أنفلونزا التخدير والتدمير الفلسطيني
عبد الحميد عبد العاطي
عضو صالون القلم الفلسطيني
حين يغرد الغراب في بلد القدس والسلام تهرب البلابل إلى جزر تعشق الحياة ، وحين نطهو الوقت بفنجان قصير القامة يقف الأنف متسائلا ..!، هل يستنشق رياح الضياع والغباء المنبعثة من فوهة الفنجان ؟ ، هل يشرب الدقائق وينهي يومه ككل الأيام المنصرمة ؟ ! ، اعتقد أن الإجابة تكمن في محل العطور والبخور ،فإذا ما قلنا انك ذهبت لشراء زجاجة عطر ولا تعرف نوع الماركة التي تريدها فيصبح البائع في حيرة بأمرك وسرعان ما يقدم لك أصناف الروائح حتى تفقد حاسة الشم ولا تميز بين هذه أو تلك ، وأخيرا تنظر بخجل للبائع وتقول:"هات اللي بتشوفه مناسب " فيبتسم البائع .
وهكذا الشعب الفلسطيني تكثر فيه روائح التنظيمات والصراعات والآراء المتكررة حتى أصبحنا لا نفرق بينها وبين سمك البحر ،وأيضا تكثر فيه موائد التعذيب والإذلال لأبناء شعبنا الواحد التي وان لم تكن من الاحتلال فهي وبدون خجل من أكباد دمك وحسبك ونسبك ،وتكثر فيه أشكال الفساد والمحسوبية وغريزة السيطرة والتفرد مما يؤدي إلى زعزعة القداسة الوطنية وعدم إيمان المواطن في قضاياه المصيرية وقدرة المسئولين على إدارة شؤون البلد .
إن استمرار الحصار ،وإغلاق المعابر ،وتلاطم الأزمات، وانتشار البطالة في حشوة المجتمع من عمال وشباب وخريجين ، وعدم قدرة الأسرة الفلسطينية على تلبية احتياجاتها ورغباتها أدي ذلك إلي البحث عن منافس أخري كما نري اليوم من عمل في الأنفاق التي فاق قتلاها 100 شهيد وغالبيتهم من الشباب ، وابتكار لغة هروب جديدة كتناول "حبوب الاترمال " التي تؤدي في نهاية المطاف للإدمان ، والتفكير بالهجرة واستماتت الوديعة الوطنية التي تركها الأجداد للمحافظة على الأرض والعرض ، وانتشار ظاهرة بائعي الطرقات من الأطفال ، ومصاحبة الخوف والتشتت وفقدان الثقة على اثر التفكير في جلسات الحوار التي لم تسفر لغاية ألان عن شئ ، وانشغال الساسة التفرد في التعليم والصحة والسلطة والحكومة والمعبر .. الخ .
إن كل المعطيات التي أسلفناها يجب أن نقف بجوارها علي بعد خطوة نملة ، وان نكون مع أنفسنا أكثر صراحة وعقلانية وجرأة ونقول: إن المستنفذون في حكم غزة غير موفقين في إدارة المهام والمسؤوليات لأكثر من مليون ونصف المليون مواطن فلسطيني .
ولذلك يجب إعادة النظر في كون الجسد الفلسطيني منقسم ، ويجب أن نسمح بالتعددية وهنا أتكلم عن الضفة وغزة بدون استثناء ، حيث أن الهم والاحتلال لا يقتصر على مساحة ارض محصورة من الوطن بل يجب أن نتذكر أن كل الوطن محتل ومحاصر ، فرائحة الزيتون واللوز والعودة واللاجئين وتطلعات الأمل والوحدة تجوب كل أزقة وحارات ومخيمات الوطن والشتات وإنها لا تفرق بين فتح حماس أو شعبية والجهاد ، وان كنا نختلف .. نختلف فقط في طرق تحرير الأرض لا في النزاع على السلطة والمحاصصة وان كان فيكم أحدا نبيلا فليترك كل هذا وليذهب للميدان في نفوس عاشقة للشهادة لا إلى المناصب الواهية .
فالوقوف عند حدود المعقول والمهم أمر يستدعي الملاحظة والانتباه قبل أن نكون فى دوامة العطور التي تحدثت فيها سابقا فى أول الاسترسال ،لقد أمسينا نراهن على العدد أكثر من التكوين فى جبهة المقاومة والتنظيمات وهذا الأمر فى غاية الخطورة ـ ولو لاحظنا ذلك فى الحرب الأخيرة لوجدناها خير دليل على صدق كلامي ، ومن هنا أطالب قادة فصائل المقاومة والأفرع السياسية بالنظر بعين الحكمة لواقع العدة والعتاد وكيفية ضرب الاحتلال بطرق إبداعية جديدة بحيث ننقل أجواء المعركة إلى الداخل بما يتناسب مع الأوضاع للشعب الفلسطيني ويصب فى المصلحة العامة، لا للمقاومة الغير مدروسة ولا تدرس ملحقات كل علمية التي نجني ومن الكم الكافي من الأهوال والويلات ، وأيضا أطالب الساسة بإفساح المجال إلى تبني عصر البناء والنهوض والتسامح وان نعرف حجم أنفسنا جيدا وان لا تختلط المكابرة مع الكذب فنصبح على ما فعلنا نادمين .
فبالأمس ودعنا يوم النكبة 61 وهنا نحن نقترب من نكسة 67 ونحن لا نعرف مكونات السياسة والمقاومة الغير ممنهجة والغير مدروسة ، ولا نعرف مكونات البناء والعلم الرشيد ، ولا نعرف مكونات الإعلام والتأثير على العالم ، وما مكونات المواطن الفلسطيني الذي سيدافع عن الأرض والقضية ، ولا نعرف مكونات التشرذم الحاصل ومن اين نبدأ وكيف سينتهي ..؟!، وللأسف أصبحنا نتجاهل القيم والأخلاق ومبدأ الأديان الداعي للسلام .
فالذي اخذ زجاجة العطر وهو لا يعرف نوع الماركة ولا حتى مكوناتها سيدفع الثمن غالي والرخيص بسبب بعض الأمراض المصاحبة مثل العمي والزكام والحساسية .
فأي ماركة أنت عليها ألان يا فلسطيني وعلى أي مبدأ تسير ..؟!!.