من قتل هيثم عمرو

مخلص برزق*

[email protected]

بالنظر إلى الظروف والأحداث التي رافقت استشهاد هيثم عبد الله عمرو في سجون الأجهزة الأمنية التابعة للمجرم سلام فياض في محافظة الخليل فإن تشكيل لجنة "محايدة" للتحقيق في ظروف قتله لن يفضي سوى إلى ما أفضت إليه اللجان السابقة التي دعت لتشكيلها الفصائل عقب استشهاد الشيخ مجد البرغوثي الذي استشهد في أقبية السجون الملاصقة لمنزل محمود عباس في رام الله وذلك في الثامن والعشرين من شهر شباط (فبراير) 2008 بسبب تعرضه لتعذيب وحشي بشع على أيدي جلاوزة سلام فياض تبعه في 8-2-2009 الشهيد محمد الحاج بسبب التعذيب الهمجي أيضاً في سجون القاتل عباس.

أما ما أعلن مؤخراً عن دعوة مجموعة من الفصائل لتشكيل لجنة للتحقيق في ظروف استشهاد المجاهدين القساميين محمد السمان ومحمد ياسين ومعهما الشهيد عبد الناصر الباشا على أيدي أجهزة القتل ذاتها في قلقيلية، فإن القتلة لم يمهلوا أحداً بإقدامهم على تنفيذ جريمة جديدة في قلقيلية بحق مجموعة أخرى من مجاهدي القسام وقتل ثلاثة منهم..

لم يكن استشهاد الممرض "الحمساوي" هيثم عبد الله عمرو اليوم مفاجئاً أو غير متوقع بل إن الذي لم يكن متوقعاً أن تستمر مسالخ عباس وفياض في ارتكاب فظائعها بحق المعتقلين لديها دون أن يرتقي العشرات منهم مع ركب الشهداء.. لم يكن ذلك مفاجئاً والمستشفيات تستقبل في الضفة المحتلة يومياً حالات صعبة للغاية لأولئك الذين طالتهم أيدي الوحوش البشرية المتعطشة للدماء الطاهرة لأبناء حركة حماس..

لسنا بحاجة لأي لجنة تحقيق تضيع معها دماء الشهداء ودموع وآهات أهاليهم سدى، ويأخذ معها القتلة مزيداً من الوقت ليسنوا سكاكينهم ويطرحوا المزيد من الضحايا على النطع لتتواصل قوافل شهداء يشتركون جميعاً في تشابههم الكبير في الصور الملتقطة لأجسادهم الناطقة ببشاعة ما تعرضوا له من تعذيب قذر من أناس لا دين يردعهم ولا ضمير يؤنبهم ولا وطنية ولا إنسانية.. وهل يعقل أن يكون للروبوت الذي يتم التحكم به آلياً أية مشاعر؟؟ هل يملك أية مشاعر من قال متباهياً على شاشة القناة العاشرة: لو طلب مني أن أعتقل أخي أو أبي لما تأخرت عن تنفيذ ذلك؟ هل يملك أية مشاعر من جعل كيث دايتون رباً من دون الله؟

سيسارع البعض للقول: والله ما عبدناهم.. ونرد عليهم برد من لا ينطق عن الهوى فعن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك، فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة فقرأ هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله[1]) حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال: "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟" قلت: بلى، قال: "فتلك عبادتهم"[2].

