العلاج، وما إلى ذلك من الهرطقة الفارغة التي يتشدّق بها أولئك الذين كفروا بالله ورسوله، وانسلخوا عن أمّتهم، وتحوّلوا إلى صدىً للأبواق اليهودية الصهيونية الغربية!.. وفي واقع الأمر .. فإنّ أولئك المتشدّقين، هم الذين يُعانون من الأمراض النفسية المتعدّدة التي تستحقّ الدراسة والتحليل والعلاج، ليعودوا أصحّاء نفسياً وأسوياء عقلياً، فيدركوا معنى المقاومة والحرية والتحرير وحقوق الإنسان الذي احتُلَّت أرضه وانتُهِكَت كرامته وإنسانيته!..
العمليات الفدائية العسكرية هي عمليات استشهادية وليست انتحارية، يقوم بها مجاهدون في سبيل الله، وصلوا إلى درجةٍ من الإيمان به عز وجل، تؤهّلهم للتضحية بأغلى ما يملكون في سبيله، وفي سبيل تحرير أرضهم وعِرضهم وكرامة شعبهم، وهم إذ يفعلون ذلك فلأنهم يهدفون إلى تحرير وطنهم المحتلّ المغتصَب بالوسيلة التي يملكونها، فلا أحد منهم يموت من أجل الموت!.. وذلك بعد أن تحوّلت جيوش العرب والمسلمين إلى حامياتٍ للأنظمة وحسب، وتحوّل السلاح العربيّ إلى خردةٍ صدِئة لا تظهر إلا في الاستعراضات العسكرية السنوية لإرهاب الشعوب العربية والإسلامية!..
الاستشهاديّ مجاهد مؤمن بالله وبالدار الآخرة، ويسعى إلى الفردوس الأعلى من الجنة!.. بينما المنتَحِر مصيره إلى جهنّم لأنه اعتدى على حياته يأساً وإحباطاً وقنوطاً من رحمة الله .. فشتّان ما بين الأبيض والأسود، وما بين الإيمان والكفر، وما بين السموّ والسقوط .. أفلا يعقِلون ؟!..
(12)
أُحْجِية : أميركة عرّاب السلام (النـزيه) في الشرق الأوسط !..
يحاول الساسة الغربيون وأصدقاؤهم الأعزّاء من الناطقين بالعربية، إقناع الشعوب الإسلامية منذ أكثر من عشرين عاماً، بأنّ أوراق الحل للقضية الفلسطينية كلها، موجودة في جعبة الولايات المتحدة الأميركية وحسب، وليس من سبيلٍ لتحصيل الحقوق وطرد الصهاينة المحتلّين من فلسطين إلا عن طريق (واشنطن)!.. وقد أثبتت الأحداث وبرهنت الوقائع، بأنّ هؤلاء الساسة يعيشون خارج التاريخ والجغرافية!.. ومن المفيد هنا أن نذكر بأن الرئيس الأميركي الحالي (بوش)، يصلح لأن يكون رئيساً للوزراء في إسرائيل، فربما هو متحمّس لتحقيق حلم الصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم!..
إنّ (بوش) وإدارته الغاشمة، ارتكبوا في أفغانستان والعراق جرائم، بحجم جرائم إسرائيل في فلسطين إن لم تكن بحجمٍ أكبر، وأميركة لها تاريخ عريق بانتهاك حقوق الإنسان، وبالنـزعة العدوانية الشريرة ضد الشعوب، وكل إنسانٍ يعرف ماذا ارتكبت أميركة من جرائم فظيعةٍ مروّعةٍ في فيتنام وهيروشيما وناغازاكي .. فضلاً عن أفغانستان والعراق .. وغيرها من المناطق في العالَم!.. ما نودّ قوله : إنّ أميركة بزعامة (بوش) هي حليف استراتيجيّ لإسرائيل، وشريك حقيقيّ كامل لها، وكل تصريحات زعمائها وتحرّكاتهم المزيّفة لإحقاق الحق أو السلام لمنطقتنا، هي بقصد التغطية على الجرائم الصهيونية وحسب، وكل ما حدث ويحدث وسيحدث مستقبلاً من انتهاكاتٍ وجرائم، ستتحمّل أميركة قبل إسرائيل مسؤوليته الكاملة، وسيأتي اليوم الذي تُحَاسَب فيه على جرائمها واستخفافها بشعوب العالَم وخاصةً بالمسلمين، وعلى الشعب الأميركيّ أن يدرك ذلك، ويعمل على تصحيح المسار الإجراميّ الظالم الغاشم لإداراته قبل فوات الأوان، ولات ساعة مندم!..
