هل يضع العرب استراتيجية محددة لتعاملهم مع الغرب
هل يضع العرب استراتيجية محددة لتعاملهم مع الغرب
بقلم: صلاح الدين الجعفراوي
المنسق العام للاستراتجية الثقافية في الغرب
الامين المساعد للمجلس العالمي للدعوة الاسلامية عن أوربا و الامريكيتين
الامين المساعد للمؤتمر الإسلامي الأوربي تحت إشراق الإيسيسكور
لليهود وجود عددي رمزي على ساحة أوروبا ولكن لهم تأثير سياسي واجتماعي واقتصادي قوي لا يتناسب مع الحجم العددي.
المسلمون الذين يبلغ تعدادهم عشرات الملايين في أوروبا وينتسب أكثر من 70% إلى أصول أوروبية عريقة كالتاتار والبوسنة والهرسك والسنجق والألبان وتراقيا الغربية والطربش والبوماك والأتراك والغجر..
استقرت منذ مئات السنين في جنوب وشرق أوروبا(القومية البوسنوية والسنجقية تنتسب إلى أصول سلافية أتت من بلاد الروس مثلهم مثل الكروات والصرب والسلوفين) ولهم امتداد روحي عريق مع أمتهم الإسلامية.. وإن ثلاثين بالمائة من هذه الجاليات تنتسب إلى عروق عربية وباكستانية وإفريقية مسلمة هاجرت واستقرّ بها المقام في أوروبا.
استطاعت دولة اليهود أن تستفيد من الوجود المتواضع لليهود في توجيه السياسة الأوروبية والتأثير على وسائل الإعلام والمؤسسات الاقتصادية.
صدَّرت بعض الدول الإسلامية العديد من الخلافات إلى الجاليات الإسلامية، وأدخلتها في صراعات بددت جزءاً كبيراً من الجهود، ورسخت لدى العقلية الأوروبية ما تحاول بعض وسائل الإعلام المغرضة إلصاقه بالإسلام.. بشكل غير حضاري دون إنصاف أو اتزان كالإسلام دين التطرف والإرهاب والأصولية.. وقد ساعدت بعض وسائل الإعلام العربية والإسلامية في تثبيت هذه الصورة عن غير قصد نتيجة بعض التصرفات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة في بعض الدول الإسلامية..
شدني إلى كتابة هذه المقدمة ما قرأته أثناء إحدى زياراتي لألمانيا في صحيفة (عصرنا) للكاتب أمين باريشي في الثامن من شهر إبريل حيث كتب تحت عنوان: "لماذا لم تقبل ألبانيا في المجموعة الأوروبية":
"خطط الرئيس رامز عاليا إلى فكرة دخول ألبانيا في منظمة المؤتمر الإسلامي وصادق على هذه الخطوة دون مناقشة داخل البرلمان الرئيس صالح بريشيا.. إن عدم مناقشة هذا الموضوع داخل البرلمان يدل على عدم قبول الشعب الألباني لهذه الفكرة.. بالإضافة إلى أن الدكتاتورية الشيوعية السابقة ساهمت في عدم تقبل الشعب الألباني لهذا الدين.. كما أن الإسلام دخل إلى ألبانيا بحد السيف من قبل الاحتلال التركي الإسلامي.. بالإضافة إلى القلاقل التي تعاني منها البلدان الأوروبية والغربية بصفة عامة هي من صنع التطرف الإسلامي الذي لم تأتِ بأي فائدة ملموسة.. ففي إطار القضايا العالمية لم تقدم هذه السلطة أي شيء في البوسنة –كوسفو- منطقة البلقان بصفة عامة.. كما لم تقدم أي شيء على المستوى الداخلي.. حيث إن القروض والمساعدات المقدمة من الدول الإسلامية إلى ألبانيا تعتبر لا شيء مقارنة بما قدمته أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.. كما أن استثمارات بلدان العالم الإسلامي مشروطة ببناء المساجد.. وبالمقابل فالاستثمارات بدأت تشارك في تقوية الاقتصاد الألباني، وأخيراً نرى أن سبب عدم قبول ألبانيا ضمن المجموعة الأوروبية هو عدم خروجها من منظمة المؤتمر الإسلامي.."
- انتهى حديث هذا الكاتب الذي ينتمي اسماً إلى الإسلام..
وإن كنت لا أريد الخوض في التعليق على هذا المقال المليء بالمغالطات للأسباب التالية:
1 – الإسلام دخل إلى مناطق البلقان قبل دخول الفاتحين الأتراك بمئات السنين:
أ – في إحدى مدن إقليم السنجق وجدت قبور يرجع تاريخها إلى عام 1316 ميلادية.
ب – في بعض مناطق البرماك بجنوب بلغاريا وجدت قبور يرجع تاريخها إلى عام 254 هجرية.. بل إن اسم "البوماك" (وهي قومية إسلامية في بلغاريا تعدادها يقارب المليون) معناها "الأنصار" باللغة البلغارية حيث أطلق عليهم هذا اللفظ بعد أن قاموا بنصرة إخوانهم الأتراك عند وصولهم إلى مناطقهم بعد مئات السنين من إسلامهم.