وإذا كان أولئك الأغبياء الذين يقامرون بدينهم ودنياهم وآخرتهم لإرضاء سيدهم وولي أمرهم دايتون سيمارون ويجادلون ويصرخون بنفي تلك التهمة فإنني أكتفي هنا بالتذكير بأقوال دايتون عنهم في كلمته ضمن ندوة "سوريف 2009" في معهد واشنطن: "إن الذي حققناه –وأقول ذلك بكل تواضع- هو أننا قد "صنعنا" رجالاً جدداً".. وقوله: "حتى إن قادة جيش الدفاع الإسرائيلي يسألونني باستمرار "كم من هؤلاء الفلسطينيين الجدد تستطيع أن تنتج، وبأسرع وقت". إنهم من استحلوا دم هيثم عمرو وباؤوا بوزر قتله واستحقوا أن يدخلوا مع قوافل المغضوب عليهم ممن وصفهم الله بأن "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا[3]". قد يبرئهم فياض وقد يشفع لهم عباس وقد يبرر لهم فعلتهم فهمي الزعارير ورفقاؤه ناطقي فتح.. قد لا يلاحقهم قضاء، وقد وقد.. ولكن الأمر الوحيد الذي لا يمكن أن يفروا منه أبداً قول الله فيهم: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً[4]". إنهم لم يقتلوا هيثم عمرو متعمدين فحسب بل إنهم عمدوا إلى تعذيبه عذاباً تعجز عن احتماله الجبال.. ظهر ذلك في آثار الحرق والشبح والضرب الهمجي على جسده..

بدهي ألا يسمع أولئك القتلة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في معسكرات التدريب المقامة لهم في الأردن تحت إشراف دايتون، بدهي ألا يحسب الذين اعتادوا سب الدين والرب والنبي أي حساب لمآلهم في الآخرة، وما علينا هنا إلا أن نبشر آباءهم وأمهاتهم بما أعد الله لهم من جزاء على ما اقترفته أيديهم في عملهم الذي يتقاضون عليه بضعة مئات من الدولارات ثمناً لتذكرة دخول وإقامة دائمة في دركات جهنم.. فقد بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها بقوله: "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً[5]"، وقوله: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم[6]"، وقوله: "اتقوا السبع الموبقات.. فذكر "قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق[7]"، وقوله: "الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس[8]"، وقوله: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً[9]".. يرح: أي يجد ريحها ولم يشمها.. فإذا كان هذا في قتل المعاهد، وهو الذي أعطي عهداً من أهل الكتاب، فكيف بقتل المسلم؟ كيف بقتل مجاهد؟ وفي الأرض المباركة؟ ولأجل عيون دايتون ونتنياهو؟؟ كيف بمن يتلذذ بالتعذيب ويتباهى به ويتخذه وسيلة وقربة لنيل الرتب والمناصب الحقيرة لدى عصابات فياض الإجرامية معرضاً نفسه لوعيد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا[10]"..

إن تزامن قتل الشهيد هيثم عمرو مع انعقاد جلسات للحوار في غزة والضفة المحتلة بين حركتي حماس وفتح يشي بأن الأوامر صدرت بضرورة تعطيل مثل هذه المحاولات على ضآلة حجم التوقعات بما يمكن أن تسفر عنه، والأصابع تشير هنا إلى الجنرال الأمريكي كيث دايتون الذي احتفل بالذكرى السنوية الثانية على هزيمة رجاله في غزة وفشل مخططه الإجرامي بالتشفي من معتقلي حماس في "باستيلاته" والأمر بزيادة جرعات التعذيب.. الأمر الذي أدى إلى استشهاد هيثم عمرو..

كما أن الأصابع تشير إلى المجرم سلام فياض الذي أزعجه الحراك المصري الأخير الذي نتج عنه التئام جلسات الحوار التي أشرت إليها والتي إن حققت أي تقدم فسيكون مصيره المحتوم تنحيته جانباً وحل حكومته فاقدة الشرعية فكانت دماء هيثم عمرو سبيله لتأخير ذلك كما يتوهم..

أما عباس فإن تصريحاته المشؤومة التي صاحبت جريمة قلقيلية كانت الضوء الأخضر للقتل مجدداً وبتلك الصورة البشعة لتلطخ دماء هيثم عمرو ثيابه وتفضح تورطه في المخطط الإجرامي الرهيب الرامي لسحق جذوة الجهاد والمقاومة في فلسطين من أجل أن يرضى سيد البيت الأبيض الجديد عنه وليكون له مصداقية حقيقية أمام الأمريكان والصهاينة والعالم إن تباهى بأنه ينفذ بدقة متناهية الشق المطلوب منه من خارطة الطريق.. حتى لو أدت به تلك الخارطة إلى عذاب جهنم وعذاب الحريق!!

