موسم الخطابة

صلاح حميدة

[email protected]

إحترم العرب قديماً الخطيب المفوّه الذي يتكلم بطلاقة ويعبر عن نفسه بأفضل الكلمات، وبعثوا بأولادهم إلى البادية ليتربوا هناك وليتعلموا البلاغة، واستمر ذلك بعد ظهور الاسلام، وشجع الخلفاء العلم والبلاغة واحترموا العلماء، وقربوا الشعراء، وكان من المسّلم به أن يكون الأمير والخليفة والسلطان خطيباً بارعا،ً وقائد الجيش خطيباً بارعاً، فالخطابة كانت جزءاً مهماً من التكوينات الشخصية لأي قائد عربي أو مسلم.

في زمن التردي العربي لم يحظ بالاهتمام إلا الخطباء الثوريين من العرب، ومن أبرز هؤلاء كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وكان الناس يحرصون على سماع خطاباته ، حتى أن بعضهم كان يلجأ ليختبىء تحت الفراش مع المذياع لسماع الخطاب خوفاً من مخابرات بلاده التي كانت تناصب الخط الناصري العداء(كما حدثني بنفسه).

بعد هزيمة عام1967م وحتى الآن لا يحظى الرسميون العرب وخطاباتهم بأي اهتمام، بل أصبحت خطاباتهم واجتماعاتهم محلاً للتندر من العامة، والوحيدون الذين حظوا بسماع خطاباتهم هم قادة المقاومة العربية والاسلامية، فبالسماع لهم يحس العرب والمسلمون بأن لهذا الكلام قيمة على الأرض وليس خضاً لماء، أو كلاماً في هواء.

خطبة التصفيق

أعداء الأمة أدركوا أهمية  هذه الخاصية في الثقافة العربية(الخطابة)، فما كان من الرئيس الأمريكي إلا أن بدأ بمخاطبة الايرانيين في عيدهم، وقام بمخاطبة الأتراك في برلمانهم، وقام بمخاطبة العرب في القاهرة، وكان أن أخذ الأتراك حقهم باختيار حكامهم، وحقهم بلعب دور يتناسب وحجمهم وإمكانياتهم، والايرانيون انتزعوا حقهم في مشروع نووي للطاقة، ودور موازي لحجمهم وإمكاناتهم، والأمور تسير لحوار ثنائي، أما العرب فأخذوا كلاماً عاطفياً وبعض الآيات القرآنية، وردوا بتصفيق حار للخطيب الأمريكي، حتى خيّل للكثيرين أن أوباما تبوأ منزلة جمال عبد الناصر من شدة الإحتفاء والتركيز الاعلامي على كلمته!.

الخطبة الناسفة

بنيامين نتنياهو لم يستطع أن يفوت موسم الخطابة في المنطقة بلا خطاب له هو الآخر! فأعلن أنه سيلقي خطاباً! وبدأ الجميع يتساءل؟ ما الذي سيقوله نتنياهو؟ وما الذي سيعلن عنه نتنياهو؟ وما دلالات المكان والإعلان؟! حتى أصبح الجميع ينتظر من نتنياهو أن (ينطق الجوهرة) على رأي المثل الشعبي الفلسطيني!.

طبعاً نتنياهو أثار الكثيرين في خطابه، وقيل أنه أرضى الأمريكان، وأغضب الفلسطينيين، مع أنني لم أرى أي فرق بينه وبين رابين وبيريس وليفني، فمن عنده نظر، يلاحظ أنهم جميعاً يطبقون نفس السياسة ولكن بنبرات مختلفة.

قيل أنه نسف السلام! وأن الكرة في ملعب أوباما! ولا أدري أين هو السلام؟ وما الذي سيزعج الأمريكيين والإسرائيليين إذا كانوا يأخذون ما يريدون، وتحول العرب والفلسطينيون من لاعب في الملعب، إلى الكرة التي يركلها أوباما لنتنياهو، ويركلها نتنياهو إلى أوباما؟!.

خطبة الأمن

الجمعة الفائتة، وللمرة الأولى في تاريخ الشعب الفلسطيني، تفرض طبيعة الخطبة على الخطباء في المساجد، وكانت الخطبة بعنوان(الأمن)، ولم أسمع أن حكومة فرضت على الخطباء ما يقولون إلا في العالم العربي، وعلى نطاق ضيّق وفي الأغلب فاشل، إستمعت كما استمع غيري للخطبة، وكان واضحاً أنها موجهة لتأليب الناس على من يعتبره من فرض الخطبة أنه يمس بالأمن، وطالب الخطيب الناس بالتعاون مع الأمن ضد من يمسون الأمن!.

