مناورة يوم القيامة

صلاح حميدة

[email protected]

(لا نريد أن نخيف أحداً، ولكن على كل مواطن إسرائيلي، أن يتوقع حرباً في أي لحظة، وهذه المناورة تقوم على أساس أن الصواريخ ستقع على كل بيت) بهذه الكلمات تم تلخيص طبيعة أهمية ورسالة المناورة التي تنظمها دولة الاحتلال في الذكرى الحادية والستين لإقامتها، على لسان أحد قادة الاحتلال،والتي سيحضرها أكثر من سبعين ممثلاً من عدة دول في العالم.

يعتبر الكثيرون أن هذه المناورة العسكرية تعتبر من اكبر المناورات العسكرية في تاريخ الدولة العبرية، ويعتبر إطلاقها بمرافقة ترويج إعلامي وحضور دولي واسع نوعاً من الدعاية والترويج الإعلامي للقدرات العسكرية للاحتلال، وفي نفس الوقت لها من الأهداف الكثير، التي لا تخفى على الكثيرين في المنطقة.

فهناك من يرى أن هذه المناورات عبارة عن تهيئة فعلية لمهاجمة جميع أعداء دولة الاحتلال، بدءاً من حركة حماس، ومروراً بحزب الله وسوريا، وانتهاءً بإيران، ويعتبرون أن كل هذا الإعداد ليس إلا نقطة البداية لحرب شاملة وطاحنة تنوي (إسرائيل) شنها على أعدائها على طريقة صيد عدة عصافير بضربة واحدة، وأن هذه الحرب هي تعبير دقيق عن ما أعلن عنه نتنياهو من تحالف بعض الدول العربية الرئيسية مع دولته ضد إيران وما يعرف بمحور الممانعة أو المقاومة، وأن الظروف مواتية لبدء هذه الحرب.

ولكن هناك من يرى أن المنطقة على شفير الهاوية، بسبب رغبة مجموعة من المغامرين العنصريين الصهاينة، للخروج من مأزق المتطلبات السياسية في المنطقة في ظل رئاسة أوباما، ولذلك فهم يريدون القفز للأمام، وإقحام المنطقة والعالم في مجموعة حروب تلهي العالم أجمع عن مطالبة هذه الدولة بأي أثمان سياسية مقابل الجهد الرسمي الفلسطيني فيما يخص خارطة الطريق.

ولكن هناك أيضاً من يعتبر ذلك نوعاً من القلق، والتهديد المبطن للسلطات اللبنانية، التي تتهاوى تحت معاولها الأمنية العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية والتي من الممكن أن توصل لمعرفة الكثير من الأحداث الغامضة التي دارت رحاها في لبنان، وربما في المنطقة أيضاً، وربما تكون هذه المناورات مقدمة لاستباق أو إيقاف التحقيقات الجارية.

ولكن هناك من يسخر من هذه المناورات، ويعتبرها مجرد(ضجيج إعلامي) تريد منه الدولة العبرية أن تخيف به أعداءها الذين فشلت في كسر أضعفهم كحماس وحزب الله.

يعتقد بعض الدراسين لطبيعة الدولة العبرية ان هذه الدولة استخلصت العبر من مصير مملكة الفرنجة في فلسطين التي قضى عليها صلاح الدين الأيوبي، وبالتالي يرون أن ما يتم يقع في إطار ترميم الصورة الداخلية والخارجية للكيان، فمن الناحية الداخلية، يريدون إعادة صنع الصهيوني المتحفز المقاتل الدائم الشعور بالخوف من المحيط، وبالتالي المتحفز دائماً للعدوان، ويريدون أن يعيدوا تصنيع هذا المستوطن ليقوم بوظيفته التي جيء به ليقوم بها أصلاً، وهي العدوان على المحيط والاستمرار في هذا العدوان، فالكيان هذا لا يستطيع أن يعيش بسلام مع محيطه، وإذا ركن المستوطنون للدعة والراحة والسلام، وتركوا العدوان والقتل والتوسع، فإن هذا الكيان سيضمر ويموت، ولذلك اعتبر انكماشه في غزة وفي جنوب لبنان مقدمة لانكماش أكبر، ولذلك هم الآن يريدون التعويض في مناطق اخرى، ومن هنا يفهم انتخابهم للأكثر عدوانية وعنصرية، واعتبارهم أن السلام مع أكثر العرب قرباً لهم هو نقل للمعركة لساحة أخرى، فهم لا يؤمنون، ولا يريدون سلاماً يمنحهم كل شيء، مقابل ثمن بخس للعرب، وهذا ما لا يريد إدراكه المعتلين العرب!!.

وفي هذا الباب يرى الكثيرون أن هذا الكيان ليس إلّا كياناً وظيفياً يخدم الأجندة الاستعمارية الغربية، ولذلك فهو سعى لإحضار ممثلين من داعميه ليروا قدراته الهجومية والعدوانية في المنطقة، وأنه لا زال بمقدوره القيام بالدور الذي زرع من أجله، وهو يطلب منهم السماح له بمهاجمة أعدائه وأعدائهم على حد سواء، ولكن مشغليه في وضع لا يحسدون عليه في أفغانستان والعراق وغيرها، وهم لا يثقون بقدرة هذا الكيان على فعل المطلوب، بعد فشله في لبنان وقطاع غزة، ويعتبر هؤلاء أنه ليس بمقدور الكيان ولا الأدوات الرسمية العربية، بان يقوموا بالدور أيضاً، فكلهم ثبت عجزه وجبنه بالرغم من الحقن بالمال والسلاح والسياسة، وهم يرون أيضاً أنهم أنفسهم لن يستطيعوا احتمال تداعيات شن هذه الحرب.

