بالون إيران
بالون إيران
نظام قم وسقوطه أمام أول اختبار لشعبيته
فيصل الشيخ محمد
انتخابات الرئاسة الإيرانية كانت بمثابة بالون اختبار لشعبية النظام الذي يحكم إيران منذ العام 1979، ومدى تماسك قيادييه وصلابة نظام ولاية الفقيه، المختلف عليه حتى بين الآيات التي أتت بالثورة وأزاحت الشاه.. فقد أثبتت هذه الانتخابات أن ما يفرق بين هذه النخبة التي تحكم إيران وراء يافطة الإسلام وولاية الفقيه هي أكثر بكثير مما يجمعها كما كنا نظن.
لقد استهوت الكثيرين مواقف إيران الصلبة في سعيها لامتلاك السلاح النووي ودخول ناديه من أوسع الأبواب، متحدية الغرب وأمريكا والمجتمع الدولي.. واستهوتها مواقف إيران تجاه إسرائيل والقضية الفلسطينية ودعمها للمقاومة اللبنانية وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، وإعلانها صباح مساء وبمناسبة وغير مناسبة (أنها ستمحو إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط) حتى راح البعض يتغنى باسم أحمدي محمود نجاد، وتطبع رسمه على القمصان، وتتداول صورته وتعلقها في صدر بيوتها ومجالسها، معتقدة أن تحرير فلسطين وإزالة إسرائيل من الوجود ما هو إلا مسألة وقت!!
بالون اختبار الانتخابات الرئاسية في إيران أبان المستور وأظهر الخفايا، وفضح ما لم يكن يعتقده الجميع أو يعرفونه عن جوقة التهريج التي تحكم إيران من داخل الحسينيات المغلقة النوافذ، والسراديب المعتمة.
مير حسين موسوي منافس نجاد في الانتخابات الرئاسية، هو واحد من أهم الوجوه النافذة والمؤثرة في الشارع الإيراني لما يتميز به من مصداقية وعقلانية وحيادية، فهو من القلة من رجالات الثورة، لم ينضم يوماً إلى أي حزب، كما أنه منذ انتهاء ولايته رئيساً للوزراء، لم يدعم أي رئيس جمهورية، وهو يشتهر بدعمه للطبقة الفقيرة التي أفرزتها الحرب الإيرانية - العراقية، وتداعيات سياسات نجاد المالية الموجهة إلى برنامجه النووي المكلف ومشروع التسليح الذي يعتمده، وبمواقفه العلنية المعارضة لسياسات أحمدي نجاد الداخلية والخارجية، وقد عمل مستشاراً له في أول سنة من رئاسته الأولى، ولم يحتمل البقاء في ذلك المنصب لطبيعة نجاد التي لا تقبل أي مشورة أو رأي يخالف توجهه ورأيه.
الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي عندما قرر الترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة، أسرع وسحب ترشيحه لصالح موسوي، معترفاً أن (موسوي الواسع الشعبية أكثر قدرة على تطبيق برنامج رئاسي مغاير).
استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات ورافقتها وحتى بعد إجرائها كانت كلها تؤكد على تقدم موسوي وحتمية فوزه الكاسح، وهذا ما دفع موسوي نفسه إلى إعلان فوزه قبل إعلان النتائج رسمياً، وذلك لثقته بالفوز، وثقته بالناخب الإيراني الذي مجَّ سياسة نجاد وجوقة الحكم التي تدير البلاد.
وعندما فوجئت الجماهير الإيرانية بإعلان فوز نجاد لم تستطع كبت مشاعرها، فخرجت بالملايين بعفوية إلى الشارع لتعلن عن غضبتها على نظام الحكم الفاسد الذي يزور الانتخابات ويتلاعب بأصواتهم، وسارعت الحكومة - في محاولة يائسة - إلى تطويق الجماهير والحيلولة دون انفلات الأمر من قبضتها، واستعملت في ذلك كل الوسائل العنفية التي أدت إلى موت عدد من المتظاهرين واعتقال الآلاف منهم، ولكن دون جدوى، فقد شاهدنا على شاشات بعض الفضائيات، كيف كان رجال الأمن يفرون لا يلون على شيء.. أو ينكلون ببعض من يتمكنون من الانفراد به من المحتجين وبشكل همجي ووحشي.
وأمام هذه الحالة سارعت الحكومة الإيرانية إلى إيقاف كل وسائل الاتصالات وتعطيل مواقع الإنترنت وحجب الفضائيات والتشويش على وسائل الإعلام المسموعة المحلية والأجنبية.. وذهبت أبعد من ذلك، فقد اعتقلت المئات من الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان، وطالت اعتقالاتها بعض الرموز الإصلاحية المعروفة والمؤيدة لموسوي، بتهمة التعامل والتخابر وتلقي الدعم من أعداء إيران.
وفي مقابل هذه الهجمة الشرسة لحكومة نجاد تعالت أصوات مؤيدة لموسوي ولنهجه الإصلاحي، جاءت من قم من أهم شخصية في ثورة إيران بعد الخميني (آية الله منتظري) المفروضة عليه الإقامة الجبرية في قم، والذي مُنع من خلافة الخميني بعد موته، وهو الأحق بمنصب المرشد الروحي للثورة الإيرانية، لأنه كان الرجل الثاني في الثورة وأقرب المقربين من خميني، كذلك أعلن مجلس صيانة الدستور أنه سيعيد فرز الأصوات في الصناديق المتنازع عليها، رافضاً إعادة الانتخابات، التي تطالب بها الجماهير الإيرانية وموسوي وأنصاره وعدد كبير من رموز الثورة الإيرانية والإصلاحيين.