(13)
هل انتهت عملية السلام ؟!..
من حينٍ إلى آخر، يحاول أركان الحرب النفسية على المسلمين، ممارسة عمليات الإلهاء والتضليل، فبعد أن زعموا أنّ أميركة والغرب سيحققون السلام للمنطقة العربية، وبعد مرور السنوات الطويلة على ذلك الزعم، نراهم يسألون في كل مناسبة : هل انتهت عملية السلام ؟!.. ثم يصوّرون لنا أنّ الكيان الصهيونيّ منقسم على نفسه ما بين مؤيّدٍ لتحقيق السلام ومعارِضٍ له، وكذلك تنقسم الإدارة الأميركية على نفسها، بشأن ذلك السلام المزعوم الموهوم!.. فهل هناك عملية سلامٍ حقيقيةٍ أصلاً ؟!..
إن كل ما يُروَّج له منذ أكثر من عشر سنوات، ليس إلا محاولاتٍ صهيونيةً أميركيةً غربيةً لحماية الكيان الصهيونيّ، ثم لتحقيق الأمن له، ونفخ الروح فيه ليستمرّ أطول مدةٍ ممكنةٍ في خدمة مصالح اليهود والعالم الغربيّ، وهل ننسى أنّ إسرائيل صناعة غربية ؟!.. والمسلمون ليسوا بعيدين عن مواقف الراعي (غير النـزيه) لهذه المهزلة الكبرى: السلام، وانحيازه السافر ودعمه الوقح لعدوان المحتل الهمجيّ الغاشم، الذي يرتكب بحق الشعب الفلسطينيّ أقذر الجرائم!.. ونعتقد أن استمرار هذا التحيّز الفاضح السافر للعدوان الصهيونيّ، فضلاً عن العدوان الأميركي المباشر على العالَم الإسلاميّ، وخاصةً على العراق وأفغانستان حالياً .. سيجلب على الغرب المؤيد لظلم الصهاينة، وعلى أميركة بشكلٍ خاص .. الكوارث والمصائب!.. وأما عن الحكومة الصهيونية وانقساماتها، وعن الإدارة الأميركية وانقساماتها المزعومة .. فالعرب والمسلمون ليسوا معنيين بهذه الترّهات والخزعبلات، فأولئك يختلفون على أسلوب ذبح الشعب الفلسطينيّ وحسب، ومن يملك من القيادات الفلسطينية الخطة الأفضل للقيام بمهمة تصفية القضية الفلسطينية، هو الذي يتم اختياره من قبل الغرب وأميركة خاصةً، ليحظى بالدعم والمباركة والتأييد غير المحدود !..
إنّ ما يسمى بعملية السلام خدعة كبرى، وهي لم ترتقِ خلال أكثر من عقدٍ من الزمن إلى عملية سلامٍ حقيقيةٍ جادّة، بسبب التعنّت الصهيونيّ، والدعم غير المحدود من أميركة للصهاينة، وتواطؤ الأمم المتحدة في هذه العملية، وبسبب سياسة الكيل بمكيالين أو أكثر، التي تنتهجها أوروبة والغرب بشكلٍ عام، لدعم المحتل الصهيونيّ المعتدي .. فما يسمى بعملية السلام وُلدت ميتة، واستمرّت ميتة، ولا فائدة للعرب من الاستمرار فيها، فهم بذلك يضحكون على أنفسهم، بعد أن ضحكت عليهم أميركة وإسرائيل والغرب كله .. وما ضاع بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة، فالجهاد والمقاومة هما الطريق الصحيح المثمر لدحر المعتدي المحتل وأعوانه وأنصاره !..
يتبع إن شاء الله