والحديث عن خارطة الطريق يسوقنا للحديث عن باراك أوباما الذي برز في جامعة القاهرة في ثياب الواعظين بحرمة إنكار الهولوكوست اليهودي وإباحة الدم الغزي ومباركة ما يرتكبه الجنرال دايتون بما في ذلك ملاحقة أبناء حماس واعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت وعدم اعتبار ما ترتكبه حكومة فياض-عباس جرائم يقشعر لها ضمير الإنسانية.. إننا ببساطة لا نعفي ذلك الرئيس المتقد حيوية باراك أوباما ومساعديه من دم الشهيد هيثم عمرو.

ولأن دماء الشهداء غالية علينا فلن نخشى في الله لومة لائم وسنقولها واضحة صريحة جلية.. إن الساكت على ممارسات تلك الأجهزة الإجرامية لتلك الحكومة اللقيطة التي تتبع رئيساً فاقداً للشرعية، سواء كان ذلك مراقباً لحقوق الإنسان أو فصيلاً فلسطينياً كالجبهة الشعبية أو الديمقراطية أو سياسياً مستقلاً أو صحفياً أو كاتباً أو خطيباً أو زعيماً أو رئيساً فإنه –ويا للأسف- مشارك بقدر ضئيل أو كبير، ليس فقط في جريمة تعذيب وقتل هيثم عمرو، بل وفي كل الجرائم التي ارتكبت سابقاً وترتكب حالياً في معتقلات الضفة وعن دماء الشهداء الذين سيرتقون في الأيام القادمة.

ولا بد هنا من تذكير كل من له مسؤولية في حركة حماس بأن أرواح أبنائهم أمانة في أعناقهم وأن في القصاص حياة، وأن التهاون في التعاطي مع جرائم القتل بحق أبناء الحركة قد أغرى القتلة بالمزيد منها، وأن خير وسيلة لمعاقبة أولئك الأذناب بضرب السيد المتحكم فيهم وأعني هنا الاحتلال اليهودي وعملاءه على أرضنا المباركة مهما تنوعت جنسياتهم..

إن عليهم مسؤولية فضح أولئك القتلة في كافة المحافل ولدى جميع الزعماء والدبلوماسيين والسياسيين الذين يصلون إليهم، فلا يعقل أن يبقى عباس يهذي يميناً وشمالاً بالقصة الكاذبة التي يروجها عن محاولة حماس قتله في غزة، وبقصة حسام أبو قينص التي تباكى على قتل حرسه الخاص له بالإلقاء به من أعلى أبراج غزة بتلفيق قصة معاكسة ما يزال بعض الملوك والرؤساء مقتنعين بها ومفادها أن حماس هي من فعلت ذلك رغم اعتراف ناطقهم توفيق أبو خوصة على الفضائيات وبكل وقاحة بجريمتهم النكراء وكما فعلوا أيضاً لدى قتلهم شهداء قلقيلية..

إن قراءة القتلة المتأنية لمواقف حركة حماس يترتب عليها ارتقاء المزيد من الشهداء (أو حتى الشهيدات) وفي الفترة القريبة القادمة.. أو حقن دماء أبناء الحركة وتخليصهم من العذاب الشديد الذي يلقوه في سجون ومعتقلات الثنائي المجرم عباس وفياض.

فهل نشهد نقلة نوعية للعمل المقاوم في الضفة المحتلة يتناسب وحجم الاستهداف المحموم لأبناء الحركة المجاهدة الصابرة المصابرة؟

وهل تكون دماء الشهيد هيثم عمرو الفتيل الذي يشعلها ناراً تحرق القتلة ومحركيهم، ونوراً يضيء الدروب لتطهير الضفة المباركة من الصهاينة وأعوانهم؟

              

*  كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.

[1] التوبة 31.

[2] الترمذي والبيهقي والطبراني وغيرهم.

[3] المائدة 32.

[4] النساء 93.

[5] رواه البخاري ومسلم.

[6] رواه مسلم وغيره.

[7] رواه البخاري ومسلم.

[8] رواه البخاري.

[9] رواه البخاري.

[10] رواه مسلم وغيره.