سؤال الى أدونيس المثقف الكبير:كيف تخرج سوريا من مأزقها؟
سؤال الى أدونيس المثقف الكبير:كيف تخرج سوريا من مأزقها؟
فايز سارة
كان أمراً جميلاً أن يتقدم أدونيس (مع
حفظ الألقاب والاحترام) ليعلق على مقالة
الاستاذ جهاد الزين "خطاب عبثي: الباء بعد
العين" المنشورة في "قضايا النهار"
في 27/7/،2004 لأن خطوة كهذه، كنت أعتقد
انها ابعد ما تكون عن اهتمامات ادونيس الذي
كانت لديه باستمرار انشغالات، حسبت، وبدا لي، انها ابعد ما
تكون عن اهتمامه ببلد مثل سوريا، تردت اوضاعه الى أبعد
الحدود، وأصبح مواطنوه "بدو الشرق" على نحو
ما جاء في مقالة زميلنا شعبان عبود "لماذا
أهاجر من سوريا" في "النهار"
5/8/.2004
غير ان ظني الذي خاب في تقدير اهتمامات الكاتب
والشاعر السوري، سرعان ما جعلني أقع أسير مفاجأة أخرى، وهي الهجوم الذي شنه ادونيس
في "ورقته الواحدة" الى جهاد الزين، والتي احتوت نقداً عنيفاً للمعارضة السورية،
التي رأى فيها "الوجه الثاني من الورقة التي يحتل النظام صفحتها الأولى"، تأكيده،
ان ما كتبه جهاد الزين، كلام "ينبغي أن يقال في سوريا، خصوصاً، منذ أمد طويل، على
الأقل - منذ تحالف اليسار الراديكالي فيها مع اليمين الديني الراديكالي... استناداً
الى القول والى الممارسة معاً".
ويدخل أدونيس في تفاصيل هجومه على المعارضة بالقول، ان الفرق
بين المعارضة والنظام (الصفحتين)، هو "فرق في الدرجة لا في النوع"، حيث "نوع"
المعارضة هو نفسه "نوع" النظام، لأن "المعارضة هي دعامته
الأولى، معنوياً، تزكّيه ادارياً، وتضفي عليه المشروعية اجتماعياً".
ويرى ادونيس، ان المعارضة بصفاتها تلك "تطيل أمد الخطاب السياسي
العربي"، الذي منذ نشأته "خطاب ذو بُعد واحد: سياسي، تقني بائس. والسياسة، كما
يجسّدها هذا البعد، ليست الا عنفاً اقصاء"، الأمر الذي يقود الى خلاصة يختصرها
ادونيس بالقول "هكذا يواصل النظام والمعارضة معاً توكيد المأساة التاريخية العربية:
كانت السياسة العربية ولا تزال، في حركتها العامة، خارج الهمّ
الانساني - الحضاري. كانت مجرد صراع على المُلك،
والمال"، و"اليوم، بعين وباء آخرين، تتلاقى المعارضات العربية في نفق واحد:
المعارضة باسم الوطن تواكب المعارضة باسم الدين وتكملها: المعارضة باسم الوطن هي
خير ما يقصي الوطن والمواطنين. والمعارضة باسم الدين هي
خير ما يُقصي الاسلام والمسلمين".
غير اني وقبل أن أكتب ملاحظات على ما جاء في ورقة أدونيس، أحب
أن أقول ان ما كتبه جهاد الزين من نقد على خلفية البيان الذي وقعه نشطاء سوريون
بمناسبة زيارة أياد علاوي لسوريا، أمر مقبول من شخص متابع للشأن السوري الى حد ما،
بل ومهتم به دون أن يكون معنياً به بمعنى المشاركة في التأثير على مجرياته بصورة
مباشرة على نحو ما يعني الأمر السوريين والمثقفين النشطاء منهم بشكل خاص، رغم اني
اؤيد شخصياً، أن يكون للمثقفين اللبنانيين دور أكبر في الموضوع السوري، لأني أعتقد
بكل جدية، اننا شعب واحد في بلدين، وان مصيرنا مشترك وأكثر تشابكاً مما يبدو، وربما
لهذا السبب أسعدني أن كتب جهاد الزين، وان عدداً من السوريين عقبوا على ما جاء في
مقالته "الباء بعد العين".
