ثقافة باتجاه واحد ولكن
ثقافة باتجاه واحد ولكن..؟
محمد السيد
يقول بوش : " إن جنودنا يقومون بعمل رائع في العراق وفي أفغانستان " . ويرد قوله هذا العديد من رجال الإدارة الأمريكية .
ويقول أرميتاج نائب وزير الخارجية الأمريكية : " إن أمريكا دولة تحاسب نفسها داخلياً أكثر مما تحاسب نفسها في الخارج " .
ويقرر مؤتمر الإيباك 18 / 5 / 2004 ( وهو مؤتمر أمريكي له تأثير قوي في تشكيل اتجاهات الفكر السياسي الأمريكي ) .
_ يجب وقف قنبلة إيران النووية .
_ يجب وقف جباية التبرعات في المساجد الإسلامية .
_ يجب وقف التعريف بالشرق الأوسط ( العربي والإسلامي ) في الجامعات الأمريكية .
هذه الأقوال والمقررات الأمريكية تمثل اتجاهاً وثقافة في واقع المجتمعات في الولايات المتحدة الأمريكية ،وهي تنم عن اتجاه فرض السياسات الأمريكية بالقوة . وفي المقابل فإن المفكر الأمريكي " زبيغنيو بريجنسكي " ذا التأثير القوي في التوجهات الفكرية والسياسية الاستراتيجية للولايات المتحدة .. يسلم في كتابه " الاختيار الأمريكي " الصادر عام 2004 عن Basic Book بأحقية أمريكا بالهيمنة على العالم ، ولكن ليس عن طريق القوة العسكرية والضربات الاستباقية ، وإدارة الظهر للأسباب الكامنة وراء الإرهاب ، ولا باعتبار الإرهاب ظاهرة عقدية إسلامية ، بل باعتباره وسيلة يستعملها الضعيف في الرد على قاهره السياسي . فهو يُنظر لما يسميه ( القوة الناعمة ) ؛ أي هيمنة الثقافة الجماهيرية الأمريكية أو غوايتها كما يحلو للبعض أن يسميها ، وإلى إعطاء الآخر فرصة في الحوار وصنع المشتركات السياسية والثقافية ، ويجعل من ذلك اتجاهاً آخر في بناء قيادة أمريكا للعالم وهيمنتها عليه بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
هما ثقافة واحدة ، باتجاه واحد one way " " هو اتجاه هيمنة أمريكية على العالم ، هيمنة ثقافية وحياتية وعسكرية وسياسية واقتصادية .. ولكن هذه الثقافة يمكن تحقيقها بإحدى وسيلتين : القوة العسكرية المتوحشة أو القوة الناعمة والغواية واستخدام الآخرين ( الشراكة الأوروبية ) من أجل إنجاز الهيمنة .
فأين موقعنا عرباً ومسلمين من هذه المعادلة ؟ .. التي تبغي في كل أحوالها فرض شخصيتها على شخصيات الآخرين وإلغاء خصوصياتهم وثقافاتهم وهوياتهم لصالح ثقافة واحدة وحيدة تخدمها وسائل هائلة : من شبكة عنكبوتية تشكل المشاركة الأمريكية فيها 70% من البث العالمي ، إلى عالم هائل من الصور التلفزيونية والبث الإلكتروني " التي ليست في حقيقتها سوى بيت عنكبوت جبار متخللة مداخل عديدة تتركز وسطها المجموعة
المسيطرة على كل هذه المداخل .. " على حد تعبير تقرير أعده أعضاء المنظمة النسوية الدولية للسلام والحرية ( منشور في العرب اليوم 26/9/1998 ) حيث نقل التقرير وصف الكاتب A.Gilla 1995 للتلفزيون بأنه (( من أكبر الأدوات التي تقود الشعوب إلى الانعزالية والصمت مما يسهل السيطرة عليها )) .
لا يسعني إلا أن أقول والحال على هذه الشاكلة إن الولادة من جديد عسيرة ولكنها ليست مستحيلة ، وعلى شفتي يتأرجح عديد من الأسئلة تفضي ببوح القهر همساً معبأً ببساتين الأماني :
هل نترك أوطاننا مستباحة ، ونسلم رقابنا ، ونكتفي بنظرة كسيرة ، تقول للجلاد : أن أحدَّ شفرتك رحمة بالدم ..؟
هل نزفت ذاكرتنا آخر الكلمات المقاتلة على بوابات الهزائم ، وجلسنا على زوايا الطرق نمد الأيدي تسولاً ، بينما الخير يملأ أرجاء أوطاننا والعز ينبعث من دوارسه الماجدة ..؟
هل إذا سمعنا القول من هذا الأمريكي أو ذاك ، كان القول ما قالت " حذام " ، ووقف التاريخ عند القول في حين كذب الفعل ما قاله " فوكومايا " عن توقف التاريخ عند رأسمالية الهيمنة ..؟
فكيف بك وقد جاءتك " الفلوجة " بدمها الذي أضاء مستقبل الدروب ، وقد جثت عند قدميها لحظات التاريخ ، تلثم أهداب الصمود ؛ التي فضحت تآمر الصمت مع مجازر الجلادين ..؟
وماذا أنت فاعل إذا تعرى الجرح في غزة ، وابتذل الكلام ، وعلت هامات الشموخ ، وامتدت زنود الفخر ، تتحدى أفواه المقابر ، لتهيل التراب على ثقافة الانتظار ، واستمطار المخارج من براثن القتلة .. ؟
لقد قالت الفلوجة وقالت غزة .. هذا هو العنوان ، واضح المعالم سامق الضياء ، يسرج النصر من زيت الشهادة فيفحم القائلين بالهيمنة ! إما بكذا أو بكذا ... ولتدفن الهزيمة عارية ، فقد حددت قوافي الفعل في غزة و الفلوجة معالم الآتي ..
أرأيت ..؟ إنه صبر ساعة ، ولكنه وعي دهور ، مرت فيها الفوارس كسيرة أحايين النسيان ، لكن المؤمنين سرعان ما يذكرون ، فتنفجر في قلوبهم آفاق الحقيقة والحق ، لتنطلق جحافلهم من جديد ، فتؤكد للساعين إلى رزايا الهيمنة بأوهام الحتميات ومعطيات اللحظة المفترقة عن أفقها الصاخب ، أن الاحتفاء بمقولاتهم ليس إلا لحظة خارجة من إهاب جَدٍّ في حسن الطلب ، حين امتدت قامته ،وصلب عوده ، واستوى على إباء قديم ، له في عنقه دين ، راح يسدده في بطاح عراق أشم وقدس أقداس لم يمت فيها الشمم .
لست البداية في هذا الكلام ، إنما هو استئناف بعد نقطة في آخر السطر ، لأقول في أول السطر التالي : هذه أمة لم تسلّم من قبل ، رغم ظروف ضعف شديد مرت ، بدت فيها أمورها على مثل ما هي عليه اليوم وأشد من عسر الولادة ، لكنها شبت بقامة متبرجة بالخلاص ، شامتة بلحظات الاستكانة فغسلت بأيام ما كان علق بأذيالها من هوان ,, وهاهي جحافلها تنطلق اليوم من غزة ومن الفلوجة لتقول لثقافة الهيمنة بجميع تلوثاتها أن كفى غطرسة فالباطل جولة ثم يندثر ..