ولله في خلقه شؤون
ولله في خلقه شؤون
|
عبد الله زنجير |
نبايع ياسر الزعاترة مناضلاً بامتياز، وليس مفكراً بامتياز، فالتنظير له ركائزه المعرفية والاصطلاحية وهو حين يوجه نصائحه الوصائية للحزب الإسلامي العراقي (الحياة 4/5/2004) نجده ينطلق من مبررات وحواشي ارتدادية وآيدولوجية محافظة ليس الإقناع من أدواتها، بل هي حزمة مسلّمات فوق مستوى المراجعة والنقد، تكاد تخلو من تجليات الحوار والمرحلية.
لست محامياً عن الحزب الإسلامي في العراق، وإن كنت أتفهم رؤاه واجتهاداته، فهو جزء فعلي من الخريطة الفكرية والواقعية للعراق والأمة، وملاحظتي على الأستاذ الزعاترة إرادته المسبقة بمصادرة حق الحزب في اختيار مواقعه ومواقفه، لأن مقولة أهل مكة أدرى بشعابها هي فارغة برأيه، وكأن الإخوة الذين مثّلهم في المجلة التي تَرَأس تحريرها (فلسطين المسلمة) أنصتوا مرة لإلحاح الغيورين بضرورة إنجاح حوار القاهرة، وبتوظيف عمليات المقاومة حسب المصلحة العليا وليس حسب إمكانية التنفيذ، إنما هم تحالفوا مع من لم تجف أيديهم من دماء الفلسطينيين نكاية بياسر عرفات!
إن ما فعله الحزب الإسلامي في دخوله مجلس الحكم الذي يمثل جلّ العراقيين سنة وشيعة وعرباً وأكراداً باتجاهاتهم الفكرية الفاقعة، هو من صلب مسؤولياته الوطنية والأخلاقية والدعوية، وهو لم يقترف خطأً ليعتذر عنه، وليس قاصراً سياسياً ليتعلم من غيره أبجديات الوعي وممارسة النظرية.
والخلطة الذكية ما بين العواطف المتأججة وسننية صناعة النجاح هي التي دفعت خالد بن الوليد للانسحاب العسكري في مؤتة، عندما رأى خلل الكفة وفقدان التوازن وحاز على ذلك لقب (سيف الله) وراح السطحيون والبسطاء يحذفونهم بالحصى بحجة الفرار.
ثم إن هذه الأستذة في تلقين الثوابت لا صلة لها بالتواضع مع قضايا المصالح المرسلة، واحتكار الدين الذي يحث على المبادئ وحسن الظن، هو قفز على المقاصد والمقتضيات من أي مصدر صدر، وحين يحكم الكاتب بالصدمة النفسية على كل المنتمين للمدرسة الإخوانية لمجرد مشاركة محسن عبد الحميد وتياره في مجلس الحكم المؤقت، فهي ديماغوجية حتمية غير علمية.
أما أن الظاهرة الإسلامية لن تعرف عدواً أشد شراسة من الولايات المتحدة، فعليه أن يسأل المسلمين هناك وفي البوسنة وفي كوسوفو وفي الشيشان وفي الكويت إن كانوا يوافقونه الرأي، وأمريكا التي تخدم مصالحها ليتنا نتعلم منها ذلك لنعرف كيف نخدم مصالحنا نحن، كما أن ذهاب الحزب لمجلس الحكم أسبق من هيئة علماء المسلمين التي اقتحمت العمل السياسي لتمنع الاقتتال الطائفي المحتمل، وهنا نتساءل إن كان المستقبل بيد الذين يقاومون، ونحن لا نعرف لهم أي مشروع؟ ومع الاحترام للدوافع النبيلة عند ياسر الزعاترة، إلا أن الموضوعية وبعد النظر يقتضيان مقاربة تجربة الحزب الإسلامي العراقي لدعم مكتسباته بدلاً من التشكيك والوسوسة، والتخلف السياسي الذي نحياه بعد نصف قرن من الاستقلال والقطرية، هو ضريبة باهظة لن تنتهي مفاعيلها بالتحامل والتحريض.. وكما يقول محمد الغزالي: قلة الإنصاف تمزق الأرحام القريبة.