أما في وضع ورقة أدونيس، فأحب أن أشير الى ملاحظات عامة، أولها،
ان ادونيس يضع المعارضة والسلطة في سوريا في سلة واحدة، وأعتقد ان أمراً كهذا فيه
خلل حقيقي، أساسه وضع الضحية والجلاد في موقع واحد، وهو يعرف كيف تتعامل السلطة مع
المعارضة ملاحقة واعتقالاً وسجناً بقرارات من محاكم استثنائية وتهم ملفقة، وأكثر من
ذلك، فإن أدونيس، بكلمة واحدة يجعل المعارضة واحدة، لا يميز بين اتجاهاتها لا
خلفياتها ولا تحولاتها، وهو بهذا المعنى، يذهب الى تعميم، لا يقل
في ظلم عن جمع السلطة والمعارضة في وعاء واحد.
والملاحظة الثانية، التي أحب أن أتوقف عندها، هي موضوع التحالف
القديم لـ"اليسار الراديكالي" مع "اليمين الديني الراديكالي" في اطار المعارضة
السورية وتلاقي المعارضات اليوم، وهو كلام لا يتسم بالحقيقة في صلته مع الوقائع
التاريخية، اذا كانت الاشارات فيه الى سوريا في الثمانينات . كما انه ليس دقيقاً في
الوقت الحالي. وفي الحالتين فإن هناك اختلافاً في القول والممارسة معاً بالنسبة الى
أطراف المعارضة سواء المعارضة السياسية المعروفة، أو الهيئات والجماعات التي ولّدها
الحراك الاجتماعي الجديد في سوريا، والتي يصفها البعض بـ"جماعات معارضة" وان كنت لا
أراها كذلك.
والملاحظة الثالثة، تتصل بالربط الذي يقيمه أدونيس في ورقته بين
السلطة والمعارضة في توكيد، ان السياسة العربية كانت ولا تزال في حركتها العامة
خارج الهم الانساني - الحضاري، وهي "مجرّد صراع على المُلك والمال"، وهو في هذا
يعيد تأكيد تـعـمـيـمـه فـي وصـف واحد للسياسة، باعتبارها صراعاً على الملك والمال،
دون أن يكون لها هم انساني - حضاري، وكلاهما غير صحيح في سياسات أحزاب وجماعات
سياسية عربية ومـمـارسـات حـكـوماتها، ولعله من الصعوبة الى درجة الاستحالة، اختصار
التاريخ السياسي العربي الحديث الى ما قاله أدونيس.
كنت أحب كمواطن سوري، أن يشارك ادونيس مواطنيه في الكلام عن
سوريا والسوريين نظاماً ومعارضة، في ما هو أبعد من لغة التعميم، وأكثر من مجرّد
"ورقة واحدة"، يكتبها على خلفية مقال يعلّق على بيان
صدر، ان يشرح لنا، كيف ينبغي أن تكون المعارضة في واقع سوريا، وما هو دور المثقف في
اخراج سوريا والسوريين مما آلت اليه الاوضاع.
ويحق لنا أن ننتظر ذلك من كاتب وشاعر ومثقف كبير، قدمت له بلده
في طفولته فرصة تعليم على حسابها، وأتاحت له فرصة البروز كاتباً وشاعراً، لكنها
اضطهدته في زمن ما - مثل كثيرين غيره - بسبب آرائه السياسية، فغادر الى لبنان بداية
الستينات، ثم غادر لبنان بعد اندلاع الحرب الاهلية فيه، ليستقر به المقام في فرنسا.
ادونيس الذي يزور سوريا بين وقت وآخر، تذكرها في تعليقه على
مقالة جهاد الزين، وقد صارت الى ما صارت اليه من خراب، وما صار اليه اهلها من
بداوة، وقبل ذلك تذكّر بيروت وقد تزايدت معاناتها في
محاضرة له العام الماضي في مسرح المدينة مطلقاً احكاماً اعتبر كثيرون، انها اساءت
الى مدينة احتضتنه طويلاً، فكتب يقول:
"ليس لأحد أن يعلمني حب بيروت"، لذا لا ننتظر، جواباً مماثلاً
من أدونيس، بل نحب، أن يقول لنا، كيف نـخـرج مـن مـأزقنا، اذا كان لديه جواب، فهل
ننتظر منه ما يقال؟