سؤال ولا جواب

الأستاذ الكريم / عبدالله الطنطاوي المحترم

بعد السلام والذي منه:

 قرأت مقالكم ( افهموها بقى ) وباللهجة المحلية الحلبية ، فكان هذا( السؤال ولا جواب) لنشره إن كان مناسباً في ساحتكم الحرة مع الشكر.

 سؤال ولا جواب

بدرالدين الحسن

ســؤالٌ يلح عليّ منذ زمنٍ بشأن النظام السوري الحاكم ابتداءً من عهد الأسـد الأب الى عهد وريثه الابن، ويطرح نفسه على الدوام .   هل فعلاً النظام الـسـوري هو النظام الوحـيد في الـمـنطقة الذي بقي يشـكل العقبة الوحيدة أمام أمريكا، يعاكس ارادتها ويفشل مخططاتها وهو الرقم الصعب الذي- لايمكن لأمريكا ومن يـشـد على يدها- أن يتجاوزه؟ 

 وهل هـو النظام الوحـيد والقادر عـلى أن يـفك شـفرة مخطـطاتها وأهدافها وتطلعاتها في الـمنطقة؟ أم أنه مازال النظام الوحيد الذي كان ومازال في السابق والحاضر قادراً على ممارسة الكرّ والفرّ والاقبال والادبار في الوقت المناسب من خلال قراءةٍ ذكـيـة للـواقع يـنهـي الجـولة لـمـصـلحةالـنظـام واستمراره في كل الأحوال مثل كل المعارك السينمائية التي كان يخوضها المرحوم فريد شوقي وحش الشاشة العربية ويكون هو الغالب؟ 

 لاشك أن كل هذه التسـاؤلات لها من الأجوبة الكثير من الآراء والمطالعات حـمّالة الأوجه المختلفة من المؤيدين والمداحين والمخدوعين الى المعارضين والناقمين.  يؤيد هذا كله القراءات المختلفة للكثير من الأدوار الـمحـلية والعـربية والاقليمية التي اضطلع بها النظام السوري خلال سنيّ حكمه التي قاربت أن تدخل عامها الأربعين حسب التقويم العربي والتي نذكر بعضاً منها:

نظام قهري شمولي أخضع الشعب السوري لسيطرة الفرد حقيقةً وان اختلفت اللهجة والطريقة في عهد الأسد الابن.

 فساد شمل كل مناحي الحياة العامّة المحيطة بالمواطن السوري في السياسة والاقصاد والأخلاق.

 انتهاكات صارخة وواضحة وبالغة وواسعة لكل قيم الانسان وحقوقه في حريته وتنقله وابداء رأيه وعمله ووظيفته ولقمة عيشه وتمتعه بحقوق المواطنة.

ارتكاب مجازر جماعية فضلاً عن الأفراد، وابادة لمخالفي الرأي سواءً في الـسـجـون والـمعـتقلات حيث قـتل في يومٍ واحـدٍ مايزيد عـن ألـف سجين أو في المدن والساحات العامة كما كان في مدينة حلب وجسر الشغـور وسرمدا أو على صعيد الحرب الشاملة كما كان في مدينة حماة التي ماتجاوز عدد الضحايا والقتلى عن خمسة آلاف مواطن (حسب روابة أحد أعضاء مجلس الشعـب الـسـوري في معـرض رده في حـوارٍ على قناة الجزيرة الـفـضـائـيـة أن عـدد الخـمسة والعشرين ألفاً هو من المبالغات التي اعتادت عليها المعارضة من خصوم السياسة الحكيمة والرشيدة للنظام السوري).

