إعمار غزة بنور القرآن
هنادي نصر الله
روعةُ الحياةِ في غزة المحاصرة تكتسبُ جمالاً غير عاديًا؛ برغم مشاهد الدمار التي تحفنا من كل جانب؛ فكبرياء الصغار لا يسمح بالتراجع والتقهقر والإستسلام لليأس ومشاعر الحزن، ولا يسمح بطول مسافة الحداد على الأحباء الذين سقطوا في حرب غزة القذرة والشرسة، كيف لا؟ ونحن نرى الزهور البريئة تتسابق في ميادين العلم والمعرفة، وينابيع الشرف والعزة؛ من خلال منافستهم البناءة في حفظ القرآن الكريم في مدةٍ لا تتجاوز الشهرين؟، إنه إنجازٌ يستحق الفخر في ظلِ واقعٍ معقد يواجهه الأطفال بأجسادهم التي تعاني الوهن والمرض والفقر الذي تجاوزت نسبته الثمانين في المائة!.
وإن كان المجتمع الدولي قد تغنى أكثر من ألف مرةٍ بضرورةِ إعمار القطاع المدمر، لكنه لم يُترجم وللأسف هذه الشعارات الوردية على أرض الواقع؛ بسبب سياسة الكيل بمكيالين؛ فإن الأجيال والبراعم الناشئة هنا تأبى إلا أن تُعمر قلوبها بطاعة الله، وتضيئها بنور القرآن الكريم، وترطب ألسنتها بذكر الله، وترتيل آياته؛ علها تنجو من عتمة الليل في ظل انقطاع الكهرباء المتكرر، ففي نور القرآن ما يبدد الظلم، وفي ترطيب الألسنة بذكر الله ما يُنسي صغارنا حقهم في المشروبات والأطعمة الفاخرة التي ينعدم أبسطها في القطاع المحاصر جراء إغلاق المعابر، وفي ترتيل آيات القرآن راحة نفسيةٍ تُشعرهم بالأنس بدلاً من الوحشة والغربة والخوف من طائرات الإحتلال وقذائفه ..
هي مفارقةٌ عجيبةٌ يخطها الصغار في غزة المحاصرة بإصرارٍ وتحدٍ، من خلال حلقاتهم الإيمانية المستديرة؛ التي يستمدون منها تسلحهم بالوحدة الوطنية؛ فالدائرة التي يجلسون فيها لتدارس القرآن؛ تدعو إلى التماسك والتعاضد ليكونوا كالجسد الواحد إذا تداعى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؛ إذن الجيل القادم هو جيل الوحدة والنصر؛ وهذا لن يكون إلا على أيدي جيل القرآن الكريم وتحديدًا من يفنون إجازتهم الصيفية بحفظه خلال الشهرين.
أن يُصبح المسجد الذي نال نصيبه من التدمير الممنهج على أيدي الإحتلال الإسرائيلي؛ هو بيت الصغار بدلاً من المنتزه وشاطئ البحر؛ يعني فشل سياسة الإحتلال بثني الفلسطينيين عن الذهاب إلى دور العبادة، ويعني أن حقهم في العبادة لا يُمكن أن يخضع لقوانين المحتل؛ وإجراءاته الإرهابية؛ فلن تخفيهم طائرات الإحتلال ولا طائراته؛ إنهم بهذه الخطوة ينتقمون لدماء المؤمنين الأتقياء التي سالت؛ وأشلاؤهم التي تقطعت وتناثرت في الهواء؛ على أعتاب مساجد وبيوت الله؛ بل ينتقمون لراية الإسلام وقبة الإباء التي اقتلعت من عليائها، ولسان حالهم يقول" لئن مزقتم القبة ستبقى العزة في قلوبنا ويبقى إسلامنا شامخًا في الآفاق لن تقوا على قلعه من صدورنا
هي إرادة سيحصد ثمارها فقط الأتقياء من الأطفال والرجال والفتيات والنساء؛ الذين يتدارسون كتاب الله، وهم يعلمون حق العلم أنه ما اجتمع قوم على أن يضروهم لن يضروهم إلا بشيءٍ قد كتبه الله لهم، هي إرادةٌ تستحق التقدير والتبجيل؛ فهنيئًا لمن قاوم بالقرآن، ولمن تعلق قلبه بحب مساجد الله؛ ولمن آثرّ أن يتصدق لإعمارِ مسجدٍ ناله حقد المحتل الجبان؛ ومن هنا أهمس همسة إلى كل فلسطينيٍ غيور على دينه ووطنه أن يرسل أبناءه بكبارهم وصغارهم إلى بيوت الله؛ وأن يتصدق بما جاد الله عليه؛ لينال رضا الله في الدنيا والآخرة.
اللهم وفق فتية القرآن وأهل القرآن لما تحبه وترضاه، وارزقنا الهداية والفلاح والسداد، واجعلنا ممن يستمعون القول؛ فيتبعون أحسنه؛ اللهم آمين.