تبادر إلى ذهني مباشرة، كون من يفرض خطبة سياسية ضد خصمه، وتكاد تخرج خصمه من الملة، هو نفسه من يتهم الخصم بأنه يجير المنابر لأهداف سياسية؟! وهو نفسه من يتهم خصمه بتخوينه وتكفيره؟!.

وهنا يبرز التساؤل الأهم، هل نحن كفلسطينيين بوضع دولة، وفيها تصارع سياسي وحروب أهلية وانقلابات واضطرابات؟ أم نحن تحت احتلال ونريد التحرر من هذا الاحتلال؟

بعيداً عن الصراع الثنائي، نحن شعب كل ما نحتاج إليه هو التحرر من الاحتلال، ونحن لا نريد سلطة تحت الإحتلال، وإذا كان ثمن الدولة أن نذبح بعضنا، فنحن(لا نريدها) كما قال الكاتب سري سمور، وأعيد لا نريدها وتباً لها من دولة التي تغرقنا في الدماء.

الخطبة الحمراء

بعض الفصائل الفلسطينية التي انقرضت من الساحة، وأظهرت الإنتخابات التشريعية ما آل إليه وضعها، عملت طوال فترة الصراع الداخلي على اللعب على وتر الخلافات بين فتح وحماس، وكان دورها مؤججاً للصراع بين الطرفين، وعملت على التسلق على الخلاف لتحقق بعض الإنجازات على حساب الطرفين، وفي قطاع غزة قرروا قبل أيام أن يخرجوا تحت رايتهم الحمراء، وقام خطيبهم بإلقاء خطبته الحمراء، التي اتهم فيها الطرفين بالمسؤولية عن الوضع الحالي، ورفض اللقاآت الثنائية بينهما، واعتبرها (محاصصة ثنائية) تهمش الجحافل الحمراء!، فالغريب أن عدداً من الفصائل الفسيفسائية حمراء وغير حمراء، إذا تقاتلت فتح وحماس، إتهموهما وحملوهما المسؤولية!، وإذا تصالحوا أيضاً اتهموهما بنياتهما وبتصرفاتهما، فلو كنت مكان فتح وحماس، لوقفت مشدوهاً، وقلت:( قتال ما بدكم نتقاتل، وصلح ما بدكم نتصالح)؟!!.

خطاب هادىء

منذ انطلق الحوار الأخير، هناك بشكل عام خطاب إعلامي من الناطقين والمتحاورين، يعتبر هادئاً، ولكن حماس والعديد من المراقبين والمحللين يتهمون حركة فتح بأنها كلما اقتربت جولة حوار، تقوم بتصعيد الحملة على حماس بالاعتقالات والاستهدافات لها ولمؤسساتها، واستغرب الكثيرون من الخطاب الهادىء جداً لحماس في ظل ما اعتبروه تصفية عناصرها في الضفة؟!.

فمنهم من رأى أن الحوار يتم في ظروف وضغوط عربية، والطرفين لن يتنازلا في القضايا الجوهرية التي تتعلق بالاعتراف بإسرائيل، وحتى فيما يخص ملف الإعتقالات، فقد رأى الكثيرون أن عزام الأحمد أعلن عن وفاة اللجنة قبل أن تبدأ عملها، فقد قال أنه (لا سلطة لفتح على الاعتقالات! وأن الحكومة هي من يقوم بذلك!).

 والحكومة حسب ما تعلن، (ضبطنا سلاح لحماس غير شرعي! وضبطنا أموال لحماس غير شرعية! وأغلقنا مؤسسات وصادرنا أخرى لحماس غير الشرعية! ويحاكم بعض عناصر حماس لانتمائهم لتنظيم غير شرعي! وتمتد صفة نزع الشرعية لتصل إلى النساء المتزوجات من عناصر حماس!).

إذاً حماس ووجودها وعناصرها وأموالها وسلاحها ومؤسساتها ونساء عناصرها كلهم غير شرعيين! فعلى ماذا يتم التحاور؟!

وما الذي سيقوله فتح في ما قالت حماس أنه مقتل أحد عناصرها تحت التعذيب في الخليل؟

وما الذي يقف خلف الأكمة؟

وما الذي يخبئه كل طرف للآخر خلف الخطاب الإعلامي الهادىء؟