دخول القوات السورية الى لبنان برغبةٍ اقليمية وتوافقٍ دوليٍ أدت - عبر هذه القوات - الى توجيه ضرباتٍ قاصمةٍ الى كل الفئات اللبنانية ، وان اختلفت قوتها من فئة الى فئة ومن حزبٍ الى حزب، ومن مجـمـوعةٍ الى أخـرى ، ولـكـنّ بـركـتـهـا عـمـت الجميع في الاعتداء على الأموال والأعراض والحرمات ومازال هـذا التدخـل قـائماً ولاسـيـما في ماكان من التمديد الرئاسـي الأخير وماتبعه من قرار لمجلس الأمن في هذا الخصوص وهو مااعتبرته السياسة السورية انتصاراً يضاف الى قائمة انتصاراتها.

اصـرار الـنـظـام الـحـاكـم على شـعـاراته وطروحاته وقراءاته  للـوضع الاقـليمي ورفـضه الاصلاح والتطـور الديمقراطي بذريعة الخصوصية السورية ، ورفضه نداءات الأصلاح والديمقراطية بحجة أنها أمريكية المصدر.

تخـشـب النظام وتكلس مـفاصله واصراره على قراءات للوضع المحلي السوري وباتت من التاريخ الذي بات مـرفـوضـاً من غـالبية الـمفكرين والـمحللين والاستراتجيين حتى عموم الناس ، من هذه القراءات أنّ " حزب البعـث هـو الحزب الحاكم والقائد للدولة والمجتمع"  ولكن الى أين ؟ الجواب الى ما آلَ اليه الوضع السوري الراهن من الاسـتـبـداد والـطـغـيـان والـقـهـر وقمع الآخر والتدهور الاقتصادي والاجتماعي.  وحسبنا أن نشير هنا الى أن مختلف توجهات المجتمع السوري وأحزابه الـمـقـمـوعـة أعـادت الـنـظـر في الكثير من مـطـالعـاتها وأفكارها بدءاً من الشيوعيين الى الاخوان المسلمين مع كل ظروفها الغير طبيعية ، وبقي النظام كما هو (مـكانـك راوح) مصراً على سـياسـة القمع والاستبداد والرأي الواحد( ماأريكم الا ماأرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد).

رفـضُ النظامِ الشـديد والـقاطع والحاسم والحازم مدّ يده للتعاون مع المعارضة واطلاق الاصلاحات الديـمـقـراطـية لـما فيه مصلحة الوطن - ولاسيما أن البلد مهدد كما يبدو-  ويستوجب رص الصفّ الـداخلي ان كان النظام جادّاً في الـمـواجهة مهما كان حجمها ، علماً أن النظام- بكل مافـيه- شـهـد لـهـذه الـمعـارضـة بـكل فـئاتها أنها ترفـض الاسـتـقواء بقوىً خارجية على الوطن والأهل والشعب واستقوى بها تجاه أمريكا.

نرجع الى مابدأنا به في المربع الأول من أسئلة.

نظام يتصرف بكل عناد مع خصومه ، ويطرح أقوى الشعارات تجاه أعدائه ، ويرفض الاصلاح أياً كان مصدره، ويأبى مدّ  يدالتعاون الى معارضته ، ويتدخل بشأن جيرانه ، ويعدل دستوره ودستور لبنانه ، ويعتبر قرارات مجلس الأمن انتصاراً له ، ويستعمل كل ماعنده من أسلحةٍ ضدّ شعبه ، ولا يطلق عياراً واحداً تجاه (اسرائيل) عدوِه ، ويُحرّج على الشرق والغرب والشمال والجنوب وبكل عين (جكره) وقوية، ولا يحسب حساباً لأحد.   نظامٌ هذا شأنه ما مصدر قوته وجكارته؟

أهي قوه النظام ببنائه ومؤسـساته أم  بديمقراطيته واصلاحاته واقتصاده ومحبة الناس والتفافـهـم من حوله؟  علماً أنه لايوجد شيئاً من هذا على أرض الواقع.

ويبقى السؤال يطرح نفسه ، ماسرّ قوة هذا النظام وعلى ماذا يعتمد في قهره للبلاد والعباد وفي ظلمه وجبروته ، وجكارته وقوة عينه وتدخله في شأن جيرانه؟