(الدولة العبرية كانت تمارس قديما دور الكلب الذي يعضّ كل الجيران، ولكنها الآن تمارس دور الكلب الذي يزعج الجيران بعوائه فقط) هكذا عبّر أحدهم عن وضعها الحالي، ولذلك فهم غير قادرين على القيام بحرب لوحدهم، ولا حتى هجمة لوحدهم، وإن قاموا بالهجمة والضربة الأولى، فمن سيضمن لهم عدم الرد بعدها؟

فهم يعلمون أن أي عدوان على المنشآت النووية الإيرانية في الوقت الحالي، لن يمنع إيران من الرد العنيف، وهم هنا لا يعرفون حتى طبيعة الرد الإيراني، وأين سيتم، وهم وكل حلفاؤهم العرب والغربيون لا يملكون دفع ثمن ذلك، ولكن، هل هناك إمكانية لأن يقوم المغامرون العنصريون بالهجوم، بالرغم من أنهم عودونا أنهم يهاجمون ثم يعلنون، كما حدث في العراق وسوريا والسودان، بالتأكيد ممكن.

خيار شمشون

من المعروف أن خيار شمشون، اطلق على الخيار النووي للدولة العبرية، وهو الخيار الذي يتم من خلاله استخدام السلاح النووي ضد أعدائها في حالة قناعتها بأنها مقضيّ عليها لا محالة، وبالتالي تموت وأعداءها معاً، وقد ألفت كتب حول هذا الموضوع.

وبالرغم من أن الدولة العبرية لم تعلن ولا مرة عن اقتنائها لأي أسلحة نووية، إلا أنها حافظت دوماً على الردع الصامت لأعدائها، وتركتهم يتحدثون عن إمكانيتها ولازمت هي الصمت(سياسة الردع النووي)، بل إن هناك من ادعى أنها قامت بتجاربها النووية في جنوب افريقيا العنصرية وفي الهند، بعيداً عن الأعين.

وكان فخر الدولة العبرية دوماً بسلاحها الجوي الأمريكي الصنع، وسلاح استخباراتها الذي يتعرض الآن عملاؤه لأقسى ضربات عاشها الجهاز منذ نشأته.

هناك من يرى الأمور بمنظور آخر، فبعض المحليين والمتابعين، كالدكتور عبد الستار قاسم، يرى بان التفجير النووي في كوريا الشمالية، هو التفجير النووي الإيراني الأول، ويدللون علىذلك بالتعاون النووي بين الطرفين وبين سوريا، والاعتماد الكبير على الكتمان من قبل إيران، كما يدللون على ذلك بالمفاجآت التي تصدر عن إيران كل فترة، واتهامها بالتعاون مع دول أمريكا اللاتينية في تذخير برنامجها النووي باليورانيوم وغيره من الاحتياجات ذات الاستخدامين العسكري والمدني، و كذلك إعلانها مؤخراً عن تصنيع عقاقير مضادة للإشعاعات النووية.

بالرغم من أن هناك من يرفض هذا التحليل، ويعتبره مبالغاً فيه، كونه يعطي إيران أكبر من حجمها(حسب راي رواد هذا المنطق في التحليل)، إلا أن هناك من يرى أن النظام الإيراني دق أجراس الخطر بعد التحالف الإسرائيلي مع بعض الدول العربية، واعتبر أن المنطقة وإيران بالذات على أبواب حرب حاسمة، ولذلك كان لا بد من التهيئة لهذه الحرب التي لن يقبل من يشنها إلا بالحظوة برأس النظام الإيراني، فبعد عدم القدرة على التغلب على الأطراف-كما يرى البعض- لا بد من ضرب الرأس، ولذلك يرى هؤلاء أن النظام الإيراني أعد العدة نووياً ليحارب على قاعدة( خيار شمشون)، وبنفس أسلوب أعدائه، يقوم ببناء برنامج نووي سلمي أمام العالم، فيما العمل الحقيقي يتم بعيداً عن العيون، في كوريا وغيرها، فكوريا -حسب راي البعض- بحاجة للمال والطاقة والغذاء، وإيران تملكها كلها.

مما سبق، يتبين أن جميع الاحتمالات مفتوحة في المنطقة،ولكن إن تبين لأصحاب قرار إشعال الحرب أن إيران حصلت على السلاح النووي، أو وضعوا هذا الخيار بين الاحتمالات، فإن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من الصراع تختلف عن ما شهدته في السابق، وإن تمت مهاجمة إيران، وبأسلحة غير تقليدية -كما هو متوقع- فإن سيناريو حرب( يوم القيامة) سيقع في المنطقة، وسيتعدى كون الذي يجري مناورات ذات ضجيج إعلامي وحضور دولي إحتفالي.