2 – القلاقل التي ذكر أن البلدان الأوروبية تعاني منها.. فقد بالغ في العدد وإن جرى قتل عدد من الأوروبيين في بعض الدول الإسلامية.. فهذا أمر مرفوض شكلاً وموضوعاً ولا يقره الإسلام بل يتنافى مع مبادئ الإسلام التي كفلت لكل الناس الحرية والأمان والعيش الكريم وإن أخطأ بعض المسلمين فمن الظلم أن نصف الإسلام بالإرهاب.. وإن تمادى بعض النازيين الألمان فمن الظلم أن نصف الشعب الألماني بالنازية وإن قتل بعض المسلمين في فرنسا فمن غير الإنصاف أن نصف الشعب الفرنسي بمعاداة الإسلام..
)ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا.. اعدلوا هو أقرب للتقوى( صدق الله العظيم.
ثم أريد أن يذكر لي أين قتل مئات الأوروبيين في أوروبا بأيدي المسلمين.. أم أنه بوق يردد كما رددت وسائل الإعلام عقب حادثة أوكلاهوما وجعلوا الجالية الإسلامية تعيش ثمانياً وأربعين ساعة في المخابئ حتى ظهر الحق بفضل الله تعالى رحمة ورأفة بنا..
ثم إن القلاقل في أوروبا ليست من صنع الإسلام.. فما دخل الإسلام بقضية إقليم الباسك في إسبانيا وما دخله بأحداث الصرب ضد الكروات والسلوفين وهل للإسلام دور في انفصال التشيك عن سلوفاكيا أم أن أعضاء الجيش الجمهوري الإيرلندي من المسلمين.. وهل جماعة بادر ماينهوف الألمانية تنتمي إلى عروق إسلامية.. وغيره كثير.
3 – دور منظمة المؤتمر الإسلامي واضح وإيجابي في أحداث منطقة البلقان رغم الحرج السياسي.
4 – لم تشترط استثمارات البلاد الإسلامية بناء المساجد لتنفيذ مشاريعها.. ولكن قضية بناء المساجد تقوم بها بعض الهيئات الخيرية الإغاثية الإسلامية والتي قدمت الملايين من الدولارات في هيئة مساعدات غذائية وثقافية واجتماعية.. وإذا علمنا أنه عند وصول أنور خواجة رئيس ألبانيا السابق إلى تيرانا في 28/11/1944 كان يوجد 1750 مسجد في ألبانيا.. وبعد انهيار الشيوعية استطاعت حوالي 18 هيئة إسلامية ترميم وإعادة بناء حوالي 45 مسجداً في خلال ثلاث سنوات أي أن هذه الهيئات تحتاج إلى أكثر من مائة عام حتى تعيد ألبانيا إلى ما كانت عليه منذ خمسين عاماً.
5 – إحجام الاستثمارات العربية والإسلامية عن المضي قدماً في ألبانيا نتيجة الدعاية السيئة من قبل وسائل الإعلام والأجهزة الغربية المختلفة بوصف المنطقة أنها غير مستقرة ومن العبث أن يستثمر فيها أموال.
6 – الاستثمارات الأوروبية عبارة عن مشاريع استهلاكية تستنزف ما تبقى من ممتلكات الشعب.. ولم تعمل على تقوية اقتصاد ألبانيا أو إنشاء المصانع الإنتاجية التي تدفع البنية الأساسية للأمام وتكفي حاجة الشعب من المنتجات المختلفة.
* فهل يضع العرب لهم استراتيجية محددة يستطيعون بها أن يستفيدوا من وجود الجاليات الإسلامية في الغرب لإيجاد مناخ أفضل في تعاملهم مع دول الشمال كما يقولون؟
* في هذا المضمار أضع بعض الاقتراحات التي أرى من الضروري الالتزام بها للانتقال بنا من هذا الوضع الشاذ..
أولاً: اقتراحات محددة للجاليات الإسلامية في أوروبا:
1 – إيجاد صيغة من التفاهم والتنسيق ثم الانتقال للعمل المشترك.
2 – الابتعاد عن الانتماءات الحزبية وعدم التقيد بمنظور حزبي محدود.
3 – الانفتاح على البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية.
4 – الانفتاح على المؤسسات الرسمية (السياسية البرلمانية وغيرها) في دول أوروبا.
5 – تتخلص بعض المؤسسات الإسلامية من حالة الفشل التي أصبحت صفة لازمة في عملها نتيجة الفساد الإداري والنظرة الحزبية الضيقة وتفشي الوساطة والتسيّب.
6 – التعايش الإيجابي مع المجتمعات الأوروبية وتشجيع أسلوب الحوار الاقتصادي.
ثانياً: اقتراحات للدول والحكومات العربية:
1 – عدم النظر إلى الجاليات الإسلامية على أنها شراذم هاجرت لطلب الرزق أو هرباً من الضغط السياسي واعتبار أنها قطاعات عريضة لها وجود منذ مئات السنين ولها طموح وتعتبر قطاعاً طبيعياً للشعب الأوروبي.
2 – دعم هذه الجاليات معنوياً وسياسياً عند توقيع العقود الاقتصادية والسياسية والثقافية.
3 – مد الجسور مع هذه الجاليات والمبادرة بالحوار والتعامل معها.
4 – التوقف عن محاولة ربطها ببعض الأحداث الأليمة في بلادنا وإن أخطأ بعض المحسوبين على هذه الجاليات.
5 – تشجيع الجاليات في إيجاد كيانات اقتصادية وثقافية وسياسية مؤثرة على الساحة الأوروبية.
وأتساءل: هل يدعى ممثل عن هذه الجاليات إلى بعض اجتماعات جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب لدعم هذا التوجه؟
1995\4\26
رئيس المجلس الإسلامي في ألمانيا
وأمين عام اتحاد المنظمات الدولية في أوروبا