سياق راسخ لا عبارة طائشة
سياق راسخ لا عبارة طائشة
حازم صاغيّة الحياة 2004/08/24
ليس محمد مصطفى ميرو رسمياً سورياً مئة في المئة. فهو رئيس وزراء سابق في بلاده.مع هذا، ليس في سورية كلام غير رسمي تنقله صحيفة «الاقتصادية». فكيف وان ميرو ظل رئيس حكومة حتى العام الفائت، وهو يترأس الآن مكتب العمال القطري، وقد قال ما قاله في لقاء مع القيادات النقابية في محافظتي حمص وحماه؟
أبعد من هذا، يمكن القول ان ميرو ما دام يصرح،
بل ما دام مقيماً في سورية خارج السجن، بل ما دام على قيد الحياة... فهذه كلها
إشارات الى انه «رسمي» جداً.
لكن ما الذي قاله ميرو؟ قال، بحسب ما نقلت صحيفة «السفير» اللبنانية، ان الدولة في سورية «تتجه نحو الاقتصاد الموجه»، بعكس الاعتقاد السائد بأن الاصلاح الاقتصادي السوري يهدف الى الاندماج في اقتصاد السوق العالمي.
كلام يقال بعد عقد ونيف على سقوط «الاقتصاد الموجه» في حصنه السوفياتي الحصين، وبعد عقدين على ابتداء تفكيك «الاقتصاد الموجه» في حصنه الصيني المنيع هو الآخر، وبعد استقرار النقاش بين يساريي الغرب على ان الخلاف اليوم لم يعد بين اقتصاد حر واقتصاد موجه، بل بين اقتصاد حر ذي وجه انساني وآخر حر بالمطلق. وللتذكير فقط، تعاني أحزاب اليسار الأوروبي التي تتولى مقاليد السلطة، من عمال توني بلير الى اشتراكيي غيرهارد شرودر الديموقراطيين، صعوبات بالغة في التوفيق، فيما تتزايد الأصوات التي تتهم بلير (ومؤخراً شرودر) بخيانة الوجه الانساني لمصلحة الحرية المتجهة نحو الاطلاق!
وأهم مما عداه ان كلام ميرو يقال بمعزل عن أطنان الورق التي كُتبت في وصف الآثار الرهيبة التي خلّفها «الاقتصاد الموجه» منذ أربعين سنة بعثية على حياة سورية!
والحال ان دمشق «لا تتجه» نحو الاقتصاد الموجه لأنها تقيم فيه قلباً وقالباً.
وكان تعويل البعض ان تسير نحو الانفتاح الاقتصادي، ومن ثم الحرية الاقتصادية. إلا ان كلام الرسمي السوري يوحي بأن بلاده تعاني الآن انفتاحاً وحرية غير محتملين، وعليها الانتقال الى... الاقتصاد الموجه. وهذا الافتراض اذا كان صحيحاً، سمح بترشيح النموذج الكوري الشمالي لأن يكون النموذج المختار لحياة السوريين!
بيد ان كاريكاتورية التعبير لا تخفي التراجع الذي يتم على غير صعيد، من الحريات الى السياسة فالاقتصاد.
وضمن هذا السياق سيكون من الصعب تفسير كلام ميرو عن «الانتقال من قطاع عام غير نشيط الى قطاع عام منتج» على انه من عيار غورباتشوفي، اصلاحي ومراجع من داخل الخط الاشتراكي نفسه.
ذاك ان الغورباتشوفية، ومرة اخرى من داخل السياق الأعرض، سحبت جيشها من افغانستان ورفعت غطاءها عن الأنظمة التابعة لها في أوروبا الوسطى والشرقية. هكذا انهار النظام البولندي وانهار حائط برلين وكرّت السبحة. لكن ميرو يقول ما يقوله في الاقتصاد فيما تدل المعركة الدائرة حول التجديد للرئيس اللبناني اميل لحود، ان دمشق الاشتراكية تشبه موسكو 1956 في سياستها الهنغارية، أو موسكو 1968 في سياستها التشيكوسلوفاكية اكثر من أي شيء آخر.
انها ليست عبارة طائشة، بل سياق متماسك يتجه بالجميع الى... الانتحار