ميشيل كيلو.. طليقاً

افتتاحية النداء

ميشيل كيلو.. طليقاً

بعد خمسة أيام طويلة من انتهاء مدة الحكم على الشخصية الوطنية الديمقراطية الكبيرة الأستاذ ميشيل كيلو، أفرجت السلطات الحاكمة في سوريا عنه، وعاد إلى عائلته وبيته وأصدقائه، فأهلاً به حيث لم يكن غائباً أبداً.

 حين اعتقلت الأجهزة الأمنية ميشيل كيلو، وحاكمته بطريقة ظالمة وشكلانية، وحكمت عليه بالسجن سنواتٍ ثلاثاً، إنّما حرمت المجتمع السوريّ أحد أبرز مفكريه ومثقفيه ونشطائه، وحكمت عليه - من ثَمّ - بأنه لا يستحق الحرية والتقدّم، فاقترفت بذلك عملاً سوف يذكره تاريخنا الوطني.

لقد بنت السلطة موقفها من ميشيل كيلو على دوره في إصدار "إعلان دمشق- بيروت، بيروت- دمشق"، الذي كان محاولة جادة ومسؤولة من مثقفين ونشطاء سوريين ولبنانيين في تفكيك أسباب الخلل في العلاقات السورية اللبنانية، واقتراح المخارج المعقولة والعميقة لها. وقد تم لاحقا تجاوز التوترات الحاصلة بين البلدين الشقيقين، وتعزيز الاحترام والتعاون المتبادل بينهما على مختلف المستويات وصولا إلى افتتاح السفارتين ، وحتى مستوى المثقفين وقادة الرأي في مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية. الأمر الذي أثبت صواب المبادرة وحسن تدبيرها، وأنها انطلقت من مفاصل وطنية وعضوية، لتعبر عن مساهمة المجتمع المدني في تحقيق مقولة شعب واحد في بلدين.

 وكان الاعتقال غريباً عجيباً، ليس انطلاقاً من بداهة الوثيقة الموقعة آنذاك وعقلانيتها واعتدالها وحسب، بل أيضاً في الملابسات التي أحاطت بالمحاكمة والتشويهات التي رافقتها، وأخيراً في وقف الإفراج عن ميشل كيلو عندما لم يتبقّ من مدة حكمه إلاّ ربعها، الذي تتيح الأنظمة والأعراف إعفاءه منه. وفي ذلك سؤال كبير سوف يبقى بحاجة للتوضيح والجواب من قبل المعنيين والمتدخلين والمسؤولين عن الأمر.

 سوريا لا تستمدّ قوتها من حكومتها وأجهزتها وحدهما، بل من شعبها ومجتمعها ومواطنيها، وهي حينذاك وحسب تكون الدولة الوطنية المنشودة، بما يعنيه المفهوم من مضامين حديثة وتقدمية. وقد تمت وتتم استدامة عللها وحالتها من قبل حاكميها، حتى عمّ الإحباط والضعف وازداد صعوبةً على العلاج. إلاّ أننا واثقون بقدرة شعبنا على النهوض والمشاركة في مواجهة واقعه، والنهوض إلى مستقبله الأفضل.

 من أجل ذلك يحتاج أولاً إلى حرية رياض سيف ونجاته من مرضه، وحرية فداء الحوراني ورفاقهما المحتجزين  وراء القضبان جميعاً، ليس لما يمثلونه لشعبهم وحسب، بل لإتاحة فسحة ونافذة ينفذ منها الهواء المنعش وعودة التفاؤل والإرادة إلى بلادنا التي تستحق أفضل مما حاق ويحيق بها.

رغم ذلك، فإن إطلاق سراح ميشيل كيلو كان خطوة نحو إنهاء الظلم الذي أوقع على الرجل، وننتظر أن تستتبع بخطوات أخرى، أقلها الاعتذار من مفكر بحجم ميشيل كيلو، ونتمنى أن تكون دافعاً ومناسبة للسلطة لتعيد النظر في سياساتها الأمنية، فتُتبع هذه الخطوة بخطوات أخرى أصبحت ضرورية؛ بل حيوية؛ لمواجهة أزمة البلاد ومتطلباتها المستقبلية، فتفرج فوراً عن جميع المعتقلين السياسيين في البلاد وفي مقدمتهم قيادات إعلان دمشق، وتفتح الطريق إلى حرية الرأي والتعبير، ومساهمة المواطنين جميعاً في مناقشة وصناعة الخيارات والحلول للركود والاستعصاء الراهن.

 كلّ شيء يثبت أن التحول التدريجي نحو الديمقراطية هو السبيل الوحيد، لإخراج سوريا من أزماتها،  وأن الجنوح إلى السلم والحوار الشامل المفتوح نقطة البداية إلى ذلك، فلماذا يضيع المزيد من الوقت، ولماذا لا يتوقف الاستخفاف بالعقل والإرادة والوحدة الوطنية؟!

 ميشيل كيلو كان حراً في محبسه، وعاد حراً يحلّق من جديد، وقادراً على رفد الحركة الثقافية والسياسية في بلادنا بقدراته المتميزة، وعلى جري عادته دائماً. هذه تهنئه له ولعائلته ولأنفسنا وبلادنا بحريته،

 مرةً أخرى: أهلاً وسهلاً بك بين رفاقك وأصدقائك..